|
لماذا شوّه اليهود أنبياءهم ؟
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 5039 - 2016 / 1 / 9 - 22:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لماذا شوّه اليهود أنبياءهم ؟ طلعت رضوان كلــّـما قرأتُ ما كتبه كتــّـاب العهد القديم عن أنبيائهم ، كلــّـما راودنى سؤال لم أجد له إجابة يقتنع بها عقلى ، خاصة أنّ تشويه الأنبياء العبريين وصل لدرجة المساس بالشرف ، فلماذا فعل ذلك من كتبوا العهد القديم ؟ وكيف حدث ذلك وهم يعتبرونهم (أنبياء) ؟ كما حدث من تشويه لشخصية نوح وأم موسى والنبى داود ، بل إنّ أحدهم يـُـعتبر أبو الأنبياء (أى إبراهيم) الذى جاءتْ شخصيته فى التوراة على أنه 1- كذاب 2- يستغل زوجته للاسترزاق من ورائها ، عندما طلب منها أنْ تقول إنها أخته وليستْ زوجته. تعلمنا منذ الصغر أنّ كتب التراث العبرى (العهديْن القديم والجديد والقرآن) منزلة من السماء وهو ما نصّ عليه القرآن صراحة فقال ((آتينا موسى الكتاب والفرقان)) (البقرة/ 53) ويُخاطب بنى إسرائيل قائلا ((يا بنى إسرائيل اذكروا نعمتى التى أنعمتُ عليكم.. وآمنوا بما أنزلتُ مصدّقـــًا لما معكم)) (البقرة/ 40، 41) والمعنى أنه جاء بالتطابق لما ورد فى العهد القديم . وكرّر نفس المعنى فقال ((ولقد آتينا موسى الكتاب.. ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدّقــًا لما معهم)) (البقرة- من 87- 89) وكرّرها فى الآية101/البقرة . وقال ((قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم..إلخ)) (البقرة/ 136) وكان أكثر صراحة فقال ((سل بنى إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة)) (البقرة/211) وقال ((إنـّا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى مصدّقــًا لما بين يديه)) (الأحقاف/30) وقال ((يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدّقـًا لما معكم)) (النساء/47) ونفس المعنى فى آل عمران/81 ، 84 وفى سورة فاطر/31. وقال ((الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذى يجدونه مكتوبًا عندهم فى التوراة والإنجيل)) (الأعراف/157) وقال (إنـّا نزلنا التوراة فيها هدى ونور) (المائدة/44) وتكرّر نفس المعنى فى ذات السورة بعد آيتيْن . وأكثر من ذلك نقرأ ((يريد الله ليُبيّن لكم ويهديكم سُنَنَ الذين من قبلكم)) (النساء/26) والأمثلة كثيرة أختمها بآية دالة على التطابق بين العهد القديم والقرآن ((ولقد آتينا بنى إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين)) (الجاثية/16) ويُقر العهد الجديد بأنّ ((يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم)) (إنجيل متى : الإصحاح 1) وأكثر من ذلك يُـقر بأنّ ((المسيح ملك إسرائيل)) (إنجيل مرقص – الإصحاح 15) وأيضًا ((مبارك الرب إله إسرائيل)) (إنجيل لوقا – 1) رغم هذا التأكيد على التطابق بين التوراة والأناجيل والقرآن ، وعلى أنّ كتب التراث العبرى منزلة من السماء ، فإنّ العقل الحر تـُـصدم مشاعره الإنسانية عندما يقرأ ما كــُـتب عن (النبى) إبراهيم فى التوراة . كان الأيسر علىّ أنْ ألخص الحكاية ولكننى فضلتُ نقل النص كما هو ليتعرّف القارىء على الصورة دون إخلال فى حالة الاختصار. قال ((حدث جوع فى الأرض فانحدر إبرام (إبراهيم فيما بعد) إلى مصر. وحدث لما قـَـرُب أنْ يدخل مصر أنه قال لساراى امرأته (ساره فيما بعد) إنى قد علمتُ أنك امرأة حسنة المنظر فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون هذه امرأته فيقتلوننى ويستبقونك . قولى إنك أختى ليكون لى خير بسببك . فحدث لما دخل إبرام إلى مصر أنّ المصريين رأوا المرأة أنها حسنة جدًا ورآها رؤساء فرعون . فأخذتْ المرأة إلى بيت فرعون . فصنع إلى إبرام خيرًا بسببها. وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد وإماء وأتن وجمال)) وبعد الكلمة الأخيرة مباشرة ، ودون أية فواصل قال ((فضرب الربُ فرعونَ وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراى امرأة إبرام . فدعا فرعونُ إبرام وقال ما هذا الذى صنعتَ بى . لماذا لم تــُـخبرنى أنها امرأتك . لماذا قلتَ هى أختى حتى أخذتها لى لتكون زوجتى . والآن هو ذا امرأتك (مكتوبة هكذا) خذها واذهب . فأوصى عليه فرعون رجالا فشيّعوه وامرأته. إنّ هذا النص يُثير عدة أسئلة لا يستطيع العقل الحر تجاهلها : • لماذا بدأ الربُ (سواء كان اسمه يهوه أو إيل أو الله) أنْ يُـنزّل فى كتابه (السماوى المُـقـدّس) تلك الإدانة الصارخة لنبيه الذى وصفه التراث العبرى ((واذكر فى الكتاب إبراهيم إنه كان صديقــًا نبيًا)) (قرآن- مريم/41) بل إنّ تلك الشخصية العبرية لها تأثير كبير على المرحلة الثالثة من تطور التراث العبرى (أى الإسلام) فالقرآن يُخاطب العرب قائلا ((ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين)) (الحج/78) بل وأكثر من ذلك ما ورد فى القرآن عن إبراهيم ((ولقد اصطفيناه فى الدنيا وإنه فى الآخرة لمن الصالحين)) (البقرة / 130) فلماذا جاءتْ صورته فى التوراة فى ثلاث صور مشينة : 1- الكذب بإدعاء أنّ زوجته هى أخته 2- التستر على فعل فاضح مدان أخلاقيًا 3- التكسب من وراء هذا الفعل عندما قال لزوجته ((قولى إنك أختى ليكون لى خير بسببك)) ؟ • النص صريح فى أنّ الفرعون (التعبير العبرى أى ملك مصر) أخذ ساراى على أنهـــا : 1- أخت إبراهيم ، أى أنه صدّق أكذوبة الأخ 2- عاملها معاملة الزوجة باعتراف النص فأمهر الأخ مهرها من ((غنم وبقر إلخ)) فلماذا غضب الرب ؟ ((فضرب الربُ فرعونَ وبيته ضربات عظيمة)) ؟ ما الجريمة التى ارتكبها (الفرعون) ليستحق هذا العقاب ؟ • لماذا افترض النص (مسبقــًا) أنّ المصريين سيقتلون إبرام وهو ما لم يحدث ؟ هل هى مجرد رغبة فى تشويه صورة جدودنا ؟ • لماذا كان عقاب (الفرعون) وهو ضحية الملعوب المُدان أخلاقيًا ، فوقع فى مصيدة الفخ الذى نصبه إبراهيم ولم يقع العقاب على من تسبّب فى تلك الكارثة الأخلاقية ؟ • وقع النص فى خطأ أسلوبى عندما قال إبراهيم لزوجته (علمتُ أنك امرأة حسنة المنظر) فتعبير (علمتُ) لا يقوله إلاّ شخص غريب عن المُخاطب ، ولا يقوله الزوج لزوجته. فكيف وقع كاتب النص فى هذا الخطأ البديهى ؟ • كان عمر إبراهيم عندما حطـّ فى مصر75 سنة (تكوين : الإصحاح 12) وعمر ساراى 65سنة ؟ وفارق العمر بين ساراى وإبراهيم أكــّـده النص عندما ذكر موضوع امكانية الانجاب بعد عدة إصحاحات فقال ((فسقط إبراهيم على وجهه وضحك وقال فى قلبه هل يولد لابن مئة سنة وهل تلد سارة وهى بنت تسعين)) (تكوين- الإصحاح 17) فكيف تكون جميلة وحسنة المنظر، وعمرها 65سنة ؟ وآتية من صحراء جرداء وفق النص ((حدث جوع فى الأرض . فانحدر إبرام إلى مصر ليتغرّب هناك . لأنّ الجوع فى الأرض كان شديدًا)) (تكوين – إصحاح 12) • إذا كان مُبرّر إبراهيم للكذب وهو يُـقنع زوجته أنْ تقول إنها أخته خشية أنّ المصريين ((يقولون هذه امرأته فيقتلوننى ويستبقونك)) فإذا كان المصريون بهذه الصورة اللا إنسانية ، اللا أخلاقية ، فهل كان الأمر سيتغيّر لو عرفوا الحقيقة وأنها زوجته ؟ أم أنّ النتيجة واحدة ؟ • وإذا كان الرب فى التراث العبرى يعلم الغيب ، فكيف غاب عنه أنّ الملك المصرى استنكر فعل إبراهيم وعاتبه على كذبه ؟ • هل افتقرتْ مصر من فتيات جميلات ليختار الملك المصرى إحداهن ليتزوّجها ، ويكون البديل هو الزواج من عبرانية آتية من الصحراء والجوع وعمرها 65سنة ؟ • ينتقل النص بعد ذلك إلى شخصية (هاجر المصرية) وهى شخصية ليس لها أى وجود فى أية بردية أو جدارية (طبعًا لا هى ولا إبراهيم ولا ساره) رغم وجود آلاف البرديات والجداريات التى سجّـلتْ الأشياء الصغيرة قبل الكبيرة مثل عقود البيع والشراء ومثل وصف أسهل طريقة للمرأة أثناء الوضع ومثل ختان الذكور إلخ ، فكيف تم تسجيل كل هذا (ناهيك عن تسجيل المعارك مع أعداء مصر من هكسوس وغيرهم) ولا يتم تسجيل شخصيات وأحداث مؤثرة مثل مؤامرة زواج (الفرعون) من أخت إبراهيم ؟ وحكاية (هاجر) سجّـلها النص العبرى فى حكاية عن سارة العاقر ((ولها جارية مصرية اسمها هاجر)) فقالت لزوجها إبراهيم ((ادخل على جاريتى لعلى أرزق منها بنين)) فأطاع الزوج زوجته. وحبلتْ هاجر من إبراهيم . حقدتْ ساره على هاجر وأذلــّـتها . ويبدو أنه حدث خلاف بين إبراهيم وزوجته التى فوّضتْ أمرها للرب وقالت ((يقضى الرب بينى وبينك)) استسلم إبراهيم لزوجته وقال لها ((هو ذا جاريتك (مكتوبة هكذا) افعلى بها ما يحسُنُ فى عينيك . فأذلتها ساراى)) وكانت نتيجة هذه المعاملة القاسية أنْ هربتْ هاجر من وجه ساره . وهنا أيضًا لابد من تدخل السماء التى أرسلتْ ((ملاك الرب وقال لها ارجعى إلى مولاتك واخضعى تحت يديها . وقال لها ملاك الرب أنتِ حبلى فتلدين ابنـًا وتدعين اسمه إسماعيل لأنّ الرب قد سمع لمذلتك وأنه يكون إنسانـًا وحشيًـا)) (تكوين- الإصحاح 16) • إنّ هذا النص عن الثلاثى إبراهيم وساره وهاجر يثير الأسئلة التالية : 1- كيف عاد إبراهيم وساره إلى مصر بعد أنْ فعل إبراهيم الفعل الفاضح باستغلال زوجته وإدعاء أنها أخته. فبعد اكتشاف كذبته خرج من مصر هو وامرأته (تكوين- الإصحاح 13) فكيف عاد ولماذا ؟ وهل هو مُـفتقد لأدنى مشاعر النبل ليعود بعد فعلته ؟ وكيف سمح الحاكم المصرى بالعودة بل والإقامة ولدرجة أنْ يكون له (جارية) مصرية ؟ • ما مغزى أنْ تكون (هاجر جارية) ؟ أليس هذا هو التراث العبرى الذى رسّخ منظومة العبودية ؟ وكيف تقبل الزوجة (ساره) أنْ يتم استغلال الفتاة (الجارية) من أجل الانجاب؟ وبدون علاقة زواج شرعية ، إذْ قالت لإبراهيم ((ادخل على جاريتى لعلى أرزق منها بنين)) وقالت أيضًا ((أنا دفعتُ جاريتى إلى حضنك)) (تكوين : 16) فهى لا تــُـمانع فى إقامة علاقة غير شرعية بين زوجها وجاريتهــا . ليس هذا فقط وإنما هى تحتكر الأولاد غير الشرعيين لنفسها بقولها ((لعلى أرزق منها بنين)) وكأنّ (الجارية) لا وجود لها . أو أنها مجرد (وعاء للحمل) ثم أتى القرآن ليُكرّس نمط العبودية فى التوراة فى شكل منظومة (ملك اليمين) المنصوص عليها كثيرًا (النساء/3، 25، 36والنحل/71والنور/31، 33، والروم/28والأحزاب/50، 52والمعارج/30 والمؤمنون/6) • لماذا كرّر إبراهيم فعله الشائن (إدعاء أنّ زوجته هى أخته) مع أبيمالك ملك جرار؟ بل وبنفس التفاصيل كما فعل فى مصر (تكوين – 20) • ما مغزى أنّ إسماعيل سيكون ((إنسانـًا وحشيًا)) ؟ لماذا هذا التكريس للتوحش كما فى الحيوانات المُـفترسة ؟ وهل لهذا علاقة بالتفرقة بين إسماعيل (المحسوب على العرب والإسلام فيما بعد) وبين إسحاق المحسوب على اليهـــود ؟ فبعد أنْ قرّر النص التوراتى أنّ ساره عاقر، إذا به يقول ((فقال الله بل سارة امرأتك تلد لك ابنـًا وتدعو اسمه اسحق.. وعهدى أقيمه مع إسحق الذى تلده لك ساره)) (تكوين- 17) فكيف حدث هذا التناقض؟ مرة هى عاقر، ثم تلد إسحاق ؟ (وطبعًا فى ذاك الزمن لم يكن هناك (أطفال أنابيب) ولا أية وسيلة (علمية) لعلاج العقم) وإنما هى مشيئة الرب العبرى (كنْ فيكون) بل إنّ كاتب النص قرّر أنْ يجعل سارة قادرة على الإنجاب بعد أنْ ذكر أنّ عمرها 90سنة وعمر إبراهيم 100سنة وفى نفس الإصحاح . • ويتشابه القرآن مع التوراة فى عمر إبراهيم وساره عندما أنجبتْ إسحاق ، ففى التوراة إبراهيم كان عمره 100سنة وسارة عمرها 90سنة (تكوين – 17) بينما فى التراث العربى إبراهيم كان عمره 120سنة وساره عمرها 90سنة (كما ذكر الطبرى) الاختلاف الوحيد هو فى عمر إبراهيم بفارق 20سنة. • بعد أنْ أنجبتْ هاجر ابنها ، طلبتْ ساره من زوجها أنْ تطردها ، ووفق النص العبرى قالت سارة لإبراهيم ((اطرد هذه الجارية وابنها)) أى أنّ هاجر- حتى بعد انجابها – ظلتْ (جارية) ولم يعترف إبراهيم بها زوجة. وهو الأمر الذى تكرّس بعد ذلك فى التراث العبرى / العربى / الإسلامى . وكانت حجة سارة وفق النص ((لأنّ ابن هذه الجارية لا يرث مع ابنى إسحاق)) هنا يدخل النص العبرى فى الاشكالية الأزلية فى ذاك التراث ، وهى التفرقة بين الأخوة غير الأشقاء فى الميراث من ناحية ، وتفضيل الأخ (الشرعى) على الأخ غير الشرعى (ابن الجارية) وكان رد فعل الرب العبرى ((فقال الله لإبراهيم لا يـَـفــُـجُ (مكتوبة هكذا) فى عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك . فى كل ما وإذا كانت هاجر جارية ، فإنّ أم إبراهيم (النبى) أيضًا كانت جارية ، والتفاصيل رواها الطبرى الذى كتب ((لما تقارب زمان إبراهيم الذى أراد الله تعالى ذكره ما أراد أتى أصحاب النجوم إلى (نمرود) وقالوا له : تعلم أننا نجد فى علمنا أنّ غلامًا يولد فى قريتك هذه يُـقال له إبراهيم يُـفارق دينكم ويُـكسّر أوثانكم فى شهر كذا وكذا من سنة كذا . فلما دخلتْ السنة التى وصف أصحاب النجوم لنمرود ، بعث نمرود إلى كل امرأة حبلى بقريته فحبسها عنده ، إلاّ ما كان من أم إبراهيم عليه السلام امرأة آزر فإنه لم يعلم بحبلها ، وذلك أنها كانت جارية.. فلم يعرف الحبل فى بطنها)) إلى أنْ يصل فى الحكاية لتفاصيل هروب أم إبراهيم والاختباء فى مغارة حتى وضعتْ إبراهيم وسدّتْ عليه المغارة (هكذا) حتى لا يقتله الجـنود . وأكــّـد الطبرى على رواية أنّ إبراهيم ادعى أنّ ساره أخته وليست زوجته كما جاءتْ الحكاية فى التوراة فكتب أنّ إبراهيم تزوّج ابنة عمه ساره ((فخرج بها معه يلتمس الفرار بدينه والأمان على عبادة ربه حتى نزل حرّان فمكث بها ما شاء الله أنْ يمكث ثم خرج منها مهاجرًا حتى قدم مصر وبها فرعون من الفراعنة الأولى . وكانت ساره من أحسن الناس فيما يُـقال . فكانت لا تعصى إبراهيم شيئــًا وبذلك أكرمها اهما عزّ وجل . فلما وُصفتْ لفرعون ووُصف له حسنها وجمالها أرسل إلى إبراهيم . فقال ما هذه المرأة التى معك . قال هى أختى . وتخوّف إبراهيم إنْ قال هى امرأتى أنْ يقتله عنها . فقال لإبراهيم زيّنها ثم أرسلها إلىّ حتى أنظر إليها فرجع إبراهيم إلى ساره وأمرها ، فتهيأتْ ثم أرسلها إليه. فأقبلتْ حتى دخلتْ عليه. فلما قعدتْ إليه تناولها بيده فيبستْ إلى صدره . فلما رأى الفرعون ذلك أعظم أمرها . ووهبها هاجر جارية)) وعند هذا الحد يصمت الطبرى ، فلا يذكر شيئــًا عن المهر الذى دفعه ملك مصر كما جاء فى التوراة ، ولا عتاب ملك مصر لإبراهيم بعد أنْ اكتشف كذبته. ولكن الطبرى نقل عن كثيرين – ومن بينهم أبى هريرة – شيئــًا غاية فى الأهمية وهو تأكيد الرسول (محمد) على أنّ إبراهيم كذب ثلاث مرات : ((قوله إنى سقيم ولم يكن به سُـقم . وقوله بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إنْ كانوا ينطقون . وقوله لفرعون حين سأله عن ساره فقال هى أختى بينما هى امرأته ، أى زوجته)) (الطبرى – مصدر سابق – ص 172، 173) • والملاحظ أنّ الطبرى – مثله مثل المؤرخين العرب – لم يهتم بالتعليق على التناقض الوارد فى مجمل نصه : إذْ كيف يتم التوفيق بين ما ذكره من ((أنّ الله عزّ وجل أكرم ساره لأنها كانت لا تعصى إبراهيم)) ، وبين موقفها المُـشين عندما وافقتْ إبراهيم على الكذب والخداع ، وكيف تقبل امرأة مُـتزوّجة على نفسها قبول هذا الفعل اللا أخلاقى لمجرد أنّ زوجها أمرها بذلك ؟ وما الهدف من أنْ تكون زوجة إبراهيم (أبوالأنبياء) وفق التراث العبرى بهذه الصورة المُـشينة ؟ • هاجر فى التوارة أمة (أى عبدة) وفى التراث العربى فإنّ إبراهيم ((تسرّر بهاجر)) (بدائع الزهور فى وقائع الدهور- لابن إياس- هيئة الكتاب المصرية- عام 1982 ج1 - ص 6) ومع ملاحظة أنّ ابن إياس نقل عن آخرين . وذات المعنى ذكره الطبرى (نقلا عن الصحابة) فكتب أنّ الفرعون (ملك مصر) وهب إبراهيم جارية (قبطية) اسمها هاجر. وتأكــّـد فى حديث فلان عن فلان – كما نقل الطبرى أنّ ساره ((قالت لإبراهيم تسرّ بهاجر فقد أذنتُ لكَ . فوطأها فحملتْ بإسماعيل . ثم إنه وقع على ساره (أى ضاجعها) فحملتْ بإسحاق فلما ولدته وكبر اقتتل هو وإسماعيل (كما حدث مع قابيل وهابيل) فغضبتْ ساره على أم إسماعيل وغارتْ عليها (الصواب لغويًا منها) فأخرجتها ثم إنها دعتها فأدخلتها . ثم غضبتْ أيضًا فأخرجتها ثم أدخلتها وحلفتْ لتقطعنَ منها بضعة. فقالت أقطع أنفــها . أقطع أذنها فيشينها ذلك ثم قالت لا بل أخفضها فقطعتْ ذلك (أى الجزء المتعلق بالمهبل والرحم) فاتخذتْ هاجر عند ذلك ذيلا تــُـعفى (طبعًا لعل القارىء يُـلاحظ الصياغة الرديئة لأنّ المقصود أنّ هاجر أصبحتْ ذليلة لساره) ثم يواصل الطبرى ذكر باقى النص فكتب بعد (ذيلا تــُـعفى) ((عن الدم فلذلك خفضتْ النساء واتخذتْ ذيولا)) (المصدر السابق – ص 178) فى ذاك النص درجة من القسوة اللا إنسانية من ساره فى تعاملها مع هاجر، لمجرد أنها (جارية) وليستْ إنسانة من منظور التراث العبرى الذى كرّس لمنظومة العبودية. فلماذا وما الهدف من هذا التكريس لتلك المنظومة بواسطة زوجة إبراهيم (النبى) الذى حاز على (التوقير) لدى المؤمنين بذاك التراث ؟ أعتقد أنّ الإجابة على كل تلك الأسئلة يُـلخصها انحياز الرب العبرى لبنى إسرائيل وللأنبياء العبريين خاصة فى موضوع توزيع أراضى الشعوب المستقرة على أتباع إبراهيم وهو ما عبّرتْ عنه الآيات التالية ((فى ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقـًا قائلا لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات)) (تكوين : 15) وبعد إبراهيم حلّ محله موسى كرمز قومى لليهود فى موضوع ميراث أراضى الشعوب وهو ما تكرّر كثيرًا فى أغلب أسفار العهد القديم وسور القرآن منها على سبيل المثال فقط ((ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات.. وقلنا من بعده لبنى إسرائيل اسكنوا الأرض)) (الإسراء/ 101، 104) وبسبب حكاية الثلاثى : (إبراهيم وهاجر وإسماعيل) فإنّ كثيرين من المتعلمين المصريين المحسوبين على الثقافة المصرية السائدة البائسة والمنحطة يتــّخذونها (شماعة) يُعلقون عليها قولهم بوجود صلة (قرابة) بيننا وبين التراث العبرى المُعادى لشعبنا. والتشويه فى العهد القديم لم ينل إبراهيم وحده ، وإنما نال نوح ونال أم موسى ، ونال شخصية النبى داود ، فلماذا هذا التشويه ، وما مغزاه ، وهل له علاقة بعقلية (رعاة الغنم) والاستيلاء على أراضى غيرهم من الشعوب ؟ ***
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا انحاز الرب العبرى للرعاة ؟
-
الخروج من جزيرة العرب إلى العالم الخارجى
-
كيف تكون الدعوة للدين بالسلاح ؟
-
توالى انتصارات جيش محمد (4)
-
تثبيت أركان الدعوة المحمدية (3)
-
كيف انتصرت الدعوة المحمدية ؟ (2)
-
كيف انتشر الإسلام ؟
-
الآخرة فى أساطير الشعوب والديانة العبرية
-
جذور الصراع بين الرعاة والزراع
-
الولع بالدمار فى الأساطير وفى الديانة العبرية
-
جذور أسطورة الطوفان
-
التكوين الكنعانى والتكوين التوراتى
-
الأساطير بين الأديان وانتاج الشعوب
-
الديانة العبرية والموقف من مصر
-
المخابرات الأمريكية وصناعة الإسلاميين
-
زهران وخميس والبقرى
-
المتعلمون المصريون والهوس بالأصولية الإسلامية
-
الفنون والثقافة القومية لا الأديان
-
قراءة فى أحاديث البخارى المتنوعة
-
نبى الإسلام المميز فى البخارى
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|