أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - لماذا انحاز الرب العبرى للرعاة ؟















المزيد.....


لماذا انحاز الرب العبرى للرعاة ؟


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 5039 - 2016 / 1 / 9 - 16:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لماذا انحاز الرب العبرى للرعاة ؟
طلعت رضوان
هل يـُـعقل أنْ يكون للإله أكثر من اسم ؟ وهل يُـعقل أنّ البشر هم الذين يختارون اسم الإله؟ مثل الأب الذى يختار اسم طفله المولود حديثــًـا ؟ فعند قراءة التوراة يتبلبل العقل من كثرة اسم الإله ، فهو فى البداية (يهوه) (تكوين : إصحاح 22) ثم هو (إيل) وأنّ (إيل) هو إله إسرائيل (تكوين : إصحاح 33) ومن الأشياء المنافية للعقل أنْ يقول (لابان) ليعقوب ((لماذا سرقتَ آلهتى)) (تكوين : 31) فهل الآلهة مثل البشر تتعرض للسرقة ؟ ثم يكون الرد الأكثر خرقــًـا لأى منطق حيث أّنّ يعقوب ردّ على لابان قائلا ((إنى خفت لأنى قلت لعلك تغتصب ابنتيك)) (تكوين : إصحاح 31) بل إنّ يعقوب يصير اسمه إسرائيل ، ولكن الشىء الذى يحتاج إلى جهود علماء اللغويات وعلماء التاريخ القديم هو : لماذا جاء فى التوراة استخدام الاسم العربى للإله (الله) حيث تردّد كثيرًا ؟ بل أكثر من ذلك التشابه بين القرآن والتوراة فى صفات الإله مثل ((أنا الله القدير)) (تكوين : 35/11) على سبيل المثال فقط ، وهو نفس التعبير الذى تردّد كثيرًا فى القرآن .
وإذا كان (قائد الجيش) وظيفة عسكرية أطلقها البشر على من يقودون الضباط والجنود ، فكيف ولماذا قال من كتبوا العهد القديم عن إلههم ((الرب رجل حرب)) (خروج : 15/ 3) وهذا التعبير تكرّر كثيرًا فى أكثر من سـِـفر من أسفار العهد القديم . وإذا كانت (الغيرة) صفة يتميّـز بها البشر، فكيف ولماذا وصف من كتبوا العهد القديم (إلههم) بتلك الصفة البشرية. والأكثر دهشة أنّ الصيغة جاءتْ على لسان الرب نفسه حيث قال لموسى ((لأنى أنا الرب إلهك إله غيور)) (خروج : 20/ 5)
وورد فى التوراة أنّ الرب بعد أنْ طرد آدم وحواء من الجنة ((كان كلاهما عريانيْن.. آدم وامرأته وهما لا يخجلان)) (تكوين : 2/ 25) وفى هذا الشأن كتب العالم (ليو تاكسيل) أنّ مُـفسرى العهد القديم شرحوا وبرّروا ذلك (العرى) وأنه لا ((يستدعى أى درجة من درجات الشعور بالخجل ، الأمر الذى يُـبرهن على نقاء والدينا الأوليْن)) وكان تعقيبه ((ولكن إذا كان العرى هو الكمال الأخلاقى ، كما يرى اللاهوتيون ، فإنّ هذا ينسحب أيضـًـا على بشر الثقافات (البدائية) كلها ، إضافة إلى الاينك الأمريكيين وبعض قبائل أفريقيا وسكان بوليتزيا وميلانيزيا وغيرهم من الجماعات البشرية ، التى لم تكن ترتدى أى ملابس ، ومع ذلك عندما استعمر الإسبان والبرتغاليون والفرنسيون والإنجليز، شعوب البلاد المذكورة ، قضوا على القبائل المحلية التى كانت تعيش حالة نقاء تامة. وقد بارك كهنة المسيحية تلك المجازر، ووجدوا المُـبرّر النظرى لوحشية المُـتحضرين تلك ، ثم أكــّـدوا – من جهة أخرى – أنّ البرد هو الذى أرغم الناس على ارتداء الملابس ، ولم يعش الناس عراة إلاّ فى المناطق الحارة ، أضف إلى ذلك أنه عندما يكون كلهم عرايا ، فلا يخجل من العرى أحد)) (التوراة : كتاب مقدس أم جمع من الأساطير- ترجمة د. حسان ميخائيل إسحاق - طبعة خاصة على نفقة المُـترجم – عام 1994- ص 19)
والديانة العبرية بدأتْ قصة (طرد) آدم وحواء من (جنة عدن) لأنهما عصيا كلام (الرب) وأنّ تلك المعصية تمثلــّـتْ فى أنهما أكلا ((من شجرة معرفة الخير والشر)) (تكوين :2/17) وجاء فى كتاب الشعبة الثالثة من الديانة العبرية ((وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك (= زوجتك) الجنة وكلا منها رغدًا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة)) (البقرة/ 35) دون تحديد نوع الشجرة ، وتكرّر نفس المعنى فى سورة الأعراف/ 19) ولكن فى سورة طه تم تحديد نوع الشجرة حيث هى ((شجرة الخلد)) (طه/ 120) وهذا هو الفرق بين التوراة والقرآن فى تحديد نوعية (الشجرة المُـحرّمة) وعن تلك الشجرة كتب الفيلسوف فولتير ((إننا نعتقد أنه كان ينبغى على السيد الرب أنْ يامر الإنسان (مخلوقه) بأنْ يأكل من شجرة معرفة الخير والشر قدر ما يستطيع ، لأنه بما أنّ (الله) منحه رأسـًـا يُـفكــّـر، فقد كان من الضرورى تعليمه ، وكان أكثر ضرورة لإرغامه على إدراك الخير والشر، كى يستطيع القيام بإلتزاماته على أكمل وجه ، لذلك كان التحريم غبيـًـا وقاسيـًـا ، لقد كان أسوأ بألف مرة من منح الإنسان معدة لا تهضم الطعام)) (نقلا عن ليو تاكسيل – ص 21)
والرب فى التوراة يتحوّل إلى (خياط) حيث ورد ((وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما)) (تكوين : 3: 20) وكان تعليق ليو تاكسيل ((وغنى عن القول أنّ صناعة الأردية المذكورة (من الجلد) تتطلــّـب قتل حيوانات بريئة لا ذنب لها ، وهذا يعنى أنّ (يهوه) كان أول قاتل للحيوانات)) (ص37)
وقد احتار اللاهوتيون واختلفوا حول ولادة أبناء آدم وحواء ، وكيف تمّـتْ العلاقة الجسدية ومتى بدأتْ ؟ فالبعض يرى أنّ آدم أرجأ مواقعة حواء طيلة خمسة عشر عامـًـا ، والبعض قال ثلاثين عامًـا ، بينما (أكــّـد) فريق آخر (وبمنتهى الجدية) أنّ آدم وحواء اتفقا على أنْ يمتنعا عن ممارسة الحب طيلة مائة عام ((تكفيرًا عن إثمهما)) وكأنّ أعضاء هذا الفريق اللاهوتى كانوا مع آدم وحواء (؟!) وتستمر (تخاريف اللاهوتيين) حيث قالوا إنّ آدم عاش (بتولا) على امتداد مائة وخمسين سنة.. ثمّ وافق الإله على إتمام الزواج بين حواء وآدم.. وعندئذ بدآ فى إنجاب الأولاد.. والأكثر غرابة أنّ بعض مفسرى العهد القديم كتبوا أنّ ((الشيطان عاشر حواء معاشرة الأزواج بعد طردهما من الجنة)) وعن مسألة الإنجاب فإنّ اللاهوتيين وجدوا مادة خصبة للتأملات الذهنية و(الأبحاث العلمية) فناقشوا (بكل جدية) : هل كان لكل من حواء وآدم (سرة) أم لا؟
كما أنّ الديانة العبرية كرّستْ لآفة تــُـعانى منها البشرية ، أى آفة قتل الشقيق شقيقه ، حيث كانت أول جريمة قتل بين شقيقيْن هما (قابيل وهابيل) وفى الصراع بينهما انحاز الرب العبرى لراعى الغنم ضد الزارع ، حيث تقبـّـل قربان الراعى ورفض قربان الزارع ، أى أنه إله لا يأكل إلاّ اللحم ، وبعد جريمة القتل فإنه قرّر طرد المُـزارع الذى قال لأبيه آدم ((إنك قد طردتنى اليوم عن وجه الأرض ومن وجههك أختفى وأكون تائها وهاربـًـا فى الأرض فيكون كل من وجدنى يقتلنى)) (تكوين : 4/ 13، 14) وبعد طرد المُـزارع ، فإنّ على العقل الحر أنّ يسأل : إذا كانت الزراعة تحتاج إلى الاستقرار، وإذا كان (الرب) غضب من المزارع وانحاز للراعى ، ألا يعنى ذلك أنّ الديانة العبرية كرّست العداء بين مجتمع الرعاة ومجتمع الزراع ، وأنها ديانة أعلنتْ بكل وضوح عداءها للزراعة ؟
ولكن السؤال الذى يتجنـّـب أعضاء الكهنوت الدينى مواجهته هو: كيف تمّـتْ عملية (التكاثر البشرى) ؟ وتبدو المشكلة أكثر تعقيدًا ، حيث أنّ عملية التكاثر قام بها أشقاء من أب واحد وأم واحدة ، أوقعتْ الديانة العبرية نفسها فى إشكالية ، حيث أنّ تلك الديانة حرّمتْ زواج الأقارب ، وليس زواج الأشقاء فقط ، وهو الأمر الذى جعل الشاعر أبو العلاء المعرى يكتب ((إذا تذكــّـرنا قصة آدم وفعاله / وتزويجه ابنيه لبنتيه فى الخنا / لعلمنا أصل الخلائق / وأنّ جميع الناس من أصل الزنا)) وقد حلّ العهد القديم المشكلة بطريقة غامضة ، حيث جاء ((وعرف قايين امرأته فحبلتْ وولدتْ حنوك.. ووُلد لحنوك عيراد وعيراد ولـَـد محويائل.. إلخ)) (تكوين : 4/ من 17- 22) خاصة وأنّ العهد القديم نصّ صراحة على تحريم زواج الأقارب (لاويين : 18/ من 6- 18) ونفس التحريم ورد فى العهد الجديد وفى القرآن فى أكثر من سورة. وعن تلك المشكلة كتب ليو تاكسل ((إذن لقد تزوّج قابيل ، لكن مؤلف التوراة لم يقل من هى زوجته؟ فهل كانت لآدم وحواء بنات ؟ ليس ثمة لهذا السؤال سوى إجابة واحدة هى نعم ، غير أنّ التوراة لم تجد أنهنّ يستحقنّ الذكر. وعلى أية حال فقد تزوّج قابيل واحدة من أخواته.. ونحن لن نلومه على ذلك ، لأنّ سفاح القربى كان شائعـًـا فى أزمنة البشرية الأولى ، كما أفادنا (الكتاب المقدس) ولكن ما يـُـثير الدهشة فى هذا كله هو (المدينة) التى بناها قابيل . الحقيقة أنّ الكيل قد طفح الآن ، فلنتصوّر أنّ مُــتشردًا يبنى مدينة – كما ذكرتْ التوراة (تكوين : 4/ 17) فمن أتى بالعمال ؟ وما أدوات البناء التى استعملها ؟ وأخيرًا من أين أتى قابيل بالسكان لمدينته ؟
وفى الإصحاح الرابع من سـِـفر التكوين نجد شخصـًـا اسمه (لامك) وأنه تزوّج من امرأتيْن، أى أنه أول من سنّ (تعدد الزوجات) فى الديانة العبرية.
وبينما تنص التوراة على أنّ الحية هى التى أغوتْ حواء للأكل من شجرة المعرفة والخير (تكوين 2) كسبب للطرد من جنة عدن ، نصّ القرآن على أنّ الشيطان هو من تولى الغواية (البقرة /36 والأعراف / 20 وطه /120) وبينما الشجرة فى التوراة ((شجرة المعرفة والخير)) فهى فى القرآن ((شجرة الخلد)) رغم هذا الاختلاف بين التوراة والقرآن عن المُـتسبّب فى الغواية (الحية أم الشيطان / إبليس) فقد حاول بعض مفسرى القرآن الجمع بين الحية وإبليس للتوفيق بين رواية التوراة ورواية القرآن فكتب الرازى يرد على من أثاروا ذاك الاختلاف ((اختلفوا فى أنه كيف تمكــّـنَ إبليس من وسوسة آدم عليه السلام ، مع أنّ إبليس كان خارج الجنة ، وآدم كان فى الجنة. وذكروا فيه وجوهـًا . أحدها قول القصاص (أى الرواة) وهو الذى رووه عن وهب بن منيه اليمانى والسدى عن ابن عباس رضى الله عنهما وغيره ، أنه لما أراد إبليس أنْ يدخل الجنة منعته الخزنة (أى الحراس) فأتى الحية (أى ذهب إليها) وهى دابة لها أربع قوائم (قبل عقابها بالزحف على بطنها) بعد أنْ رفضته كل الحيوانات . قبلتْ الحية (مساعدته) فابتلعته وأدخلته خفية من الخزنة (الحراس) فلما دخلتْ الحية الجنة خرج إبليس من فمها واشتغل بالوسوسة. فلا جــُـرم أنْ نزلتْ اللعنة على الحية وسقطتْ قوائمها وصارت تمشى على بطنها وجعل رزقها فى التراب وعدوًا لبنى آدم)) وهو المعنى الذى عبّر عنه كاتب التوراة إذْ كتب ((فقال الرب الإله للحية لأنك فعلتِ هذا ملعونة أنتِ من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين وترابًا تأكلين كل أيام حياتك)) (تكوين : 3) وإذا كانت الحيات يزحفنَ على الأرض فإنهنّ لا يأكلنَ التراب . وبعد أنْ نقل الرازى هذا الكلام عن ابن عباس وغيره كتب ((واعلم أنّ هذا وأمثاله مما يجب ألاّ يُـلتفت إليه ، لأنّ إبليس لو قدر على الدخول فى فم الحية ، فلمَ لم يقدر على أنْ يجعل نفسه حية ثم يدخل الجنة ؟ ولأنه لما فعل ذلك بالحية فلمَ عوقبت الحية ؟ مع أنها ليست بعاقلة ولا مـُـكـلــّـفة ؟)) أى أنّ الرازى كان أكثر عقلانية من ابن عباس . كما ذكر الرازى ثلاث حكايات أخرى (نقلا عن بعض المسلمين) الذين حاولوا التوفيق بين الحية والشيطان فى التوراة والقرآن (أنظر التفاصيل فى رسالة دكتوراه خلف الله – الفن القصصى فى القرآن – ص 61)
والشىء المُـلفت للنظر فى ذاك التراث العبرى ، تطوع البعض للإدلاء بأحاديث رصد العقل الحر عليها ثلاث ملحوظات : 1- أنها ضد لغة العلم 2- أنّ المُـتحدّث يتكلم عن أشياء حدثتْ عند بدء الخليقة كأنه أحد شهود الواقعة 3- أنّ أحاديثهم ليس لها ذكر مباشر فى المصدريْن (التوراة والقرآن) اللذيْن يعتمدون عليهما . ومن أمثلة ذلك ما ذكره ابن عباس من أنّ ((إبليس كان من أشراف الملائكة وأكرمهم قبيلة. وكان خازنــًا على الجنان (ربما يقصد كان حارسًا على الجن) وكان له سلطان سماء الدنيا وكان له سلطان الأرض.. وكان يسوس ما بين السماء والأرض فعصى فمسخه الله شيطانــًا رجيمًا.. وقبل أنْ يركب إبليس المعصية كان من الملائكة واسمه عزازيل . وكان من سكان الأرض وكان من أشد الملائكة اجتهادًا وأكثرهم علمًا)) وعن سعيد بن المسيب قال ((كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدنيا)) وابن عباس يحكى الحكاية التالية كأنها حدثتْ أمام عينيه إذْ قال ((إنّ الله خلق خلقــًا فقال اسجدوا لآدم فقالوا لا نفعل قال فبعث الله عليهم نارًا تحرقهم . ثم خلق خلقــًا آخر فقال إنى خالق بشرًا من طين فاسجدوا لآدم فأبوا فبعث الله عليهم نارًا فأحرقهم . ثم خلق هؤلاء فقال ألا تسجدوا لآدم قالوا نعم . وكان إبليس من أولئك الذين أبوا أنْ يسجدوا لآدم)) وقال آخرون أنّ السبب فى ذلك ((أنّ إبليس كان من بقايا الجن الذين كانوا فى الأرض فسفكوا فيها الدماء وأفسدوا فيها وعصوا ربهم فقاتلتهم الملائكة)) وكما أنّ البشر يتقاتلون كذلك كان قتال بين الملائكة والجن ، وهو ما ذكره سعد بن مسعود الذى قال ((كانت الملائكة تــُـقاتل الجن فسُبى إبليس وكان صغيرًا وكان مع الملائكة يتعبّـد معهم)) وتزداد دهشة العقل الحر عندما يقرأ أنّ إبليس (قبل المعصية) كان ((يقضى بالحق بين الملائكة والجن لمدة ألف سنة حتى سُمى حـَكمًا وسمّاه الله به وأوحى إليه اسمه فعند ذلك دخله الكِبر فتعظم وتكبّر))
وحكى الطبرى تفاصيل الصراع بين الشقيقيْن (قابيل وهابيل) فكتب ((قتل قبيل ابن آدم أخاه هابيل . وأهل العلم يختلفون فى اسم قابيل فيقول بعضهم هو قايين بن آدم ويقول بعضهم قاين . ويقول بعضهم هو قابيل . واختلفوا أيضًا فى السبب الذى من أجله قتله. فقال (فلان وفلان حتى يصل إلى ابن مسعود وعن ناس من صحابة رسول الله) قال : كان لا يولد لآدم مولود إلاّ وُلد معه جارية (لاحظ قارئى الكريم كلمة " جارية " مع أنها شقيقته لتكريس منظومة الجوارى والعبيد) فكان يُـزوّج غلام هذا البطن " جارية " هذا البطن الآخر، حتى وُلد ابنان يُـقال لهما قابيل وهابيل . وكان قابيل صاحب زرع . وكان هابيل صاحب ضرع (راعى غنم) وكان قابيل أكبرهما . وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل . وأنّ هابيل طلب أنْ ينكح أخت قابيل فأبـى (= رفض) عليه وقال هى أختى وُلدتْ معى وهى أحسن من أختك . وأنا أحق أنْ أتزوّجها . فأمره أبوه أنْ يُزوّجها هابيل فرفض)) فيكون الحل هو اللجوء للرب ليفصل بين الشقيقيْن . وهذا الحل كما جاء فى التراث العبرى لا يكون إلاّ بتقديم القربان للرب . ويستمر الطبرى فى ذكر تفاصيل المشهد فكتب (( أنهما (قابيل وهابيل) قرّبا قربانــًا إلى الله : أيهما أحق " بالجارية " وكان آدم يومئذ قد غاب عنهما وأتى (مكة) ينظر إليها . قال الله لآدم ((يا آدم هل تعلم أنّ لى بيتــًا فى الأرض ؟)) قال آدم ((لا)) فكرّر الرب قوله ((إنّ لى بيتــًا فى مكة فأته)) فقال آدم للسماء : احفظى ولدىّ بالأمانة فأبتْ . وقال للأرض فأبتْ وقال للجبال فأبتْ . فقال لقابيل قال نعم تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك . فلما انطلق آدم قرّب الشقيقان قربانــًا . كان قابيل يفخر عليه فيقول : أنا أحق بها منك هى أختى وأنا أكبر منك . وأنا وصىّ والدى . فلما قرّبا قرّب هابيل جذعة سمينة (نعجة أو خروف) وقرّب قابيل حزمة سنبل فوجد فيها سنبلة عظيمة ففركها فأكلها فنزلتْ النار فأكلت قربان هابيل وتركتْ قربان قابيل فغضب وقال لأقتلنك حتى لا تنكح أختى . فطلبه ليقتله. فراغ الغلام أنه فى الجبال . فأتاه يومًا من الأيام وهو يرعى غنمه فى جبل وهو نائم (لاحظ قارئى الكريم أنه يرعى غنمه وهو نائم) فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات وتركه بالعراء لا يعلم كيف يدفن فبعث الله غرابيْن (أخويْن) فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر له ثم حثــا عليه التراب إلخ . فوفق هذه الرواية فإنّ (الغربان) أكثر خبرة من البشر. وهذا ضد الحقيقة العلمية بعد تشريح مخ الإنسان ومقارنته بمخ الغراب .
وعن تزويج آدم لأولاده الذكور من بناته ، يستمر التراث العربى فى الحكى فيقول ((إنّ آدم كان يُولد له من حواء فى كل بطن ذكر وأنثى فإذا بلغ الذكر منهما زوّج منه الأنثى التى وُلدتْ مع أخيه الذى وُلد فى البطن الآخر قبله أو بعده ، فرغب قابيل بتوأمته عن هابيل . وبعد الصراع بين الشقيقيْن قدّم كل منهما قربانــًا للرب الذى تقـبّـل قربان صاحب الكبش ولم يتقبل قربان صاحب الزرع . والسؤال المسكوت عنه فى الثقافة المصرية السائدة البائسة والمنحطة لماذا تقـبّـل الرب قربان راعى الغنم ورفض قربان الزارع ؟ أليس هذا الموقف أصدق دليل على طبيعة الصراع بين الحضارة الزراعية ومجتمع الرعاة ، والذى انعكس فى مجمل كتب التراث العبرى ضد مصر الحضارة والتعددية والانحياز السافر لبنى إسرائيل ؟ وهو ما تأكد كذلك فى العهد الجديد إذْ ورد به أنّ ((ذبيحة هابيل (الراعى) أفضل من (قربان) قايين (الزارع) (الرسالة إلى العبرانيين – الإصحاح 11) وأكثر من ذلك التوافق مع العهد القديم والقرآن حول دور إبليس فى الغواية. وأنّ ((من يفعل الخطية فهو من إبليس . لأنّ إبليس منذ البدء يُخطىء)) إلى أنْ يقول أنّ قايين (الزارع) كان من الأشرار وذبح أخاه . وأنّ أعماله كانت شريرة وأعمال أخيه. ومن خوارق التراث العبرى / العربى أنّ حَمـْـل حواء كان دائمًا حمل توائم ((فتحمل توأمًا ذكرًا وأنثى . فولدتْ حواء لآدم أربعين ولدًا لصلبه من ذكر وأنثى فى عشرين بطنــًا . ومن الخوارق أيضًا عمر آدم فهو فى التوراة 930 سنة (الإصحاح 5) أما ابن عباس فقد اختلف مع التوراة فى ست سنوات ، لأنه قدّر عمر آدم ب 936سنة (تاريخ الأمم والملوك – للإمام إبى جعفر محمد بن جرير الطبرى – ج 1 ص 107) والعقل الحر يسأل ولا ينتظر إجابة : كيف توصل ابن عباس لهذا الفرق فى الحساب ؟ ولما مات آدم (عن هذا العمر) دخل الجنة. فلما رأتْ حواء الملائكة ذهبت لتدخل دونهم إليه. فأمرها آدم بالابتعاد عنه وعن الملائكة وقال لها ((إنى ما لقيت ما لقيت إلاّ منك ولا أصابنى ما أصابنى إلاّ منك )) (المصدر السابق ص 109) بعد 960 سنة وفق التوراة و936 وفق حساب ابن عباس فإنّ آدم لم يغفر لحواء (زوجته وأم أولاده من بنين وبنات وتزوّجوا من بعضهم ليُعمّروا الأرض) لم يغفر لها أنها ضحكتْ عليه وسقته خمرًا وأخرجته من الجنة (مع أنه عاد إلى الجنة) وبالتالى فهى سبب كل المصائب ، وهى التهمة التى ستظل تــُـلاحق كل نساء العالم وفق التراث العبرى / العربى .
وفى الشعبة الثانية من الديانة العبرية (المسيحية) فإنّ إبليس سبب كل المصائب فنقرأ ((أيها الأولاد لا يضلكم أحد . من يفعل الخطية فهو من إبليس لأنّ إبليس من البدء يُـخطىء . لأجل هذا ظهر ابن الله لكى ينقض أعمال إبليس . كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية.... ليس كما فعل قاين الشرير (الذى) ذبح أخاه ولماذا ذبحه.. لأنّ أعماله كانت شريرة وأعمال أخيه بارة)) (رسالة يوحنا الأولى : 3 / من 7- 13) وهكذا نكون إزاء ديانة واحدة تبنـّـتْ موقف الرعاة (الأخيار) ضد الزراع (الأشرار) لأنّ تلك الديانة بشعبها الثلاث (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) نصـّـتْ على أنّ (الرب) تقبـّـل قربان راعى الغنم ورفض قربان الزارع .
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخروج من جزيرة العرب إلى العالم الخارجى
- كيف تكون الدعوة للدين بالسلاح ؟
- توالى انتصارات جيش محمد (4)
- تثبيت أركان الدعوة المحمدية (3)
- كيف انتصرت الدعوة المحمدية ؟ (2)
- كيف انتشر الإسلام ؟
- الآخرة فى أساطير الشعوب والديانة العبرية
- جذور الصراع بين الرعاة والزراع
- الولع بالدمار فى الأساطير وفى الديانة العبرية
- جذور أسطورة الطوفان
- التكوين الكنعانى والتكوين التوراتى
- الأساطير بين الأديان وانتاج الشعوب
- الديانة العبرية والموقف من مصر
- المخابرات الأمريكية وصناعة الإسلاميين
- زهران وخميس والبقرى
- المتعلمون المصريون والهوس بالأصولية الإسلامية
- الفنون والثقافة القومية لا الأديان
- قراءة فى أحاديث البخارى المتنوعة
- نبى الإسلام المميز فى البخارى
- المُطلق فى أحاديث البخارى


المزيد.....




- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - لماذا انحاز الرب العبرى للرعاة ؟