هادي فريد التكريتي
الحوار المتمدن-العدد: 1374 - 2005 / 11 / 10 - 10:18
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
خاضت القوى الدولية ، الإشتراكية والرأسمالية ، المتعارضة في أهدافها وتوجهاتها ، الحرب العالمية الثانية، بجبهة موحدة متحالفة مع بعضها ضد دول المحور ، من أجل هدف واحد لا غير ، هو إنقاذ العالم من النازية والفاشية ، التي كانت تهدد أمن واستقرار العالم أجمع ، بأساليب حكمها اللاإنسانية ، وبنظريتها العرقية التراتبية ، وبعد الانتصار ، ذهب كل معسكر يخطط لما يسعى ويهدف إليه ..
وعندنا في الوقت الحاضر ، تدعو الحاجة الوطنية ، إلى قيام تحالف انتخابي ، من قوى سياسية مختلفة ، شيوعية وديموقراطية وقومية وليبرالية ، تتقاسم الفهم في نظرتها للإنسان والوطن ، تقر مبدأ الوطنية والمواطنة في توجهاتها ، لتشكيل كتلة سياسية برلمانية ، تسعى لتحقيق برنامج وطني ديموقراطي ، كما تهدف لمعالجة السياسات الخاطئة التي مارستها الحكومة " الجعفرية "نتيجة انفرادها بالحكم ، ووسمها مؤسسات الدولة بسمة طائفية ، بعيدا عن أي نهج وطني أو مسعى ، موحد لقوى الشعب ومكوناته ، وبالضد من تقاليد الشعب العراقي ونضالاته الوطنية ، حاولت قيادة الدولة ومؤسساتها نحو تأسيس حكم ديني ـ طائفي ، ينحو منحى دكتاتورية فاشية بصبغة دينية ، لا تقل نتائجه ، لو تحقق لها ذلك ، عما أسفر عنه حكم البعث الساقط من نتائج كارثية عمت العراق والمنطقة والعالم .
تهدف الانتخابات القادمة وتهيئ لفترة حكم مستقر ودائم ، يستوجب حل الكثير من المعضلات التي تتطلب حلولا وطنية وديموقراطية ، عجزت عن حلها حكومة الائتلاف الطائفي ، والضرورة تقتضي حلها لصالح جماهير الشعب ، بكل توجهاته الفكرية والسياسية والدينية والقومية ، بعيدا عن الحزبية والقومية والطائفية . أسفرت نتائج الانتخابات السابقة ، عن نتيجة مؤسفة للقوى اليسارية والديموقراطية والليبرالية بشكل عام ، وللحزب الشيوعي العريق بجذوره الوطنية بين مكونات الشعب العراقي بشكل خاص ، نتيجة لتبعثر القوى الوطنية المتعددة الاتجاهات ، وتشرذم التيار الديموقراطي واليساري . تميزت الأوضاع الحالية ، منذ تشكيل الحكومة الانتقالية الثانية ، بالتردي على كل الصعد ، السياسية والأمنية والمعاشية ، وبرزت الحاجة ماسة لتشكيل تحالف جديد ، من قوى سياسية وطنية ، قومية ديموقراطية وليبرالية وشيوعية ، يخوض الانتخابات القادمة ، بقائمة موحدة ، مناهضة للتوجهات الفاشية ، سواء أكانت قومية أم دينية ، من أجل حل المشاكل القائمة ، التي فشلت في حلها الحكومة السابقة ، والمتمثلة في توفير الأمن والاستقرار للبلد ، نتاج تصاعد العمليات الإرهابية والطائفية ـ الشيعية والسنية على حد سواء ، وضرورة الحد من نشاطاتها بداية ، والقضاء عليها لاحقا ، ومعالجة أزمة الماء والكهرباء والوقود والبطالة ، ثم معالجة النواقص والثغرات التي تبنتها مسودة الدستور ، من تعديل لبعض مواد تتعلق بالحريات العامة ، وحقوق الإنسان ، والمرأة ، ومساواتها بالرجل في كامل حقوقه ، وتحجيم الغلواء الطائفي ، وإبعاد الدين عن المعترك السياسي ، وضمان ممارسة الحريات الدينية لكل الطوائف والأديان ، وغيرها الكثير مما احتواه الدستور ذي النفس الطائفي ، وبعبارة واحدة ما يطلبه الشعب العراقي :هو أن يعيش العراقي كمواطن له ما لغيره من حقوق في المواطنة الحقة ، وعليه ما على غيره من واجبات ، في مجتمع متآخي يسوده الأمن والسلم ، متمتعا بخيرات بلده ، ومساهما في بنائه ، بما يملك من قدرة وطاقة ليعوض ما خسره البلد ، خلال ثلاثة عقود أو أكثر ، من حكم قومي فاشي سابق ، وقومي ـ طائفي آني .. كما تقع على عاتق هذا التحالف العمل على إنهاء تواجد قوات الإحتلال بصيغة تضمن أمن واستقرار البلد .
لا شك أن دخول الحزب الشيوعي العراقي في قائمة تحالف انتخابية هي " القائمة العراقية الوطنية " يثير الكثير من النقد والتساؤلات ، من منطلقات كثيرة ومختلفة ، وقبل أن نخوض في أي حديث عن الحزب الشيوعي ، أهدافه ، برامجه ، والآفاق التي تحدد مسيرته ، علينا أن نقر ونعترف أن العراق خربته الفاشية ، بكل ما تعني هذه الكلمة ، ثم أن العراق لا زال محتلا ، وقوات الاحتلال ، ( تلعب بالبلد شاطي باطي )كما تقول الحكمة الشعبية ، ولمستشاريه القول الفصل في كل الوزارات والمؤسسات السيادية وغير السيادية ، وزادت من خراب البلد ، شركاته المتعددة الجنسية ، التي ساهمت بنهبها للمليارات التي ُقدمت كمساعدات لإصلاح بعض ما خربته هذه القوات ، وما عادت للعراق حتى مؤسسات دولة بالمفهوم الواقعي ، فكل شبكات البنى التحتية مخربة ، و الركائز الاقتصادية التي يديرها مئات العمال والفنيين ، من صناعة وزراعة وخدمات عامة، ما عادت تصلح للعمل نهائيا ، فالبطالة إذن تضرب في العمق ، وهذا ما يعول عليه الحزب الشيوعي في تنفيذ برامجه الآنية واللاحقة .من كل ما تقدم أقول ، أن الحزب الشيوعي ليس واردا في نضاله أن ينفذ أي برنامج حزبي ، لوحده في الظرف الراهن ، مهما كان قصير الأجل ، فعليه إذن أن يفتش عن حلفاء من حوله يشاركونه بعض توجهاته في الإصلاح ، وللبدء في معالجة الخراب الذي يضرب في عمق الواقع ، ولا حليف له سوى القوى التي تتبنى المفاهيم الوطنية ، بدلا من العنصرية والطائفية ، من أي اتجاه كان . إذا كانت هذه هي آفاق عمل الحزب ، فمن أي شيء يخاف على مبادئه وبرامجه ، نعم هناك خوف واحد أساسي ومصيري على الحزب ، وعلى كل قوى اليسار والديموقراطية والوطنية ، أن يحذروه ، وهو مجيء الطائفية بكل ثقلها وتنوعها إلى الحكم ، لتفرض الفاشية والديكتاتورية من جديد ، ومن أجل أن لا نرى مثل هذا اليوم ، تصبح التحالفات الوطنية ، قصيرة الأمد أو الطويلة ، ضرورة وطنية ، وعلى اليسار ، كل اليسار بمختلف توجهاته ، عليه أن يدعم هذا التوجه ، وليس الهجوم عليه . فإذا ما سيطرت فاشية قومية ـ عنصرية ، أو دينية ـ طائفية ، مسلحة بالإرهاب ، وبمليشياتها الظلامية كيف سيتعامل هذا اليسار ، الخارج من رحم الحزب الشيوعي ؟ هل سيحمل السلاح ، وقد جرب هذا في ظروف أفضل وفشل في تحقيق غرضه ، فكيف به الآن ؟ وهل عند هذا اليسار من بديل في الوقت الحاضر ، لصد الهجمة الطائفية بشقيها ؟ وإذا عادت الفاشية مجددا ، يحملها الإرهاب المتعدد الأشكال والصور ، كيف سيتصرف هذا اليسار الرافض لكل الحلول ؟ وحتى اللحظة لم يقدم أي حل بديل غير كلمة " لا " للتحالفات بكل أشكالها وصورها . إن التحالفات في الوقت الحاضر بين القوى السياسية الديموقراطية والوطنية ، أيا كان نوعها ، تهدف إلى تحقيق هدف وطني مشترك ، وإشغال مواقع في جهة إصدار القرار ، يخدم توجهات وأهداف المتحالفين ، فهم غير قادرين على تحقيقه بشكل مبعثر لقواهم ، ولن تتوفر لهم إمكانية المناورة مع الغير ، لو ساهمت بصورة منفردة ، لظروف شتى ، كالحال الذي عليه الحزب الشيوعي ، على الرغم من سعة وتأثير أفكاره وبرنامجه على الواقع الإجتماعي ، كما أن كل التحالفات لا تشكل واقعا ثابتا ومستديما للقوى المساهمة فيها ، إنما هي متغيرة ومتحركة ، مرهونة بظرفها ، فإن تحققت شروط أفضل في ظرف آخر يحقق أو يؤسس لواقع متقدم ، لا بد من الانتقال إليه وتأسيس تحالف جديد ، على أسس جديدة وبرنامج جديد يخدم التوجهات المستقبلية . كل تحالف مرهون بظرفه ، ولا يمكن القفز على الواقع ، وحرق مراحله ، أو الإنشداد إلى تجارب سابقة ، ونتائجها سلبية كانت أم إيجابية . فالحياة متغيرة واحتياجات الناس ومطالبها متغيرة كذلك ، وعلى ضوء هذا الواقع تتغير الأفكار والمواقع ، والانغلاق على الذات وعدم التفاعل مع الواقع ومكوناته تتجاوزه الحياة . فنجاح قوى التحالف الجديد ، في تحقيق مواقع متقدمة في الانتخابات القادمة ، مرهون بمدى صدقية المتحالفين وحرصهم على تنفيذ البرنامج المتفق عليه ، وعدم التدخل في الشأن الداخلي لهذه القوى .
عندما فشل الحزب الشيوعي ، في احتلال مواقع أفضل في الانتخابات السابقة ، أثار الكثير من الجدل ، وتوجهت للحزب ولقيادته الكثير من الانتقادات ، من أطراف عدة صديقة وعدوة ، باعتقادي أن كل هذا ، هو ظاهرة إيجابية ، لصالح الحزب ، لما يتمتع به من سمعة وطنية عالية بين جماهير الشعب ، والشعب هو رصيده ، وهو المعني بكل ما يقدم عليه من خطوات في المعترك السياسي ، وكل ما يحققه من نجاحات هو بفضل دعم الشعب له وتمسكهم به وبتاريخه النضالي على مر العهود ، وفشله وانكساراته في الماضي والحاضر ، تمثل خيبة أمل للشعب كذلك ، ومن هذا الواقع تتوجه للحزب الأنظار ، من الخصوم قبل المؤيدين والأنصار . والحزب في كل تاريخه النضالي والوطني سعى , ويسعى ، لأن يحقق الوحدة الوطنية بعيدا عن المكاسب الضيقة ، وما كان يفكر بتحسين أوضاعه المادية ، وتحقيق مكاسب لرفاقه في الحزب ، كما هو حاصل اليوم لقوى الحكم ، على حساب أي فئة من فئات الشعب ، فمقولة : أول من يضحي وآخر من يستفيد ، تنطبق عليه بالكامل . فدخوله لهذا التحالف ، ليس على نمطية ونهج التحالفات السابقة ، التي انتهجها الحزب في الماضي ، فبعضها كان تحالفا مع السلطة ، وهذا ما أضر كثيرا بالحزب وسمعته على امتداد عقود ، وتسبب في خسائر جسيمة ، إلا أن ما يميزه في هذه المرة ، أنه تحالف لقوى سياسية ، في داخل العراق ، ذات طبيعة وطنية لمرحلة بناء العراق المخرب ، تحالف هذه القوى من خارج السلطة ، تسعى لغرض محدد ضمن فترة محددة ، أيدت هذا التوجه ، كما يقول سكرتير اللجنة المركزية للحزب " ..غالبية مطلقة تؤيد خيار الحزب بشأن الائتلاف العريض ، ...ولا ندخل في تحالفات لآفاق بعيدة المدى بل لدينا مشتركات لمرحلة آنية " .نعم هناك ضرورة وطنية ، ولها القول الفصل في هذا التحالف ، فليقدم كل منا ما يقدر عليه من دعم لهذا التوجه ، فهناك الكثير ما نخسره إن عادت الفاشية مرة أخرى بأطر وأشكال جديدة ..!
#هادي_فريد_التكريتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟