|
مادة للمناقشة: إشكالية النزوح واللجوء من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. وسبل مواجهتها!
كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 5047 - 2016 / 1 / 17 - 17:15
المحور:
حقوق الانسان
المدخل: حول ما جرى في عيد رأس السنة 2016 بألمانيا تتكشف المعلومات يوماً بعد آخر عن السلوك الضال والمتحلل من كل خلق إنساني وحضاري لجمهرة صغيرة من العرب والأفارقة من مجموع عشرات الآلاف من العرب والفارقة المسلمين المقيمين وعشرات الآلاف الأخرى من اللاجئات واللاجئين والأطفال القادمين من سوريا والعراق ودول شمال أفريقيا الذي حصل في أكثر من مدينة ألمانية، ومنها بشكل خاص كولون وهامبورغ وشتوگارت وفرانكفورت. ففي ليلة عيد رأس السنة الميلادية 2016، لتمارس الفوضى والسكر والعربدة والضرب والسرقة والتحرش بالنساء والاعتداء والاغتصاب الجنسي لبعض الفتيات الألمانيات اللواتي جئن إلى الساحات العامة للاحتفال بهذا العيد السعيد، عيد السلام. كما تعرض بعض الرجال الألمان للاعتداء بالشتم والبصاق والإساءة. هذا ما تحدث به الذين شاركوا في تلك الاحتفالات، وهذا ما تحدثت به وسائل الإعلام الألمانية والمسؤولون الألمان ومن مختلف الاتجاهات والأحزاب السياسية. وقد تشكلت لجنة ألمانية قوامها 80 شخصاً من المختصين في محاولة لجمع المعلومات عن المشاركين في هذه الأحداث المؤسفة وفهم أبعادها ومدى عفويتها أو تنظيمها وسبل مواجهتها ومنع تكرارها. كما قد تم تشخيص أكثر من 34 مشاركاً في تلك الاحتفالات ومن العرب المقيمين واللاجئين الجدد حتى الآن، بينهم 22 شخصاً من دولة المغرب والبقية موزعون على الجزائر وسوريا والعراق وأفغانستان. وقد اعترف هؤلاء بأفعالهم، وهم قيد الحبس المؤقت لحين المحاكمة. كما يجري التحي عن بقية المشاركين. وتظهر يوماً بعد أخر ردود الفعل على المستويين الرسمي والشعبي، والتي يمكن أن يكون بعضها منتظرا،ً نتيجة الهزة التي أصيب بها المجتمع الألماني بتلك الأحداث المفاجئة والتي لم يكن يتوقعها أي إنسان بألمانيا، والتي تستوجب الدراسة والتحقيق والتدقيق، وخاصة البدء باعتماد قوى النازية الجديدة واليمين المتطرف واليمين بشكل عام وشقاوات البلد وفوضوييها بتشكيل فرق للاعتداء على الأجانب، أو حتى على المقيمين منذ سنوات ويحملون الجنسية الألمانية، أو ضد اللاجئين، كما حصل ضد ستة أفراد من الباكستانيين، أو لاجئ سوري، حيث نقل البعض منهم إلى المستشفى للعلاج من أثر الضرب المبرح. وقد أدينت هذه الأفعال أيضاً من جانب المسؤولين الألمان والصحافة الألمانية، وتمت المطالبة بتوفير الحماية الحكومية للجميع دون استثناء، ومعاقبة المسيئين بغض النظر عن هويتهم وجنسيتهم ولون بشرتهم. لم يكن جميع هؤلاء المشاركين في هذه الاحتفالات قد مارسوا تلك الأفعال، التي يمكن أن تعتبر جنحاً وجنايات، بل كانت مجموعة صغيرة منهم، كما لم يكن جميع هؤلاء من اللصوص المحترفين، أو من أصحاب السوابق، أو من باعة المخدرات الممنوعة، بل كان بعضهم، وهم قلة، من المقيمين بألمانيا منذ فترة غير قصيرة، وقلة قليلة من اللاجئين الجدد من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وسوريا والعراق وإيران والولايات المتحدة، وربما هناك من هم من جنسيات أخرى. ويشير المسؤولون والمشاركون في الاحتفالات إلى إن أغلب المشاركين هم من المغرب والجزائر. ولا شك في أن اللوحة ستظهر جلية خلال الأيام والأسابيع القادمة، لكي يمكن تقديمهم للمحاسبة الصارمة وعلى وفق الدستور والقوانين الألمانية. سأحاول في هذه المقالة التعرف على العوامل الكامنة وراء حصول مثل هذه الظاهرة الفريدة من نوعها بألمانيا، رغم وجود العرب والأفارقة منذ عقود كثيرة، وبأعداد كبيرة بألمانيا، ورغم وجود مجموعة غير كبيرة تشارك في بيع المخدرات، وهم معروفون لدى الشرطة والأمن الألمانيين، إلا إنها كانت أعمالاً فردية، وربما يعمل البعض منهم لصالح عصابات الجريمة المنظمة. إن ظاهرة بيع المخدرات بالمفرد في أغلب المدن الألمانية لا تقتصر على مجموعة صغيرة من العرب والأفارقة، بل تشمل جمهرة من القادمين من أوروبا الشرقية والألمان الذي يساهمون في تصريف المخدرات في السوق السوداء الألمانية. السؤال الذي يواجه الباحث العلمي، ويستوجب الإجابة العلمية التي تستوجبها الموضوعية والصراحة في البحث وبعيداً عن الأحكام المسبقة أو النمطية في التفكير والتقدير، هو: ما هي العوامل التي تقود جمهرة من الشباب العرب والأفارقة المسلمين من شمال أفريقيا، أو حتى جمهرة من مسلمي غرب آسيا، أفغانستان وباكستان والهند، إلى ممارسة مثل هذا السلوك الشائن، أي التحرش المخزي بالنساء وممارسة الاعتداء الجنسي؟ وابتداءً أود الإشارة، ودون الرغبة في تبرير ما حصل في ليلة السلفستر بألمانيا والنمسا ومدن أوروبية أخرى بأي حال، إلى حقيقة إن التحرش الجنسي ليس بظاهرة جديدة في العالم، ومنها الدول النامية، وأخص بالذكر هنا المغرب ومصر وليبيا وباكستان، أو العديد من الدول العربية الأخرى، وكذلك في الدول المتقدمة، وإن كان ذلك محدوداً في أوروبا الغربية، بسبب الحريات العامة والتنوير الجنسي الحاصل في هذه المجتمعات، وخاصة في أعقاب الحركة الإصلاحية النسوية العامة في النصف الثاني من العقد السابع بألمانيا. و والرئيس المصري السابق عدلي منصور أصدر قانوناً يقضي بتشديد العقوبات على من يمارس التحرش بالنساء، بسبب كثرة تحرش الشباب وعموم الذكور بالنساء. وقد جاء "في دراسة مسحية للمركز المصري لحقوق المرأة في مصر عام 2008 أجريت على 2000 رجل وامرأة و109 أجنبيات في أربع محافظات مصرية تبين أن 83% من النساء تعرضن للتحرش الجنسي في الشوارع لمرة واحدة على الأقل، وأن 50% منهن يتعرضن له بشكل يومي، كما لم يكن للباس المرأة أثر في منع التحرش، حيث تعرضت له المحجبات والمنقبات!" (راجع: المهدي آيت أخزام، "التحرّش الجنسيّ .. نقطة في بحر العنف ضد النساء..." موقع هسبريس، 2013". كما إن أحكام الإعدام الصادرة في باكستان كثيرة جداً ضد المغتصبين للنساء بصورة جماعية. وتشير المعلومات المتوفرة إلى إن التحرش بالنساء عبر الإنترنيت أصبح ظاهرة عنف فعلية عامة ضد المرأة في باكستان وذات مخاطر جدية تهدد المرأة على ارض الواقع الباكستاني. والحادثة التالية تكشف عن طبيعة التقاليد الاجتماعية في البنجاب مثلا، والتي ما تزال سائدة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين: "مخاتران ماي فتاة من منطقة البنجاب في باكستان، تعرضت للاغتصاب الجماعي كعقوبة اجتماعية فرضها عليها مجلس كبار القرية، لا لسبب سوى أن أخاها البالغ من العمر 13 عاماً كان متهماً بمعاشرة شابة من عشيرة أخرى ذات قوة وسطوة، إلا انه لم يثبت في ما بعد أن أخاها ارتكب الفاحشة مع تلك الشابة. وعلى اثر هذا الاتهام عقد كبار رجال القرية مجلساً قرروا فيه إخضاع ماي للاغتصاب عقاباً على معاشرة أخيها فتاة من عشيرة أخرى في القرية نفسها، على غرار قانون «العين بالعين»، وعلى هذا الأساس تم اغتصاب ماي تحت تهديد السلاح من قبل شقيق الشابة وبعض أفراد عشيرته، ثم طافوا بها عارية حول القرية. وتقضي التقاليد الاجتماعية بأن تنتحر ماي بسبب العار الذي حل بها، لكنها قررت البقاء على قيد الحياة لمقارعة مغتصبيها وجلاديها ومقاضاتهم أمام المحاكم". ولم تنجح في الدعوى التي أقامتها ضد المغتصبين، رغم كل الوقائع والشهود. (راجع: موقع الإمارات اليوم، مخاتران ماي ضحية للوحشية القبائلية في باكستان. ترجمة: عوض خيري عن «ذي غارديان". والصحافة الأوروبية والأمريكية تنشر الكثير من حوادث الاغتصاب والتحرش بالنساء في المؤسسات والدوائر المختلفة من قبل المدراء والعاملين في المكاتب من الذكور، رغم إن المجتمعات الأوروبية والأمريكية قد قطعت شوطاً كبيراً في تحرر المرأة وفي الاختلاط الجنسي في التعليم والعمل والحياة اليومية. "وبالنسبة للتحرش الجنسي في العمل، تقول الباحثة الأمريكية "سوزان فَلودي" صاحبة كتاب (رد فعل عنيف: الحرب غير المعلنة ضد النساء الأمريكيات)، أن سر تحرش الرجل بالمرأة في العمل مرتبط بموقفه إزاء دوره في المجتمع، إذ أنه يعتبر أن المرأة تسلب منه هذا الدور و تتنافس معه عليه، لذلك فهو يتحرش بها كطريقة لحماية نفسه. ويقول "جون گوثمان" أستاذ علم النفس في جامعة واشنطن، (التحرش الجنسي هو وسيلة يَنتهِجُهَا الرجل لجعل المرأة ضعيفة). إذاً من هنا نستنتج أن عمق المشكل يكمن في العقليات ليس إلا. " ((راجع: المهدي آيت أخزام، "التحرّش الجنسيّ .. نقطة في بحر العنف ضد النساء..." موقع هسبريس، 2013"). وتشير منظمة الصحة العالمية إلى الواقع التالي: "تشير آخر الأرقام عن معدلات انتشار العنف في العالم إلى وجود نسبة 35٪-;- من النساء في أنحاء العالم كافة ممّن يتعرضن في حياتهن للعنف على يد شركائهن الحميمين أو للعنف الجنسي على يد غير الشركاء، وتفيد في المتوسط نسبة 30٪-;- من النساء المرتبطات بعلاقة مع شريك بأنهن يتعرضن لشكل معين من أشكال العنف الجسدي أو الجنسي على يد شركائهن". (موقع منظمة الصحة العالمية، نوفمبر 2014). بعد هذه المقدمة أنتقل للبحث في موضوع الظاهرة التي وقعت بمدن كولون وهامبورغ على نحو خاص.
أولاً: أوضاع الدول الطاردة للملايين من سكانها لقد تسنى لي في الفترة الواقعة بين 1993-1995، وفيما بعد حتى العام 2000، أنجاز دراستين موسعتين، حين كنت أعمل أستاذاً باحثاً في "جمعية البحوث التطبيقية لحل المنازعات"، ببرلين، لصالح منتدى الأجانب في بروكسل: الأولى تحت عنوان "المجتمع المتعدد الثقافات والعداء للأجانب بألمانيا" (حوار أم صدام بين الثقافات بألمانيا)، وتضمن قسماً خاصاً عن برلين، باللغتين الألمانية والعربية (400 صفحة) صدر بالألماني في العام 1997، ودراسة موسعة أخرى بثلاثة أجزاء عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحقوق الإنسان بالدول المغاربية الثلاث، الجزائر وتونس والمغرب، وعن أوضاع المقيمين واللاجئين من هذه الدول الثلاث في بعض دول أوروبا الغربية ومشكلة العنصرية والعداء للأجانب فيها. والأجزاء الثلاثة لهذا البحث منشورة في مكتبة الحوار المتمدن، وهي باللغة العربية، وبحدود 1600 صفحة. ومن هنا فأن المشكلات المحيطة بهذا الموضوع ليست غريبة على من يعيش ويعمل بألمانيا. إن الدراسة المعمقة لهذه الظاهرة الجديدة وبهذا العدد الكبير نسبياً من المشاركين، الذي لا يمكن الاستهانة به، في ممارسة هذه الأفعال الشائنة، تجعلنا نسلط الضوء على ثلاث مجاميع من العوامل الفاعلة والمتشابكة والمتبادلة التأثير والمؤثرة على سلوك الفرد، بهدف تشخيص دور كل منها في ما حصل أو ما يمكن أن يتكرر، ما لم ترسم السياسات ذات المدى القصير والمباشر أو بعيدة المدى، لإجراء تغيير فعلي في تلك العوامل، لتقليص وإلغاء العواقب الناشئة عنها والتي تجلت في ليلة 31/12/2015 وصبيحة يوم 1/1/2016 بألمانيا، وردود الفعل بشأنها. المجموعة الأولى من العوامل: ترتبط هذه المجموعة من العوامل بواقع الدول التي جاء منها هؤلاء الأفراد، وهي بلدان نامية عديدة، ومتباينة نسبياً في طبيعة وحجم المشكلات التي تواجهها وتعاني منها، مع وجود مشكلات مشتركة في ما بينها، وكلها دول ذات أكثرية إسلامية, يمكن تشخيص تلك العوامل وتلخيصها بالنقاط التالية: أولاً: طبيعة الدولة والنظم السياسية السائدة فيها وسياساتها الفعلية الدخول في صلب هذا الموضوع يضعنا أمام المسائل التالية: 1: جميع هذه الدول تدعي إنها دول إسلامية أو أن الإسلام هو دين الدولة، في حين أن الدولة لا دين لها، فهي شخصية اعتبارية لا يمكنها أن تمارس الشروط التي يتطلبها الإسلام، بل هو دين للأفراد كما هو حال بقية الديانات بالعالم. وهذا الجانب يخلق ابتداءً تجاوزاً فظاً وغير مقبول على أتباع بقية الديانات الموجودة في هذه الدول. وهي بهذا تبدأ بتقويض مبدأ المواطنة المتساوية والمشتركة الموحدة، حين تلتزم بهوية واحدة دون بقية الهويات الدينية بالبلاد، والذي ينعكس بالتالي على السلطات الثلاث من الناحيتين النظرية والعملية، وتجليات ذلك في الحياة اليومية لأتباع الديانات والمذاهب العديدة. والمعطيات التي تحت تصرفنا تبيح لنا القول بأن هذه الدول تعتبر دولاً هشة وفاشلة، إذ يمكن أن تتطابق مع المعايير الثلاثة للدولة الفاشلة: انهيار القانون والنظام: " - فقدان الدولة ومؤسساتها لشرعية احتكارها استخدام القوة، وبالتالي تكون غير قادرة على حماية مواطنيها، أو تستخدم القوة لإرهابهم. - عدم القدرة على تلبية احتياجات المواطنين، وتوفير الخدمات العامة الأساسية. - تلاشي مصداقية الكيان الممثل للدولة خارج حدودها." (أحمد محمود مصطفى، أوضاع الدول العربية على مؤشر الدول الفاشلة 2015 ، المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية).
2: تسود في هذه الدول جميعها نظم استبدادية أو غير ديمقراطية، تمارس التمييز بين أتباع الديانات والمذاهب، وبالتالي تعاني شعوب هذه الدول من غياب فعلي للحياة الديمقراطية، ومصادرة حقوق الإنسان والحريات العامة والشخصية، سواء أكانت تلك الدول ذات أكثرية عربية مسلمة، أم شرق أوسطية، أم مغاربية، أم غرب آسيوية. وفي هذه الدول يسود الإرهاب الحكومي والفساد، ويغيب عن الغالبية العظمى من الناس الذين يعانون من الأمية والجهل مفهوم الديمقراطية وحقوق الإنسان واحترام الحريات الشخصية للأفراد. ورغم وجود استبداد وقهر، فغالباً ما ترفض الغالبية العظمى من سكانها الالتزام بالقانون، لأن الدولة ذاتها لا تلتزم بالقوانين التي سنتها بالتعامل مع الفرد والمجتمع. ويمكن الإشارة هنا إلى نماذج صارخة لمثل هذه الحالة من دول منطقة الشرق الأوسط كالعراق وسوريا والسعودية وإيران والسودان، أو دول مثل المغرب والجزائر وتونس، أو باكستان وأفغانستان والهند. ويمكن العودة إلى تقارير منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوق الإنسان ومراقبة حقوق الإنسان، لنتعرف عن حالة الاستبداد والقسوة وانتهاك الدولة ونظمها السياسية لحقوق وحريات وكرامة المواطنين والمواطنات فيها. وتمارس هذه الدولة سياسات التمييز بين الرجال والنساء في غير صالح النساء، وفيها من القوانين ما يُحوَّل حياة المرأة إلى جحيم وخضوع للرجل، فهي دولة ذكورية لا غير، ومناهضة لحقوق وحريات المرأة. ويتطلب الالتزام بالموضوعية الإشارة إلى إن بعض هذه الدول مثل مصر وسوريا والعراق، على سبيل المثال لا الحصر، قد استطاعت أن تقطع شوطاً مهماً، وإن كان ببطء كبير، في التقدم الاجتماعي، وتحسن في دور المرأة، ومكافحة الأمية، والتصنيع الاستهلاكي، والتعليم. ولكن أغلب هذه النظم وفي فترات متفاوتة تراجعت وسادت فيها الانقلابات العسكرية والاستبداد والقسوة والحروب الداخلية والخارجية والحصار الاقتصادي مثل العراق، ومن ثم سوريا وبقية الدول، بحيث أعيد بعضها إلى ما قبل التصنيع، مثل العراق, والآن سوريا..الخ. 3: وتسود في أغلب هذه الدول العلاقات الإنتاجية ما قبل الرأسمالية المتشابكة، مثل العلاقات شبه الإقطاعية والعلاقات الرأسمالية في التجارة أو المال أو العقار وبقدر متفاوت في الصناعة. وهي بهذا تجسد تخلفاً في القوى المنتجة وفي الوعي الاجتماعي الفردي للإنسان المواطن والوعي الجمعي فيها. وتعاني شعوب هذه الدول من الاستغلال البشع، وتشغيل الأطفال واستغلال النساء، بل ويصل الأمر إلى حد اقتطاع أعضاء من أجسام الأطفال المشردين أو المعوزين وبيعها! 4. وتنتشر في هذه البلدان الأمية على نطاق واسع. فعلى سبيل المثال لا الحصر تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن الأمية بالدول العربية وصلت في العام 2015 إلى 27,1% من السكان، أو ما يقرب من 135,6 مليون نسمة من مجموع سكان الدول العربية البالغ 367,4 مليون نسمة. وترتفع هذه النسبة بين النساء لتصل إلى 46% من مجموع النساء بالدول العربية. أي بين كل 3 أفراد من مواطني الدول العربية فرد واحد أمي القراءة والكتابة. وهي نسبة عالية جداً تفوق المتوسط على الصعيد العالمي. وتترك الأمية تجلياتها في مستوى وعي الإنسان لحقوقه وحقوق الآخرين وحرياته وحريات الآخرين، بل ووجباته وواجبات الآخرين والتي تنعكس في الحياة اليومية للمجتمع. 5. وتنتشر في هذه الدول البطالة الواسعة، مع العلم بأن الكثير منها ريعي الاقتصاد، ويعتمد على النفط الخام المصدر في تكوين النسبة الأعظم من الدخل القومي، والمقصود هنا الدول العربية على نحو خاص، وذات اقتصاد مشوه البنية ومتخلف في علاقات الإنتاج والقوى المنتجة المادية والبشرية والبحث العلمي. وبلغت نسبة البطالة، على وفق آخر الإحصائيات الرسمية، بالدول العربية 16% من مجموع القوى القادرة على العمل، والتي يقدر عددها بـ 20 مليون إنسان. وفي الحقيقة إن العدد الفعلي أكبر من ذلك بكثير. والبطالة تنتشر بين النساء أكثر من ضعف نسبة البطالة بين الرجال. وهذا الواقع يجعل المرأة بالدول العربية مثلاً غير مستقلة اقتصادياً عن الرجل، وخاضعة له في توفير عيشها وحياتها اليومية. 6. وأكثر الأمور تعقيداً تبرز في محنة شباب هذه البلدان. فهذه المجتمعات التي تعتبر فتية، حيث نسبة السكان الذين تتراوح أعمارهم بين صفر و15 سنة بلغت 30% في العام 2012 في مجموع الدول العربية و40% بين الدول العربية الأقل نمواً. كما تبلغ نسبة القوى القادرة على العمل بين 15-65 سنة حوالي 65%. ونسبة عالية تشكل الفئة العمرية التي يتراوح عمرها بين 16-25 سنة بالمقارنة مع الفئة العمرية 26-65 سنة. وهي إحدى الجوانب الإيجابية من حيث البنية العمرية، ولكنها في ضوء واقع اقتصاديات هذه البلدان، فأنها شكلت حتى الآن مشكلة كبيرة، بسبب البطالة المنتشرة في صفوف هذه الفئة العمرية والمتخرجين منهم من الثانويات والكليات والمعاهد المختلفة، حيث تلاحقهم البطالة والبطالة المقنعة. ونسبة عالية من هؤلاء الشبيبة من الفتيات والفتيان تواجه عدداً من المشكلات المباشرة: البطالة والبطالة المقنعة، الفراغ في الوقت، عدم وجود نوادي ومجالات لقضاء وقت الفراغ فيها، قلة مجالات التسلية والنشاطات الاجتماعية والفنية والعلمية والأدبية، ضعف الحياة الثقافية والفنية، إضافة إلى معاناة الكثير منهم من الفقر وعدم القدرة على إملاء أوقاتهم بنشاطات إيجابية، فقدان الأمل بمستقبل أفضل، مما يدفع بغير القليل منهم صوب نشاطات غير مفيدة ومضرة وخطرة، بما في ذلك تعاطي المخدرات والالتحاق بمنظمات الجريمة المنظمة، والجماعات الدينية المتطرفة، والجماعات الإرهابية، والشقاوات (خولگان)، والسرقة الفردية والمنظمة، والاعتداء، والنزاعات بين فرق شبابية متعادية ...الخ. ومن بين هؤلاء من التحق بالمليشيات الطائفية المسلحة بالعراق وسوريا أو بالجماعات المرتبطة بالقاعدة وجبهة النصرة وداعش، ومن لف لفها. وهم يشكلون خطراً كبيراً على المجتمع. والحكومات بالدول العربية لم تلق بالاً لهذه الجماعات التي أغلبها ينحدر من فئات اجتماعية فقيرة، ومهمشة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، أو حتى تلك التي تتسرب سنوياً من مختلف مراحل الدراسة، لتكون عرضة للالتحاق بتلك المنظمات التخريبية والإرهابية. ثانياً: دور المؤسسات والمرجعيات الدينية والتربية والتعليم في هذا البلدان من يتابع التربية التعليم ببلدان منطقة الشرق الأوسط على نحو خاص سيجد، بروز منافسة غير عقلانية، ومزايدة بين الحكومات والمؤسسات والمرجعيات الدينية، حول الدين، ومحاولة الغوص السلبي في تفسير الآيات القرآنية والحديث والشريعة، بمختلف اتجاهاتها المذهبية، والظهور بمظهر المتدين الذي يتجلى في الكتب التعليمية للمدارس الابتدائية والمتوسط والثانوية، والتي تساهم في السيطرة على عقول الطلبة، وتشويهها بالخزعبلات والخرافات والأساطير البعيدة كل البعد عن الحياة الواقعية والعالم المعاصر والحضارة الإنسانية الحديثة. وتجري تربية التلاميذ بروح معاداة الديانات والمذاهب الأخرى، على وفق المذهب الذي تلتزم به حكومات هذه الدول، وبالتالي ينعكس كل ذلك على سلوك الأفراد إزاء بعضهم، والعواقب الوخيمة لمثل هذه التربية والأساليب التعليمية البالية. وتقدم السعودية نموذجاً عدوانياً في تربيتها الدينية في كل مدارس السعودية، إزاء الديانات وأتباع الديانات والمذاهب الأخرى غير المذهب الحنبلي بصيغته الوهابية المتطرفة. كما إن هذه التربية متوجهة ضد المرأة، ودورها، وحريتها، وحقوقها المثبتة في لائحة حقوق الإنسان الدولية، وفي بقية المواثيق والعهود الخاصة بشرعة حقوق الإنسان. فالمؤسسات والمرجعيات الدينية والتعليم والتثقيف الديني يلعب دوراً كبيراً في تشويه العلاقة بين الرجل والمرأة، في غير صالح الطرفين، ولكنها موجهة ضد المرأة بشكل خاص وضد حقوقها وحرياتها ومساواتها بالرجل. ويمكن للباحث المتتبع أن يقتطف الكثير من النصوص الدينية التي تؤكد فكر التمييز النظري والعملي إزاء المرأة وحقوقها في العالم الإسلامي عموماً، وفي دول المشرقين الأدنى والأوسط وغرب آسيا خصوصاً، والسعودية بشكل أخص. وفي الواقع العملي يمارس أغلب شيوخ الدين في كل المذاهب تقريباً نهجاً واضحاً ضد المرأة، فالمرأة ناقصة عقل، وهي الخطيئة أو العورة الكبرى، ولا يجتمع رجل وامرأة إلا والشيطان ثالثهما، وهي الدونية التي يفترض الخشية منها، ومن حق الرجل تأديبها وضربها على وفق "الشريعة!". إنها لا شيء، إنها صفر على اليسار! لا يحق لها اختيار زوجها أو حتى الطلاق منه، إلا في حالات معقدة، ولا يحق لها في بعض الدول ذات الأكثرية المسلمة سفرها دون أن يكون رجل بمعيتها، وهي العنصر الأضعف في المجتمع، وكما يقول المثل العراقي "حائط نصَيَّص" (جدار واطئ). ورغم التغيرات الجارية بالدول العربية، أو بدول نامية كثيرة، ودخول التقنيات الحديثة ومظاهر الحضارة الغربية، إلا إن جوهر الموقف غير الإنساني إزاء المرأة لم يتغير، رغم كل النضالات التي خاضتها وما تزال تخوضها المرأة في هذه البلدان لصالح حريتها وحقوقها الأساسية. وما يزيد في الطين بلة هو الفصل بين البنات والأولاد في مراحل الدراسة الابتدائية والمتوسط والثانوية، بل هناك مطالبات بالعراق مثلاً لفرض الفصل حتى في بعض الكليات مثلاً، كما هو الحال بالسعودية. وبالسعودية يعتبر وضع المرأة كارثياً حقاً وسجناً كبيراً، وكذا بأفغانستان حيثما تسود القبضة الطالبانية الوهابية على مدن أو مناطق معينة، وهي مماثلة في سياساتها للمملكة السعودية. إن هذا الوضع يخلق في واقع الحال علاقة متوترة بين الرجل والمرأة، علاقة اغترابية مشوهة ومزيفة تحكمها رغبة الرجل الجامحة في السيطرة عليها، والتحكم بها جنسياً وإنسانياً، وحرمانها من حقوقها الطبيعية، وفيها خشية المرأة من الرجل وشعورها المزيف بـ "دونيتها!"، بسبب طريقة التربية الدينية والبيتية والمدرسية والاجتماعية. إنه المجتمع الذكوري المطلق، الذي لا مكان للمرأة فيه سوى موقعاً هامشياً مهزوزاً، حتى في تلك المجتمعات العربية التي حققت المرأة بعض النجاحات في انتزاع بعض الحقوق. هذه العلاقة المشوهة هي التي تساعدنا على فهم حالة التجاوزات الجنسية الكبيرة جداً في هذه المناطق من العالم من جهة، وحالة ما يطلق عليه غسل العار والدفاع عن "الشرف" المستباح بالقتل، أو فرض الانتحار على المرأة من جهة أخرى. ومن يذهب إلى المحاكم أو يقرأ الأخبار في صحف تلك البلدان، سيجد المآسي الكبيرة والكثيرة التي تعاني منها المرأة في هذه الدول. وما زيد في الطين بلة، تلك الكتب الدينية البائسة والمشوهة المنتشرة في مكتبات هذه البلدان، والتي تدرس في المدارس الحكومية والدينية، التي يحررها ويصدرها شيوخ دين والتي تعتبر المرأة غير المسلمة كافرة، كما في السعودية، وكذلك في إيران، وبالتالي يجري التعامل مع المرأة غير المسلمة كما تعاملَ معها إرهابيو داعش، وخاصة مع النساء الإيزيديات والشبك في مناطق الإيزيديين وتلعفر بالعراق، وبالتالي فهي غنيمة حلال للمسلم، يمكنه أن يمتلكها، وأن يفعل بها ما يشاء، ويبيعها في سوق النخاسة. ولكن الرجل المسلم المتحضر، وعامة المسلمين غير المؤدلجين والسلفيين، لا يمارسون ذلك، في حين يمكن أن يلجأ إليه أولئك المتطرفون الأوباش، على وفق المذهب الذي يلتزمون به، أو التربية التي تربوا عليها في بلدانهم. ويمكن أن تقدم لنا قوانين هذه البلدان الخاصة بالمرأة والأحوال الشخصية صورة قاتمة حقاً عن السلوك الشائن لمشرعي هذه البلدان، الذين يعبرون عن نهج الدولة في الموقف من حقوق المرأة، وهي المادة التي يتم بموجبها تثقيف المجتمع بها، وتمارس يومياً ضد المرأة، وتعيشها الأجيال الجديدة دون تغييرات كبيرة، وحتى إذا ما حصلت بعض التحسينات في تلك القوانين، فالممارسة تسقطها كلية. مثال على ذلك: الدستور العراقي قرر أن تكون للمرأة 25% من مجموع مقاعد البرلمان، ومجموع الحقائب الوزارية ..الخ. وإذا كان المجلس النيابي قد التزم بهذه النسبة، فقد غابت عنهن النوعية المطلوبة. أما مجلس الوزراء فقد جرى الأمر على النحو التالي: حكومة أياد علاوي اشتملت على 5 أو 6 وزيرات، حكومة إبراهيم الجعفري على 4 وزيرات، حكومة نوري المالكي الأولى على 3 وزيرات، والثانية على وزيرة واحدة خائبة، وفي حكومة حيدر العبادي على وزيرة واحدة أيضاً"! ثالثاُ: الجانب الاجتماعي والاقتصادي هناك علاقة متبادلة، علاقة جدلية (ديالكتيكية) بين البناء التحتي والبناء الفوقي، بين طبيعة علاقات الإنتاج ومستوى تطور القوى المنتجة، بما في ذلك مستوى الوعي الاجتماعي الفردي والجمعي، وهذا يعني بدوره أنه يحدد مستوى التطور الحضاري لهذا البلد أو المجتمع أو ذاك. وهو ما نجده بوضوح كبير في السعودية واليمن والسودان وليبيا وأفغانستان وباكستان، وكذلك في العراق وسوريا ومصر ودول شمال أفريقيا. وفي الكثير من هذه الدول ما تزال العلاقات العشائرية والعلاقات الريفية بتقاليدها القديمة والبالية، وكذلك الانتماءات الدينية والمذهبية والقومية، تلعب دورها الفاعل والمؤثر على حياة الفرد والمجتمع، وتجد تعبيرها في العلاقات اليومية في ما بين الأفراد والجماعات، وإزاء المرأة على نحو شديد. وتزداد هذه اللوحة قتامة، حين تكون السلطة مستبدة وظالمة، وحين يكون جزء كبير من المجمع أمياً، إضافة إلى البطالة بشقيها المكشوف والمقنع. ويزيد الأمر سوءاً الفقر المدقع لفئات واسعة من المجتمع، رغم غنى بعض الدول بثرواتها الخامية والموارد المتأتية من تصديرها للنفط الخام مثلاً، بسبب الاستغلال وغياب العدالة الاجتماعية، إضافة إلى الفساد ونهب خيرات البلاد. كل ذلك يدفع الناس إلى الغوص في مشكلاتهم، وفي توفير خبز يومهم وكذلك السقوط في براثن شيوخ الدين غير المتنورين والفاسدين الذي يدفعونهم باتجاه الغيبيات، وعدم النضال ضد هذه الأوضاع، بذريعة من يعاني في دنياه يتمتع بخيرات الآخرة"!! كما يدفع بالكثير من المثقفين والمختصين، والعقول المتنورة والمتعلمين إلى الهجرة، بأمل الخلاص من الحروب والاضطهاد والتمييز بين القوميات وأتباع الديانات والمذاهب والحرمان ومواجهة احتمال الموت على أيدي المنظمات الإرهابية والمليشيات المسلحة أو في السجون والمعتقلات. وإلى جانب ذلك يفقد الشباب، وخاصة النساء، القدرة على الحلم والأمل بحياة أفضل، مما يمكن أن يجد البعض غير القليل طريقه إلى الخارج، والبعض الكثير إلى تلك المنظمات الدينية المتطرفة والإرهابية، كما هو حاصل في جميع البلدان التي نتحدث عنها. وقد وضعت بعض المعايير المهمة للجانب الاجتماعي والاقتصادي في الدول الفاشلة، التي تدخل عملياً أغلب دولنا فيها وكالآتي: "- تصاعد الضغوط الديموغرافية والمرتبط بها زيادة السكان، سوء توزيعهم، التوزيع العمري، النزاعات المجتمعية. - الحركة العشوائية للاجئين وما ينتج عنها من أمراض، نقص المياه والغذاء، التنافس على الأرض. - الميراث العدائي الناتج عن عدم العدالة، الإقصاء السياسي والمؤسسي، سيطرة أقلية على الأغلبية. - الفرار الدائم والعشوائي (هجرة العقول، هجرة الطبقات المنتجة، الاغتراب داخل المجتمع." (نفس المصدر السابق) ولو حاولنا أن نورد بعض المعلومات لما هو عليه، وما يجري بالعراق في الجانب الاقتصادي، لعرفنا أن الدول الأخرى ليست أحسن حالاً في هذا الجانب من العراق. فالعراق دولة نفطية ريعية واستهلاكية، دمر اقتصادها وصناعتها بالحروب، والسياسات الاقتصادية والاجتماعية غير الوطنية وغير العقلانية للنخب الحاكمة، وغياب التنمية الاقتصادية، ونهب خيرات البلاد، والفساد المتفشي، الذي يبلغ مئات المليارات من الدولار الأمريكي، والموضوع في حسابات الحكام ومن هم حولهم، بالبنوك الأجنبية، وفي القصور والعقارات المشتراة بالخارج، وحوالي 50% من الشعب يعيش اليوم تحت معايير خط الفقر الدولية، والبطالة التي تبلغ أكثر من 30% من القوى القادرة على العمل وأكثر منها بطالة مقنعة. يضاف إلى ذلك غياب الخدمات الاجتماعية، وتدهور التعليم في جميع مراحله، وتحول كبير في البنية الطبقية في المجتمع لصالح الفئات الهامشية، لغياب التنمية والعملية الإنتاجية، إضافة إلى الموت والدمار الذي يلحق يومياً بالدولة والمجتمع والمشاريع، من جراء النشاط الإرهابي واحتلال أجزاء من العراق من عصابات داعش المجرمة، والحرب الدائرة حالياً في غرب وشمال العراق... الخ. ففجوة الدخل السنوية في تفاقم شديد بين الفئات الفقيرة والمسحوقة اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً وثقافياً، وتلك الفئات الغنية والتي تتكون مدخولاتها وثرواتها من السحت الحرام بشكل خاص، وأصحاب الملايين والمليارات الجدد من الطفيليين ومن القطط السمان، ومن سراق قطاع الدولة من الباطن. وبين هؤلاء القسم الأعظم من المعممين المشاركين في الحكم وحواشيه، وفي أحزاب الإسلام السياسي، والأحزاب القومية المشاركة في حكم العراق. هذه صورة مكثفة ومختصرة من واقع هذه البلدان، ومن معاناة شعوبها، وخاصة شبابها وأطفالها. وعلينا تقدير ما ينشأ عن ذلك حين يجد مئات الألوف من البشر السوري والعراقي والليبي والأفغاني، ومن دول أخرى في شمال أفريقيا وغرب آسيا أنفسهم أمام خيارين، إما البقاء في ظل تلك الأوضاع البائسة والخطرة، أو الهجرة منها، حتى لو كانت تلك الهجرة مغامرة فيها احتمال الموت هو وأفراد عائلته في طريقه إلى الحرية حيث ينطبق عليه قول الشاعر: "راح يبغي نجوة من هلاك فهلك ليت شعري ضلَّـــةً.....أي شـــــــــــيء قتلك؟ (هو السليك بن عمير بن يثربي بن سنان السعدي التميمي أحد شعراء الصعاليك، ما يطلق عليه خطأً بالعصر الجاهلي، توفي حوالي عام 17 ق.هـ /605 م. (راجع: تراجم شعراء الموسوعة الشعرية )، أو السقوط في أحضان قوى الإرهاب. علينا أن ندرك عمق الندب النفسية التي تركتها تلك الأوضاع التي ما تزال سائدة على من هجر الوطن مجبراً وقسراً، وهاجر إلى البلاد الأخرى، بعد أن عرف الظلم والظلام، وعاش الحرمان من الحقوق، والحرمان الجسدي، وتربى على عدم احترام المرأة، واعتبارها ناقصة عقل، وهي للجنس وتربية الأطفال والمطبخ فقط. ورغم كل تلك الأوضاع المأساوية والكوارث حافظ الملايين من المهاجرين إلى أوروبا وأمريكا واستراليا وكندا وغيرها من الدول الغربية على سلوك معقول في مواجهة الحضارة الغربية وثقافتها المتقدمة، والمختلفة عن التربية والثقافة والتقدم والعلاقات والنظم السياسية التي عاش تحت وطأتها، السياسة والثقافة التي غيبت الحقوق، وكرست عدم احترام القوانين. إن هذه الجماعات التي مارست تلك الأفعال الدنيئة، سواء أكانت سرقة أم تحرش بالنساء، أم اغتصاب لبعضهن، يبقى استثناء بالنسبة إلى مجموع اللاجئين والمقيمين في أوروبا، وفي ألمانيا. ولكنها أحدثت هزة اجتماعية، وقلبت الكثير من الأمور وستكون لها عواقب سيئة، بأمل أن تكون مؤقتة. إن إيقاف الهجرة، وبين المهاجرين قلة قليلة من أمثال هؤلاء البشر المعوج، أو من الإرهابيين، يتطلب معالجة أوضاع الحروب، والتخلف، والأمية، والبطالة، والفقر في هذه الدول، التي ساهمت الدول الغربية في القرون والعقود المنصرمة في استعمار واستغلال وإفقار واضطهاد شعوبها وغيرها، والتي يتطلب مساعدتها، للنهوض من كبوتها الحضارية، ومن الردة الاجتماعية التي أصابت الكثير منها، وسقطت في حمى الحروب والإرهاب والفساد، ويتطلب العمل من أجل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي تسهم في تغيير بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية لصالح نشوء طبقة برجوازية متوسطة صناعية وطبقة عاملة وعمال زراعيين، وتقدم اجتماعي وحضاري يرفع من مستوى وعي الإنسان بحقوقه وواجباته. إن ما حصل في ليلة السلفستر 2016 كان مقرفاً ومداناً ليس من جانب الألمان فحسب، بل ومن أكثر من 99,9% من المقيمين والمهاجرين واللاجئين من الدول التي شارك بعض أفرادها في تلك الليلة الليلاء، ومنهم بنات وأبناء الدول العربية وشمال أفريقيا من مختلف القوميات وأتباع الديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية السليمة. ولا يمكن أن نجد من يؤيدها، إلا من كان منهم أو مثلهم، وهم القلة المشوهة نفسياً. وما حاول الاستعراض الوارد آنفا الإجابة فيه عن سؤالنا الجوهري يمكن تلخيصه بالآتي: إن جميع الدول ذات الأكثرية المسلمة، لم تعرف حتى الآن التنوير الديني والاجتماعي الذي عرفته الدول الأوروبية قبل أكثر من قرنين، وأن كان قد بدأ في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، في مصر مثلاً، تراجع بقوة، ولم يعد ثانية إلى حياة هذه الشعوب والبلدان. هذه مسالة مركزية ترتبط بها إن جميع هذه الدول خضعت للاستعمار، ومارست حكوماتها سياسات غير ديمقراطية واستبدادية، تحت واجهات دينية، أو عسكرية دينية، أبعدت الشعوب عن الديمقراطية بسبب الربط غير المشروع بين الدين والسياسة والدولة، وهي التي صادرت حقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة، وساهمت في تشويه هذه المجتمعات ومنع تحقيق التنوير فيها. ثانياً: أوضاع اللاجئين والدول المستقبلة لهم المجموعة الثانية من العوامل: ترتبط هذه المجموعة من العوامل بما عانى منه اللاجئون إلى هذه الدول، ومنذ مدة غير قصيرة ولكن وبشكل خاص خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ونحاول في أدناه تشخيص تلك العوامل وتلخيصها فيما يلي: 1: فشل الانتفاضات الشعبية والحراك الشعبي الاحتجاجي بالدول العربية، والارتداد عن المسيرة الديمقراطية، أو استمرار الحروب الداخلية والعدوان الخارجي الإرهابي في العديد منها. فأغلب اللاجئين الذين نزحوا صوب أوروبا خلال العامين المنصرمين 2014 و2015، والحديث هنا عن دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وغرب آسيا، جاؤوا من دول سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان وليبيا والمغرب والجزائر وتونس، إضافة إلى إيران. فالعراق وسوريا لعبت المليشيات الطائفية المسلحة الشيعية منها والسنية، ومن ثم إرهاب عصابات داعش واحتلال مناطق واسعة من شمال العراق، عدا إقليم كردستان، وغرب العراق ووجود نظام سياسي طائفي ومحاصصة طائفية مقيتة، دوراً كبيراً في هجرة المزيد من البشر، إضافة إلى ظواهر البطالة والفقر والفساد السائدة في الدولة والحكم والمجتمع. ولم يعد الشباب يشعرون بالأمن الاستقرار وممارسة الحقوق والعيش الكريم، فاستخدموا أساليب كثيرة للهجرة واللجوء، بما في ذلك التعامل مع المهربين للوصول إلى فضاء الحرية. وشكل المسيحيون والإيزيديون والصابئة المندائيون على امتداد السنوات المنصرمة، وخاصة في الفترة الأخيرة، النسبة الكبرى من اللاجئين إلى أوروبا وأمريكا وكندا واستراليا. أما سوريا فمنذ سنوات والمجتمع يتفرج على الاستبداد والاضطهاد والحرب الداخلية الدائرة على أشدها بسوريا، والحصار الاقتصادي حتى حصد الموت حتى الآن ما يزيد عن 300000 مواطن ومواطنة أبرياء من مختف المدن السورية: كما هُجّر قسراً ما يزيد عن 5 مليون من السوريين، وهم يعيشون في أسوأ الأحوال في كل من تركيا والأردن، إضافة إلى عشرات ألوف الكُرد السوريين بإقليم كردستان العراق. وليبيا هي الأخرى تعيش حرباً داخلية بين فريقين ليبيين، إضافة إلى دور داعش في احتلال مناطق من ليبيا، وتعمل على تحويلها منطقة ثابتة لها، تنطلق منها نحو بقية مناطق أفريقيا. فالمعلمات الواردة من ليبيا في شهر كانون الثاني 2016 تشير إلى الواقع التالي: "تزداد مخاطر سيطرة تنظيم «داعش» على منطقة الهلال البترولي في ليبيا، التي تضم مدن أجدابيا ورأس لانوف وسرت، حيث توجد أهم حقول النفط الليبي وأغناها وأكثر موانيه تصديراً، تتعرض لهجمات مستمرة تزداد شراسة كل يوم، يشارك فيها آلاف المقاتلين من أنصار «داعش» الذين يتجاوز عددهم في ليبيا الآن 5 آلاف مسلح، مدربين على نحو جيد ويحملون أسلحة حديثة تفوق كثيراً أسلحة الجيش الليبي، وتكبر أعدادهم على نحو متصاعد، يتدفقون بالآلاف مقبلين من العراق وسوريا، بما يؤكد خطط «داعش» الإستراتيجية في تعزيز سيطرتها على ليبيا موقعاً بديلاً تفوق خطورته سوريا والعراق، يمكنها من تهديد أمن مصر ودول شمال أفريقيا، ويستوعب أعداد مقاتليها التي تربو الآن على 20 ألف مقاتل". (راجع: كرم محمد أحمد، "داعش» تقترب من السيطرة على هلال البترول فى ليبيا!؟"، موقع الوطن. 13/1/2016). ولهذه الأسباب ازدادت الهجرة الليبية أيضا صوب دول الاتحاد الأوروبي. وهكذا هو حال بقية البلدان التي هي موضوع البحث هنا، والتي تعاني من صيغ مختلفة من الظلم والاضطهاد والقتال منها العراق وسوريا وأفغانستان وباكستان، أو من الفقر والبطال والحرمان والضياع، مثل الحالة في كل من المغرب والجزائر وتونس، على سبيل المثال لا الحصر . هؤلاء جميعاً أصيبوا بصدمة نفسية واجتماعية كبيرة نتيجة فشل تلك الحركات والانتفاضات الشعبية، في ما عدا تونس، وبسبب الاختلال في التوازن بين القوى المناضلة والقوى التي كانت تهيمن على السلطة، مما أفرغوا الانتفاضات من محتواها في الحكم الجديد الذي نشأ فيها، أو استمر الحكم السابق من دون تغيير. وهؤلاء الشباب توزعوا على أربعة اتجاهات: فريق قرر أن يواصل النضال بأساليب مختلفة، ويتعرض دوماً للعقاب، سواء أكان بالاعتقال، أم السجن، أم حتى الاغتيال. وفريق آخر وجد أنه من الأفضل له أن يغادر البلاد مع عائلاته. والفريق الثالث ترك النضال، حيث أصيب بإحباط شديد. أما الفريق الرابع فالتحق بالقوى السياسية الدينية، أو بالمليشيات الطائفية المسلحة، أو بالقوى الإرهابية، كالقاعدة، وداعش، وجبهة النُصرة، وجند الإسلام، وأنصار السنة، أو حزب الله، وغيرها من التنظيمات العسكرية غير الشرعية. 2. إن اللاجئين من هذه البلدان، وبسبب عدم وجود قواعد مسهلة لهجرة هؤلاء، بل وجود تعقيدات كبيرة، وجدوا من الأسهل والأفضل لهم أن يدفعوا ما لديهم وما ادخروه من مال إلى مهربين جشعين ومجرمين، لكي يوصلوهم إلى الدول الأوروبية، وعبر طرق محفوفة بمخاطر الموت، سواء أكان بالبحر أم البر. والكثير من هؤلاء مات في البحر، أو في شاحنات مغلقة لا ينفذ لها الهواء. والطرق التي اختاروها للوصول إلى أوروبا أذاقتهم شر العذاب الجسدي والنفسي والحرمان للأطفال والنساء على نحو خاص، وكذلك لكبار السن. إن الكثير منهم قد اشتدت عليه العلل النفسية من بلدانهم وفي الدرب الذي اختاروه للوصول إلى الحرية. 3, إن الدول التي مروا بها، وبشكل خاص بلغاريا وهنغاريا، أساءت لهم بشكل غير إنساني وغير حضاري وفيه الكثير من التعصب القومي الشوفيني والعداء للأجانب. والكثير منهم قد فقد ما كان يملك من مال أو حلي ذهبية. وأخيراً بدأت الدانمرك تنتزع من اللاجئين ما يملكون من نقود وحلي ذهبية! 4. ولا شك في أن الفترة الطويلة التي تستوجبها معاملات استقبال اللاجئين، وتسجيلهم، ودراسة قضاياهم وسكنهم المشترك في جماعات كبيرة من دون عمل، يقود بالضرورة إلى نشوء إشكاليات اجتماعية وصراعات أو تحرش جنسي واغتصاب، أو حتى نزاعات في ما بينهم تنعكس بدورها على الشارع الألماني، وعلى سلوك جزء من هؤلاء اللاجئين. 5. إن طالبي اللجوء، وبهذه الكثافة، هم يعانون من حالة الهشاشة تجاه عمليات الابتزاز والاستغلال، من جانب عناصر جريمة تهريب البشر، فيقعون فريسة اغتصاب الأطفال والنساء، حيث يجري التكتم عليه، بحسب الموروث، وفي ظروف الخشية من عدم توافر الحماية، ومن عدم معرفة سبل إثبات الجريمة، فضلا عن الابتزاز لتشغيل فئات هشة في تجارة المخدرات وغير ذلك. كل هذا أوجد أوضاعاً إنسانية مأساوية في صفوف غالبية اللاجئين، وترك آثاره على الأوضاع النفسية والجسدية والحياة القلقة والكوابيس المهلكة وخاصة للنساء والأطفال، والتي سيعانون منها طويلاً في الفترة القادمة. من بين هؤلاء، سواء من جاء قبل ثلاث سنوات أو سنتين، أو من جاء في الآونة الأخيرة، أو من دخل بصورة غير شرعية ولا يملك حق الإقامة، يمكن أن تجد بينهم مجموعة صغيرة ممن شوهتهم الأوضاع ببلدانهم، وتحولوا إلى عناصر سيئة اجتماعياً، ومريضة نفسياً وعصبياً، ومستعدة أن ترتكب الحماقات والموبقات، إذا ما حانت لها الفرصة. إن هؤلاء الذين ساهموا بالتحرش بالنساء، أو الاغتصاب، أو سرقة المحافظ، أو الضرب، والذين لا يتجاوز عددهم المئات من بين مليون ومئة ألف وافد على ألمانيا، فهم لا يشكلون إلا جزءاً صغيراً جداً جداً من هذا العدد الكبير حقاً. ومع ذلك فقد تركوا أثراً بالغ السوء على المجتمع الألماني، وعلى الموقف من الأجانب، وبشكل خاص على الموقف من العرب وغير العرب من المسلمين، والذي ظهرت بعض ردود أفعاله في الشارع الألماني. ومن المفيد التطرق إلى نوعية الوافدين طالبي اللجوء بألمانيا. وهنا يفترض حصر الحديث عن الوافدين من الدول العربية. فالمعلومات المتوفرة تشير إلى أنهم ينتمون إلى قوميات عديدة، وأتباع ديانات ومذاهب عديدة، ومن فئات اجتماعية متنوعة، وكذلك من مستويات تعليمية مختلفة، كما إنهم ينحدرون من مدن وأرياف هذه الدول. فهم متنوعون حقاً، ومختلفون في انتماءاتهم الفكرية والسياسية وتقاليدهم وعاداتهم. والمعلومات المتوفرة تشير إلى أن القسم الأكبر منهم لا يمارس السياسة وبعيد عن الإيديولوجيات الدينية، رغم إن نسبة غير قليلة منهم تؤمن بالديانة التي ينتمون إليها، سواء أكان الإسلام، بمذاهبه العديدة، أم المسيحية، أم الإيزيدية، أم المندائية، أم ديانات أخرى. إلا إن أتباع الدين الإسلامي يشكلون الغالبة العظمى من مجموع الوافدين طالبي اللجوء بألمانيا. وليست السياسة وحدها وراء هذا العدد الكبير من الوافدين على ألمانيا أو الاتحاد الأوروبي، بل فيهم لأسباب اقتصادية واجتماعية ودينية ومذهبية. وفي بعضها يتداخل السياسي (الاستبداد والحرب)، بالديني والقومي والاجتماعي، أو حتى الاقتصادي، (حقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة). ويمكن أن ينفذ من بين هؤلاء عدد صغير من العناصر السيئة اجتماعياً أو سياسياً، أو المرتبطة بقوى الجريمة المنظمة، أو بقوى الإرهاب الديني والسلفية، أو الشقاوات (خولگان)،الذين نجد أمثالهم في ما يحصل أثناء إجراء سباقات كرة القدم مثلاً في أوروبا وفي غيرها من الدول. المجموعة الثالثة من العوامل: وترتبط بالدول المستقبلة للاجئين، ومنها ألمانيا، والتي يمكن تشخيص أهم العوامل وتلخيصها فيما يلي: يؤكد الدستور الألماني على حق اللجوء السياسي لمن هو بحاجة ماسة إليه من جانب، وأكد عدم جواز المس بكرامة الإنسان من جانب آخر. وهذان الشرطان هما اللذان حكما الموقف الحكومي والشعبي العام من اللجوء الاستثنائي لعام 2015 حيث قدر عدد القادمين طالبي اللجوء بألمانيا ما يقرب من مليون إنسان من مختلف الجنسيات، ولكن وبشكل خاص من سوريا والعراق والمغرب وليبيا وأفغانستان، وبعض دول البلقان وألبانيا وباكستان، إضافة إلى مجموعات من مالي والصومال واريتريا...الخ. ورغم المصاعب الكبيرة التي جابهت الدوائر الحكومية المختصة في استقبال هذا العدد الهائل من طالبي اللجوء، فأن المستشارة الألمانية قدرت الأمر بقولها "نستطيع انجاز المهمة". وقد تطوع لهذا العمل عدد كبير من بنات وأنباء الشعب الألماني لتجاوز محنة اللاجئين، وفضل القادمون من سوريا والعراق والمناطق الساخنة على غيرهم في التسجيل والقبول. لم يكن كل الألمان مع هذا التوجه، بل كانت قبل ذاك قد نهضت حركة بين الأوساط النازية الجديدة واليمين المتطرف واليمين مناهضة لقبول الأجانب القادمين من دول ذات أكثرية مسلمة تحت شعار "لا نريد أسلمة الغرب". وقد تطورت هذه الحركة فاتسعت أكثر فأكثر، بعد أن وجدت التأييد غير المباشر من حزب سياسي مشارك في الحكم، مثل الحزب المسيحي الاجتماعي في مقاطعة بافاريا. وتفاقمت هذه الحركة في أعقاب ما حصل في مدينة كولون وهامبورغ على نحو خاص
لقد واجهت ألمانيا الكثير من المصاعب في تقبل فكرة "إن ألمانيا بلد متعدد الثقافات"، وبشكل خاص من الحزبين الديمقراطي المسيحي والمسيحي الاجتماعي، كما كانوا يرفضون قبول الهجرة إلى ألمانيا واتخذت إجراءات لإضعاف مادة قبول اللاجئين في الدستور من خلال وضع شروط قاسية أمام القبول. ولم تكن ألمانيا، رغم حاجتها الملحة للأيدي العاملة الشابة ومواجهة تقلص الولادات الجديدة فيها، مستعدة لمواجهة مثل هذا النزوح الواسع من مناطق النزاع إلى أوروبا وإليها وإلى السويد بشكل خاص. ولم تتخذ الإجراءات حتى قبل ذاك بما يساعد على تسهيل اندماج السكان الجدد بالمجتمع الألماني، أو تطوير الأجهزة الضرورية لاستقبال أعداد حتى أقل من العدد الذي وصل إليها من اللاجئين. وبالتالي فاللجوء الجديد لم تكن تنتظره ألمانيا، وفوجئت به، رغم معرفة الحكومة بأحوال منطقة الشرق الأوسط، ووصول مئات ألوف اللاجئين إلى تركيا واليونان وإيطاليا، والأعداد الكبيرة من الغرقى في البحر أو في الصحراء. لقد كان هناك حزبان، هما حزب اليسار وحزب الخضر، مع موقف المستشارة أنجيلا ميركل، أكثر مما هو الحال مع حزبها، ناهيك عن موقف الحزب الحليف (المسيحي الاجتماعي في بافاريا). كما كانت وما تزال هناك منظمات إنسانية كثيرة إلى جانب قبول اللاجئين وتوفير مستلزمات ذلك. إن القوى المعادية للأجانب عموماً وللمسلمين خصوصاً تندرج اليوم تحت عباءة ما أطلق عليه Patriotische Europä-;-er gegen die Islamisierung des Abendlandes (بيگيدا Pegida) إنها الحروف المختصرة لكلمات شعار هذه الحركة الشعبوية المناهضة للمسلمين والتي تعني "وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب". إنها تسعى إلى نشر الرعب في صفوف الألمان وبقية الأوروبيين من الإسلام والمسلمين وإثارة الشعوب الأوروبية ضدهم. المشكلة بألمانيا، وكذلك بالاتحاد الأوروبي، لا تكمن في موضوع الأجانب والموقف من المسلمين فقط، بل تكمن في واقع الحال وبشكل خاص في السياسة الاجتماعية، في برودها الإنساني، في معاناة العائلات الفقيرة التي تسود مجتمعات الاتحاد الأوروبي، في الموقف الفاضح من اتساع التمايز الطبقي بين الأغنياء والفقراء في جميع هذه الدول، وفي مجمل سياسات الاتحاد الأوروبي، واتساع قاعدة الفقراء، ومعاناة كبار السن المتقاعدين والمعوزين منهم بشكل خاص، ووجود عائلات كثيرة لا يحصل أطفالها على وجبة طعام ساخنة باليوم، إضافة إلى البطالة الكبيرة في العديد من تلك الدول، وارتفاع الأسعار، وصعوبة الحصول على شقق مناسبة للعائلات الفقيرة. يضاف إلى ذلك تراجع شديد في مصداقية الأحزاب والقوى السياسية القائمة، وخاصة الحاكمة في ألمانيا والكثير من الدول الأوروبية الأخرى. كما إن القيم والمعايير التي وضعتها الدول الأوروبية لا تلتزم بها كل الدول الأوروبية، لأسباب كثيرة، بما فيها السياسات اليمينية والشوفينية، وغياب الوعي الكافي بأهمية وضرورة ممارسة حقوق الإنسان ...الخ. وقد برز هذا السلوك الاجتماعي النفعي والبارد بوضوح صارخ في موقف ألمانيا ودول أوروبية أخرى من الأزمة المالية باليونان، ومحاولة قهر شعبها لصالح الرأسماليين الذين نهبوها وإياهم، والذين استولوا أخيراً على أفضل منشآت الاقتصاد اليوناني لصالح ألمانيا كالمطارات ودور الاستجمام الناجحة ...الخ. ومن هنا تستطيع قوى النازية الجديدة واليمينية المتطرفة واليمين عموما تحريك فئات غير قليلة في المجتمع الألماني والمجتمعات الأوروبية الأخرى ضد سياساتها بشأن قبول اللاجئين بذرية أن لدينا فقراء وهؤلاء يعتاشون على حساب شعوبنا وفقر فئاتنا الاجتماعية، ويحتلون فرص العمل المتوفرة ويشغلون شقق السكن بدلاً من عائلاتنا الفقيرة. وهم غير صادقين بتلك الإدعاءات! من الواجب الإشارة، وفي هذا الموقع، إلى الناحية التالية والمهمة: منذ سقوط الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية، انتهت المنافسة مع الرأسمالية على الصعيد العالمي، ما دفع بالرأسماليين إلى شن هجوم واسع وشرس على المكاسب التي تحققت قبل ذاك، وفي فترة المنافسة بين المعسكرين، وتراجع الاستعداد للمساومة مع النقابات والعمال ومفاهيم السوق الاقتصادي الاجتماعي في سياسات هذه الدول، ومنها ألمانيا. من هنا يستوجب القول بأن الموقف من الأجانب لدى جمهرة غير قليلة من الألمان لا يكمن في العداء للأجانب وللمسلمين فقط، رغم وجوده، ولكن هناك فئات اجتماعية انجرَّت إلى مواقف اليمين، لأسباب أخرى غير العداء للأجانب وللمسلمين على نحو خاص. وأخيراً وليس آخراً، تتحمل الدول الغربية عموماً، والولايات المتحدة الأمريكية على نحو خاص، مسؤولية كبرى في ما جرى ويجري في الدول العربية الشرق الأوسطية، والدول المغاربية، بسب انتهاجها سياسات اللبرالية الجديدة صوب الخارج، واستمرار استغلال شعوبها، وإشاعة النزاعات فيها، ودعم النظم الرجعية والاستبدادية فيها، وشن الحروب عليها، بذريعة نشر الديمقراطية ونموذج الحياة الأمريكية فيها. ولم يكن الحديث عن الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط غير ما يحصل الآن فيها من نزاعات وحروب دموية واحتمال تفاقم كل ذلك. إن تفاقم أعداد اللاجئين يرتبط عضوياً بسياسات المجتمع الدولي الخاطئة والمضرة، التي انتهجت خلال العقود الأخيرة، والتي تميزت باللبرالية الجديدة، ودور فكر وممارسات المحافظين الجدد على الصعيد العالمي، وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على سبيل المثال لا الحصر. إن ما حصل في كولون وهامبورغ ليس بالضرورة أن سيتكرر ثانية في ألمانيا، خاصة وأن ألمانيا تتخذ الآن الكثير من الإجراءات ووضع قوانين جديدة لمنع تكرار ذلك. ولكن معالجة أوضاع اللاجئين، الذي يفترض أن يكون موضوع البحث والنقاش, يتطلب إجراء تغييرات واسعة جداً على مستوى النقاط الثلاث التي تبلورت في هذا المقال، وأعني بذلك سياسات الدول الطاردة لسكانها، وخاصة الشبيبة منهم، وتلك المستقبلة لهم. وهي عملية معقدة وطويلة الأمد، ولكنها ضرورية، رغم إن استعداد الدول التي تتحمل المسؤولية الكبرى في هذا المجال ما تزال غير مستعدة لتحقيق التغيير المنشود، أي الدول الرأسمالية الكبرى التي تقود العالم في هذه المرحلة التي تتميز بالعولمة الرأسمالية، في مجالات السياسة والاقتصاد والتقانة والثقافة والبيئة والحياة والاتصالات، سواء أكانت مجموعة الدول الست + واحد، أم مجموعة الدول العشرين، أم الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. ثالثاً: ما العمل لمواجهة كثافة الوافدين واللاجئين إلى أوروبا وألمانيا؟ لقد أصبحت أحداث الأول من العام 2016 في المدن الألمانية، كولون، وهامبورغ، وفرانكفورت، وشتوتگارت، مدخلاً لمجموعتين من القوى والأحزاب السياسية بألمانيا: 1- فريق من الألمان يرى ضرورة التشدد ووضع قوانين واتخاذ إجراءات جديدة تساعد على رفض قبول الوافدين وطالبي اللجوء السياسي والاقتصادي تحت واجهات كثيرة، بما فيها الخشية من الإسلام، والعرب المسلمين، والمسلمين عموماً، ويطالب بإسقاط الجنسية عن المواطنين الأجانب وإبعاد طالب اللجوء السياسي، الذين يرتكبون جرائم بألمانيا، ومنها جرائم التحرش بالنساء والاغتصاب. 2- فريق آخر يرفض هذا النوع من التشدد المخالف للدستور الألماني، ويطالب بتحسين إجراءات استقبال الوافدين، وفرزهم، وتطوير وتحسين الإجراءات الأمنية، ومستلزمات تحقيق الاندماج، والتحري عن الوافدين وطالبي اللجوء السياسي إلى ألمانيا، وممارسة الصرامة والحزم في مواجهة منتهكي القوانين والتقاليد والأعراف الألمانية ومعاقبتهم، على وفق القوانين الألمانية، إضافة إلى بذل الجهود الحثيثة لمعالجة مشكلة اللجوء من جذورها، أي معالجة العوامل المسببة والطاردة لسكان بلدان الشرق الأوسط وغرب آسيا وشمال أفريقيا من بلدانهم. ولا يقتصر هذا التباين في الرؤية والموقف على المجتمع الألماني فحسب، بل وعلى مستوى دول الاتحاد الأوروبي، فدول أوروبا الشرقية التي التحقت بالاتحاد الأوروبي، ومعها بعض الدول الاتحاد الأخرى، تلتزم بالرؤية والموقف الأول، هناك الكثير من الدول تلتزم بالرؤية والموقف الثاني. وعلى العموم، يمكن القول بأن التضامن في ما بين دول الاتحاد الأوروبي قد تزعزع تماما في الموقف من الوافدين واللاجئين، كما كان قد سقط في موقفها المشترك من الأزمة المالية والاقتصادية في اليونان. ومع إن الفريق الثاني هو الأكبر والأكثر تأثيراً في الداخل الألماني، إلا إن أحداث كولون خلقت هلعاً في صفوف المجتمع، شددت منه وعمقته ووسعت قاعدته قوى النازية الجديدة واليمين المتطرف واليمين عموماً، وساهم فيه كتاب وعناصر وقوى غير قليلة مهيمنة على جزء مهم من أجهزة ووسائل الإعلام بألمانيا، رغم المقاومة الجادة من جانب الفريق الثاني. تؤكد أحداث العقود الثلاثة الأخيرة والمعلومات المتوفرة، إن مشكلة نزوح ولجوء أعداد غفيرة من دول الشرق الأوسط وغرب آسيا وشمال أفريقيا إلى الدول الغربية، ومنها ألمانيا، لا تحد منه كثيراً الإجراءات التي تتخذها الدول الغربية في بلدانها، بل يفترض أن تكون الرؤية لذلك أكثر عمقاً وشمولية وإنسانية ، أي النظر إلى واقع تلك الدول والمشاركة في معالجتها. فالمعلومات المتوفرة عن النزوح والهجرة تشير إلى تفاقم العدد من سنة إلى أخرى، رغم ما اتخذ من إجراءات وتضييقات على النزوح والهجرة. "فالتقرير الصادر بتاريخ 20/6/2014 عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يظهر أن عدد اللاجئين وطالبي اللجوء والنازحين داخلياً وقسراً في العالم بلغ 51.2 مليون شخص في نهاية العام 2013، أي بزيادة قدرها ستة ملايين شخص مقارنةً بالعام 2012 حيث بلغ عدد النازحين قسراً 45.2 مليون شخص." (راجع: تقرير للمفوضية UNHCR : عدد النازحين قسراً في العالم يتخطى الـ50 مليون للمرّة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية(. واحتلت سوريا والعراق مواقع متقدمة في هذا المجال. وتؤكد المعلومات الأولية إلى أن عامي 2014 و2015 كانا الأسوأ حالاً بالنسبة لعدد اللاجئين والنازحين على الصعيد العالمي وبالمقارنة مع العام 2013. إن هذه المشكلة المتزايدة تعقيداً وصعوبة لا يمكن معالجتها باستقبال المزيد من اللاجئين والنازحين في داخل تلك الدول أو في ما بين الدول ولا بإجراءات التشديد والمضايقة، بل يتطلب اتخاذ المجتمع الدولي سياسات جديدة وجذرية لمعالجة هذا الوضع، فهل العالم الغربي مستعد لمثل هذه السياسة؟ كل الدلائل التي تحت تصرفنا تؤكد بأن العالم الغربي باتجاهاته الفكرية وسياساته العملية الحالية غير مستعد لتغيير الحالة أولاً، وغير راغب في أي تغيير فعلي ثانی-;-اً، إذ لا يتجانس ذلك مع طبيعة العالم الرأسمالي واستراتيجياته وأهدافه في الاستغلال والهيمنة وفی-;- ظل استمرار نهج اللبرالية الجديدة والمحافظين الجدد. ومع ذلك، فأن من الواجب تعبئة المجتمع الدولي والرأي العام العالمي من أجل ممارسة المزيد من الضغط لتغيير تلك السياسات التي ساهمت حتى الآن باندلاع المزيد من الصراعات والحروب المحلية والإقليمية من جهة، وتفاقم حالة الفقر والبطالة والتشرد من جهة ثانية، وزيادة كبيرة سنوية في عدد النازحين والمهاجرين قسراً على الصعيد العالمي ومن الأقاليم موضوع البحث من جهة ثالثة. يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية وضع برنامج اقتصادي، واجتماعي، وتعليمي، وثقافي، وسياسي شامل لمساعدة شعوب منطقة الشرق الأوسط وغرب آسيا وشمال أفريقيا، برنامج شبيه بما وضع في الخمسينيات من القرن العشرين لأوروبا الغربية لمعالجة أوضاعها التي نجمت عن الحرب العالمية الثانية، وساعد على نهوضها، برنامج يرفض الحروب والنزاعات الداخلية وبيع الأسلحة التي ترهق ميزانياتها المحلية، ويوجه استثمارات رأسمالية كبيرة، وبالتعاون مع تلك الدول، لتغيير واقع اقتصادياتها المتخلفة والمشوهة، بما يسهم في تغيير نظمها السياسية غير الديمقراطية، ويقلص الفقر والبطالة، وينشط الإنتاج المحلي، ويغير البنية الطبقية للمجتمع، وبالتالي وعي المجتمع الفردي والجمعي. كاظم حبيب، برلين، 15/1/2016 ملاحظة: الشكر الجزيل للزملاء الذين أرسلت لهم المادة لإبداء الملاحظات، ووافوني مشكورين بملاحظاتهم القيمة، وأخص بالذكر منهم الزملاء الأعزاء الأستاذ ضياء الشكرجي والأستاذ الدكتور تيسير الآلوسي والدكتور فارس نظمي والأستاذ يوسف توما.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة مفتوحة إلى آية الله العظمى سماحة السيد علي السيستاني م
...
-
نقاش لا بد منه حول أحداث ليلة عيد الميلاد 2016 بألمانيا
-
هم ضيف وهم يدبچ على السطح!!!
-
هل فقد دكتاتور تركيا عقله؟
-
2015 سنة مريرة وعجفاء، فماذا يحمل العام 2016 لشعب العراق؟
-
كيف يمكن قراءة الوضع السياسي الراهن بالعراق؟
-
الاستبداد والقسوة بالعراق
-
هل توفر الدولة والحكومة العراقية الأمن والحماية والسلام لمسي
...
-
العراق تتقاذفه الإرادات والأجندات الأجنبية!
-
رأي في مقال الأستاذ أحمد الصراف -المسلمون وترامب وزوكربيرغ
-
السعودية، ينبوع الفكر الإرهابي، تؤسس -تحالفاً إسلامياً- ضد ا
...
-
هل كان حيدر العبادي أو ما يزال سيد قراره؟
-
جلادو النظم المستبدة كحكامها لا يتعظون بدروس التاريخ!!
-
الأهداف التوسعية لتركيا وإيران بالعراق؟
-
الدولة العراقية الهشة تتقاذفها سياسات ونفوذ ومصالح الجيران؟
-
العالم الحر والموقف من السعودية دولة التطرف والإرهاب والظلم
...
-
مواقف تركيا إزاء الحملة المناهضة لقوى الإرهاب بسوريا والعراق
...
-
الاقتصاد السياسي للفئات الرثة الحاكمة في العراق
-
كتاب -الرثاثة في العراق -أطلال دولة ... رماد مجتمع-
-
هل في مقدور التعبئة العسكرية الدولية وحدها تصفية داعش؟
المزيد.....
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
-
كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا
...
-
أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه
...
-
أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
-
-وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس
...
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|