أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - أنتم تحاكمون الخيال 2/2














المزيد.....


أنتم تحاكمون الخيال 2/2


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5042 - 2016 / 1 / 12 - 12:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تكلمنا في الأسبوع الماضي عن حلم الأدباء بتغيير العالم إلى عالم أجمل. وأنهم عبر هذا الحلم قد يشطحون في خيالهم، وأثبتنا كيف استفاد العلماء من تلك "الشطحات" فابتكروا واخترعوا؛ وقدمنا أمثلة مهمة على استفادة العلم من الأدب. ثم طرحنا سؤالا بديهيًّا: إن كان لا يجوز إجراء عملية جراحية بأدوات المهندس المعماري، ولا يصحُّ أن نُشيّد بنايةً بمباضع جراح، فهل بوسعنا أن نحاكم "قطعة أدبية"، بالأدوات النقدية التي تحاكم المقالَ الصحفي أو البحثَ العلمي؟
هنا يبرز سؤال جديد: وما هي أدوات الأديب أو الفنان التي يكتب بها "حُلمه" المجهول، أو يرسمه؟ علينا الانتباه، نحن بصدد كتابة "حلم"، فهل بوسع إنسان أن يكتب "الحلم" بمفردات اللغة اليومية العادية وصياغاتها؟ الموسيقيون يكتبون مقطوعاتهم على أوراق مستطيلة بيضاء تقطعها خمسة خطوط متوازية، تعقبها خمسة خطوط أُخر. تُرسم على كل منها نغماتٌ تبدأ بطيئة وتأخذ في التسارع من روند إلى بلانش إلى نوار إلى كروش إلى دوبل كروش إلى تريپل كروش إلى آخر النغمات الخاطفة وأسرعها. وهو هنا مجبرٌ على ابتكار لوحة موسيقية جديدة، لم تُسمَع من قبل، باستخدام تلك الأبجدية الموسيقية ذاتها التي يستخدمها كل الموسيقيين في كل العالم وعبر كل العصور. لو كرّر ما سبقه، فهو ينتهك قداسة السلم الموسيقي! كذلك الرسام. يستخدم باليت اللون والفرشاة ليحوّل الفضاء الأبيض على لوحته إلى حياة وشجر وعصافير وبراكين وشموس وأقمار. لكنه كذلك مجبرٌ على "ابتكار" لوحة تشكيلية جديدة، لم تُرسم من قبل، باستخدام تلك الأبجدية اللونية نفسها التي استخدمها الرسامون كافة في كل أرجاء العالم وعبر كل الأزمنة. ولابد أن يأتي بجديد وإلا كان مكررًا باهتًا مقلّدًا منتهكًا. فماذا بوسع الأديب إذن أن يصنع بثمانية وعشرين حرفًا تضمها الأبجديةُ العربية؟! الشيء نفسه. عليه نحتُ صيغ أدبية ترسم أفكاره وأحلامه المستحيلة، وتنهل من المجهول الحُلميّ الذي يخايله في صحوه وفي نومه. وعليه أن ينتبه ألا يقع في خطيئة التحرش بالورق الأبيض، وفق تعبير نزار قباني: “إن لم تستطع أن تأتي شيئًا مدهشًا، فلا تتحرش بالورق الأبيض!”
والسؤال هو: هل يجوزُ أن نقرأ نوتة موسيقية بأبجديات الحروف (أ-ب-ت-ث A-B-C-D)؟! أم نقرأها بأبجديات اللون والفرشاة والخط والمساحة والنور والظلال؟ وهل يصحُّ قراءة لوحة تشكيلية بأبجديات (دو- ري –مي - فا- صول...)؟ وأخيرًا، هل يجوز أن نقرأ قطعة في مسرحية لشكسبير أو تشيكوڤ-;---;-- كما نقرأ جريدة يومية سيارة؟
هنا يتجلّى الفارقُ "الهائل" بين الخطاب الفني "الحُلمي" الفانتازيّ، وبين الخطاب الإيصالي التقريري اليومي. الأخير يصف "ما حدث" وما يمكن رؤيته بعين البصر، والأول يصف "ما لم يحدث" وغير قابل للرؤية إلا بعين الخيال. فلا يصحُّ أن نقرأ القطعة الأدبية، بمعزل عن "أدبيات" وفنون القراءة الأدبية. لا يجوز أن نعامل المجاز معاملة التقرير. فحين يقول القرآن الكريم، مثلا: “ونحن أقربُ إليه من حبل الوريد"، لن نمزّق أوردتنا وشراييننا ونفتّش داخل نُسغها ونحن نتوقع أن نرى الَله رأي العين. بل نفهم من تلك الآية أن الله قريبٌ ملءَ أرواحنا، مثلما هو ملء السموات والأرض.

هنا نفهم، لماذا تجرّع سقراط السمَّ حين لم يفهم الكهنةُ والقضاةُ فلسفته، ولماذا كاد جاليلو أن يُقتل، لولا أن كذب أمام البابا زاعمًا بأن الشمس تدور حول الأرض، ولماذا ارتعب ديكارت وخبأ كتابه "العالم" تحت السرير، ولم ير كتابُه النورَ إلا بعد موته، ولماذا نُفي ابن رشد وحُرقت كتبُه، ولماذا صُلب الحلاج، وأُحرق السهروردي ونُحر الجعد بن الدرهم. هنا ندرك لماذا دائمًا تمتلئ الصلبانُ والمقاصلُ والمشانق والسجونُ بالعلماء والشعراء والمفكرين والفلاسفة، على مرّ الزمان. الإجابة ببساطة: لأن الناس يقرأون أفكارَهم وأحلامَهم، بأبجديات خاطئة لا تناسب أبجديات: "الحلم”.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتذارٌ رسميّ لأقباط مصر
- شحاذ العمّ نجيب
- مذبحة 2016
- أنتم تحاكمون الخيال!! 2/1
- شجرةٌ صنوبر وشيءٌ من الفرح
- دبي الجميلة.... سلامتك!
- أسوأ صورة في 2015
- قُبلةُ حبيبي
- الموءودة
- كيف قرأ الغيطاني الخديوي إسماعيل
- مثل الزهور سرعان ما يذبل
- شهاداتُ الفارس محمد أيمن
- داعش أمام المحكمة الأوزورية
- الغيطاني ونوبل
- حينما الفقرُ والبطالة طريقُك للبرلمان
- هذا نجيب محفوظ، وهذه جدتي
- نجيب محفوظ... لقاء أول... لقاء أخير
- أسعد امرأة في العالم
- ضد مجهول ضد الإنسانية
- المرأة وخلط الدين بالسياسة


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية يزور مرقد الإمام الخميني (ره)
- خطيب المسجد الأقصى يؤكد قوة الأخوة والتلاحم بين الشعبين الجز ...
- القوى الوطنية والاسلامية في طوباس تعلن غدا الخميس اضرابا شام ...
- البابا فرنسيس يكتب عن العراق: من المستحيل تخيله بلا مسيحيين ...
- حركة الجهاد الاسلامي: ندين المجزرة الوحشية التي ارتكبها العد ...
- البوندستاغ يوافق على طلب المعارضة المسيحية حول تشديد سياسة ا ...
- تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي 2024 لضحك الأطفال
- شولتس يحذر من ائتلاف حكومي بين التحالف المسيحي وحزب -البديل- ...
- أبو عبيدة: الإفراج عن المحتجزة أربال يهود غدا
- مكتب نتنياهو يعلن أسماء رهائن سيُطلق سراحهم من غزة الخميس.. ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - أنتم تحاكمون الخيال 2/2