|
خطورة كي الوعي والتماهي مع رواية الخصم
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 5035 - 2016 / 1 / 5 - 23:57
المحور:
القضية الفلسطينية
مع فوضى الربيع العربي وربما قبل ذلك بسنوات قلائل أصبحنا نسمع خطابا سياسيا جديدا يروج على لسان السياسيين العرب بل وبعض المسئولين والكُتاب الفلسطينيين يتماها مع خطاب الخصم من حيث تشخيص الصراع في المنطقة ، ومفاده أن هناك قضايا ومشاكل في المنطقة أهم من القضية الفلسطينية ولها الأولوية عليها. وهو خطاب يضع القضية الفلسطينية في نفس درجة ونوع القضايا الأخرى في المنطقة بل يعتبرها أقل درجة وأهمية، في تجاهل تام لاختلاف خصوصية وطبيعة القضية الفلسطينية عن قضايا ومشاكل المنطقة . صحيح أن الصراع العربي الإسرائيلي لم يعد الصراع الوحيد في المنطقة المُهَدد لاستقرارها وللسلام العالمي، حيث المنطقة تعج بالصراعات الدينية والمذهبية والحروب الأهلية وبصراع الأجندات والمشاريع الإقليمية، وصحيح أن شعوبا غير الشعب الفلسطيني أصبحت ونتيجة فوضى (الربيع العربي) تعيش مأساة اللجوء والتشرد والبحث عن مكان إقامة أو جواز سفر، وصحيح أن مشاكل هؤلاء تشغل العالم وتهيمن على مشهد الأحداث في الشرق الأوسط .... ولكن ودون التقليل من أهمية هذه القضايا ومع تلمسنا لمعاناة شعوب المنطقة وهول المصيبة التي يتعرضون لها، إلا أن ما تعرفه هذه الشعوب، كالشعب السوري مثلا، حالة جزئية ومؤقتة وعابرة، وهي صراعات وإن أخذت طابعا مذهبيا إلا أنها صراع على السلطة ومنابع وأنابيب النفط،، حتى وإن كان ضمن مخططات الدول الكبرى إعادة رسم خريطة المنطقة وإحداث تغيير في الحدود أو رسم (حدود الدم) كما قال الجنرال الأمريكي رالف بيترز، إلا أنه لا يوجد ما يشير بأن شعوبا من خارج المنطقة تريد احتلال دول المنطقة والحلول محل شعوبها، وحتى على المستوى الإنساني فإن غالبية اللاجئين الذين يغادرون وطنهم يقومون بذلك بإرادتهم كما يمكنهم العودة لبلدانهم بعد نهاية الأحداث وتوقف القتال. أما القضية الفلسطينية أو ما كان يسمى الصراع العربي الإسرائيلي فطبيعته مختلفة ومخاطرة أكبر من كل المخاطر التي قد تترتب عن حالة الفوضى في المنطقة العربية، بل إنه يكمن في خلفية تفكير إسرائيل ومخططي فوضى الربيع العربي غرس قناعة لدى شعوب المنطقة والعالم بأن ما يهدد الأمن والاستقرار في العالم ليست إسرائيل واحتلالها لفلسطين ولأراضي عربية أخرى بل العرب أنفسهم بدولهم غير الديمقراطية وإسلامهم المُختلف على تفسيره، وثقافتهم الجاهلة التي تشكل حاضنة للإرهاب. لكل ذلك ليس صحيحا القول أو بريئا التصرف الذي يتجاهل ما يجري للشعب الفلسطيني بذريعة أنه ليس الوحيد الذي يعاني من الإرهاب والتشرد والحصار، ومردود على من يعمل على لي عنق الحقيقة بإجراء مقارنة بين حجم الدمار وعدد القتلى في دول الربيع العربي بما يجري في فلسطين. ذلك أن طبيعة الوجود الإسرائيلي والمشروع الصهيوني تختلف عن طبيعة ما يجري في دول الجوار، ومأساة الشعب الفلسطيني ليست حالة طارئة بل حالة مستمرة منذ سبع وستين عاما، واللاجئون الفلسطينيون لم يغادروا بلادهم بحثا عن بلاد أكثر أمنا وفرص عمل أفضل بل تم إجبارهم على مغادرة مدنهم وقراهم ليحل محلهم جماعة دخيلة، كما أنه غير مسموح لهم العودة إلى وطنهم ، كما أن الفلسطينيين مهددون بثقافتهم وهويتهم ووجودهم الوطني . الخطأ سيكون خطيئة عندما يتم تبني الرواية الإسرائيلية والأمريكية من طرف مسئولين فلسطينيين، لأنهم بذلك يمارسون كي الوعي على شعبهم لتبرير تقاعسهم وفشلهم وصمتهم عما يعانيه الفلسطينيين من حصار واستيطان وإرهاب صهيوني وعلى المعابر والحدود وتجاهل العالم للقضية الفلسطينية، يبررون كل ذلك بأن الشعوب الأخرى تعاني كما يعاني الفلسطينيون وأن هناك قضايا أكثر أهمية من القضية الفلسطينية . إن كي الوعي أكثر خطرا من الهزائم العسكرية، وبالتالي فإن خطر السياسيين الفلسطينيين أو الليبراليين الفلسطينيين الجدد الذي صيرتهم الظروف والصدفة أو التخطيط التآمري على القضية إلى أن يكونوا في موقع صناع القرار، خطر هؤلاء الذين يمارسون كي الوعي على الشعب لا يقل عن خطر الاحتلال . لا نبرئ العرب من المسؤولية عن مشاكلهم وعن الإرهاب الذي يضرب في كل مكان ويدمرهم قبل وأكثر مما يدمر الآخرين، ولكن لا يجوز الاستسلام والقبول بالمنطق والرواية الإسرائيلية وعند البعض في الغرب وفي العالم العربي بأن إسرائيل تدافع عن نفسها ضد الإرهاب الفلسطيني كما يفعل الغرب وكما تفعل الأنظمة العربية ، كما لا يجوز مماهاة قضية اللاجئين السوريين باللاجئين الفلسطينيين ، وإن كان صحيحا أن الإرهاب خطر يهدد الجميع ،إلا أن خطر إرهاب بعض جماعات الإسلام السياسي خطر مؤقت وعابر بينما خطر إسرائيل وإرهابها فخطر وجودي ودائم . إن كانت إسرائيل وواشنطن تريدان تجاهل القضية الفلسطينية وإسقاطها من سلم الاهتمامات الدولية فإن المطلوب من القيادات الوطنية الفلسطينية الصادقة ومن النخب والكُتاب والمثقفين التفكر والعمل على رد الاعتبار للقضية والرواية الفلسطينية، ودفع العالم لإعادة وضعها في أولوية سلم اهتماماته، لأنها أكثر القضايا الدولية عدالة ومعاناة الشعب الفلسطيني لا توازيها أية معاناة لأي شعب.
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
2015: عام كشفُ المستور وتغيير المعادلات وأملٌ يُرتَجى
-
جدلية العلاقة بين الكتابة والقراءة والإبداع
-
متى سيتشكل تحالف عسكري لحماية الشعب الفلسطيني؟
-
مقاومة الاحتلال ليس إرهابا
-
احتضار السياسة الرسمية في فلسطين
-
منزلقات إضفاء طابع ديني على الانتفاضة الفلسطينية
-
نعم لمحاربة الإرهاب ،ولكن ما هو الإرهاب ؟
-
لم يبدأ الإرهاب مع داعش ولن ينتهي بالقضاء عليه
-
الانتفاضة بين حسابات الشعب وحسابات النخب
-
الغرب:ضحية الإرهاب أم صانعه؟
-
عظمة شعب وأزمة نخبة
-
استلهموا تجربته ولا توظفوا ذكراه
-
المغرب ومسيرته الخضراء التي لم تنتهي
-
التدويل في إطار استراتيجية وطنية شمولية
-
في خفايا التدخل الروسي في سوريا
-
انتفاضة لاهداف وطنية واضحة ومحددة
-
نحو تصويب البعد القومي للقضية الفلسطينية
-
إشكالية الثقافة والمثقفين في فلسطين (3) : في غزة إبداع في ظل
...
-
إشكالية الثقافة والمثقفين في فلسطين (2)
-
إشكالية الثقافة والمثقفين في فلسطين
المزيد.....
-
كوريا الشمالية تفتح أول وجهة سياحية للسياح الغربيين.. ألق نظ
...
-
مسؤولة أممية: تصريحات ترامب عن الفلسطينيين في غزة تطهير عرقي
...
-
بين وعود ترامب وطموحات بوتين.. هل باتت أوكرانيا خارج الحسابا
...
-
بسبب لكمة قوية.. وفاة الملاكم الأيرلندي جون كوني
-
كيف يمكن لأثرياء أفريقيا المساهمة في خدمة الصالح العام؟
-
بيان من محلية الحزب في النجف.. يا أبناء شعبنا العراقي.. يا ج
...
-
الدفاع الروسية: صد 3 هجمات مضادة في محور كورسك خلال يوم وخسا
...
-
ناقلة محملة بالمازوت تتعرض لحادث في ميناء قرب بطرسبورغ
-
-برق مفاجئ-.. تدريبات للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية والج
...
-
حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي على قطاع غزة
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|