أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ريهام عودة - السياسة ليست لعبة قذرة !















المزيد.....

السياسة ليست لعبة قذرة !


ريهام عودة

الحوار المتمدن-العدد: 5042 - 2016 / 1 / 12 - 03:29
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


كثيرا ما يتردد على مسامعنا في العالم العربي، عبارات تحذيرية تُوجه لأي أحد قد يفكر بأن يخوض عالم السياسة أو يمتهنها ، حيث على سبيل المثال، عندما يُقرر شخص ما ، سواء كان هذا الشخص في مقتبل حياته المهنية أو يمر بمرحلة عمرية متقدمة و أراد أن يكون ناشطاً سياسياً، أو أعرب عن نيته بالانخراط بالعمل السياسي ، كثيراً ما يسمع هذا الشخص سواء كان رجل أو امرأة ، النصيحة الشائعة التي هي "لا تدخل في عالم السياسة ، فالسياسة لعبة قذرة ! ابتعد عنها "

نعم لقد تم تربيتنا كعرب، بأن السياسة هي لعبة خطرة و تسودها الكثير من المؤامرات بين الخصوم أو حتى الحلفاء، و هي لا تصلح للناس الشرفاء لأنها تعتبر بمثابة وحل كبير و من تطأ قدميه هذا الوحل ، لا يستطيع الخروج منه، إلا بعد أن يتلطخ بطين المستنقع أو حتى يصيبه بعض رشقات خفيفة من المياه العكرة التي قد تسيء لسمعته الشخصية.

فنادراً بعالمنا العربي، ما نسمع أن سياسي ما ، قد احتل منصب سياسي رفيع المستوى لم تناله ألسنة الناس، أو انتشرت حوله بعض الشائعات التي تنهش في سيرته الذاتية و التي ربما تكون حقيقية أو مجرد شائعات كاذبة و مغرضة.

و لا أحد يستطيع أن ينكر أيضاً، أن السينما العربية قد روجت لتلك الصورة السلبية للطامحين بتقلد مناصب سياسية كبيرة ، حيث دائما ما كنا نرى في بعض مشاهد الأفلام العربية، مقاطع تمثيلية لفنانين يؤدون أدوار لسياسيين يركبون السيارات الفارهة ويحيطهم حرسهم الشخصي و يقضون الليالي الملاح في الفنادق السياحية الفخمة على أنغام مطربات فاتنات مع متابعة لوصلات فنية من الرقص الشرقي في قاعة مليئة بطاولات مُقدم عليها كافة أنواع الخمور والملذات.

وتُصور أيضا تلك الأفلام، مشاهد تمثيلية لفساد بعض أعضاء الأجهزة الأمنية ومدى سوء استغلالهم للنساء من أجل الضغط على المعارضين السياسيين و ابتزازهم، لكي يتخلوا عن معارضتهم للنظام الحاكم ، مما يُرسل إلي عقل المشاهد العربي رسالة واحدة مبطنة مفادها:

"لا تجرأ أيها المواطن على التفكير بالسياسة ، لأنها سوف تهدد حياتك و تلطخ شرفك ، هي لعبة قذرة ، مليئة بأشخاص فاسدين و لن يقبلوك بمملكتهم الغامضة المزدحمة ، المحاطة بسلطة المال و السلاح والجنس ، فلا تجرأ أن تفكر بالسياسة و إلا ستصبح قذراً! "

للأسف تلك هي الصورة السيئة التي عززتها السينما العربية في عقول الشباب العربي بشكل خاص، وفي نفوس كافة شرائح المجتمع العربي بأعماره المختلفة بشكل عام.

إنها صورة مرعبة رنانة و ذات منحنيات تموجية حادة ، تبرق باللون الأحمر، لون الخطر ! كإنذار تحذيري يطن داخل العقل الباطني للمواطنين العرب ، حيث أن معظم المصطلحات السياسية ترتبط ذهنياً في عقل العربي، بكلمات سلبية مثل القتل و هتك الشرف و الفساد و الكذب و الخديعة و الظلم و السلاح و الدم و التعذيب و الاعتقال و الانتقام و المؤامرة و غيرها من الكلمات الصاعقة التي يخشى أي شخص أن يتم تهديده أو اتهامه بها.

ولكي نكون واقعيين، نحن بالفعل لا نعيش في عالم مثالي ، وقد تصيب في كثير من الأحيان النظرة السلبية لبعض الأفلام العربية و قد تصيب أيضاً اعتقادات عدد كبير من المنخرطين بعالم السياسية، حول أن السياسة غير نظيفة و منغمسة بالفساد الأخلاقي و المادي ، لأن هذه الصورة السوداوية لعالم السياسة في الوطن العربي هي بالفعل لم تأت من فراغ ، حيث مازال هناك انتهاكات كبيرة في مجال حقوق الإنسان و مازال هناك عدد كبير من الفاسدين الذين احترفوا السياسة في عالمنا العربي وتقلدوا المناصب الكبيرة.

لكن إن حدثت هذه الأشياء السيئة في المجال السياسي بشكل بارز بعالمنا العربي، لدرجة أن المواطن العربي، أصبح يخشى أن يعبر عن رأيه السياسي بحرية خوفاً من سياسة القمع وتكميم الأفواه و التهديد بانتهاك شرفه أو اعتقاله أو حتى اغتياله ، فلابد هنا من القول ، أن السياسة انحدرت لتلك المستويات الدنيئة ليس فقط بسبب الفاسدين المخترقين للحياة السياسية، بل بسبب الشرفاء أيضاً، الذين استسلموا بسرعة و انسحبوا بصمت من عالم السياسة، إما تجنباً للمشاكل أو خشيةً على أمنهم الشخصي و حياتهم الأسرية.

فالسياسة في الدول المتقدمة، ليست حرب ووعيد و وتهديد و انتهاك لحقوق الإنسان ، السياسة هي طريقة لحل المشكلات و الأزمات التي تتعرض لها البلاد، لكن بطريقة إبداعية وذكية ، تحمي أمن وحقوق المواطنين، و تحقق النمو و الرخاء للشعب ، إنها ببساطة فن الممكن و اللا مستحيل.هذه هي السياسة التي نحتاج إلي ممارستها كعرب دون خوف أو تهديد.

لذا أكرر هنا أن السياسة ليست لعبة قذرة كما يظن معظم الناس، بل هي أفضل وسيلة يستطيع الحكام و القادة توظيفها من أجل مصلحة الشعوب، و لكنها تعتمد على من هم هؤلاء القادة الذين سيستعملون تلك الوسيلة الإنسانية ؟

فتصوروا مثلاً ، لو امتهن السياسة تاجر سلاح ، كيف ستكون نظرته للسياسة؟
بالطبع ستكون السياسة بالنسبة إليه ، عبارة عن صفقات للأسلحة الرابحة بين الدول الغارقة بالحروب و الصراعات الدموية، و سوف يستغل منصبه السياسي لتحقيق ثروات هائلة في عالم الأسلحة المشروعة أو حتى المحرمة دولياً ، ولن يهمه حينذاك عدد القتلى و المصابين من المدنيين، فهم بالنسبة إليه مجرد أرقام!

لكن تصوروا، لو امتهن السياسة خبير في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان ، كيف ستكون نظرته للسياسة ؟
بالطبع سوف يخشى هذا الخبير على سمعته، بأنه رجل ينتهك حقوق المواطنين وسوف يقوم بتشجيع حرية الرأي و دعم مؤسسات المجتمع المدني ، و سيحرص على الالتزام بالمعاهدات الدولية و القوانين و الدستور الوطني من أجل حماية حياة المدنيين ، لأنه يؤمن بالإنسانية و الحق المقدس بالحياة ويرى أن الشعب لديه السلطة الأولى و الأخيرة.

وتصوروا أيضاً، لو امتهن السياسة رجل أعمال فاسد محاط بالغانيات، و همه الأكبر أن يحقق أرباح مالية بكافة الوسائل المشروعة و الغير مشروعه ، فكيف ستكون نظرته للسياسة ؟
بالطبع سوف يستغل النساء من أجل التأثير و الضغط على الخصوم، وسوف يقدم الرشاوى لكي يجلب الحلفاء، و لن يكترث إذا ما وظف مال الشعب لمصلحته السياسية الخاصة ، فثروات البلاد و أموال الشعب سوف تكون بالنسبة إليه ملكية شخصية ، والشعب هم مجرد رعاع يتوسلون إليه من أجل أن يتكرم عليهم بمنحة أو صدقة ما.

لكن تصوروا لو امتهن السياسة رجل شرطة نزيه ، قضى حياته وهو يحقق في ملفات الفساد ويلاحق المجرمين، كيف ستكون نظرته للسياسة ؟
بالطبع سوف يلتزم هذا الشرطي بالقانون و سيعتبر أموال الشعب أمانه عنده ، وسيحترم القضاء و لن يتردد بتسجيل أي مورد مالي يأتي للشعب بسجلات الدولة أو يتخاذل في محاسبة الفاسدين ، حيث سيعتبر هذا الشرطي ، أن لا أحد يجب أن يعلو صوته فوق صوت القانون.

إذن نستنتج من تلك التصورات السابقة ، أن السياسة هي سلاح ذو حدين ، يمكن أن تكون قذرة إذا استخدمها الفاسدون و القتلة و يمكن أن تكون نظيفة إذا استخدمها الصالحون و النزهاء.

وما نحتاجه بعالمنا العربي، أن يتجرأ هؤلاء الصالحون و النزهاء بالخوض بعالم السياسة، وأن لا يترددوا بإعلاء كلمة الحق، ومحاربة الفساد و لكن بطريقة حكيمة و سلمية، وتخلو من كافة أنواع العنف و التحريض و التشهير بأشخاص ومؤسسات و شركات و تنظيمات سياسية دون وجود أدلة و إثباتات مادية ، حيث تلك هي الأخطاء القاتلة التي تقضي على صاحبها و التي يقع بها بعض الوطنيين المتحمسين للتعبير عن مشاعرهم الوطنية ورغبتهم بمحاربة الفساد بأي وسيلة دون وجود أدلة و جهات تدعم قضيتهم!

و لابد من الإشارة ، أنه طالما كان هناك استخدام لأي شكل من أشكال العنف و التحريض، من قبل هؤلاء الأفراد الذين ينشدون التغيير و الإصلاح ، تحت شعار الديمقراطية و حرية التعبير، فعلى هؤلاء الناشطون السياسيون أن يعوا جيدًا ، أن جهودهم السياسية، سوف تبؤ بالفشل و ستعود عليهم بمزيد من اليأس و الإحباط ، فالسياسة هي فن الإقناع و التغيير بأقل الخسائر الممكنة ، و التضحية بالنفس بسبب اعتقادات و أفكار غير مدعومة بأدلة و حلفاء، تعتبر من أهم أسباب فشل السياسيون و عدم تأثيرهم على سياسات حكومتهم أو مشاركتهم في عملية الإصلاح السياسي التي يجب أن تتم بالتدريج وعلى دفعات تمهيدية.

فالسياسة ليست مجرد أن تتظاهر بالشارع بشكل عشوائي و تلعن الحكام أو تدعوا لاستخدام العنف و الانتقام ....

السياسة هي تكتيكات ذكية و عمل دبلوماسي دءوب و إجراءات شفافة و أنشطة سلمية من أجل تحقيق الأهداف الوطنية، بشكل قانوني و حضاري و بأقل الخسائر المادية و البشرية الممكنة في سبيل مصلحة المواطنين.

السياسة بكل بساطة ليست لعبة قذرة، بل هي حياة و مصير لشعوب بأكملها ....



#ريهام_عودة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحالف مع الشيطان !
- هكذا تدفع إسرائيل ثمن محاولة تهميش عباس !
- إسرائيل لم تردع حماس
- من ينقذ الشعب ؟ البحث عن البطل!
- المخاوف العربية من الاتفاق النووي الإيراني
- الوليد بن طلال ، إنسان اكتشف معنى الحياة ...
- لماذا يكره العرب إسرائيل و يحبون فرنسا ؟
- الحل ليس السلام!
- رأس العبد !
- التلوث يهدد بحر غزة
- موسيقى الغجر ...
- انتهاك حقوق الحيوانات إلي متى ؟
- السائق الفلسطيني وحزام الأمان
- البضاعة الصينية إلي أين ؟
- العقل العربي و المؤامرة ...
- إعادة إعمار غزة : قيود إسرائيلية و مخاوف فلسطينية
- لا لعبادة الأصنام !
- قيادة الأمل : هذا ما يحتاجه الشعب الفلسطيني !
- مقاومة فلسطينية من وحي الغزوات الإسلامية
- خبايا اتفاقية روما: هل يستطيع فعلا الفلسطينيون محاكمة قادة ا ...


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - ريهام عودة - السياسة ليست لعبة قذرة !