|
إننا بحاجة إلى ثورة ذهنية أكثر من حاجتنا للماء والهواء
روزة اليوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1374 - 2005 / 11 / 10 - 10:18
المحور:
القضية الكردية
إننا نعيش في عالم يسوده الفوضى في الفترة الراهنة ، ولكن نعيش في نفس الوقت مرحلة انتقالية تكسب فيه مصطلحات جديدة معاني وتظهر مفاهيم يقوم كل من الفرد والمجتمع بالتمحور حولها وتشكيل هويته الجديدة في مضمارها ، ويمكن رؤية هذه المرحلة بشكل واضح في الكثير من المراحل التاريخية ، مثلا مصطلحات الديمقراطية ، العدالة ، الحرية تعتبر المصطلحات الأساسية التي قامت أروبة في بناء نفسها وتطويرها أثناء النهضة في القرن الثامن عشر والتاسع عشر ، وإذا كانت اوربة اليوم تتحدث عن حقوق الإنسان ، والديمقراطية ، فإنها تعتمد على التحول الفكري الذي تم القيام به في تلك الفترة والتي راح ضحيتها الكثير من المفكرين أمثال برنو وغيره من العظماء ، والكثير من النساء اللواتي تم إتهامهن بالفسق وخروجهن عن مبادئ الكنيسة ، وتم إحراقهن وقتلهن في المقاصل ، ولكن كل هذه الجهود لم تذهب سدى ، وأدى إلى أن تقطع أروبة مسافة شاسعة من التطور العلمي والتقني والحضاري ، وأن تتحول إلى مكان جذب للعالم أجمع ، في الوقت الذي كانت تعيش التخلف والظلام ، حينما كان فيه الشرق مهدا للعلم والأدب والفكر . في الوقت الذي يتم مناقشة كيفية التحول إلى دول وحماية الدول الصغيرة من قبلنا في الشرق ، تقوم أوربة بتجاوز كل البنى المتخلفة للدولة والتي باتت تقف كعقبة في طريق مجتمعها ، و تعمل الدول الأوربية إلى تقوية الاتحاد الأوربي بشكل أكثر ، وبدأ يتحول إلى اتحاد ليس من ناحية فحسب بل تحول إلى إتحاد سياسي ، اقتصادي ، عسكري ، و حقوقي ، و يعمل يوميا لتطوير مؤسساته هذه ، لأننا أمام حقيقة ناصعة وهي إن عصر الدول الصغير قد ولى ، وإذا كنت تريد أن تكسب استقلالية من الناحية الفكرية والسياسية و الاقتصادية ، فهذا يمكن أن يتم فقط بتشكيل الاتحادات والكونفدراليات التي تمكن الشعوب من الحفاظ على هوياتها ، هذا بالإضافة إلى وصولها إلى القوة التي تمكنها من حماية استقلاليتها بشكل أكثر وإلا فإن الدول الصغير لايمكنها أن تخلص نفسها من الإلتحاق بقوة أخرى سواء شاءت أم أبت ، وهذا ما يمكن رؤيته واضحا في حقيقة دول الشرق الأوسط ، التي أصبحت بلاء على رأس شعوبها ، وسوريا تعتبر مثالا حيا عن هذا الواقع ، فإنها دائما تبحث عن قوة تأخذ بيدها ، سابقا كان الاتحاد السوفييتي ، والآن تعيش المأزق وهي أما الاستسلام للسياسة الأمريكية وكان انسحابها من لبنان هي بداية هذا السيناريو ، وأيضا السبب الأساسي في العلاقات الغير المبدئية ، المتطورة بينها وبين تركية هو الأزمة التي تعيشها سورية نتيجة الفراغ الذي شكله الاتحاد السوفييتي في نظامها ، كذلك حقيقة العراق وتركيا اللتان تعيشان على حقنات السيروم الأمريكي تعبران عن هذه الحقيقة المأساوية ، إننا بالطبع يجب أن نتوقف مليا عند حقيقة الدولة التي باتت وكأنه ظاهرة لايمكن الاستغناء عنها والتي ترسخت في ما تحت شعورنا ، هل بالفعل لايمكن أن نعيش دون دول ؟ ماذا تقدم لنا الدول كأفراد وكمجتمع ؟ نحن كأكراد هل نحن بحاجة إلى دولة أم إلى الحرية ، والديمقراطية والمواطنة الحرة ، حسب اعتقادي إننا كشرق أوسطيين وكأكراد يجب أن نسأل هذه الأسئلة مرارا وتكرارا ، لأن كل عقدنا مكمونة في هذه المسألة ، فأصحاب الدولة أي الحكومات و المؤسسات الرسمية وسماسرة السياسة ، يروجون يوميا لأهمية الدولة ليصبح الدولة القوة التي تأتي بعد الله وأحيانا قبل الله ، لأن الدولة هي الجبار ، القدير ، الأعلى ، العظيم ،..........الخ ، والأمر المثير للدهشة هو إن المناهضين للدولة ، يكون هدفهم الأول هو كيفية الاستيلاء على الدولة ، وعندما يستولون عليها يصبحون أكثر تسلطا من غيرهم ، وهذا ما يمكن رؤيته واضحا في الكثير من التجارب ، ألم يقم حزب البعث بثورة الثامن من أذار باسم الشعب والكادحين ، ألم يقم فيدل الكاسترو باسم العمال ، وكذلك تجربة الاتحاد السوفييتي الذي تحول إلى جبروت أفظع من الرأسمالية نفسها ، وهذا ليس لأن هؤلاء الناس كانوا سيئيين ، إنما حقيقة الدولة المعتمدة على العنف ، السلطة ، الكذب ، الطبقية ، التحكم ، الملكية ، القوة ، الطاعة ، تجعل من هذه النتيجة أمرا لا مفر منها ،فهي مثل خاتم ( سيد الخواتم ) غير مهم من يقوم بوضعه في إصبعه ، أيا كان هويته وجنسه فهي تعطي نفس التنائج الوخيمة للفرد والمجتمع . هذا يعني إننا أمام معضلة مهمة جد ا ، وهي نحن ، كشعوب ونساء ، ماهي شكل الإدارة التي يمكن أن تؤمن لنا العدالة ، الحرية ، المساواة؟ ، ما هي الذهنية التي نحن بحاجة إليها؟ ، ما هي الأسس التي يمكننا أن نبني عليه حياتنا ؟، ما هو اللغة التي يجب أن نتكلم بها ؟ ، لأن هستريا الدولة التي تلف العقول والقلوب تعمي عيوننا من رؤية هذه الحقائق ، وكأننا إذا ما امتلكنا الدولة نكون حينها قد امتلكنا كل شئ ، في حين إن حقيقة الدول العربية والدولة التركية و الإيرانية ، تعبر عن التراجيدية التي تأتي بها لشعوبهم ، يملكون دول ، ولكنهم نفس الأكراد جائعيين ، يسجنون ، يحكمون من قبل الحكومات ، ولكن التشوه الذي تعرض له وعينا يجعلنا نضع الدولة في محور كل شئ . إننا في الحقيقة كأناس هذا النظام الذي يحكمه الدول ، يعبر كل شخص منا عن دويلة صغيرة ، هذه ليست مبالغة ، كل منا يريد أن يتحكم في غيره ، يريد أن يسلط فكره على الآخرين ، ففي مناهضة صغيرة لرؤيتنا نتحول إلى دكتاتوريين ونقوم بالهجوم على الاخرين ، إننا أيضا نعلن بعض الأشخاص إرهابيين ، ونحكم الناس في إطار صلاحياتنا ، نريد أن يقوم أناس بالطاعة لنا ، أليست كل هذه المسائل التي نقوم برفضها في دولنا ،ونعلن أنفسنا كثوريين في مواجهتها أو كمناضلي الديمقراطية ، ولكن ومع الأسف فالدولة موجودة في داخلنا ، فالأب يعتبر حكومة على عائلته في مجتمعنا ، والرجل دولة على المرأة في المنزل ، والكبار على الصغار ، وهلم جرا . وأرى بأن سر عدم تمكن الحركات السياسية سواء في سورية أم في الشرق الأوسط عموما هو عدم تجاوزها لهذه الذهنية ، لأن الأشخاص والأحزاب لا تتجاوز حقيقة الدول والحكومات الموجودة ولأنها تشبه كثيرا هذه الأنظمة ، لذلك لاتتحول إلى بديل ، وأزمة السياسة التي تعيشها الأحزاب ، هي نتيجة لهذه الحقيقة التي لا يرغب الكثيرين في رؤيتها ، لذلك الصراع الموجود بين الدول والحركات االمناهضة يكون عقيما ولا يعطي نتائج . و لكي نتمكن كأفراد و كتنظيمات من تحقيق مصالح الشعوب ومجتمع معتمد على التحرر الجنسي و الإكولوجي ، يجب أن نقوم في البداية باجراء التحول والتغيير في ذهنياتنا أولا ، لأننا إذا لم نحرر أنفسنا من أخطبوط الدولة لا يمكننا مواجهتها قطعيا ، وستقوم ذهيناتنا ولساننا بالخيانة معنا ، لأنها ليست عائدة لنا وإنما عائدة لنقيضنا ، يجب أن نطهر عقولنا من التفكير بعنف وتزمت وأن نسالم مع نفسنا أولا لنسالم مع الآخرين ، وأن نسقي أرواحنا بالمعرفة بدلا من القوة ، وأن ننظم علاقتنا على المساواة والتبادل بدلا من الطاعة ، أن يكون البحث عن الأفضل والأرقى والأسمى فضيلتنا الأساسية في الحياة لأن الإكتفاء بما نعرفه يعني إغلاق باب الجهل غلى أنفسنا ، لنحرر لساننا من التهكم والشتيمة لأنها عمل الضعفاء والهمجيين ،و ليكن التخلص من الأنا المركزية شعارنا في الحياة ، هذا يعني إننا يجب أن نعرف كل شئ في ذاتنا من جديد في هذا العصر ، وهذا يمكن تحقيقه بثورة ذهنية ووجدانية ، لأن معرفة الذات هو أساس كل المعارف ، و الشخص الذي لايعرف نفسه بشكل سليم وموضوعي سيكون تعريفه لكل ما حوله مشوها ومنحرفا ، إننا بقدر ما نسمو بأنفسنا وأرواحنا نكون قد أسمينا بالمجتمع ، وحينما نحقق الديمقراطية في شخصياتنا نكون أصحاب قوة لتطبيقها ، وإلا لن نتخلص من أن نصبح ديماغوجيي الديمقراطية وهذا ما نحن بغنى عنه ، وخاصة نحن كشرقين و كأكراد . في كل المراحل التاريخية ، تم نسج خيط التحكم والهرمية الاستهلاكية باسم الحرية ، وتم هدر الكثير من الناس العظماء في سبيلها ، حتى الاشتراكية المشيدة أصبحت ضحية هذا الخطأ ،حيث قالوا ( سنقوم ببناء دولة دكتاتورية البروليتاريا ) ولكن كان العمال أول ضحايا هذه الدولة ، لذلك نحن الأكراد في الحقيقة لسنا بحاجة إلى دولة ، وإنما بحاجة إلى العيش في ظل نظام ديمقراطي ، يسوده العدالة و الحرية ، يكون فيه إرادة الشعب أساسا ، يكون فيه المواطن حرا ، وطرح الكونفدرالية الديمقراطية هو الطرح الصحيح ليس بالنسبة للشعب الكردي فحسب بل للشرق الأوسط عموما ، إن ترسيخ نظام الكونفدرالية الديمقراطية ، الذي يعبر عن نظام اجتماعي خارج الدولة ، هو الاستراتيجية التي يمكن أن تصل بالشرق الأوسط إلى مصاف الاتحاد الأوربي أو حتى أكثر تطورا ، يمكن أن يتم القول بأن هذه أمور خيالية ولكن عندما كان يتحدث نابليون عن هدفه في اتحاد أوروبة كان هناك من يستهزء به ، في حين تحقق هدفه بعد مئتين عاما ، إلا إن بذورهذه الفكرة خلقت منذ القرن الثامن عشر والتاسع عشر ، لذلك إننا نقوم بخلق التاريخ يوميا ، وإذا كنا نقوم اليوم بخلق هذه البذور هذا لايعبر عن جهلنا بالعكس تماما يعبر عن رؤية مستقبلية خلاقة ، يقوم أوربة اليوم بجني ثمارها ، ونحن الأكراد يمكن أن نلعب الدور الرئيسي لتطوير مثل هذا النظام ، لأننا أكثر الشعوب بعدا عن مستنقع الدولة ، و تاريخنا هو تاريخ الفيدراليات والكونفدراليات حتى في الوقت الذي كانت السلطة في أيدينا ، لذلك نحن بالفعل أمام دور تاريخي ، كيف ان نوروز كانت بمثابة ربيع حررت الشعوب من ظلم الدكتاتوريين ، كذلك الأكراد الآن أمام فرصة تاريخية لأنه ولأول مرة سيتم تطوير حل جذري لصالح الشعوب والنساء بعيدا عن التحكم و حلا خارج الدولة
#روزة_اليوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حملة دهم واعتقالات إسرائيلية جديدة في الضفة الغربية طالت 25
...
-
الخارجية الأميركية تلغي مكافأة بـ10 ملايين دولار لاعتقال الج
...
-
اعتقال خلية متطرفة تكفيرية في قضاء سربل ذهاب غرب ايران
-
تفاصيل اعتقال اثنين من النخبة الإيرانية في الخارج
-
قصة عازفة هارب سورية، رفضت مغادرة بلادها خلال الحرب رغم -الا
...
-
قوات الاحتلال تقتحم قرية برقة بنابلس وتداهم المنازل وتنفذ حم
...
-
ألمانيا: قتيلان على الأقل وعشرات الجرحى في عملية دهس بسوق عي
...
-
الأردن يأسف لقرار السويد وقف تمويل الأونروا ويدعو لإعادة الن
...
-
بعد محادثات إيجابية.. أمريكا تلغي مكافأة الـ10 ملايين دولار
...
-
السعودية ترحب بتبني الأمم المتحدة قرارا بشأن إسرائيل
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|