أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - الويل لمن لا يترك قصة في العالم














المزيد.....

الويل لمن لا يترك قصة في العالم


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 5042 - 2016 / 1 / 12 - 23:12
المحور: الادب والفن
    


في يوم ما، قبل أكثر من ثلاثين سنة، آمنت بمعجزات القصة القصيرة.. قلت: لن أخلص إلا لها.. لن أكتب في أي حقلٍ أدبي، أو معرفي آخر.. سيكون الارتباط بيننا كاثوليكياً خالصاً. لكنني خنت، في النهاية، هذا الوعد. ربما لأنه لم يكن معقولاً، وأطلقته تحت تأثير عاطفة قوية تليق بسن المراهقة. أو لأن ما أردت التعبير عنه، فيما بعد، لم يكن بمستطاع هذا الجنس السردي، وحده، الإيفاء بمتطلباته. غير أنني لم أقطع معها ذلك الحبل السري قط.. بقيت سنة بعد أخرى أقرأ القصص القصيرة وأكتبها.. أقترب منها كثيراً أحياناً، وأحياناً أبتعد.. ولكن من غير أن أفقد احترامي العميق لها، واهتمامي بها.. ومن غير أن أنساها. والآن أحسني وكأن في كل قصة كتبتها شظية من روحي، أو كما لو أنها طفلة من صلبي.
نشرت أول نص قصصي وأنا ابن السادسة عشرة في مجلة للأولاد.. ومنذ ذلك الحين باتت الكتابة في هذا المحفل شغفي الدائم.. تأخذني الرواية حينا إلى عوالمها، وكذلك تفعل الكتابة في مجالات الفكر والنقد، لكن الحنين للقصة القصيرة لا يكاد يبارحني.. إنها بيت الطفولة القديم.. المنزل/ الرحم الذي يشعرني بالغبطة والدفء والأمان. والآن أعترف أن شعرية القصة القصيرة هي الأكثر توافقاً وانسجاماً مع إيقاعاتي الذهنية والنفسية والروحية.
كان حلمي أن أعكس هويتي الوجودية وتجربتي في الحياة، وصورة العالم الذي خبرته وعرفته في قصة قصيرة واحدة، مبهرة، محكمة البناء، متعددة المستويات والأبعاد، مجللة ببعض الغموض الذي هو من طبيعة الأشياء، ومن قيم الجمال في الكتابة السردية. ويقيناً أن مثل هذه القصة تقع على تخوم المستحيل.
لكل جنس أدبي وعوده، ووعود القصة القصيرة، باعتقادي، هي الأكثر رقياً وارستقراطية.. هنا أتكلم عن الجمال، عن صناعة الدهشة. فكاتب القصة القصيرة هو الصانع.. إنه المعني أكثر من أي مشتغل في الفنون الأدبية الأخرى بالدقة، والخفة، والانسجام، والتماسك، أي بتلك الفسيفساء من القيم الجمالية العالية كلها. لا لأن هذا الكاتب/ الصانع عليه أن يقتنص العالم في لحظة خاطفة ويعيد تشكيله وحسب، بل عليه أيضاً أن يكون حاذقاً في صياغة نصه، دقيقاً، صبوراً، يفصح عن مهارة لا تُكتسب بيسر.
القصة القصيرة الجيدة نقية، ناصعة، وأية شائبة فيها لابد من أن تلفت النظر، لأنها تكسر ما هو متسق، وتربك ما هو متناغم، فهنا لا يُغفر لاختلال الإيقاع؛ لتعثرات اللغة وتناشزات البناء.
جمال الرواية هو جمال النهر العريض المتدفق، أما جمال القصة القصيرة فهو جمال الساقية الصافية، وأكاد أقول جمال الشراب الملوّن في كأس شفافة.
ليست للقصة القصيرة قواعد نهائية صارمة. وما يميزها عن بقية ألأجناس الأدبية هو وجوب وجود الخيط السردي بصوت راوٍ واحد في الأقل، وقصر الشريط اللغوي بالقياس إلى الرواية، فضلاً عن الشروط/ القيم الجمالية التي ذكرناها آنفاً.. وهذا ما يمنح كاتبها فسحة كافية للحركة الحرّة في التصوير، وتطويع اللغة السردية، واختيار الأسلوب والتقنيات الملائمة في بناء الحدث القصصي ونحت الجملة القصصية.. هنا نحتاج إلى الخيال المهذّب، لا المحدود.. التأنق، لا الافتعال والتزويق.. التشذيب لا الاختزال الفج.. فيما الفطنة واجبة في استثمار ممكنات الخيال وآفاقه.
مع القصة القصيرة نكون في حضرة الجمال والثقافة.. نكون مع اللوحة والشعر والموسيقى أكثر من أي شيء آخر.
حين نرحل تبقى القصص.. الويل لمن لا يترك قصة في العالم.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وعود التنوير
- صراع الهويات والعنف
- الدولة والهوية والعنف
- خضير ميري الذي يَتّهم
- الهوية والثقافة والعنف
- التنوير؛ الأنا والآخر
- مفهوم الهوية ومعضلتها: الذات والآخر
- في كتاب -الأجنبية-: البحث عن الذات
- سياسات الهوية ومفهوم الهجنة
- عالمنا الذي يتهرأ: السلطة، الثقافة، الهوية، والعنف
- حول مفهومي النهضة والتنوير
- تأملات في الحضارة والديمقراطية والغيرية
- ذلك الجندي الذي يقرأ: شهادة قارئ روايات
- عصرنا، والوظيفة العضوية للمثقف
- الاحتجاجات المدنية والوظيفة العضوية للمثقفين
- أن نتعلم ألفباء السياسة بالممارسة: ساحات الاحتجاج مثالاً
- جيل جديد.. مثقف جديد
- تأملات عبر اللحظة العراقية الآنية
- المثقف محتجّاً مدنيّاً
- هذا الحراك المدني


المزيد.....




- مشاهدة مسلسل تل الرياح الحلقة 127 مترجمة فيديو لاروزا بجودة ...
- بتقنية الخداع البصري.. مصورة كينية تحتفي بالجمال والثقافة في ...
- ضحك من القلب على مغامرات الفأر والقط..تردد قناة توم وجيري ال ...
- حكاية الشتاء.. خريف عمر الروائي بول أوستر
- فنان عراقي هاجر وطنه المسرح وجد وطنه في مسرح ستوكهولم
- بالسينمات.. فيلم ولاد رزق 3 القاضية بطولة أحمد رزق وآسر ياسي ...
- فعالية أيام الثقافة الإماراتية تقام في العاصمة الروسية موسكو
- الدورة الـ19 من مهرجان موازين.. نجوم الغناء يتألقون بالمغرب ...
- ألف مبروك: خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية 2024 في ...
- توقيع ديوان - رفيق الروح - للشاعرة أفنان جولاني في القدس


المزيد.....

- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد رحيم - الويل لمن لا يترك قصة في العالم