شهاب عبدكي
الحوار المتمدن-العدد: 1372 - 2005 / 11 / 8 - 06:09
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
المتابع لشأن العراق السياسي في هذه الفترة سوف يلاحظ أنها مرت بتجربة كبيرة بعد سقوط نظام صدام حسين ، ورغم غنى العراق بتجربة سياسية وتنوع في اشكال الحكم ، لم ينصفه التاريخ يوماً منذ هجمة هولاكو مروراً باحتلال العثمانيين وصولاً إلى الاستعمار الإنكليزي حتى نهاية فترة حكم صدام حسين، حيث بقي الدم هو المشهد الرئيسي في مخيلة الأجيال وهي تنقل بالوقائع ما بقي في إرث العراق بتمازج يومي مع ما يحصل في الحاضر من هجما ت تتخذ المواطنين صيداً للوصول إلى بعض المكاسب السياسية ، عاش الشعب العراقي في تاريخة حالة صراع مع الاستقرار السياسي فبقي أسيراً للحروب الداخلية والهجمات الخارجية لما يتمتع به من موقع جغرافي هام وما يدخره من ثروات طبيعية ، فكانت سبباًً لما مرت به من ظروف ومآسي بدلاً أن يكون عامل استقرار وتنمية وغنى للعراقيين ، وقد بقي الطموح نحو عملية حل المشكلات الداخلية والوقوف في وجه التحديات الخارجية من الأحلام التي لا تفارق أي عراقي ، متجاوزاً محنته و مرارة المراحل التي لم تنته .
لقد تم في تاريخ هذا البلد حرق كتب ورميها في مياه التي تروي العراق ، وقتل العلماء و الفقهاء ، وكانت هناك محاولات لإزالة كل الحضارات التي رسخت جذورها على ضفاف الرافدين لمحو معالم الشعوب التي سكنت هذه البلاد ، وأنتجت أهم الحضارات في العالم ومنها انتشرت في بقاع العالم أهم العلوم الإنسانية من الكتابة والقانون والزراعة ....، وكون التاريخ لا يزول بالسيف ، فالشعب العراقي يستمد هذه الشجاعة من تاريخه الإيجابي ، حيث بقي رغم كل ما أصابه من الدول التي لم تجف ينابيعها العلمية وتطلعاتها المستقبلية ، و بقي إرادة الشعب العراقي أقوى من كل التحديات .
وقد يكون مرحلة حكم صدام حسين من أسوأ الفترات التي مرت على العراق من القتل والتشريد والهجرة القسرية وممارسة العمل السياسي على فئة محددة وإلغاء الآخرين من الخارطة السياسية و جعل من العراق بؤرة للحروب مع الدول المجاورة ، وامتدت فترة الحكم ما يقارب أربعة عقود وبقيت الممارسات القمعية تتصاعد وقد أمتزج شخصية صدام حسين بالدم العراقي وبجنون العظمة والبذخ المفرط من القصور والحفلات الميلادية لشخصه والتي كانت تنفق فيها ملايين الدولارات ، وبدأ بتقمص شخصية ستالين في مظهره وسلوكه وتحول بعدها إلى شخصية منفردة في القاموس العالمي له مزايا تتعلق بتطور سيكولوجيته.
لقد مُرست إبان الحكم ألبعثي الصدامي نظاماً استبدادياً قل نظيره في العالم مدعوماً بإيديولوجية شوفينية يرتكز على هيجان المشاعر والعواطف ضد الآخرين لبناء استراتيجية تلغي كل رأي يخالفه ، وللأسف كانت هذه الأفكار تحظى بدعم أغلب الدول العالمية بالأخص الكبرى و بمباركة خليجية للحفاظ على مصالحها ، دون أي اهتمام بجانب الإنساني ، ولكي نحقق في هذه القضية فأن فترة النظام العراقي لم يشهد أي قرار دولي يدين أعماله الإجرامية وقد تكون مجزرة حلبجة هي الفاصل و الطلاق بين مصالح الدول الكبرى والنظام العراقي ، وقد لعب الإعلام العالمي دوراً بارزاً في هذا الطلاق مع تجاهل كامل للإعلام العربي ومحاولة التغطية على هذه الجريمة النكراء وبعد سقوطه شاهد العالم جرائم أخرى لا تقل بشاعة من التي ارتكبت في حلبجة ، إن كان في الجنوب أو الشمال أو وسط العراق ، والتي تجاهل في ممارسة هذه الأعمال كل المواثيق الدولية .
إلى جانب هذه القضايا فأن النظام البعثي الصدامي حاول جاهداً تفتيت العراق وتقسيمه من خلال إعطاء امتيازات خاصة لبعض الموالين لنظامه على حساب فئات أخرى من الشعب العراقي والذي يتكون من قوميات وطوائف متنوعة على امتداد جغرافية العراق ، ويبدو أنه زرع بذور الفتنة منذ بداية حكمه حتى يستطيع التحكم بمفاصل الدولة من خلال أجهزته الأمنية وقوات الحرس الجمهوري الذي اعتمد عليه بشكل رئيسي في ترسيخ أسس نظامه ووزع خيرات البلد على أكثر الناس قرباً له ، وأفرغ العراق من مضمونه السياسي كدولة في الأمم المتحدة إلى سلطة خارجة عن القانون في تعامله مع الداخل والخارج ، قد نستطيع أن نوجز بعض العموميات التي رافقت النظام العراقي البائد ولكن لن نستطيع أن ندخل في التفاصيل والجزئيات لكثرة أعماله الإجرامية .
يعتبر سقوط نظام صدام حسين في المنطقة بداية سقوط لكل الأفكار الإقصائية ونشوء حوار حول الأسس التي يمكن أن تقوم عليها المنطقة في المرحلة المقبلة للنهوض بها لمواجهة التحديات على الصعيد الداخلي و الخارجي ولعل الفترة الانتقالية لن تكون سهلة وقصيرة على المنطقة بشكل خاص و على العراقيين بشكل عام كون المستفيدين من النظام السابق لن يسمحوا لأن تسير الأمور بسلاسة ، وخوف بعض الأنظمة في المنطقة أن تمتد إليها التجربة العراقية سيعمل على عدم نجاح التجربة أوعرقلتها قدر المستطاع للحفاظ على امتيازا ته أو بعض امتيازاته ، ولكي يكون الخيار هو نجاح العراق بات من الأولويات أن تجتمع جميع القوى تحت سقف الحوار الوطني دون إقصاء لأي طيف عراقي ، فمستقبل العراق مرهون بمدى ارتباط العراقيين بداخل العراق وليس بارتباطات خارجية ونفطها ملك للشعب وليس ملك لصفقات تخدم أجندة بعض الفئات .
إن مجرد التحرر من النظام الشمولي هو انتصار للشعب العراقي ، و انتهاء لتاريخ دموي كانت ضحيته الشعب العراقي ولكي يتجنب العراقيين كل السبل التي تؤدي إلى نظام مماثل ، السير نحو الأمام استناداً للحوار الوطني واعتماد سياسية الممكنات في الصياغة النهائية ، والمتابع لمجريات العملية السياسية في العراق يلاحظ أن هناك حرص كبير من أغلب القادة على إنجاح التجربة ، كون الديمقراطية هي الضمانة الحقيقة والوحيدة لكل انتماءات العراقيين على مختلف مشاربهم ، بالتالي ضمانة لحقوقهم المستقبلية .
#شهاب_عبدكي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟