أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - انغير بوبكر - الاسلام السياسي : مقاربات نقدية















المزيد.....



الاسلام السياسي : مقاربات نقدية


انغير بوبكر
كاتب وباحث مغربي مهتم بشؤون الديموقراطيةوحقوق الانسان


الحوار المتمدن-العدد: 1374 - 2005 / 11 / 10 - 10:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"لقدكان الناس وسيظلون أبدا في حقل السياسة ضحايا ساذجة يخدعها الأخرون ،بل ويخدعون أنفسهم ما لم يتعلموا استقراء المصالح الطبقية بين أسطر الخطب والبيانات والمواعظ والدعاوى الدينية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية ." لينين -المؤلفات الكاملة -المجلد 23 ص 47.
تـــــــــــقد يـــــــــــــــــــــــــم
اسفرت الاحداث الارهابية التي استهدفت عددا من عن مقتل العديد من الابرياء ، وهددت حرية وامن الشعب المغربي و اعطت مبررات اخرى اضافية لدعاة الرجعية ،للتأمر على مطامح المغاربة في التغيير الديموقراطي المنشود ، و تهديد الحريات والمكتسبات الديموقراطية المراكمة بفعل تضحيات جسيمة خلال عقود من الزمن ،خبر من خلالها المناضلون المغاربة الديموقراطيون والتقدميون المنافي والاقبية والسجون ، وهاهي هذه الهجمات الارهابية تؤكد لمن لايزال في حاجة الى دليل ان الاسلام السياسي لم يكن ،وفي العالم اجمع الا احد معوقات الديموقراطية ،طالما شجعته واستفادت منه الانظمة الرجعية المحلية والامبريالية العالمية ،في تعطيل التنمية والديموقراطية و تقرير المصير على كافة الاصعدة.
تورط الاسلام السياسي في هذه الهجمات الارهابية لم يكن مفاجأة للعارفين بتاريخه الدموي الحافل بالاغتيالات السياسية والتصفيات الجسدية والتفجيرات التي تستهدف في معظمها المدنيين الابرياء وكمثال على ذلك لا الحصر تفجيرات الدور السينيمائية في الاردن والمتاحف في مصر في حادثة الاقصر الشهيرة و جربة التونسية يضاف الى ذلك محنة الاقتتال الداخلي الجزائري والذي تورط فيها الاسلاميون بشكل مفضوح وانتهكوا حرمات المنازل واعراض المدنيين وقتلوا الاطفال والشيوخ واغتصبوا النساء في حوادث مروعة وبعيدة عن كل التعاليم الدينية السمحاء في الديانات كلها ومتناقضة مع روح كل المواثيق الدولية لحقوق الانسان ،.كما ان الاسلام السياسي اشتهر بالتصفيات الجسدية لعدد من الكوادر التقدمية و التي ناضلت من اجل التحرر الوطني ومن اجل تحرير الانسان من الاستيلاب بكل اشكاله وتجلياته ومن اجل الديموقراطية والعدالة الاجتماعية واشاعة الوعي النقدي.. لكن اصحاب ثنائية الخطاب المقدس( أي خطابهم) والمدنس( أي خطاب من خالفهم الرأي) لم يقابلوا الكلمة بالكلمة انما قابلوها بالقمع والاقصاء وبالرصاص،ويكفي ان نذكر اغتيالهم المهدي عامل،حسين مروة،فرج فودة ، معتوب لونيس ،......
هذا الموضوع يستهدف اذا وضع الاسلام السياسي تحت مجهر التحليل ، خصوصا مع التحديات الخطيرة التي يفرضها التغلغل الاصولي المتطرف في مجتمعاتنا المعاصرة - مع تعثر قوى التحرر والتحديث في المجتمعات العالمية المعاصرة وخاصة العالم الثالث الذي يشكل خزانا استراتيجيا للتطرف الاصولي العالمي- ، ويستهدف كذلك تعبئة كافة الطاقات والامكانيات من اجل تعقيم نسل الارهاب بمعالجة تحليلية للشروط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية المولدة له بعيدا عن الاسلاموفوبيا التي انتجت ،المقاربة الامنية القمعية التي لن تجدي في معالجة مثل هكذا ظاهرة .فالتعاطي الشمولي مع الظاهرة الأصولية بمعرفة ماهيتها ومرتكزاتها وأدبياتها ،سيمكن من فهمها وبموازاة عملية الفهم هاته ينبغي اقرار حق المشاركة السياسية الفعالة لكافة المغاربة وافساح المجال لهم للتعبير عن آرائهم ورفع المظالم عنهم و تبني تحليل علمي في التعاطي مع الارهاب-(بعيدا عن منطقي المؤامرة والانتقام- قادر على فهم هذه الظاهرة والتصدي لها . ان العدل الاجتماعي وتحسين الشروط المعيشية اقتصاديا ،نشر الفكر العلمي وتطوير المناهج التربوية بما ينسجم مع ما راكمه العصر من علوم وتكنولوجيا واشاعة ثقافة الديموقراطية والمواطنة و حقوق الانسان والنقد الموضوعي البناء للقيم والتراث واقرار التعددية السياسية الحقيقية واشاعة الحريات الفردية والجماعية و اقرار دستور ديموقراطي شكلا ومضمونا يحمي الحريات ويبرز فصلا واضحا للسلط ويصون استقلال السلطة القضائية ،ويقر بمساواة الرجال والنساء في كافة الحقوق ،ويؤكد فصلا قاطعا وجليا للدين عن الدولة في اطار إقرار الهوية العلمانية الديموقراطية للدولة المغربية . هذه هي بعض الشروط التي من شأن تحقيقها المساهمة في اجتثات الفكر والممارسة الارهابيين . مع العمل دوليا بالطبع من اجل دمقرطة العلاقات الدولية بما يسمح بحق الشعوب في تقرير مصائرها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في اطار منظمة الامم المتحدة اكثر فاعلية واستقلالية .
فإذا كانت الحركة الاصولية اصلا بنتا للتطور التاريخي للمجتمع أي هي نتاج فراغ المعترك السياسي بفعل عوامل عدة كان من بينها بالطبع استخدام الانظمة الرجعية لهذه القوى- ليس من اجل كبح جماح اليسار الراديكالي او حتى الليبرالي في مرحلة ما فحسب ،بل لإعاقة التنمية والديموقلراطية بصفة عامة-،فإن تغلغلها السرطاني في المجتمع قد يعصف بهذه الانظمة كذلك فيما يعرف بانقلاب السحر على الساحر كما وقع عندما انقلب المجاهدون وحركة طالبان من بعد ذلك (البنت الشرعيةلزواج المصالح الباكستانية مع المصالح الامريكية .عندما اقتضت المصلحة القضاء على الاتحاد السوفياتي) على حاضنتها ،اي الولايات المتحدة الامريكية .
بالاضافة الى ما أملته الاحداث الارهابية التي استهدفت المغرب وعدد من الدول ،من ضرورة تناول الاسلام السياسي ،
تأتي ملحاحية مناقشة هكذا موضوع كذلك في سياق دولي راهن يتميز ببروز ملحوظ لقوى الاسلام السياسي كرقم وازن في المعادلة السياسية لبلدان كثيرة مع حصول الاحزاب الاسلامية على نسب مهمة في الانتخابات التشريعية التي حصلت في المغرب وباكستان والبحرين وتركيا وغيرها من الدول التي يعتبر فيها التيار الاسلامي عنصرا مهما في التركيبة السياسية ،مما يستوجب طرح اسئلة تحليلية عن ماهية هذا المشروع السياسي الذي أسر أصوات الناخبين والذين علقوا عليه آمالا عريضة لتحقيق "الدولة الإسلامية " التي ستغمر الدنيا "سعادة وعدلا ".ان هذه المقاربة، مساهمة متواضعة بناءة للمعرفة السياسية بالمشروع السياسي للإسلام السياسي ولا تتغيأ الإجهاز على حق أي طرف سياسي في التعبير عن رأيه بكل حرية بقدر ما تستنير هذه المقاربة قدر المستطاع بمنهج فهم الموضوع وتحليله لا رثائه او مدحه،فإذا كان صادق جلال العظم يقول : (( جئت لا لأمتدح العولمة او لأهجوها او لأدفنها حية او ميتة بل لأفهمها.))(1) فإن هذه المقاربة جاءت لفهم عميق لظاهرة الاسلام السياسي بعيدا عن ثنائية التقديس و التشهير المجانيين ،. وهكذا فالخطة المنهجية في تناول الموضوع ترتكز على ثلاث مداخل لظاهرة الاسلام السياسي :
1- مدخل مفاهيمي :وفيه استعراض لآراء العديد من الباحثين ،مع خلاصة مفاهيمية تركيبية.
2-دراسة بعض اسباب بروز تيار الاسلام السياسي او ما يصطلح عليه بالمد الاسلامي او "الصحوة الاسلامية ".
3-محاولة نقدية لبعض طروحات الاسلام السياسي بالتركيز على مواقف حركات الاسلام السياسي من اربع قضايا : المرأة-حقوق الانسان -التعدد اللغوي والثقافي (موقف الاسلام السياسي من الامازيغية نموذجا) -الديموقراطية والمشاركة السياسية -. وترتيب هذه القضايا لا يتعلق بأهمية قضية دون اخرى ،حيث ان لها كلها نفس القدر من الاهمية.)
1)- مدخــــــــل مـــفــــــــــاهيمـــــــــــــــي للإســــــــــــــلام السياســـــــــــــــي:

افتتح الدكتور فرانسوا بورجا -احد المتخصصين في الحركات الاسلامية-كتابه المعنون بالاسلام السياسي صوت الجنوب - دراسته للإسلام السياسي بطرح اشكالية التسمية ،بل عنون الفصل الأول بالتشدد الاسلامي والأصولية والإسلام السياسي (حول صعوبة التسمية) يقول الدكتور مناقشا مفهوم الاسلام السياسي :"اذا كان مفهوم ((الاسلام السياسي)) islamisme)) يفرض نفسه شيئا فشيئا ،فهو لم يعد يصلح -كما تحدد معناه -لتغطية جميع المواقف الاجتماعية او الممارسات التي ترتبط او تتأثر بالدين الاسلامي .ولكن التمييز ليس حادا ،فما زالت الظاهرة مرتبطة -الى حد ما- بهذه الأسماء ،لأن هذه الأسماء وإن كانت لا تشير الى الاسلام السياسي بطريقة شاملة تبرز بعدا من أبعاده أو اتجاها من الإتجاهات التي تنتسب إليه .وفي مقابل محاولة فهم ظاهرة الإسلام السياسي من خارجها من أجل التوصل الىمنطق هذه الظاهرة ،يقوم أتباع التيار الإسلامي أنفسهم بمحاولة تقديم تفسير وتحديد لاتجاههم وكثيرا ما تتداخل هاتان العمليتان ويبدو هذا التداخل أكثر وضوحا في رفض الإسلاميين للأسماء التي تلصق بهم."(13) ويورد الكاتب تعريفا للإسلام السياسي قام به الدكتور راشد الغنوشي -مؤسس حركة النهضة التونسية -المعارضة للنظام التونسي -يقول فيه "أقصد بحركة الاسلام السياسي ،ان نعمل على تجديد فهم الإسلام .وأقصد أيضا هذا النشاط الذي بدأ في السبعينات والذي كان ينادي بالعودة الى أصول الإسلام ،بعيدا عن الأساطير الموروثة عن التمسك ((بالتقاليد)).(14)
وقد اقترح الدكتور فرانسوا بورجا تعريفا مدققا للإسلام السياسي :"انه اللجوء الى مفردات الإسلام الذي تقوم به في بداية الأمر الطبقات الإجتماعية التي لم تستفد من مظاهر التحديث الإيجابية (مع العلم انها ليست الوحيدة التي تقوم بذلك ) والتي تعبر عن طريق مؤسسات الدولة -او في الغالب ضدها -عن مشروع سياسي بديل لسلبيات التطبيق الحرفي للتراث الغربي ،وهي بذلك تسمح -عن طريق ايجاد مصالحة بين رموز الثقافة المحلية والثقافة الغربية -بتوظيف العناصر الأساسية فيما يطلق عليه التراث ((الغربي)) .ومن الممكن الربط بين التيارات الاسلامية المختلفة في اطار منظومة تفسيرية واحدة للتاريخ ،رغم تنوع أشكال التعبير عن تنظيماتهم (المجموعات الصغيرة ذات القواعد المحلية او التشكيلات الدولية ) ورغم تنوع المواقف في المجال السياسي (حركات سرية او معترف بها ،حركات معارضة او حتى تيارات تعبر عن ذاتها عن طريق مؤسسات الدولة ،كما هو الحال في إيران) ورغم تنوع قاعدتهم الاجتماعية وأساليب عملهم (من الدعوة الدينية في المساجد الى النشاط السياسي الشرعي ،مرورا بالنشاط الاجتماعي ،دون ان ننسى العنف الذي لا مفر منه ،ولكن دون ان نبالغ في قيمته ايضا)."(15) الباحث ركز في تعريفه على واحدية الحركات الاسلاميةفي المرجعية السياسية والفكرية واسلوب الدعوة لأفكارها وهو بذلك يجيب عن تساؤل طرحه قصد البحث فيه وهو : الاسلام السياسي ام أشكال مختلفة للإسلام السياسي؟ المستشار محمد سعيد العشماوي في كتابه التحليلي (الاسلام السياسي) لم يعط تعريفا محددا لحركات الاسلام السياسي الا انه اشار الى ما يمكن ان يستشف منه انه عمل الحركات الاسلامية كتسييس الدين او تديين السياسة حيث يقول الاستاذ في مقدمة كتابه :"لكل أولئك فإن تسييس الدين او تديين السياسة لا يكون الا عملا من اعمال الفجار الاشرار او عملا من اعمال الجهال غير المبصرين ،لأنه يضع للإنتهازية عنوانا من الدين ،ويقدم تبريرا من الآيات ،ويعطي للجشع اسما من الشريعة ،ويضفي على الانحراف هالة من الإيمان ،ويجعل سفك الدماء ظلما وعدوانا ،عملا من اعمال الجهاد ."(11) الدكتور العشماوي في نظرته هاته يعتبر ان كل الحركات التي تخلط بين الدين والدنيا انما تبشر بمجتمع يتم فيه تقتيل البشرية باسم قيم الاديان ويعم فيه الاستبداد والظلم باسم الشريعة ولكم من الامثلة المهمة التي استشهد بها الدكتور العشماوي لتأكيد رأيه :"وفي حمى الصراع السياسي الذي غلب على التاريخ الاسلامي ،والذي اتشح بالدين وتسربل بالشريعة ،ذابت قيم الاسلام السامية وامحت مثل القرآن العليا ،وعاد المسلمون القهقرى الى أخلاقيات الجاهلية وسلوكيات ما قبل الاسلام ،من اعتزاز بالعصبية القبلية ،وتفاخر بالجاه والنسب ،وتقاتل على عروض الدنيا ،وتصارع من اجل تأويلات لفظية أو خلافات شخصية او أشياء تافهة ،وإشباع الشهوات وإغراق في الملذات ،وحل للحرمات -حتى حرمات الموتى ،وتمثيل بالجثث وعقاب للرفات -للتشفي وإذهاب الغيظ الدفين. فعندما قتل عثمان بن عفان أبى قاتلوه أن يدفن في مقابر المسلمين واعتدوا على الجثة حتى كسر ضلع منها ،ثم دفن عثمان في مقابر اليهود حتى اذا ما ولى معاوية أمر الخلافة أضاف هذه المقابر الى مقابر المسلمين. وقد مثل قتلة الحسين بن علي بجثته ،وهو سبط النبي .وأخرجت جثة زيد بن علي زين العابدين بعد دفنها وصلبت امام الناس حتى تحللت ."(12) الاحداث التاريخية المتعلقة بالتاريخ الاسلامي التي ذكرها الاستاذ العشماوي في كتابه ، دليل على خطورة استغلال الدين لمآرب سياسية ومن هنا اهمية فصل الدين عن الدولة وهذا محور لاحق يستحق لوحده فصلا كاملا.
الباحث مصطفى حجازي قام في تعريفه للأصولية الاسلامية بالمماثلة بينها وبين أصوليات اخرى -البروتستاننتية والكاثوليكية- من حيث اشتراكها معهم في التمسك بالحالة الماضية المثالية (بما هي الفردوس المفقود الذي يجب استعادته ) ، ورفض آفات الحاضر وفساده ،وتمسك بسلوك متزمت في التعاليم والشعائر وتطبيقها ،يقول الاستاذ مصطفى حجازي ،واصفا خصائص الاصولية :((تقوم الاصولية اساسا ،ضد ما تعتبره تفريطا وتخادلا وتهاونا ،وبالتالي ضياعا للهوية ،وقصورا عن فرض الاحقية . وهي في هذا تقوم ضد الانفتاح والاعتدال و التعددية .ولا تقتصر على قيامها ضد الخارج ،بل هي ايضا توجه ثورتها ضد الداخل (المقصر والمفرط بالحق القاطع) من هنا لا تنصب اعمال العنف على الغير فقط ،بل تطال الداخل في تخاذله وتقصيره وميوعته وخيانته .))( *****)
الباحث حجازي يعرف الحركات الاصولية بأنها الحركات التي تكفر الداخل والخارج وتنظر للتقوقع على الذات ،وتعبر عن مواقفها هاته بشعارات مبسطة ومكثفة قطعية اليقين غير قابلة للفحص والتدقيق ،فتستعيد الاصولية شيئا فشيئا العصبية كلازمة لحشد الانصار والمتعاطفين .
يعرف الدكتور رفعت السعيد الاسلام السيا سي بأنه :"كل محاولة لإقحام الدين في التعاملات الدنيوية للأفراد والجماعات وهو
الأمر الذي ينأ ى بالإسلام عن كونه "كليات " دون التعرض لجزئيات الحياة وهو ما يتجسد في العصر الحديث في فكرة "الدولة الدينية".(2)
وفي معرض دراسته للإسلام السياسي يركز على ثلاث مسائل رئيسية : الأولى ان الاسلا م كدين يهتم بالكليات لا بالتفاصيل الذي اقحمه فيها الاسلام السياسي .الثانية ضرورة التمييز بين العنصر الإيماني في الدين وبين تصاعد او هبوط نشاط الجماعات الاسلامية ،فهما عنصران غير متلا زمين فقد ينمو الوعي الديني بينما ينكمش نشاط الجماعات الاسلامية وفي هذا الاطار يقول الدكتور رفعت :"من هذه الزاوية (من زاوية التفريق بين الوعي الديني ونشاط حركات الاسلام السياسي) يمكن ان نقرر ان جماعات الاسلام السياسي الذي تتجه جميعا اتجاها متطرفا لا تعني على الإطلاق انها تمتلك جرعة إيمانية أزيد من الآخرين ،فالتطرف الديني شئ يختلف عن التدين ،وهو تحديدا ليس جرعة زائدة من التدين ،بل هو موقف سياسي اجتماعي طبقي محدد .....وهي جميعا وفي الممارسة الواقعية ساندت وتساند نمط الانتاج السائد ولم تر أي ضير في استمراره بشرط ان يلتزم الجميع رأسماليون وعمال بتعاليم الجماعة ،او ما تراه هي أنه تعاليم الدين. نحن اذن وباختصار ،امام دعوة رأسمالية لكنها ترتدي جلبابا ابيض وعمامة وتطلق لحية ."(3) المسألة الثالثة التي تناولتها دراسة الاستاذ الباحث هي طموح الاسلام السياسي في تكوين دولة دينية ترتكز على قراءة نصية للنصوص وهي بكل تأكيد دولة تنكر كل منجزات الحضارة الممتدة من عصور ماقبل الاسلام الى الى يومنا هذا و تطمح الى حالة من الارتداد النفسي للماضي كتعبير عن حالة من العجز عن التكيف مع الواقع بسبب من تعارض الواقع مع النص .و يبين الاستاذ ذلك جليا في قوله "هذه الجماعات لا تمتلك تصورا محددا للمستقبل ،فهي اذ تستعيد الأسماء والشعارات والزي والرؤية والممارسات فإنها تعتقد ان ما سيطبق من نظام اقتصادي واجتماعي (في حالة استلامهم السلطة) هو ذات ما كان مطبقا أيام الرسول والخلفاء الراشدين ،وهم لا يرهقون أنفسهم في استجلاء تفاصيله لأن التفاصيل قد تبدو غير ملائمة للتطبيق اليوم (وهذا طبيعي تمام) ...نجد انفسنا امام نص عام ،لا يحدد بالضبط تفاصيل او حتى عموميات نهج الدولة التي يريدونها ولا النظام الذي ينشدونه .ومن ثم فإننا نجد انفسنا امام ما يمكن تسميته "بالاسلام المعلب" فإنهم يتصورون ان استلامهم السلطة يكفي وان ثمة شريط فيديو معبأ فيه كل ما يجب أن يجري وما يجب ان يكون :يضعون الشريط في الجهاز ويدور دولاب الدولة وفق ما يعتقدون."(4) ورغم الانتقاد الشديد الذي وجهه الاستاذ رفعت السعيد لرواد الاسلام السياسي فإنه نوه ببعض الاقطاب الاسلاميين كجمال الدين الافغاني الذي قال عنه :"فالأفغاني فهم الدعوة الاسلامية فهما جيدا ،وعلى وجه صحيح ،فهي دعوة من اجل الانسان :حريته وتقدمه وسعادته ...ومستقبله المرتبط بمجار اة روح العصر ومنجزات العلم الحديث" (5) لكن مع طرد الأفغاني من مصر وتولي محمد عبده ريادة" النهضة الاسلامية" بالبلد بدأمسلسل ارتداد التنوير الاسلامي في مصر ولذلك قال عنه الاستاذ رفعت :"لكن الشيخ لم يكن كأستاذه في ربط العقل والعلم والتجديد بمعارك الناس اليومية ،ولعله استلم القيادة في أيام صعبة ،تتطلب حسما ثوريا لم يستطع الشيخ ان يفعله "(6) فعنوان دراسة الاستاذ للاسلام السياسي :-الاسلام السياسي من التطرف الى مزيد من التطرف -كانت تعبير عن خيبة امل الاستاذ في التطورات اللاحقة في فكر الاسلاميين وخاصة المصريين منهم .
اما الدكتور سمير أمين فيرى ان الحركات الاسلامية ،حركات دينية بالمعنى الصحيح للكلمة .وبالتالي فإن نعتها الشائع بالأصولية ،تسمية خادعة وغير دقيقة ،وفي اطار تعريفه لهذه الحركات يقول :"فالحركات الاسلامية هي حركات سياسية و لا غير ،وبالتالي فإن تسميتها الصحيحة هي "حركات الإسلام السياسي " دون إشارة الى مضمونها العقائدي المحتمل ،ان وجد ،إذ يقع مركز اهتمام هذه الحركات في مجال الشؤون السياسية للمجتمع فقط .بل إن الإسلام السياسي لا يتسم في هذا المجال الأخير نفسه بروح من الإبداع الخلاق .وإنما يكتفي هنا بالدعوة الماضية الىالعودة لأشكال من نظم الحكم سادت في العالم الاسلامي في إطار الدولة العثمانية والسلطات الأخرى المختلفة قبل ان يفككها التوسع الرأسمالي الإستعماري الحديث ."(7)
الدكتور سمير امين في تعريفه هذا يحيلنا الى قضية بالغة الأهمية وهي علاقة حركات الاسلام السياسي بالابداع والاجتهاد .او بمعنى من المعاني ماهي القيمة المضافة معرفيا او اجتماعيا او قيميا التي اضافتها هذه الحركات ،مساهمة منها في تقويم اختلالات البنيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبلداننا ؟ او هل يمكن ان نتحدث عن لاهوت التحرير يركز على الدين الاسلامي في سعي حثيث نحو التقدم والانعتاق بشكل مماثل لما تم به استثمار الدين المسيحي في النضال ضد الاستعمار والامبريالية في أمريكا اللاتينية في اطار ما سمي بلاهوت التحرير .الدكتور سمير أمين يشكك في امكانية ان تكون هذه الحركات الاسلامية حاملة لمشروع تحرري يمكن ان يطلق عليه بلاهوت التحرير ويقول :"ففي واقع الأمر لاتهتم هذه الحركات بالعقيدة الدينية بالدرجة التي ينتظر من علماء الدين أن يهتموا بها .فلا تقدم جديدا في هذا المجال ،بل تكتفي بالمفاهيم والممارسات والطقوس السائدة بشكل خاص في المجتمعات الإسلامية كما هي .علما بأنها تطلب من الشعوب المعنية ان تحترم هذه الممارسات والطقوس احتراما حرفيا .فليس لتلك الحركات إذن طابع مشابه لما هو عليه في "لاهوت التحرير" عند بعض المسيحيين ،في أمريكا اللاتينية خاصة ."(8) الدكتور محمود أمين العالم
يرى ان الحركات الاسلامية هي تلك الحركات التي لا تقيم فصلا موضوعيا بين ماهيتين مختلفتين ،ماهية الدين وماهية السياسة وبالتالي فهو يتهمها بالاستفادة من هذا الخلط المتعمد والمشترك بينها وبين انظمة عديدة استبدادية حكمت باسم الدين وقامت بفظائع ومجازر كبر ى في حق شعوبها ،يقول الد كتور العالم :"إن إتخاد مطلق الدين عنوانا لسياسة -كشعار الإسلام هو الحل مثلا-أو معيارا للحكم والتقييم على سياسة معينة ،انما هو خلط بين العقيدة الدينية والممارسة السياسية بشكل عام والممارسة السياسية الدينية بشكل خاص .وهو محاولة لإخفاء حقيقة ما هو عملي نسبي وراء ماهو مقدس مطلق ،وتغييب حقيقة ما هو مادي مصلحي وراء ماهو روحي وجداني ،وهو تغريب للإنسان عن حقائق واقعه الموضوعي . فالدول والسياسات ،والممارسات والمصالح الاجتماعية ومشروعات التنمية المختلفة ،لا تنقسم الى مسلمة ومسيحية ويهودية وبوذية أو دينية ولا دينية ،انما تنقسم إلى دول وسياسات متحررة وأخرى تابعة وإلى سياسات رأسمالية وأخرى اشتراكية ،الى سياسات استعمارية وأخرى وطنية ،الى سياسات مستبدة وأخرى ديموقراطية ،الى سياسات استغلالية عدوانية ،وأخرى عادلة وسلامية ،الى غير ذلك .وداخل هذه السياسات المختلفة تقوم انماط مختلفة من التوجهات والمواقف الدينية المتوافقة مع هذه السياسات او المتعارضة معها .ولهذا فإن اتخاد مطلق الدين معيارا للحكم والتقييم لهذه السياسات ،هو طمس لحقائق الصراعات والممارسات والمصالح المختلفة ،وخلط بين المفاهيم والقيم والمواقف المتعارضة ،فضلا عن أنه تنمية لروح الإنقسام الطائفي بين الناس ،وتغدية للتعصب والإغتراب "(9)
ويشن الدكتور العالم حربا بلا هوادة على ما تدعيه هذه الحركات من سعيها اصلاح الأوضاع الفاسدة ،حيث في الوقت الذي تدعي فيه ما تدعي من رغبة في الاصلاح والتجديد تساهم في تكريس التخلف والاستبداد :"على انه برغم طابع الرفض الجذري المطلق الذي تبديه هذه الجماعات في مواجهة السلطة السياسية والنظام الاجتماعي بوجه عام ،بل بسبب هذا الرفض الذي يفتقد أي رؤية سياسية واجتماعية عقلانية موضوعية بديلة ،وبسبب تعصبها الشديد -ولا أقول تطرفها فالتطرف يمكن ان يكون قوة تجديدية إبداعية ثورية -وتمسكها الجامد بحرفية النصوص الدينية وعدم احترامها للرأي الآخر وللحوار الإنساني الديموقراطي ،واغترابها عن الوقائع والحقائق المتجددة والقوى المتصارعة في مجتمعها وعصرها ،ودعوتها الى سلطة إلاهية مقدسة مطلقة ،يمارسها بشر يصيبون ويخطئون ،مما يعطى لأخطائهم صفة القداسة والإطلاق ،فضلا عن أنها دعوة لم يقل بها نص ديني ،بل أثبتت الخبرات التاريخية المختلفة ما تفضي إليه مثل هذه السلطات الدينية من استبداد وقمع وظلم وطائفية وجمود هذا الى جانب المسلك الغوغائي الفاشي العدواني العنيف ضد بعض الظواهر الجماهيرية الثقافية المتحضرة،من مبادرات فكرية وأدبية وفنية ......وانها لمفارقة أخرى ،ان تتولد الجماعات الاسلامية المتعصبة عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية الفاسدة المتردية في بلادنا ،كقوة معارضة ورفض لها،فإذا بها تصبح -موضوعيا-قوة تكريس ودعم وتجميل لها ."(10)
تحت عنوان :حتى لا نزهق روح الأوطان ! الحركات الاسلامية العربية المعاصرة- دعوة للحوار اختار الباحث السوري رياض زهر الدين في احد مقالته الانتقادية ان يعرف الحركات الاسلامية بسؤال يوضح تعريفه لها :"لماذا غاب الجانب العقلاني التنويري عن مشروع الحركات الاسلامية العربية المعاصرة وتغلبت لغة العنف المسلح في العقود الأخيرة من القرن المنصرف ؟(17)
من هذا السؤال نستشف ان الاستاذ رياض يعتبر الحركات الاسلامية حركات عنيفة ذات مشروع غير عقلاني ولا تنويري . ويرجع الاستاذ ذلك الى واقع الاحباط والهزائم المتتالية للشعوب والدول امام التهديدات الخارجية اضافة الى سعي هذه الحركات الى استلام السلطة بالعنف كبوابة لإصلاح البلدان.
الدكتور عبد الحميد الأنصاري وهو استاذ في كلية الشريعة والقانون والدراسات الاسلامية بجامعة قطر ،يعرف الحركات الاسلامية بأنها موجات من التشدد ،الذي يقصد به المبالغة او الغلو في غير موضعه وفرض الرأي على الآخر وإساءة الظن به وتأثيمه ،وقد يصل الأمر الى تكفيره . وهو ما يتعارض -حسب قوله -منهج الاسلام الذي يقوم على اليسر ورفع الحرج والبعد عن التعسير ويرفض التشدد .ويورد الدكتور الأنصاري اربعة مظاهر للتشدد الديني او للإسلام السياسي :
"* ان التشدد آفة عرفتها المجتمعات الاسلامية قديما ،متمثلا في الخوارج وفهمهم المغلوط للدين ،وحديثا في الجماعات المتشددة ،غير ان تأثير التشدد قديما كان محدودا ،والفتنة كانت محصورة ،بعكس ماهو ظاهر الآن من انتشار موجات التطرف في المجتمعات الاسلامية ،وبخاصة بين الشباب ،حتى ليصل في بعض المجتمعات الى صدام دموي بين الجماعات نفسها ،وكذلك بينها وبين الأنظمة
**إن التشدد لوكان مقصورا على ثوابت الدين وأحكامه الأساسية وقضايا المجتمع الرئيسية في الحرية والعدالة والشورى ،وفي التنمية والتحرر ، لكان أمرا محمودا ومطلوبا ، أما أن يكون التشدد في الفرعيات والخلافات والتوسع في الحظر والتحريم وشغل الناس بأمور جانبية وإثارة المعارك حول الخلافيات العقيمة كفرض النقاب، وتقصير الثياب، وحرمة الغناء والتصوير، وعمل المرأة في المجتمع ووضعها الاجتماعي والاختلاط، فهذا غير مقبول في الاسلام ، لأنه يصرف الجهود في قضايا فرعية، بدلا من توجيهها لبناء المجتمع القوي المنتج.
***إن التشدد لو كان مقصورا على أهله دون أن يتجاوز ذلك إلى فرضه على الآخرين لما كان الأمر مثارا للاعتراض، بل قد يحمل في بعض الحالات على باب الورع ،وأما أن يستخدم أهل التشددسلطتهم ونفوذهم لفرض رأيهم دون اعتبار للآخرين، بل يتجاوزونإلى التشكيك في عقائد المخالفين لهم والتفتيش في ضمائرهم، فهذا خروج عن المنهج الحق ****وكذلك يلاحظ في أمر المتشددين أن الأقوال تناقض السلوكيات والأفعال، مخالفة لتعاليم الإسلام، فتجد الغلطة والصلافة والتهجم في تعاملهم مع الآخرين وتجدهم في مواطن الإنتاج والعمل وحقوق الناس متساهلين مفرطين". (18)
واقترح التعريف التالي لحركات الاسلام السياسي : هي حركات سياسية ترتكز في طروحاتها السياسية على تغيير الابنية الفوقية للمجتمع أي الدعوة الى مجموعة من القيم والاهتمام بدغدغة المشاعر الدينية لدى الناس ،والترويج لفكرة مثالية مفادها ان تغيير الفرد يؤدي الى تغيير الجماعة كأن المجتمع مجموعة من الأفراد بدون علاقات تأثيرية وتأثرية او كأن أي فرد يستطيع ان يبني فردوسه لوحده ويدعو الناس لإتباع سبيله وفق اطروحة الشيخ والمريد ، اطروحة هذه الحركات لا تصمد امام الواقع الموضوعي المركب الذي لا يمكن تغييره الا بتغيير اسس فساده أي بالربط الجدلي بين البنية الفوقية وبين البنية التحتية أي القيام بتغيير شامل بعد دراسة مستفيضة للحاضر المراد تغييره ،ودراسة مكوناته وقواه ثم اقتراح البدائل المرحلية لمراكمة مكتسبات واقعية طموحة لتيسير عملية التراكم الايجابي لتحقيق التغيير المنشود الذي يقطع مع الاستيلاب بكل تجلياته :الاقتصادي والاجتماعي والإيديولوجي والسياسي.البرنامج المجتمعي لهذه الحركات السياسية يقتات على امجاد ماضية من الانتصارات الاسطورية ،لأن تاريخنا الماضي لم يكن بأي حال من الأحوال تاريخا كله انجازات متقدمة لصالح الانسانية كما يدعي بعض مثقفينا الماضويين الذين يدعون الى استعادة امجاد الدولة الاسلامية .وأي دولة اسلامية ؟ الدولة الاسلامية التي تم فيها اغتيال عمر بن الخطاب وعلي ابن ابي طالب وعثمان بن عفان ام الدولة التي اقامها الأمويون بالسيف وعاثوا فيها فسادا ام الدولة الاسلامية العباسية التي سيطرت على الحكم بعد ابادة احياء الأمويين ولم تنج حتى مقابرهم . لاشك ان التاريخ الاسلامي الذي يتحدثون عنه لايوجد الا في اذهانهم والدولة الاسلامية التي يروجون لها ويدعون الى اقامتها ستكون هي دولة الجنرال النميري في السودان ،او على ارفع مستوى دولة ولاية الفقيه الإيرانية ،وكلنا نعرف ان النميري في السودان لم يتوان عن قتل المفكرين والعلماء (مثلا اعدام الشيخ محمد محمود طه سنة 1977 والغريب في الامر ان الثورة الاسلامية في السودان بدأت تأكل ابنائها حيث مازال يقبع العديد من روادها في السجون والمنافي والاقامات الجبرية امثال الدكتور حسن الترابي) فيما لا يتوان النظام الإيراني وتحديدا جهازه القضائي المتحكم فيه من طرف الأوليغارشية الدينية في اصدار احكام الإعدام في حق المفكرين والكتاب والصحفيين تارة بتهمة التجسس وتارة اخرى بتهمة الاساء الى الاسلام (مثلا المفكر الايراني أغاجاري الذي صدر حكم بإعدامه والغته الظروف الدولية وليس اقتناع القضاء الإيراني ببراءة المفكر المذكور. ) لاشك اننا قد نتهم بذكرنا لهذه الامثلة بالانتقائية في النماذج السياسية الدولتية التي اتخدت الاسلام مرجعية في قيادة انقلابتها ،لكن ما عسانا نفعل اذا لم نجد امامنا وعلى مدى التاريخ الاسلامي غير دول سميت اسلامية لكن ممارستها لم يأتي بها لا سلطان ولا نبي ولا دين ،هل نختار السعودية لننمذج الأسلام ؟ تقارير منظمات حقوق الانسان كمنظمة العفو الدولية في حملتها الشهيرة عام 1999 ابانت الوجه الآخر للإسلام الوهابي السعودي ،فإعدام المواطنيين البسطاء بمجرد الشبهة في عدم موالاتهم للسلطة الحاكمة او موالاتهم للمذهب الشيعي وكذلك تقسيم المواطنيين الى درجات وفئات كل ذلك لا يمكن ان يكون من أخلاقيات ديانة سمحاء .اما اختيار افغانستان نموذجا للإسلام وللدولة الاسلامية ،لا يمكن ان يقبل به من في قلبه ذرة إيمان بالقيم الانسانية والحضارية ،الا اذا كان الاسلام يمنع تمدرس الفتاة ويبيح الاقتتال الطائفي وتجارة المخدرات وهذه هي اعمال اهل افغانستان ومصدر تمويل غزواتهم ضد الكفار ،الذين يكفرون بالحرب والجهل والتمييز العرقي ويؤمنون بالانسان من حيث هو انسان، لا بلغته او دينه اوجنسه او لونه ... الاسلام السياسي حركة نمت في ظل الفراغ الايديولوجي وفي ظل اشتداد الهجمة الرأسمالية على العالم ،وللحيلولة دون اتخاد الصراع الدولي طابعا اقتصاديا وسياسيا بفعل الكوارث الذي تحدثها الرأسمالية بالعالم ،تم تشجيع هذه الحركات التي تحرف الصراع الدولي عن مجراه الحقيقي وتظهره صراعا دينيا او حضاريا ،فيما الصراع الحقيقي هو على البترول والأسواق والتكنولوجيا الحديثة(كلنا تتبع عبر القنوات الدولية اعمال السلب والنهب التي شهدها العراق وشملت المتاحف والمكتبات والابنية الحكومية امام مرأى ومسمع القوات الامريكية الغازية ،لكننا في الزاوية الاخرى للمشهد الاعلامي لاحظنا الحراسة المشددة المفروضة على حقول النفط وعلى المؤسسات النفطية وعلى وزارة النفط العراقية) .وكي لا نتهم ثانية بأنني من مروجي نظرية المؤامرة ،أتسائل مع نفسي ومع قارئي المحترم: من يستضيف المتهمين الاسلاميين بتفجيرات المتاحف والمناطق الأثرية وقتل العديد من السياح الاجانب، في مصر وتونس وعدد من الدول ؟ من مول حركة طالبان الافغانية ،وصمت عن جرائمها منذ سيطرتها على افغانستان منذ 1996 ؟ من يمول الجيش الاسلامي للإنقاد الجزائري ؟ وغيرها من الاسئلة التي اطرحها واحترم فيها ذكاء القارئ . لكن لماذا في المقابل يتم ملاحقة اعضاء حركات الاسلام السياسي في فلسطين ولبنان ؟وكل يوم نسمع ان كندا او الاتحاد الأوروبي قد وضع حماس او الجهاد الاسلامي او حزب الله على قائمة الارهاب .لماذا هذه الازدواجية مع حركات من نفس المرجعية ؟ببساطة شديدة ،الذي يهم القوى الرأسمالية الدولية لا علاقة له بديانة اولغة هذه الحركات ،انما مدى مطابقة مشاريعها مع المصالح الرأسمالية الاستعمارية .فعندما تتناقض المصالح كما في فلسطين ولبنان او ستتناقض في مناطق اخرى ،فشهر العسل الرأسمالي الاسلامي ينتهي بقطيعة دامية . سؤال اخير يبقى مفتوحا ، اليس حزب العدالة والتنمية التركي حزبا اسلاميا ،فلماذا تقيم تركيا -التي تحكمها حكومة حزب اسلامي-علاقات عسكرية وسياسية واقتصادية وطيدة مع الكيان الصهيونى.
2- مدخل للتعرف على بعض اسباب بروز الحركات الاسلامية او ما يعرف "بالصحوة الاسلامية":
في دراسة مهمة قام بها الدكتور محمد ضريف حول الحركة الاسلامية بين النشأة والتطور والتي قام بنشرها ضمن منشورات الزمن (19) اشار الباحث الى قصور العديد من الدراسات التي ترصد اسباب انبثاق الحركة الاسلامية على مستوى تحليلها للعوامل التي انتجت الحركة الاسلامية حيث تجمع العديد من الدراسات حسب الباحث دائما على تفسير اسباب الانبثاق انطلاقا من الازمة الاقتصادية وامتداداتها السلبية على المستوى الاجتماعي وغياب الديموقراطية بما ينتج فساد الحكم وعجز النخب الحاكمة على تحديث المجتمع . يأخد الدكتور محمد ضريف على مثل هذ ا التحليل عدم احترامه احد الضوابط المعرفية ،هو سقوطه في التعميم ، لماذا ؟:(( لأن هذه الأسباب والعوامل يمكن اللجوء اليها لتفسير انبثاق وتطور حركات ذات طبيعة مغايرة كالحركة اليسارية على سبيل المثال ،وبالتالي فإن الاكتفاء باستحضار هذه الاسباب والعوامل يفقدها طابعها "العلمي " وعليه ،فالعلمية تقتضي القول ان العوامل والأسباب المشار إليها :(الأزمة الاقتصادية وغياب الديموقراطية والفشل في تحديث المجتمع ) هي عوامل اساسية في ظهور وتطور حركات الاحتجاج الاجتماعي ،ولكنها غير قادرة على تفسير اللون السياسي الذي ترتديه او الاختيار الإيديولوجي الذي تعتنقه .....لقد تنامى الوعي بمحدودية تفسير ظهور الحركة الاسلامية وتطورها بالاستناد الى الازمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتبلورت دعوات لإعادة التعاطي معها بكيفية أكثر "موضوعية" باحترام الظوابط المعرفية خلال دراستها ،ومنها ثلاثة ضوابط معرفية اساسية : تجنب السقوط في التعميم ،مرعاة الخصوصية ،التمييز بين الشرط العام والشرط الخاص .)(20)
يؤاخد الدكتور محمد ضريف العديد من الباحثين لانهم اكتفوا بتحليل عوامل انبثاق الحركة الاسلامية وفق منظور الشرط الخاص حسب تعريفه ،او وفق النظرة الميكرو -اجتماسية ،-مع الاشارة الى ان مفهوم الاجتماسية استعمله الدكتور علاء اللامي في دراسته القيمة المعنونة ب: تطبيقات واعدة لمنهجية البحث التاريخي الاجتماسية في كتاب ((ميلاد الدولة الاسلامية ))لمالك مسلماني-. الشرط الخاص حسب الدكتور محمد ضريف يرتبط بالتحليل القطري للظاهرة الاسلامية أي بربطها بالعوامل الداخلية الصرفة دون محاولة ربطها بالشرط العام الذي قصد به المحيط الاقليمي الذي شجع الظاهرة الاسلامية على الانبثاق بقوة وسط خطابات اخرى مختلفة ماتزال اصواتها هامدة غير مؤثرة ،لذلك اشار الباحث الى قضية اساسية وهي ان العوامل الداخلية الاقتصادية منها والسياسية والاجتماعية على اهميتها لا تكفي لتبيان الاختيار الايديولوجي لحركة اجتماعية دون اخرى ،اذ ان واقع الفقر والبطالة كقضايا اجتماعية واقتصادية وواقع فساد النخب واستشراء القمع والاستبداد كقضايا سياسية والانحلال الخلقي كقضية اخلاقية يمكن ان تكون ارضية خصبة لنمو حركات اجتماعية اخرى كاليسار او اليمين المتطرف الا ان ما جعل هذه المعطيات المذكورة مجتمعة قد افرزت الاسلام السياسي كمعبر لها هو ربطها بالمحيط العالمي والمحلي خصوصا مع انحسار دولي لليسار بفعل فشل تجاربه التحديثية وفشله في الصمود امام تحديات العولمة الرأسمالية في البلدان التي حكم فيها فيكفي مثلا ان نتذكر فوز اليمين المتطرف بقيادة هايدغر في النمسا وفوز برليسكوني في ايطاليا وانتصار اليمين الدوغولي امام اليمين المتطرف الفرنسي في الدور الثاني وامام تحالف استثنائي بين اليمين الدوغولي واليسار الفرنسي ويكفي ان نشير الى ان الحزب الاجتماعي الديموقراطي لشرودر لم يفز الا ببضعة نقاط عن منافسه الاقوى في الحزب المسيحي الديموقراطي ولكن هذا الفوز لن يتأتى لشرودر الا بعد ان وعد ناخبيه بعدم مشاركته في الحملة الامريكية ضد العراق ،كل هذه المعطيات توضح ان هناك جنوحا متصاعدا نحو العداء للسياسيات الاقتصادية و لطريقة تدبير العلاقات الدولية المتسمة بالكيل بمكاييل مختلفة (يكفي ان نعطي مثال :القرارات التي يصدرها مجلس الأمن على العراق تنفذ على اطول مدة بعد شهر من صدور القرار ، كالقرار 1441 الخاص بعودة المفتشين الدوليين الذي تم استصداره من طرف مجلس الامن في شهر نونبر ومباشرة بعد ذلك تم تنفيذه فيما صدر القرار 425 الخاص بانسحاب اسرائيل من جنوب لبنان منذ الاجتياح الاسرائيلي لبيروت صيف 1982 ولم ينفذ جزئيا الا عام 2000 ) يعطي نمو متصاعدا لليمين المتطرف في اوروبا وللحركات الاصولية في الشرق -بهذا المفهوم الاستشراقي -وهنا فضيلة التعامل بالمنهج الماركسي في تحليل الظواهر والقضايا أي التحليل الداخلي المحدد في علاقة جدلية مع تحليل المعطى الدولي والاقليمي كمؤثرات وهذا المنهج هو الذي استخدمه الدكتور ضريف في منهجية تحليله الموضوع حيث ابتدأبمناقشة الشرط الخاص(في ثلاث مقاربات :السيوسيو -اقتصادية والسوسيو- سياسية والايديولوجية ) ثم قام بمناقشة الشرط العام لإنبثاق الحركة الاسلامية والذي حدده في اللحظة الكمالية التركية كولادة واللحظة الناصرية كلحظة تجذر واللحظة الخمينية كلحظة الشرعنة والتصدير نحو الخارج.
في بحثنا عن بعض اسباب نموالحركات الاصولية سنتطرق الى تحليل ورؤية عدد من الباحثين لاسباب "الانبعاث الديني" او" الصحوة الاسلامية "في بلدانهم ، هذه المنهجية الاستعراضية قد لا تخلوا من تكرار للافكار وبعض الاستنتاجات وبعض الخصوصيات التاريخية لكل بلد لكن ذلك اساسي في البحث لضرورة اخذ فكرة واضح عن تحليل كل باحث.
في تحليل راقي معنون بأزمة المعارضة السياسية العربية قدم الدكتور عبدالإله بلقزيز ورقة تقديمية سميت بورقة العمل قدمها للمشاركيين في الندوة التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت يوم 8 0 يوليوز2001 .تناولت ورقة العمل بشكل من الاقتضاب المركز مقارنة بين نظرة السلطة في المجتمعات الديموقراطية الى المعارضة كعامل اغناء وتوازن ودينامية في الحياة السياسية او كما اشار الدكتور بدقة صون الحياة السياسية من الاضطراب ومدها بأسباب الاستقرار ،هذه النظرة المقرة باهمية المعارضة في المجتمعات الديموقراطية تقابلها نظرة اقصاء وتجاهل وريبة من دور للمعارضة التي ترى كعامل تقويض لموقع الحاكم وتهديدا لاستقرار البلاد في البلدان الاديموقراطية . قسم الاستاذ بلقزيز مجالات اشتغال المعارضة السياسية العربية الى ثلاث مجالات :(المجال المنعدم 2-المجال التقليدي 3-المجال الحديث صوريا) ما يهمنا في هذا الجانب في مقاربة اسباب ظهور الاسلام السياسي ،هو ان نبين بأن طبيعة المجال السياسي الذي تشتغل من ضمنه القوى السياسية المعارضة يلعب دورا اساسيا في تحديد نوع المعارضة وشكل عملها سواء كان عنفيا او سلميا ،فيكفي ان نذكر بأن كلما اتسع مجال المشاركة السياسية للمعارضة السياسية كلما قلت امكانية استخدامها اساليب عنفية للوصول الى السلطة .يقول الدكتور بلقزيز :((هدف كل معارضة سياسية ،في كل زمان زمكان ،الوصول الى السلطة :سلطة الدولة .لاوجود لحزب سياسي هدفه الحصري التبشير بفكرة عليا ،او الدفاع عن مبدأ اجتماعي وثقافي ،الا بمقدار ما يكون ذينك التبشير والدفاع جزءا من عملية سياسية مشدودة الى هدفها النهائي :السلطة .تملك السياسة -وبهذا الاعتبار فقط - ان تستثمر الثقافة والاخلاق والقيم الدينية وتستدخلها جميعها في نظامها ومشروعها .))(21) ظهور المعارضة السياسية مسألة املتها المصالح المتناقضة التي تعتمل من داخل جميع المجتمعات بين فئات المجتمع وطبقاته ، من هذا الاستنتاج البسيط يستنتج كذلك ان الاسلام السياسي تعبير طبقي او فئوي لطبقة او طبقات او لفئة او فئات متضررة من الواقع المعيش وتريد تغييره استنادا الى ايديولوجية دينية لكن تغييب صوتها كباقي الاصوات المعارضة ادى بها الى اختيار منحى عنفي ارهابي لتحقيق مصالحها.يقول الاستاذ بلقزيز :((الناجم عن سيادة هذا النمط من الهندسة السياسية (نمط القمع والاقصاء) :الذي يصادر فيه المجال السياسي ويحتكر من قبل النخب الحاكمة ،هو فشو علاقات القمع وما يرتبط بممارسته من اهدار اعشى للحقوق والحريات ،ومن عدوان مادي ورمزي على الجماعات السياسية والاجتماعية المعارضة او المطالبة بحقوقها السياسية ،بل ان السمة الغالبة على هذا القمع هو الميل-موضوعيا -الى احتساب المعارضة السياسية للسلطة الحاكمة فعلا اشبه بالمروق والكفر عن ((الاجماع))! ...ليس من شك في أن ايلولة هذه الحال من القمع والعدوان انما الى اجبار المحروم (المعارضة) على سلوك مسالك في السياسة غير سلمية ولا حضارية :العنف السياسي.لا نبرر للمعارضة اقدامها على نهج خيار العنف في العمل السياسي ؛ غير اننا لا نستطيع ان نتعامى عن الاسباب التي اودت بها-تحت وطأة اليأس والاحباط وانسداد المنافذ -الى مهاوي هذا الخيار الدموي الانتحاري عليها وعلى المجتمع الوطني برمته ! ...غياب مجال سياسي لممارسة الصراع والمنافسة -كما هو الامر في معظم البلدان العربية -لا يستتبعه حكما زوال السياسة والصراع بوصفهما ديناميتين اجتماعيتين موضوعيتين ،بل ينجم عنه البحث عن تصريف هذه الدينامية من خلال -وعبر-قنوات اخرى قد لا تبدو سياسية للوهلة الاولى ،واهمها :الدين ! ان ظاهرة الطلب المتزايد على الدين في مجال الاستثمار السياسي: استثمار المقدس او الرأسمال الديني في العمل السياسي ،انما مرده الى غياب مجال سياسي ،او مجال تمارس فيه السياسة ،ومحاولة لاستعارة المجال الديني كي يكون ذلك المجال السياسي البديل .))(22) واضح اذا من فكرة الاستاذ بلقزيز ان الاسلام السياسي تعبير سياسي بلغة وايديولوجية دينية عن كبت وانسداد سياسيين ،ليكون بذلك القمع والاقصاء من الاسباب الرئيسية في ظهور ونمو الاسلام السياسي وما يؤكد ذلك بجلاء ، ضعف التطرف الديني في الدول الديموقراطية .
لكن عبدالإله بلقزيز في تناوله هذا لاسباب جنوح الاسلاميين الى العنف كوسيلة وحيدة المتبقية امام عنف الدولة ،لم يتطرق الى قضية بالغة الاهمية في نظري وهي اعتماد بعض الحركات الاسلامية على العنف انطلاقا من تبني ايديولوجي وليس سياسي فقط حيث ان الجماعات التي تتبنى العنف تخندق ذلك ضمن اهدافها المعلنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،لذلك من التعميم المخل اعتبار جميع الحركات الاسلامية وغير الاسلامية تلتجئ الى العنف فقط لان غير ذلك السبيل غير متوفر ،انما القول بأن هناك حركات تتبنى العنف وترعاه وتمارسه ،امر اساسي لاكتمال التحليل.
يرجع الدكتور فالح عبد الجبار اسباب ما يسمى" بالانبعاث الديني" الى :((ان نمو الحركات الدينية في السبعينات يؤلف بشكل عام تعبير عن ميلين :اولهما احتجاج المنتج الصغير على تناقضات رأسمالية الدولة التابعة في لحظة تأزمها ،في ظل غياب أوضعف الشكل العلماني المنظم ،مما يولد فراغا يترك المجال رحبا لنشاط المؤسسات التقليدية ما قبل الرأسمالية ،أيا كانت (قبلية ،طائفية،مؤسسة دينية ،الخ ) وثانيها ملاك الارض والتجار التقليديين ،على تفكيك العلاقات الاقطاعية.في الحالين ثمة معارضة من مواقع الماضي .من هنا هذا الحنين الى الماضي الذهبي ) الذي كان .
لعب رجال الدين دورا مشهورا في ثورة العشرين الوطنية التحررية ضد الاستعمار البريطاني ،الى جانب البرجوازية الوطنية ،وبعض فئات الاقطاعيين (صغار ومتوسطي شيوخ العشائر) والجماهير الشعبية الواسعة .وكان هذا النضال ينحصر في شعار استقلال العراق الذي انعكس في فتوى رجل الدين الاصفهاني "استقلال الامة العراقية" وانخرط عدد كبير من رجال الدين ذوي المنحى الوطني في صفوف "جمعية حرس الاستقلال" التي تزعمها المناضل الوطني البارز جعفر ابو التمن ورجل الدين البارز محمد الصدر .ولقد لعبت الجمعية دورا واضحا في النضالات التي سبقت ورافقت ثورة العشرين.
وبعد قمع ثورة العشرين ،ثم نشوء الحكم الاهلي ،اي الحكم الملكي شبه الاقطاعي شبه الاستعماري الذي فرضته الحرب البريطانية ،تزايد النضال الوطني التحرري في العراق .
بمواجهة هذا النضال ،حاولت الادارة الكولونيالية اللجوء الى سلاح الفرقة المذهبية (السنة والشيعة ) والفرقة القومية (اكراد وعرب) والفرقة الدينية (مسلمون ومسيحيون) لمنع وحدة الحركة الوطنية التحررية في العراق ،والامعان في تفتيتها.
واكتسبت الحركة الوطنية التحررية في العراق زخما اشد بانبثاق حزب الطبقة العاملة الذي اضفى عليها طابعا اكثر ديمومة ورسوخا وفاعلية ،مما اعطى دفعة كبيرة للنضال الوطني ضد الاستعمار البريطاني وللنضال الفلاحي الديموقراطي ضد الاقطاع .
وفي هذه الحقبة لم تجد الادارة الكولونيالية من سلاح تقاوم به حركة الطبقة العاملة سوى سلاح التأويل السلفي للدين .وقد سعت لاقامة تنظيمات للاخوان المسلمين (محمد محمود الصواف -رجل الدين العميل للسعودية) .كما قامت بالاتصال بعدد من المراجع الدينية في النجف لحثها على مواجهة (خطر الافكار الهدامة) (حنا بطاطو-الطبقات الاجتماعية في العراق) .))(36)
بالنظر الى هذه المعطيات التي وافانا بها الباحث فالح عبد الجبار يمكن ان نلاحظ انها تشبه كثيرا تاريخ التعاطي الاستعماري مع الزوايا بالمغرب وشيوخ القبائل لتسهيل مأموريته، لاستعمار البلاد عبر تشجيع الفرقة القبلية والدينية ،وكذلك نفس الشئ قام به النظام السياسي المغربي بعد الاستقلال السياسي حيث قام باستقطاب وتشجيع الزعامات القبيلية في الارياف (الخطيب -العنصر-احرضان....) في مواجهة حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية ،كما قام خلال السبعينات بتشجيع وتأسيس حركات اسلامية كالشبيبة الاسلامية لمواجهة المد اليساري في الجامعات ،كما تستر على جرائمها ضد مناضلي الحركة الديموقراطية التقدمية .
وتجاسر دعم بعض اقطاب الدولة المغربية للحركة الاسلامية الى حد تشجيعها على اقامة مسيرات ضد مطالب الحركة النسائية يشارك فيها الملايين فيما تمنع وتقمع مسيرات التقدميين وهي بالمئات فقط تحت دعاوي الحفاظ على الامن ، كما فتحت المساجد في وجه التيار الاصولي المغربي لتمرير مواقفه العنصرية ضد اليهود والمواقف التكفيرية ضد المجتمع المدني بدعم مباشر ومعلن لوزير الاوقاف والشؤون الاسلامية الاسبق الذي استطاع بتحالف مع الاصوليين ان يساهم في افشال مشروع خطة ادماج المرأة في التنمية .
الاستاذ سعيد سالم من الاردن يرى ان الانتكاسات المتوالية التي اصابت الشعوب التواقة الى الحرية والانعتاق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي ،من طرف الطغم الحاكمة من جهة ومن الامبريالية من جهة اخرى ساهمت في نشر الفكر الديني الغيبي الذي يحتمي بالمتمنيات الاسطورية ويترعرع في تربة الاحباط واليأس والفراغ ،فالفكر العلمي الانعتاقي يخشى الفراغ بقدر خشية الطبيعة للفراغ على حد قول ارسطو. يقول الدكتور سعيد سالم :(( خلال المسيرة التحررية تعرضت الشعوب العربية لانتكاسات كبيرة ناجمة عن شراسة الهجوم الامبريالي وتخلف البنى القائمة ..تركت بصماتها الواضحة وساعدت هي الاخرى على بلورة الاتجاهات الدينية واهم هذه العوامل :
1-ازمة الشرق الاوسط وخاصة هزيمة حزيران عام 1967 حيث اخذت الامبريالية واسرائيل مواقع جديدة في الهجوم على حركة التحرر العربي لابعاد شعوبها خاصة في مصر وسوريا عن طريق التطور المستقل. وقد جاءت حرب تشرين لتعطي الدفع لحركة التحرر العربي ،لكن اليمين والرجعية تمكنا من اقتطاف ثمارها وتوظيفها لخدمة التوجهات الاستسلامية التي توجت بخيانة السادات وتوقيع اتفاقيات كمب ديفيد.
2-الطفرة النفطية ودولارات النفط قامت بدورها ضمن سياسة الاستعمار الجديد بتوسيع القاعدة الاجتماعية للعديد من الانظمة الرجعية العربية ،وضرب اسس التنمية المحلية وتشوية البنى الاقتصادية والاجتماعية للدول العربية بخلق وتقوية دور البرجوازية البيروقراطية والكومبرادور والملاك العقاريين والطفيليين وتوسيع قطاع الخدمات وتخريب الزراعة والصناعة وتسريع وتائر الهجرة من الريف الى المدينة والى الخارج. وادى ذلك الى تعمق التمايز الطبقي وتسريع عملية الحراك الاجتماعي لدى الفئات الوسطى في جو انتشار النمط الاستهلاكي وترويج الافكار والعادات والتقاليد الغربية .....وفي ظل الصراع الايديولوجي المحتدم فقد جرت محاولة توظيف الاسلام في محاربة الشيوعية والتقدم الاجتماعي وحرف المسيرة التحريرية لشعوب المنطقة ومن ضمنها افغانستان.واستغلت الرجعية العربية نفوذها المتعاظم في تشكيل وتقوية العديد من المنظمات الاسلامية على الصعيد المحلي والدولي ،ودعم القوى الاصولية والسلفية كجماعة" الاخوان المسلمين" ....
3-غياب الحريات الديموقراطية حيث شهدت المنطقة موجات متتالية من القمع للقوى الديموقراطية وخاصة احزاب الطبقة العاملة .وجرى ذلك مع اشتداد حدة التمايز الطبقي والاضطهاد الاجتماعي ،واعطاء القوى الدينية حرية الحركة في العديد من الدول العربية. وكيف ننتظر من البرجوازية وهي ضعيفة انتاجيا واجتماعيا بأن تمارس الديموقراطية قبل توطيد مواقعها الاقتصادية ونمط انتاجها.
ان مجمل هذه الظروف قد ساعدت على نشر أجواء اليأس والاحباط خاصة لدى الفئات المتوسطة ،الذي ساعد على انتشار شكل الاحتجاج الديني ونمو التيارات الدينية التي ترى في الاسلام خير خادم لمصالحها في هذه المرحلة .....ولعب انتصار الثورة الايرانية وبناء الدولة الاسلامية فيها دورا كبيرا في بروز مختلف القوى الدينية التي ترى في العالم العربي الى سطح العلاقات السياسية .ورغم التشابه الكبير في الظروف والعوامل التي دفعت الثورة الايرانية الى هذا الاتجاه الا ان تأثيرها كان عاملا محفزا ومساعدا لأن "الصحوة الدينية" في العالم العربي كانت حصيلة ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية اثرت على المنطقة قبل الثورة الايرانية وبعدها.بل ان ايران تعرضت الى ظروف مشابهة من القمع والكبت والطفرة النفطية ،وهكذا فقد هزمت ثورة مصدق لتنتصر ثورة الخميني .مثلما هزمت ثورة العبيد في روما لتنتصر المسيحية.))(37)
اقصاء المعارضة السياسية من المشاركة السياسية ومن التعبير الحر الديموقراطي عن مطامحها لا يشكل لوحده اسباب ارتداد بعض مكوناتها لاستثمار الدين لتشكيل سلطة مضادة انما ،يضاف الى ذلك اسباب اخرى تتعلق بذات المعارضة السياسية ذاتها ، حيث عجزت عن بلورة تصورات ومشاريع سياسية تؤطر بها المجتمع وتنتشله من براثن الانتظارية المميتة ومن التسليم بالامر الواقع كما ان المعارضة تعاني من دوغما فكرية او ما اصطلح عليه الاستاذ بلقزيز "التصحر الفكري" فإما ان المعارضة السياسية طرحت على عاتقها مهمات تتجاوز قدراتها الذاتية مما عرضها لضربات مميتة او انها اساءت تقدير العامل الدولي في تصورها وبرنامجها السياسيين واتت التطورات والمستجدات السياسية بعكس تقديراتها فاضطرت لتعيد الحسابات السياسية من البداية في احسن الاحوال ان لم تستكين بصفة نهائية ،او ان هذه المعارضة السياسية استسهلت خطورة المشاركة السياسية في تدبير شؤون بلدانها ولما اتيحت لها الفرصة ،عجزت عن الصمود امام نفوذ المال والسلطة،فأصبحت تقمع جماهيرها وتنخر ماضيها السياسي في زمن قياسي ،فضحت بسجلها النضالي (شهداء،معتقلون،مشردون في المنافي،وجيش عرمرم من المطرودين ،والاف المتعاطفين معها) وبدأت تنفذ برامج المؤسسات الدولية وتدافع عن الاستثمار الاجنبي وعن خوصصة الخدمات الاجتماعية بنفس حماس عدائها لها في مراحل طويلة. كما ان المعارضة السياسية عانت من الانغلاق الايديولوجي المميت وتمترست وراء خطابات الثبات والمبدئية ،رافضة الحوار مع القوى السياسية الاخرى التي تقاسهما مطامح مشتركة ،فأممت الحقيقة واعلنت قدسية خطابها ،فاطلقت النار على متغيرات وحقائق موضوعية من قبيل استحالة امتلاك الحقيقة كاملة من طرف أي كان من التيارات الفكرية في كل زمان ومكان لان الحقيقة نسبية وامتلاكها بالضرورة سيكون نسبيا .هذا التصحر والدغما الفكريين دفعا خطاب المعارضة السياسية الى الـتآكل بفعل غياب الابداع والتفاعل مع مستجدات الاحداث وفي تقدير صحيح -نسبيا- للعوامل المحيطة بالفعل السياسي وتأثيراتها.
التصحر الفكري والانسداد التنظيمي المثمثل اساسا في غياب الديموقراطية الداخلية في هذه التنظيمات وغياب المساءلة التنظيمية والمحاسبة السياسية ،ادى الى تسلط نخب هرمة تتحدث لغة خشبية مع مجتمع شاب يكره فكر الانضباط ويحتقر الكاريزما ولا يستلب فقط بالشعارات انما بالانجازات الميدانية ،فعجزت القوى السياسية من تعبئته فأصبح يتأرجح بين العدمية والاستيلاب او الارتماء في احضان الخطابات الثقافوية كالاسلام السياسي. ولعل غياب الديموقراطية الداخلية وانعدام الية التداول الديموقراطي للمسؤولية وبالتالي تفشي البيروقراطية والتسلط الاداري في الحياة التنظيمية الداخلية هو ما يفسر ظاهرة الانشقاقات في الاحزاب السياسية المعارضة في بلداننا ،ومن الخطأاعتبار الانشقاقات تعبير عن اختلاف رؤى فكرية او اختلاف التمثيل الطبقي ،انما الصحيح ان معظم الحركات الانشقاقية كانت بفعل انسداد الافاق التنظيمية وسيطرة الرأي الواحد.
حاول الدكتور نصر حامد ابو زيد ان يشير بشكل ضمني الى اسباب نمو ما اصبح يسمى بالمد الاسلامي الى تواتر الهزائم السياسية للانظمة ويأس الشعوب ،يقول الدكتور :((وقد افضى تواتر الهزائم هذا الى ايقاظ النعرات العرقية والطائفية وبعثها من مرقدها ؛ فاتخذت شكل النعرات القطرية على المستوى السياسي ،واتخذت على المستوى الاجتماعي اشكالا اخرى يندرج فيها اضطهاد الاقليات بالتهميش تارة وبالاستبعاد تارة اخرى.وفي جميع الاحوال ،ينشط خطاب سلطوي قاهر عاجز عن الانصات ورافض للحوار ،يدعي امتلاك الحقيقة المطلقة ،ويزعم لنفسه مرجعية عليا مستمدة من السماوي المقدس .....اذا تجاوزنا الواقع العربي الى الواقع الدولي فقد ادى اختفاء الثنائية القطبية -بتفكك دولة "الاتحاد السوفياتي" -وانتفاء التعددية في النظام العالمي الى "الديكتاتورية" الامريكية.وقد أفضى هذا الوضع الجديد الى حالة من الفوضى ناتجة بالمثل عن انتهاء عصر اليقينيات وبداية التساؤلات الكبرى ،وتمثلت تلك الفوضى في ظهور ماكان كامنا ومضمرا من الصراعات الطائفية والعرقية في المجتمع الدولي ككل لا في المجتمعات التي كانت تعرف باسم مجتمعات "النظم الشمولية" فقط .ان المغزى الثقافي والسياسي لمفهوم "الوحدة الاوروبية" ،وخاصة بعد تحقيق "السوق الاوروبية المشتركة " يتضمن معنى "التسوير ،اي ايجاد "سور حاجز بين الشعوب الاوروبية والشعوب غير الاوروبية .تسقط الاسوار داخل اوروبا ،ويتسع حلف شمال الاطلنطي ؛من اجل حصار "العالم الثالث خارج الاسوار ،وذلك من اجل مزيد من التحكم في مقدراته واستغلال ثرواته الباقية.في هذا السياق يصبح مفهوم "الشرعية الدولية "هو شرعية مصالح الشمال ضد مصالح الجنوب ؛ فيتم حصار "العراق" ،بعد تدميره و"ليبيا " و"سوريا" بدعوى تحدي الشرعية الدولية ومساندة الارهاب،ويتم الصمت عن ممارسات الكيان الصهيوني الارهابية والمتحدية للقرارات الدولية ضد الفلسطنيين واللبنانيين. هذه الحالة الدولية تساهم دون شك في تغدية الوضع العربي بمزيد من الطائفية العرقية التي لا تجد متنفسا لها في منازلة الخصم الفعلي الحقيقي -التخلف والديكتاتورية والهيمنة الامريكية الصهيونية -؛ فترتد على ذاتها ،وتتحصن بأوهامها .ففي السياق الدولي الذي تم فيه صك مصطلح "صراع الحضارات" ،كما تم فيه إعلان "الاسلام"عدوا للغرب ،لاسبيل امام المسلمين-بفعل هذا التحدي- الا "الالتفاف" حول ممثلي الخطاب الاسلامي الذين لا يكتفون بإشعال نار الغضب الجماهيري ضد الغرب السياسي الامبريالي ،بل يشملون بهذا الغضب مجمل الحضارة والثقافة والثرات الانساني المستوعب فيما يسمى "الحضارة الغربية" ))(24 )
الدكتور برهان غليون مدير مركز دراسات الشرق المعاصر بجامعة السربون تساءل في معرض مناقشته لموضوع الاسلام السياسي عن الحوافز العميقة لنمو هذا الطلب الاجتماعي على الاسلام ،وتفسير دينامية حركته ،وغايته ،لذلك طرح ثلاث فرضيات :
1-الفرضية الاولى ترتكز على اخفاق الحركات القومية ، ويحاجج على ذلك بتزامن بدء النمو المتسارع للحركات والمشاعر الدينية مع هزيمة1967 ،يقول برهان غليون :(( فقد ادت هذه الهزيمة الى تراجع تاريخي في مواقع القوى السياسية التقدمية التي ارتبط اسمها بالتحديث الاجتماعي والعقائديات الحديثة ،ومن ثم الى تقدم متزايد في المواقع للقوى السياسية الرجعية اوالمحافظة .ان تمكين الفئات الاسلامية السياسية من الشارع العربي لم يكن اذن ،في هذا المنظور ،نتيجة لصراع فكري وسياسي حقيقي ،ولكنه كان ثمرة لاوضاع ظرفية ،ولمناورات سياسية شاركت فيها الى صف الاسلاميين بعض السلطات الرسمية ،كما عملت من اجلها الدول المعادية للحركة التحررية العربية. وقد بقي الاعتقاد بأن الحركة الدينية السياسية تقف الدول الاجنبية المعادية لحركات التحرر.ووصفت الحركات الاسلامية في احيان كثيرة بأنها تنظيم قوى الثورة المضادة .كما اتهمت السلطات الرسمية في اكثر من مرة بأنها وراء تطورها وتزايد نشاطها في محاولة منها لموازنة قوى اليسار او كبح تقدمه ( في المغرب فعلا تم تشجيع الاسلام السياسي في السبعينات والثمانينات لتقويض اليسار المغربي خصوصا في الجامعات ،ويشهد اغتيال العديد من اليساريين من طرف الجماعات الاسلامية كالشهيد عمر بن جلون والشهيد المعطي بوملي بوجدة الى تأكيد استخدام الانظمة للاسلام السياسي في كبح قوى اليسار. دوليا تم تشجيع كل من حركة طالبان وتسليحها من طرف النظامين السعودي والامريكي لمواجهة المد الشيوعي ،كما ان العديد من قيادات الموساد والشاباك الاسرائليين قد اعترفا بضلوعهما في تمويل وتشجيع القوى الاسلامية في قطاع غزة خلال السبعينات لتقويض نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية ،والامثلة كثيرة عن التوظيف السياسي للاسلام السياسي من طرف الانظمة.) لقد بقي اليسار العربي بشكل خاص ،القومي والماركسي ،متمسكا الى النهاية بفكرة الارتباط الوجودي الذي لا ينفصم بين نمو الحركة الاسلامية في العالم وبين مخططات السياسة الغربية ،سواء تجسدت هذه المخططات عن طريق احتواء فكري او شراء مادي بأموال النفط .ولم يغير شيئا ما من هذا التفسير الا قدوم الثورة الاسلامية في ايران ودخولها كطرف فاعل في تمويل النشاطات الاسلامية لبعض الحركات ،واشهارها لعدائها للسياسة الاسلامية الممارسة في الخليج العربي عموما.
2-الفرضية الثانية: تنطلق من نظرة اجتماعية ،تربط بين نمو الحركة الاسلامية وتفاقم الازمة المادية والاقتصادية في البلاد العربية ،وفي ظلها تفاقم التفاوت بين الطبقات الاجتماعية .ولا يختلف المحللون في تركيزهم خلال هذا التحليل على عناصر هذه الازمة النابعة من انهيار مشروع التنمية الاشتراكية او غير الاشتراكية في الوطن العربي عموما كما في القسم الاكبر من بلدان العالم الثالث ،او من انخفاض اسعار المواد الاولية وفي مقدمتها النفط ،او من الفساد والتبذير وسوء الادارة التي تميزت بها النظم السابقة وسياستها الاقتصادية المرتجلة وغير الناجعة .فقد ادى هذا الفشل بقدر ما ابرز انسداد الافاق امام الجمهور الواسع على القيم والتقاليد والمناخات القديمة ،ما قبل الصناعية والحديثة ،ودفعه الى البحث عن حلول وهمية لمشاكله العملية....الحركة الاسلامية كتعبير عن احتجاج اجتماعي يتخد الاسلام قناعا واداة للتعبئة في مواجهة النظم المهيمنة ،او ما يجعل بسبب احباطه ملجأ روحيا يقيه اثار الازمة المادية الخانقة ويساعده على تحمل شقاءه.
3-الفرضية الثالثة : الاكثر انتشارا والتي ترى اصل المسألة كامنا في طبيعة البنية العقلية العربية ،او العربية الاسلامية .وبينما يركز البعض على استمرار هذه البنية القديمة التقليدية التي تجاوزها الزمن ،و يحلل الظروف التي عاقت العملية التحديثية او اضعفت مسيرة العلمنة في المجتمعات العربية وفي هذه الحالة فإن مسؤولية خاصة تقع على عاتق مناهج التربية والبرامج التعلمية ،الدينية وغير الدينية التي تعتمدها السلطات السياسية ،ويركز البعض الآخر على البنية الخاصة التي تميز الثقافة العربية ،اعني غياب التوجهات العقلانية وسيطرة الروح "البيانية " او الخطابية عليها منذ تأسيسها..)(25)
لتقييم ظاهرة مثل ظاهرة الاسلام السياسي ،من المهم تحليلها ضمن المناخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي العام ،بمعنى عدم تقييمها بشكل جزئي مستقل.لذلك فلا بد ان نقر بأن الاسلام السياسي استطاع ان يستقطب عناصر متنفذة في الانظمة واستطاع اختراق مجتمعات كثيرة والوصول الى معاقل جماعات المصالح ،وذلك اعتمادا على التنظيم الدقيق والقدرة الفائقة على التعبئة ونكران الذات ،فاجتاح الاسلام السياسي النقابات العمالية واتحادات الطلبة وهيئات الاطباء والمحاميين واستطاع بعمله الخيري ان يزاوج بين الفقراء والمستضعفين وبين رجال الاعمال والمصالح.رافعا شعارات مؤثرة من التصدي للفساد ومواجهة البطالة و العمل الاجتماعي ،الى محاسبة الحكومات... وقد ساهم التضييق الذي تعرض له التيار الاسلامي في اذكاء شرعيته الجماهيرية واصباغ صفة النضالية على توجهاته ،كما ان ضعف التنظيمات اليسارية وعزوف المواطنيين عن السياسة بفعل توالي البرامج الحكومية الفاشلة وازدياد الهوة بين الحكومات والشعوب ،ساهم في بروز الاسلام السياسي كقوة استقطاب جديدة بشعار الاسلام هو الحل . ويكفي ان نمثل بنجاحهم الفائق في الانتخابات النقابية في مصر مثلا ،يسيطر الاسلاميون على ثلاث نقابات رئيسية الاولى نقابة الاطباء والثانية نقابة المهندسيين والثالثة نقابة الطلبة.
لاشك ان انتصار الثورة الاسلامية في ايران الى جانب تدفق اموال النفط الخليجية ،والتوظيق الدولي للاسلام السياسي عوامل ساهمت في خروج الاسلام السياسي من قمقمه ،ووجد في واقع الاقصاء والتهميش السياسيين للقوى المعارضة تربة خصبة للانطلاق ونشر افكاره وممارساته ، و ربما ينبئنا المستقبل بما كنا عنه غافليين في الحاضر والماضي ،عن تطورات اخرى سيلعب فيها الاسلام السياسي دورا محوريا خصوصا مع الحديث اليوم عن صراع الحضارات وتنافس الاديان ،وعن عودة الاصوليات أو الهمجيات على حد تعبير الدكتور جلبير الاشقر الذي عنون كتابه الهام بصدام الهمجيات.
الدكتور فؤاد زكريا كتب كتاب اسماه الصحوة الاسلامية في ميزان العقل ، قارب اسباب انتشار وظهور الاسلام السياسي قائلا:
"في تصوري ان الانتشار الكمي الهائل لهذه الدعوات الاسلامية انما تعبر اساسا عن رغبة في البحث عن مخرج ،لمن لا مخرج لهم .ان الطرق جميعها مسدودة امام المجتمعات الاسلامية ،والقهر هو الوسيلة الوحيدة لضمان بقاء الانظمة القائمة. واهم ما يترتب على القهر هو تلطيخ سمعة جميع البدائل الاخرى :كالليبرالية وحكم الاحزاب ،واليسار ،والاتجاه الديموقراطي بكافة اشكاله.فهذه البدائل تتعرض للنقد والتجريح ليل نهار ،دون ان تكون قادرة على الرد ،او الدفاع عن نفسها .وفي ظل فقدان العدالة الاجتماعية ،وضياع الرشد الاقتصادي ،وضلال التوجه السياسي،وانهيار القيم الاخلاقية والفكرية ،ما الذي يتبقى امام الانسان -وخاصة اذا كان شابا -الا يعلن كفره بكافة الانظمة الدنيوية والبشرية من خلال تأكيد ايمانه بالنظام الالهي ؟ هكذا تتسع الدعوة وتنتشر ،وتصبح مأوى وملجأ لكل من هو محبط ،ساخط عاجز عن الفعل الايجابي .انها طوق نجاة يمنع من الغرق والسقوط .ولكن هذه كلها سمات سلبية .وبالفعل تظل الدعوة سلبية عاجزة عن تقديم رؤية محددة المعالم للمستقبل-هذا اذا كان للمستقبل ذاته مكان في توجهاتها ،ولم يكن الماضي وحده هو محط آمالها .وهكذا يقترن الانتشار الكمي الهائل بخواء وهزال في المضمون."(26)
الباحث مصطفى حجازي تناول اسباب بروز الاصولية الاسلامية من منظور سيكولوجي ،مبينا ان حالة الاغتراب واللامعنى الوجودي للذات الانسانية في اطار المجتمع الليبيرالي الاستهلاكي الذي يؤله الذات الفردية ويقصي أي مضمون للجماعة او للنحن .يقول الباحث مصطفى حجازي متوسعا في فكرة الاغتراب الذاتية وعواقبها وما ينتج عنها من حنين الى العصبية ومن ثم الاصولية :"في العالم الصناعي تطل الأصوليات كرد على ما آل إليه حال هذا العالم في نهاية القرن العشرين .تراكم هائل لرأس المال ، وهيمنة غير مسبوقة للإعلام .رافقهما بروز أزمات شغلت الفلاسفة والمفكرين الذين يتجلى لهم المأزق .فمن ناحية تحولت كل قيم العقلانية والانتاجية الى تسابق خطير على الربح واقتناص الفرص بدون الالتفاف الى الآثار والأثمان التي يفرضها .ويرافق ذلك كل محاولات التكيف البنيوي الذي يقتضيه التنافس الطاحن الذي يفرضه اقتصاد السوق ،وما يفرضه هذا التكيف من سلب المكتسبات الإجتماعية والتربوية والصحية التي ناضلت المجتمعات الصناعية عقودا طويلة ومريرة لتحقيقها للمواطنين .التكيف البنيوي لخدمة التنافس بدأت تهدد نوعية الحياة التي حققتها الثورة الصناعية .ومعها أيضا تفاقم سيف البطالة الذي أصبح يضرب بدون تمييز ،حتى أكثر الطاقات الشابة كفاءة ،بإعتراف مفكري الغرب.ومع تسلط هذا السيف بدأالمأزق يطل بوجهه في زعزعة اليقين باحتمالات المستقبل وآماله وفرصه....اختزال الانسان في بعده اللاهث وراء الاستهلاك زعزع معنى الوجود الذي لا يستقيم إنسانيا الا بتجاوز المادي ،رغم أهميته الأساسية .تأليه المال والاستهلاك جعل الانسان الغربي يتيه في غربة حقيقية ،إذا لم تتوافر له فرصة اللحاق بالقطار .إنه الاحساس بالتخلف عن الركب . وأما من أتيحت له الفرصة وأشبع استهلاكا فلا بد أن يبرز عنده السؤال :وماذا بعد؟ذلك هو شأن إشباع الحاجات الاساسية .إنها تظل هدفا هاما حتى يتم إشباعها .وحين ذاك يطرح سؤال التجاوز الوجودي .وأمام هذا السؤال يجد الانسان ذاته أمام الفراغ .اذ لم يترك الاستهلاك مجالا سوى لهيمنته كدين ويضاعف من عناصر المأزق بروز الوعي الحاد بالأخطار المحدقة بنوعية الحياة على كوكب الأرض :التلوث ....والتسلح وانتشار العنف وتحوله الى حالة مبتذلة تحت تأثير شحن الاعلام بكل ما هو مأساوي ومثير تفكك المؤسسات المرجعية ووهن قوتها الضابطة والمطمئنة نفسيا ،وهن السلطة في اختلاف مجالاتها (السياسية والاسرية والتربوية والمهنية والمجتمعية) وإلقاء الانسان إزاء نزواته وشهواته وقلقه مع كل ما يحمل من انعدام الشعور الاساسي بالطمأنينة .فقدان الاحساس بالهوية والانتماء مع تفجر حدود المكان والزمان ،وإلغاء التاريخ والجغرافية التي تحمله العولمة واعلامها .إنتشار الأوبئة الصحية والاجتماعية والنفسية .كلها عوامل تتضافر كي تنال من الشعور الضروري جدا ،للتوازن الحيوي الحياتي ،بالطمأنينة والانتماء ومعنى الوجود ،والآمال والطموحات وخوض معلرك الحياة الموجه بمثل تعطيها معناها ،وتحدد لها مرجعياتها القيمية
اما في العالم الثالث ،بما فيه العالم الاسلامي ،فإن الصورة تبدو أكثر قتامة .نحن هنا بصدد حالة تتجاوز فقدان معنى الوجود ،كما (يشيع الحديث في الغرب ) ،وصولال الى حالة جذرية من إنعدام التوازن الكياني .هناك خيبات الأمر لتعثر طموحات التحرر الوطني ،بقيادة إيديولوجية العلمانية على اختلافها .فبدلا من الوصول إلى الاستقلال واستعادة الاعتبار ،والدخول في الشراكة العالمية على قدم المساواة مع الدول الأكثر تقدما ،وإذا بالتبعية تطل من جديد بوجوه مختلفة :تبعية تكنولوجية ،واقتصادية ،واعلامية.وتحول الاستقلال الوطني في حالات عديدة من امل بالعدالة والمساواة ،الى انفصام ما بين الجماهير ونخب التسيير التي توجه موارد المجتمع وإمكاناته لخدمة فئة خاصة ومصالحها..... واتت سياسات التكيف الهيكلي والخصخصة لتقضي على ما تبقى بناء لتعليمات وشروط ملزمة مفروضة من الوكالات المالية الدولية التي اصبحت اقتصادات العالم الثالث مرهونة لها. من خلال الديون الثقيلة ،وخدمتها التي تستهلك الموارد النادرة.
....مع هذا المأزق تعددت الأزمات :السكن ،التعليم ،البطالة المتفاقمة حتى بين الكفاءات .ويضاعفهاالانفجار السكاني بكل ما يحمله من تبعات واعباء ....اصبح الناس عموما والشباب خصوصا ازاء مأزق معيشي متفاقم ،بدون قضية وطنية نضالية تعوض عنه أو تجعله محتملا....بطالة الشباب الجاممعي المتزايد وانحسار فرص المستقبل ،وتناقص امكانات الاستهلاك ،مع غياب الدور الوطني النضالي ....لابد من تحطيم صورة الذات غير المقبولة ،أو استبدالها بأخرى تحمل التوزازن الوجودي ،أو التحول في دلالة الوجود من انعدام القيمة الكلي الى قيمة معقولة .هذه الحالة الأخيرة هي تحديدا حالة الأصولية والانتماء اليها .))(38)
الباحث مصصطفى حجازي يرى اذا ان الاصولية اجابة سلبية عن حالة الرعب والتوجس من هيمنة قيم الحداثة المنفلتة من عقالها في الغرب والتي تغيب انسانية الفرد وتقحمه في دوامة من الاستهلاكية واللامعنى ومن احتقار القيم والفكر المستنير الانساني لفائدة استبداد ليبيرالي واضح .يشير الاستاذ مصطفى حجازي الى ثلاث عناصر اساسية ساهمت وتساهم في تكوين الفكر الاصولي:1) تصاعدمشاعر الغبن والحرمان المادي وانعدام الفرص المتكافئة بفعل طبيعة النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يفرض تمايزا طبقيا صارخا ،حيث انه يجعل الانسان في خدمة الرأسمال والربح ،-وحتى المكتسبات التي حققها الانسان في نضالاته لتحسين شروط استغلاله لم تكن بفعل اقتناع الرأسمالية بحقوق الانسان انما باقتناعها بضرورة اطماع الانسان وتحفيزه لمزيد من توفير شروط استغلاله - ولا يعطي الرأسمال للانسان قيمة من حيث هو انسان انما من حيث هو انسان منتج أي صفقة مربحة،وهذا الشعور هو ما ينمي عقدة النقص والاحباط لدى شريحة كبرى من المهمشين والمقصيين ويتم تصريف هذا الشعور بالاجرام او المخدرات وعن طريق الاحتماء بالفكر الاصولي بحثا عن مجيب ميتافيزيقي عن حالة التيه والاقصاء،وفي معظم الاحوال عن منقد مخلص.2) احتقان خيبات الامل وتوالي النكسات ،بفعل فشل الحركات الاستقلالية في توفير الحد الادنى من شعاراتها واستثارتها بالسلطة وممارسة ديكتاتورية وهيمنة اقسى في بعض الحالات عن تلك التي مارسها الاستعمار المباشر ،فنرى مثلا ما فعلته جبهة التحرير الوطني من استنزاف ثروات الجزائر وقمعها لحقوق الانسان ومناهضتها للتعددية السياسية وهيمنة العسكر على دواليب الحكم والاقتتال الداخلي فيما بين الزعمات التي شاركت جنبا الى جنب في تحقيق الاستقلال السياسي،وكذلك نفس الشئ يمكن ان يقال عن الحركة الوطنية العراقية (والتي انتجت حزب البعث الذي مارس الاجرام والقمع والتقتيل وهجر ملايين العراقيين الى المنافي ،في الوقت الذي كان في نضاله ضد الاحتلال البريطاني يتبجح بالقومية العربية والاشتراكية )،كذلك نفس الشئ يقال مع الحركات الاستقلالية الاخرى التي فازت بالسلطة بعد انسحاب الاستعمار الاجنبي ،فالقاسم المشترك بينها هو اقصاء الشعب من المشاركة السياسية واهدار ثرواته وارساء انظمة ديكتاتورية قمعية. هذا النتيجة السياسية لاستمرار الاحتقان الداخلي وصراع القيادات الحزبية وفشل مشاريع التحديث الاجتماعي وسيطرة الشيخوخة السياسية على قيادات الاحزاب ومنظمات المجتمع المدني ،جعل الشباب يبتعد عن العمل السياسي ويبحث عن بدائل اخرى مختلفة في شعاراتها :الاسلام بدل القومية والاشتراكية ،الشورى بدل الديموقراطية والبرلمان،الدعوة بدل التعبئة والنضال ،الجنة والنصر الاخروي بدل الفوز في الانتخابات او رئاسة الوزراء...
3)البطالة وانحسار فرص المستقبل ،والمناهج التعليمية التي تبتذل وتنج العنف والكراهية وتسوق القتل والضغائن ،وتخوف الطالب والتلميذ من الآخر الاوروبي ،وتقدس الاساطير وتمجد الزعماء وتخون الوطنيين الحقيقيين.
خلاصة يمكن حصر عوامل ما سمى بالانبعاث الاسلامي او الاصولية الاسلامية الى ثلاث عوامل اساسية :
1-عامل سياسي :
يتلخص اساسا في الظروف الدولية التي تلت انتصار الثورة الايرانية ، والطفرة النفطية الخليجية مما شجع الحركات الاصولية في كل البلدان الاسلامية وحتى في اوروبا تحقيقا لمبدأتصدير الثورة في افق خلق اممية اسلامية. . بداية بتشجيع المعسكر الرأسمالي لمواجهة "الخطر الشيوعي".
وأدى تظافر القمع الداخلي للتنظيمات اليسارية التقدمية العلمانية والتطبيقات المشوهة للعلمانية -كما في تونس مثلا- و التشجيع الايراني-الخليجي الى انضاج شروط محلية ودولية سياسيا لتفشي الظاهرة الاصولية موضوع مناقشتنا.
2-عامل اقتصادي:
فمنذ انهيار الاتحاد السوفياتي وفشل الانظمة الوطنية الشعبوية في العالم الثالث ،واستفراد الرأسمال العالمي المتمثل اساسا في الشركات العملاقة المتعدية الجنسية بمصير العالم ،انهارت شروط العمل في الاطراف التابعة والمتخلفة ،وظهرت هيمنة الثالوث الامريكي -الاوروبي -الكندي على اقتصاديات العالم ، وتبخرت امال الشعوب في التنمية وتقرير المصير الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ،حيث تمتلك الدول الخمسة الاكثر تقدما (الولايات المتحدة ،وفرنسا ،والمانيا وبريطانيا ) 172 شركة من بين 200 شركة المرتبة ضمن اكبر الشركات المتعددة الجنسية ،وتزايدت مبيعاتها مابين 1982 1992 من 3000 مليار دولار الى 5900 مليار دولار ،وبذلك ارتفع نصيبها في الانتاج العالمي من 24.2 في المئة الى 26.8 في المئة ،مما يشير بوضوح الى حجم الفوارق الاقتصادية بين الدول. في الميدان المالي تتحكم اسواق نيويورك ولندن وطوكيو في 86 في المئة من المعاملات المالية المبرمة سنويا في الاسواق المالية في العالم ،واصبح العالم يعرف مرحلة اخرى بتحول الدولة -الشركة الى الشركة-الدولة ،وكثرت الاندماجات بين الشركات وقوة التمركز المالي في ايدي شركات قليلة ،يظاف الى كل هذه المعطيات السالفة الذكر تفكك الاقتصادات الاشتراكية في اوروبا الشرقية والصين وفيتنام ،ووصول الشركات لأول مرة الى اسواقها العالمية ،كما استفحلت ظاهرة نزيف القطاع العام بفعل موجات الخصخصة (مثل الكهرباء والغاز والمعادن والاتصالات والبنوك وشركات التأمين ..)مع اضعاف الحركات العمالية ، والاجهاز عن اهم المكتسبات التي حققتها في نضالها وهو استقرار العمل حيث بدأالحديث الآن عن العمل بالعقدة ،وتستعين القوى المسيطرة عالميا بحكومة حقيقية مكونة من صندوق النقد الدولي والمنظمة العالمية للتجارة و البنك الدولي مساندة بدرع عسكري هو حلف شمال الاطلسي ،فقد ادت سياسة التقشف او ما سمي ببرامج التقويم الهيكلي الى تأزيم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ،حيث فرضت على الدول تخفيض الاعتمادات المرصودة للقطاعات الاجتماعية ، كما تم اعتماد الاقتصاد التصديري القائم على رخص اليد العاملة ،مما ساهم في نشر الفقر وعولمته ،يمكن الحديث عن ما بات يسمى باستعمار السوق ،الذي يفرض من طرف صندوق التقد الدولي والبنك الدولي بتنسيق مع نادي باريس ولندن ومجموعة السبعة الكبار ،ففي عالم يبلغ تعداده 6 مليار انسان يعيش 5 مليار في دول فقيرة ،وفي الوقت الذي تستحوذ فيه الدول الغنية التي لا يتعدى تعداد سكانها 15 في المئة من سكان العالم على 80 في المئة من الدخل العالمي ،فإن 56 في المئة من البشرية تعيش في دول فقيرة جدا ،وان 3 مليار من البشر يحصلون على 5.4 في المئة من الدخل الاجمالي ،اي اقل من الدخل القومي لفرنسا .ونصيب افريقيا ذات 450 مليون نسمة لا يتعدى 1 في المئة من الدخل الاجمالي العالمي ،اي ما يعادل نصف دخل ولاية تكساس (21) هذه النزر اليسيرة من المعطيات التي تبين ثقل المأساة الانسانية التي تجتاح العالم خصوصا في التسعينات ،افرزت تعابير وطروحات سياسية متطرفة تكفر الحاضر و تسعى الى ايجاد تفسيرات اخلاقية لأزمات العالم و من هذه التعبيرات السياسية نجد الاسلام السياسي . باختصار شديد ،يمكن القول بأن الاسلام السياسي هو صوت الجماهير المقموعة والمقهورة ولكن المستثمر بشكل سلبي.
3-عامل تربوي :
يتلخص هذا العامل في تفشي الانغلاق و قيم الكراهية والتعصب في المنظومة التربوية في العالم الثالث ،خصوصا اتجاه الاقليات الدينية والعرقية ،حيث نجد في كتبنا المدرسية تحريض على معاداة اليهود ،وعلى احتقار المرأة و تبجيل "الجهاد ضد الكفار "
فيما تفتقر منظومتنا التربوية على مقومات الحداثة والانفتاح وتعظيم لغة الحوار وفهم الآخر. وبعد احداث 11 سبتمبر الارهابية بدأت حملة امريكية -اوروبية للضغط على مجموعة من الدول العربية لتغيير مناهجها التربوية ،ادراكا منها ان المدرسة العربية عموما هي المسؤولة عن تفريخ الارهابيين .
3- دراسة نقدية لبعض طروحـــــــات الاســــــــلام السيـــــــــــاســــــــــــــــــــي :
1-في موضوع المرأة: يعتبر موضوع حقوق المرأة من المواضيع الرئيسية التي توضح موقف الاسلاميين من المشروع الديموقراطي التقدمي ، باعتبار النظرة الى المرأة تعكس بشكل مباشر النظرة الى الاسرة والفرد والى المجتمع في النهاية ،اي ان طبيعة العلاقات الاجتماعية التي يروم الاسلاميين تشييدها تتلخص في موقفهم من حقوق المرأة . لكن السؤال الاهم بالنسبة الينا هو :لماذا يكره الاسلام السياسي حقوق المرأة ؟ مقاربة هذا السؤال تستوجب معرفة موقع المرأة في التراث الاسلامي اولا ثم تبيان المستفيدين من الوضع الاقصائي للمرأة عن الحياة العامة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ثانيا .
*المرأة في التراث الاسلامي : تتلخص نظرة التراث الاسلامي الى المرأة في القصة التالية(للاشارة فهذه القصة لم يتم ذكرها في القرآن ولكن تم ذكرها من طرف بعض المفسرين ،لكنها بقيت منتشرة ومتعلقة بالذهنية الشعبية،وهي قصة توراتية ) التي تبرر ماتعانيه المرأة طيلة تاريخها من معاناة واقصاء واحتقار :" لما أسكن الله آدم وزوجته الجنة ،ونهاه عن الشجرة ،وكانت شجرة غصونها متشعب بعضها في بعض ،وكان لها ثمر تأكله الملائكة لخلدهم ،وهي الثمرة التي نهى الله آدم وزوجته عنها.فلما اراد ابليس ان يستذلهما دخل في جوف الحية ،وكان للحية اربع قوائم كأنها بختية (ناقة عظيمة تتبختر في مشيتها وتتعاجب ) من احسن دابة خلقها الله .فلما دخلت الحية الجنة ،خرج من جوفها إبليس فأخذ من الشجرة التي نهى الله عنها آدم وزوجته ،فجاء بها الى حواء ،فقال: أنظري الى هذه الشجرة ،ما أطيب ريحها ،وأطيب طعمها ،وأحسن لونها ،فأخذت حواء فأكلت منها ،ثم ذهبت بها الى آدم فقالت : أنظر الى هذه الشجرة ،ما أطيب ريحها ،وأطيب طعمها ،وأحسن لونها ، فأكل منها آدم ،فبدت لهما سوءاتهما ،فدخل آدم جوف الشجرة ،فناداه ربه :يا آدم أين أنت ؟ قال :أنا هنا يا رب ،قال الا تخرج ؟ قال :أستحي منك يا رب ،قال :ملعونة الأرض التي خلقت منها لعنة يتحول ثمرها شوكا ، ولم يكن في الجنة ولا في الارض شجرة افضل من الطلح والسدر .ثم قال :يا حواء ،انت التي غررت عبدي ،فإنك لا تحملين حملا الا حملته كرها ،فإذا أردت تضعي ما في بطنك أشرفت على الموت مرارا .وقال للحية :انت التي دخل الملعون في جوفك ، حتر غرر عبدي ،ملعونة أنت لعنة تتحول قوائمك في بطنك ،ولا يكون لك رزق الا التراب ،أنت عدوة بني آدم وهم اعداؤك حيث لقيت احدا منهم أخدت بعقبه (طاردته) ،وحيث لقيك شدخ (حطم) رأسك . (27)
يقول الدكتور ناصر حامد ابوزيد مناقشا هذه القصة :((قصة خروج آدم وحواء من الجنة تقدم تعليلا لظاهرتين طبيعيتين :الاولى منهما ظاهرة((الدورة الشهرية )) عند المرأة وما يصطحبها من آلام من جهة والآلام المصاحبة لعمليات الحمل والولادة من جهة اخرى. ويتصل بهذه الظاهرة الاولى تبرير الوضعية المتدنية للمرأة في الواقع الاسلامي العربي ،كما يبدو من وصفها بنقص ((العقل)) و((الدين )) .أما الظاهرة الثانية التي تتعرض القصة لتعليلها في سياقها بشكل يبدو عرضيا فهي ظاهرة ((الحية)) الزاحفة ، ويبدو أن ألفة العربي للحيوانات ذات القوائم الزاحفة في حاجة الى تفسير .لكن الاخطر في القصة تلك هو ذلك الربط الذي اوقعته بين ((حواء)) و((الحية)) لا على مستوى الاشتقاق اللغوي فقط ، بل على مستوى اشتراكهما معا في مساعدة الشيطان لإغواء آدم الرجل حتى ارتكب معصية وخرج -وخرجت معه البشرية كلها -من ((الجنة)) .ولأنهما اشتركا في جريمة مستمرة الأثر وشاملة ،فقد كان عقابهما معا عقابا من جنس العمل ،عقابا مستمرا وشاملا )).(28)
هذه النظرة الدونية للمرأة في الموروث الاسلامي ماتزال مستمرة متجددة وعلى اصعد مختلفة ،وتلعب القراءة النصية للنصوص الدينية ،دورا كبيرا في تعظيم وتبرير تهميش المرأة في العمل والمشاركة السياسية وكل مناحي الحياة . فالحرب الاعلامية التي شنت على المرأة وعلى المدافعيين عن حقوقها اثناء اعتزام حكومة اليوسفي عرض مشروع خطة ادماج المرأة في التنمية في المغرب ،استندت كل مفرداتها على ما سمي القراءة الشرعية للنصوص القرآنية لتبرير معاداة الخطة للاسلام ، والحال ان معاداة الاسلام ،تكون بتجهيل و اقصاء نصفه أي النساء في عصر يستوجب تظافر كل الجهود بغض النظر عن جنسها لجسارة مهمة اللحاق بالتقدم وتجاوز الفوات الحضاري على حد قول الدكتور فؤاد زكرياء.
ما تعرضت له الخطة الوطنية لادماج المرأة في التنمية تتعرض له مدونة الاحوال الشخصية ،حيث نظرا لتركيبة اللجنة المنوط بها مراجعتها ، المكونة اساسا من الاصوليين المتزمتين المعاديين لقيم التحرر والتقدم ،فالمدونة ما تزال معتقلة وحقوق المرأة معها ،لذلك من اللازم ان نقدم مرافعة تفنيذية لمواقف الاسلام السياسي من القضايا التالية المتعلقة بالمرأة ،والتي يرتكز عليها الاسلام السياسي في رفضه لحقوق المرأة ممثلا بذلك دور حراس العقائد :
*المرأة والاختلاط :
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس هيئة البحوث والافتاء في السعودية ،بعنوان (( عمل المرأة من أعظم وسائل الزنا )):
"ان اخراج المرأة من بيتها الذي هو مملكتها ومنطلقها الحيوي في هذه الحياة اخراج لها عما تقتضيه فطرتها وطبيعتها التي جبلها الله عليها .فالدعوة الى نزول المرأة الى الميادين التي تخص الرجال امر خطير على المجتمع الاسلامي ،ومن أعظم آثاره الاختلاط الذي يعتبر من أعظم وسائل الزنا الذي يفتك بالمجتمع ويهدم قيمه وأخلاقه " (النص مأخود من كتاب نصر حامد ابوزيد :دوائر الخوف قراءة في خطاب المرأة الذي نقله بدوره عن مجلة روز اليوسف العدد 3553 -15 يوليوز 1996 ص25 .
المرتكز النصي -الاية33 من سورة الاحزاب :(( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا))
يرتكز حكم المعارضين على ان الاية تتوجه ويسري مفعول حكمها على كل الزوجات والنساء أي انهم يعطون الاولوية لعموم اللفظ لا خصوص السبب ،ومن بين المناصريين لهذا الرأي كذلك نجد الشيخ محمد ناصر الالباني .
من المناصرين لخروج المرأة وعملها نجد الاستاذ فهمي هويدي الذي اعتبر الاية السالفة ذكرها تخص زوجات الرسول أي تخص سببا بعينه ولا يجوز الاخد بعموم اللفظ ويستشهد الدكتور الهويدي وأخريين من المساندين لعمل المرأة بالايات التالية :
(( بعضكم من بعض )) (ال عمران 195) أي ان كلا منهما مكمل للآخر وهي جزء من الرجل والعكس صحيح .وهو ما عبر عنه النبي في قوله ((النساء شقائق الرجال ))
يقول نصر حامد ابوزيد مناصرا عمل المرأة من جهة و ناقدا للتأويل الرجعي لبعض الايات :
(( بتتبع النصوص الدينية المتعلقة بقضايا المرأة في القرآن الكريم خاصة ،يمكن لنا القول ان ((المساواة)) بين الرجل والمرأة تمثل مقصدا من مقاصد الخطاب القرآني ،والنصوص الواردة بهذا الشأن لا تحتمل تأويلا يتجاوز دلالاتها المباشرة .ومن الاهمية بمكان ابراز ان القرآن على عكس التوراة مثلا لا يجعل من (حواء) -نموذج الجنس النسائي -وسيلة الشيطان لإغواء آدم بالاكل من الشجرة المحرمة عصيانا للأمر الإلهي .القرآن واضح في التسوية بين آدم وحواء في المسؤولية والعقاب معا .ولكن المفسرين المسلمين أدمجوا القصة التوراتية في تفسيرهم ،وحملوا حواء مسؤولية الخطيئة،وهكذا صارت المرأة في الخطاب المتشدد في كل عصور التخلف عنوانا للرجس والخطيئة ومدخلا للشيطان ،وصار حبسها وحجبها عن الاختلاط والفعالية الاجتماعية هو الحل لصونها هي وحدها فقط من اغراء ابليس بل لصون الرجل كذلك ...... الخطأ كل الخطأ يكمن في ان تعامل التعبيرات السجالية على اساس انها تشريعات جاء بها الاسلام ،وهو الامر الذي يفسر لنا كثرة الفتاوى والتأويلات الخاطئة النابعة من ذلك الخلط بين السياق السجالي والسياق التشريعي . ان " المساواة بين المرأة والرجل تتجلى بوصفهامقصدا من مقاصد القرأن الكريم من جانبين : الجانب الاول هو المساواة في اصل الخلق من "نفس واحدة " ،ومرة اخرى خلافا للتوراة التي تعتبر حواء جزءا من آدم (خلقت من ضلع من ضلوعه ،قيل فيما بعد انه الضلع الأعوج الذي يحتاج دائما للتقويم وبالتأديب )والجانب الثاني هو المساواة في التكاليف الدينية وما يترتب عليها من ثواب او عقاب وذلك كما نرى في النصوص التالية :
1((يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ان الله كان عليكم رقيبا)) النساء الاية1
2-((هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن اليها )) الاعراف 189
3- (( من عمل عمل صالحا من ذكر وانثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ))النحل 97
4-(( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله ان الله عزيز حكيم )) التوبة 71
* المرأة وتعدد الزوجات : يعتمد الاسلام السياسي في دعوته الى تعدد الزوجات على قضيتين رئيسيتين :
اولهما : سورة النساء الآية 2 :(فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ،أو ما ملكت أيمانكم )
ثانيهما : زواج الرسول باكثر من واحدة ،وبالتالي اتباعا للسنة النبوية يجوز الزواج باكثر من واحدة.
يدعي الاسلاميون اذا ان تعدد الزوجات من الامور القطعية التي اتى بها النص القرأني بشكل حرفي وصريح ،وبالتالي فتعطيل هذا الحكم تعطيل لأمر من اوامر الله تعالى الذي لا يحتمل الاجتهاد طبقا للقاعدة الفقهية الشهيرة "لا اجتهاد مع وجود النص" بداية نرد على هذه القاعدة الفقهية بالقول بأن الخليفة عمر بن الخطاب -احد المبشرين بالجنة- قد عطل تطبيق حكم قطعي بعدم قطع يد السارق .فكيف اباح لنفسه الاجتهاد وبالتالي خرق القاعدة الفقهية المذكورة ؟
مع التأكيد على صعوبة النقاش مع عقل نقلي حرفي لانه لا يقبل النقاش اصلا ولا التفكير العقلي لكننا يمكن ان نبين بعض مؤاخذتنا على تهافت اباحة تعدد الزوجات . فتدبر الآية موضوع النقاش :(فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع أو ما ملكت أيمانكم ) ، لماذا يتم تغييب اباحة معاشرة ((ملك اليمين)) مع انها منصوص عليها بنفس الوضوح والقطعية ؟ ان الاجابة عن هذا التساؤل توضح تهافت موقف الاصولي الذي يتجاهل تاريخية النص الديني ، وييتجاهل حركية ودينامية التطور الاجتماعي الانساني ،ومن هنا اهمية التأكيد مجددا على ان القرآن نص وفعل تاريخيين .
يقول الدكتور نصر حامد ابوزيد مناقشا تعدد الزوجات :(( ان اباحة التعدد حتى 4 يجب ان تفهم وتفسر في سياق طبيعة العلاقات الانسانية -وخاصة علاقة المرأة بالرجل -في المجتمع العربي قبل الاسلام .وفي هذا السياق سنرى ان هذه الاباحة كانت تمثل تضبيقا لفوضى امتلاك المرأة وارتهانها ،وخاصة اذا كانت من الطبقات الدنيا داخل القبيلة .والشواهد الكاشفة عن تردي وضع المرأة يمكن استشفافها من كثرة الاحكام الواردة بهذا الشأن في القرآن ،وخاصة احكام الزواج والطلاق والعدة والنفقة والميراث .... وفي هذا السياق نرى ان تحديد العدد بأربعة يمثل -تاريخيا - نقلة في تحرير المرأة من الارتهان الذكوري .وهي نقلة تكتسب أهميتها من مجمل التشريعات الخاصة بالمرأة في النصوص الاسلامية .وبما هي نقلة نحو التضييق ،فإن حصر الزواج في امرأة واحدة بعد خمسة عشر قرنا من تطور البشرية يعد نقلة طبيعية في الطريق الذي بدأه الاسلام )).(29)
تناول الدكتور نصر حامد ابوزيد في مرافعته هاته عن تهافت القراءة النصية للآية المتعلقة "بإباحة التعدد" اهمية القراءة السياقية التاريخية للنصوص الدينية واهمية استحضار الظروف التاريخية التي اثمرت حكما من بين الاحكام مع ضرورة معرفة معنى النص ومغزاه العام مع ربطهما بالمقاصد العامة للنص الاسلامي الذي يروم تحقيق العدل والمساواة . ولتعزيز هذه القراءة السياقية" الداخلية" للنص اذا شئنا تسميتها قام الباحث بقراءة اخرى لكن هذه المرة في السياق الكلي للقرأن ،مؤمنا بترابط فقراته الدلالية وتوحد مقاصده ،يقول الباحث :((وضع النص يكشف لنا عن بعد مهم من ابعاد الدلالة ،هو البعد المضمر او ((المسكوت عنه))في الخطاب .في نصوص اخرى يتحدث القرآن عن نفس القضية -قضية الزواج والزوجات-فيقول :((وان خفتم ألا تعدلوا فواحدة )). هذا النص يؤكد استدلالنا في المحور السابق عن طبيعة الحركة التي يحدثها النص في وضع المرأة في الواقع الذي يخاطبه الوحي .لكن الآية التالية -في نفس الموضوع -تحسم الموقف تماما وتكاد تلغي ((التعدد )) الذي يتمسك به السلفي :(( ولن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم )). ان دلالة الآية بحسب منهج التحليل اللغوي يعني نفي العدل بين النساء -في حالة التعدد - نفيا مطلقا .يتبدى هذا من خلال بناء الجملة الشرطي اولا ،ومن خلال استخدام اداة الشرط ((لو)) ثانيا وهي الأداة التي تفيد امتناع وقوع الجواب لامتناع وقوع الشرط .ومعنى هذا التركيب ان الحرص على العدل -مجرد الحرص-لن يقع ،وعلى ذلك يمتنع وقوع الجواب ((العدل)) امتناعا كليا.لكن الأهم في التركيب القرآني للآية بدؤها بأداة النفي ((لن)) التي تفيد التأييد ،أي نفي حدوث في الحاضر والمستقبل معا ،هذا بالاظافة الى تقديم جواب الشرط المنفي على فعل الشرط المنفي هو ايضا بالأداة ((لو)) .نحن اذا ازاء حالة من النفي المركب على مستوى الدلالة ،نفي أمكانية العدل بين النساء نفيا أبديا ،بل نفي محاولة الحرص على تحقيق هذا العدل.
هذا النفي المركب المعقد للعدل في حالة تعدد الزوجات ،اذا أضفنا اليه ان ((العدل)) مبدأ من المبادئ الجوهرية في الاسلام .يعني ان ثمة تعارضا -من وجهة نظر القرآن -بين(( المبدأ)) وبين الحكم بالإباحة .والحكم لا يرقى الى مستوى المبدأ .ذلك ان الحكم حدث جزئي نسبي مرتهن بشروط متغيرة بالضرورة ،وهذا ماأثبتناه في المحور السابق ،حين قلنا إن إباحة التعدد كانت في الواقع ((تضييقا)) يمثل نقلة-مجرد نقلة- في وضع المرأة في ذلك الواقع الاجتماعي الذي خاطبه الوحي .واذا تعارض الحكم مع ((المبدأ )) فلا بد من التضحية بالحكم .هكذا يكاد القرآن -في تطور سياقه الداخلي -يحرم بطريقة ضمنية -او بدلالة المسكوت عنه-تعدد الزوجات.(30)
نفس الموقف من القضية اتخذه الدكتور محمد عبد الملك المتوكل (استاذ العلوم السياسية في كلية التجارة والاقتصاد والعلوم السياسية-جامعة صنعاء -اليمن):
(( الاسلام لا يوجب الطلاق ولاتعدد الزوجات ولا ينصح بهما ،بل على العكس من ذلك لقد وضع الاسلام شروطا تقترب من المنع .فاشترط ((العدل)) عند تعدد الزوجات .ونصح ،تجنبا للخطأ، بالاقتصار على واحدة :(( فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة )) ((النساء3))
واكثر من ذلك فإن الله قد أكد على استحالة العدل حتى مع الحرص ،يقول تعالى :
((ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)) ((النساء 129))
وحين تنتفي القدرة على العدل -وهو الشرط الاساسي للفعل-ينتفي الجواز بالفعل. يقول الجابري ((فهذا ميل واضح بالمسألة الى المنع)).(31)
الكاتبة والطبيبة السورية، الدكتورة مية الرحبي ، حاولت ان تقارب- في بحث مهم لها نشر في جريدة الطريق اللبنانية تحت عنوان التمييز والعنف ضد المرأة في المجتمعات العربية قديما وفي زماننا - موضوع تعدد الزوجات واعتبرت هي الاخرى اقرار الاسلام لعدد محدد من الزوجات نقلة نوعية في سيرورة التطور الانساني للمجتمعات ، مستشهدة بذلك بعدة وقائع تبين الوضع المأسوي والظلم الذي كابدته المرأة في عصور ما قبل الاسلام بفعل سيطرة السلطة الابوية وانتشار ظاهرة وأد البنات واعتبار المرأة بضاعة تباع وتشترى ،لكن مع بروز الثورة المحمدية كان لابد لهذه الثورة الجديدة ان تميز اولا نفسها عن الاوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية التي ثارت عليها ثم تحاول ان تحمي الى حد ما وفي خطى متدرجة حماة الثورة الجديدة أي العبيد والنساء لذلك نستشف من قرائتنا لنصوص القرآن المتعلقة بتحريم العبودية تدرج مفهوما بفعل جنينية الثورة وصعوبة تغيير نظم العلاقات الاجتماعية منذ الوهلة الاولى من جهة وكذلك لحماية تحاولات النبي من الزعمات القبلية التي تتوفر عى عدد كبير من العبيد ،نفس الاعتبارين يمكن ان يقاس بهما التدرج في تحريم الخمر وبنفس المنهجية التدرجية اعتبر تضييق تعدد الزوجات بداية لتحرير المرأة من فوضى الامتلاك ،تقول الدكتورة مية الرحبي محاولة شرح هذا المقصد الاسلامي -بشكل اكثر تفصيلا-:((لقد كان من المفروض والبديهي ان يقود الشكل الجديد من النظام الاقتصادي السياسي ،وهو الدولة الاسلامية ،الى ترسيخ الزواج الأحادي ،كما هو معروف في سلم التطور لدى جميع الشعوب ،الا انه من البديهي أيضا ان يقاوم الرجل خسارة الميزات التي نالوها في احضان الاسرة الابوية ،فالرجل الذي يملك عددا من البشر يتحكم بحياتهم ومصائرهم ،والذي يستمتع بعدد لا محدود من النساء بقدر ما تيتيح له ثروته أن يشتري ،لن يتخلى عن حقه مهما آمن بتعاليم الدين الجديد والتي انطوت ،في جزء كبير منها ،على معاملة البشر جميعا سواسية لا فضل لأحد منهم على الآخر ..... اساس نظرة الدين الجديد للمرأة انها انسان كامل الاهلية ،فقد ساوى بينها وبين الرجل في الاهلية والثواب والعقاب في 63 آية من القرآن الكريم ،وحررها من مسؤولية الخطيئة الأولى ،وبذلك اعاد أليها اعتبارها إنسانة كاملة العقل مسؤولة عن تصرفها ،وكان ذلك قفزة مهمة الى الامام ،ولكن على مستوى الحياة اليومية ،لم يكن من الممكن القيام بإجراء ثوري شامل فيما يتعلق بالنساء لأن ذلك من شأنه ان يثير حفيظة الرجال الذين كان لابد من استرضائهم وعدم اثارة مشاعر عدوانية من قبلهم تجاه الدين الجديد ،وهة المقاتلون حاملوا لواء العقيدة وناشروها في أصقاع الأرض ،لذا كانت الأحكام المتعلقة بالمرأة تمر بمراحل متعددة من شد ورخي بين النسوة اللاتي اسهمن في الجهاد من اجل العقيدة الجديدة ،واللاتي وجدن فيها خلاصهن ،وبين الرجال الذين أبوا ان يتخلوا عن مكاسبهم السابقة ،وكان عماد نشر الدعوة.))(32) الدعوة الجديدة كانت امام امتحان سياسي بالغ الخطورة وهو التوفيق بين ركائز الثورة من جهة النساء والعبيد ومن جهة اخرى الرجال والاسياد فلم يكن امام الاسلام سوى حل توفيقي حاول اصلاح وضعية المرأة دون اثارة حفيظة الرجال فقرر زواج اربعة نساء كحد اقصى لكن مع ابقاء ملكات اليمين ، وهنا يتبن مدى قوة توغل الفكر الذكوري ومدى خطورة الثورة الشاملة في المجتمع القرشي على الثورة المحمدية. تقول الباحثة مية الرحبي:((وإن كان الدين الجديد قد أعطى اشارات لاحت ضمن تعاليمه وأعطت بدايات الطريق لمزيد من منح المرأة حقوقها استكمالا لكيانها الانساني :
1-بقي تعدد الزوجات مباحا و من المعروف ما في ذلك من اضطهاد نفسي للمرأة وإن كان قد حد مسألة تعدد الزوجات الى حدود دنيا وذلك بربطه بموضوع اليتامى ،واشترط العدل :((وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ،فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ،فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة )) النساء (الاية3) -((ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم )) (النساء 129).لكن يبدو ان الرجال لم يكونوا مستعدين للتقيد بأي شروط فيما يتعلق بتعدد الزوجات ،بل إن الرسول نفسه لم يتقيد به ،مع أنه اعطى اشارة للجيل القادم بالاقتصار على زوجة واحدة ،عندما منع علي بن ابي طالب من الزواج بأخرى عندما كان زوجا لفاطمة بنت الرسول ،بل انه وقف على المنبر وقال :((إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن ينكح ابنتهم علي بن ابي طالب ،فلا آذن لهم ابدا ،ثم لا آذن لهم ،اللهم الا ان يحب ابن ابي طالب ان يطلق ابنتي وينكح ابنتهم ،فإن فاطمة بضعة مني يربيني ما رباها ويؤذيني ما آذاها .وإني اتخوف ان تفتن في دينها.)) (البخاري ومسلم) (33 )
السؤال المطروح وبالحاح هو لماذا لم يستمر المسلمون في اتباع مقصد الاسلام في تحقيق العدل والمساواة بعد مرور اكثر من 15 قرن ،وهي مدة كافية لإعادة صياغة العلاقات الاجتماعية وفق منظور متوازن ، تقرر فيه المساواة بين النساء والرجال في كافة الحقوق ؟
لماذا بقيت احزاب اسلامية في القرن الواحد والعشرين تطالب بتعدد الزوجات ؟ مثل حزب العدالة والتنمية المغربي الذي حارب مطالب الحركة النسائية والحركة الديموقراطية بكل شراسة ،الى حد انه اعتبر عرقلته للخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية من اعظم منجزات فريقة النيابي خلال الولاية التشريعية 1997 -2002 ،يقول تقرير فريق العدالة والتنمية الموسوم ب فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب حصيلة السنوات الخمس التزام وعطاء،الولاية التشريعية1997-2002 ص101 الطبعة الاولى :"ساهم فريق العدالة والتنمية الى جانب عيره من القوى الاسلامية والوطنية الغيورة على الهوية الاسلامية للمغرب ومن خلال موقعه البرلماني في مناهضة ما سمي ب"الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية " ومواجهته ،وذلك من خلال عدة محطات يبقى من ابرزها المواجهة التي عاينها الرأي العام الوطني عقب الحملة الاعلامية الشرسة التي قادها اليسار ضد خطباء المساجد والدعاة على خلفية مهاجمتهم "للخطة " (34)
بداية لابد ان نقر بأن لكل حزب او شخص اوجماعة كامل الحق في معارضة خطة حكومية معينة او قبولها ،ليس هذا مجال اعتراضنا ،لكن هذا الاقرار لا يجب ان يخفي مضمون هذه المعارضة ،فعندما يعارض حزب ما خطة او مشروع قانون لابد ان لديه مشروعا بديلا او في هذه الحالة خطة بديلة افضل من المطروح للنقاش او المصادقة ،فماذا يقترح حزب العدالة والتنمية في موضوع تعدد الزوجات -على سبيل المثال- بديلا عن خطة الحكومة التي تقر ولو- بشكل ضمني- بأحادية الزواج :" بخصوص تقنين تعدد الزوجات فقد اقر المشرع وجوب اشعار الزوجة الاولى وكذلك الثانية في حالة ارادته الزواج بهذه الاخيرة ،الا انه لم يرتب أي أثر على عدم الإشعار أو التدليس الذي يمكن أن يكون مصدره الزوج وتكون الزوجة الثانية ضحيته في الوقت الذي يمكن لو كانت عالمة بأنه متزوج بغيرها ان ترفض الزواج به. لذلك تم اقتراح ان الاشعار من واجب القاضي كما ان عدمه يؤدي الى اعطاء المرأة الثانية الحق في طلب التطليق داخل اجل ستة اشهر من تاريخ علمها بواقعة الزواج بالأولى.ومن جهة ثانية ونظرا لأن التي لم تشترط الخيار يعطيها النص الجاري به العمل الحق في رفع الامر الى القضاء لللنظر في الضرر الحاصل لها من اجل رفعه فإننا ارتأينا ان نقترح إضافة الى ذلك أعطاءها حق التطليق اذا ثبت ان هناك ضررا بسبب الزواج عليها. (35)
موقف العدالة والتنمية كما يوضحه فريقهم النيابي ،يساند ويقر بتعدد الزواج ، وكل دعواته من اجل حماية المرأة والدفاع عن الاسرة دعاوى باطلة ،طالما انه ينكر على عماد الاسرة حقها في تقرير مصيرها ،بل يوجب عليها طاعة زوجها والتفرغ لتحقيق مآربه ،.

انــــــغــــــــــيـــــر بـــــوبــــكــــر
الـــــــمــــــــــــــراجـــــــــــــــــــع :
(1) كتاب "ما العولمة "مشترك بين الدكتور حسن حنفي والدكتور صادق جلال العظم -منشورات دار الفكر الطبعة الثانية 2002ص 67
(2) كتاب الاسلام السياسي -اشراف محمود امين العالم وتأليف مجموعة من الباحثين -الطبعة الثانية الدارالبيضاء 1991.ص14
(3) و(4)و(5)و(6) نفس المرجع ص15-16-18-19
(7) و(8)سمير أمين -مجلة الطريق -شتنبر-اكتوبر2002 ص10
(9)و(10) كتاب الاسلام السياسي -اشراف محمود امين العالم وتأليف مجموعة من الباحثين -الطبعة الثانية الدارالبيضاء 1991.ص6
(11) و(12)الاسلام السياسي -محمد سعيد العشماوي (الطبعة الثانية ) الدارالبيضاء 1991 ص5-9
(13)و(14) و(15)الاسلام السياسي صوت الجنوب(قراءة جديدة للحركة الاسلامية في شمال افريقيا ) -فرانسوا بورجا -1994 ص 27و70
(16) عاطف احمد-مجلة الطريق -شتنبر-اكتوبر2002 ص26
17)رياض زهر الدين-مجلة الطريق -شتنبر-اكتوبر2002ص33
(18)رؤى اسلامية معاصرة -كتاب العربي 15 يوليوز2002 -مجموعة من الباحثين
(19) او(20)لحركة الاسلامية -منشورات الزمن (كتاب الجيب رقم 3 )-يونيو 1999 ص-9
(21) المعطيات الاحصائية مأخودة من مجلة شؤون الاوسط العدد 107 صيف2002
(23)و(22) ازمة المعارضة السياسية العربية ص13 -ص21 الطبعة الاولى ديسمبر2001
(24) نصر حامد ابوزيد ((دوائر الخوف في خطاب المرأة ص181 و182
(25) برهان غليون :نقد السياسة الدولة والدين الطبعة الاولى1991 ص196-197-198
(26) فؤاد زكرياء : الصحوة الاسلامية في ميزان العقل -الطبعة الاولى 1985 ص37
(27) نصر حامد ابوزيد((دوائر الخوف في خطاب المرأة ص19 و20)) ((نقلا عن تفسير الامام الطبري الجزء الاول ص 335 ط دار الفكر بيروت 1984 م))
(28)و(29)و(30)نصر حامد ابوزيد((دوائر الخوف في خطاب المرأة ص19-288-289))
(31) سلسلة كتب المستقبل العربي (17) حقوق الانسان العربي منشورات مركز دراسات الوحدة العربية ص116)
(32)و(33) الدكتورة مية الرحبي -مجلة الطريق اللبنانية -العدد الثاني /مارس-ابريل2003 ص87
(34)و(35)فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب حصيلة السنوات الخمس التزام وعطاء،الولاية التشريعية1997-2002 ص101 الطبعة الاولى
(36) فالح عبد الجبار :نظرة الى عوامل ابعاث الحركة الدينية الاسلامية عموما -مجلة النهج /السنة الرابعة عدد15 /1987 /ص132-133
(37) سعيد سالم :تاثير العامل الديني في الاصطفافات السياسية في العالم العربي مجلة النهج /السنة الرابعة عدد15 /1987 /ص30-31
(38) مصطفى حجازي -حصار القفافة بين القنوات الفضائية والدعوة الأصولية.الطبعة الاولى1998 ص122/123/124/125/126/127
(39) فرنسيس فوكوياما -نهاية التاريخ والانسان الاخير (اشراف المراجعة والتقديم /مطاع صفدي) بيروت1993 ص306



#انغير_بوبكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا بين مطرقة تقرير ديتليف ميليس وسندان تقرير تيري رود لار ...
- الديمقراطية والاصلاح السياسي وانظمتنا القمعية :هل يصلح العطا ...
- متى تعلنون حياة الشباب المغربي؟
- التعددية السياسية-الواقع و التحديات
- الدستور العراقي والارهاب
- خريطة الطريق الامازيغية
- هل حركة البوليزاريو حركة تحرر وطني او حركة ارهابية؟
- هل يفلح الدستور العراقي الجديد في دحر الارهاب؟
- الحركة الامازيغية والانتقال الديموقراطي :مقاربات اولية


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - انغير بوبكر - الاسلام السياسي : مقاربات نقدية