|
السياب سُعالٌ في كتاب
نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 5034 - 2016 / 1 / 4 - 22:53
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
السياب سُعالٌ في كتاب نعيم عبد مهلهل ( 2 ) يخلق الشعر رغبته السحرية عند القراءة والسماع والتخيل ، فهو الازل الذي اقترن بنبض القلب قبل ان يفترن بحرف الكتابة ورعشة الشفتين ، لهذا فأن الشاعر في قدرته على الاحساس بالشيء يرينا الصورة ملموسة ومحسوسة ومصنوعة او مخلوقة بعناية . وهكذا يرينا الأزل الارضي المزيد من الشواهد المدونة والمحكية والمؤسطرة ، لكن اجملها ذلك المعاش بألم التجربة الذاتية التي يمر بها البشر فيتحول الامر عندهم الى موسيقى لمناجاة الروح كما فعله ايوب مع المه المزمن ، فكانت تقرحات جسده صورة معكوسة لتقرحات روحه لتأتي معه المناجاة صاخبة ومتألمة ومسترحمه كما روته الاساطير السومرية او كتب السماء. وذاته الالم تجسد في معاصرة الشعر عند الشاعر بدر شاكر السياب في مناجاته واظهار ضيقه وشعوره بألمه حتى صار الم ايوب قرين لألمه ، لكن الفرق ان ايوب استجابت السماء لدعائه وتضرعه وشفى ـ فيما السياب توغل فيه الداء وسعال رئتيه المثقوبتين بالتدرن وليموت نحيفا مثل هيكل عظمي على سرير حديدي في المستشفى الاميري في الكويت. مات السياب في يوم كانت السماء تسعل فيه مطر وشيع في ذلك النهار الماطر لتصنع قدرية الحزن الشاعر في رائد التجديد في الشعر العراقي والعربي ثنائية السعال قي كتاب .والسعال في سماء يوم ماطر كان فيه المشيعون بعدد اصابع اليد. هذه الجدلية بين الشاعر والسعال سجلت تحت اجفان السياب تفاصيل عمر من الفقر والفاقة واضطراب المشاعر والشعور بالغبن والحاجة الى اناث يتخيلهن يحلقن معجبات بين قصائده قيما يهربن من ملامح وجهه الصيني حتى صار ينفث السعال والحسرة ويناجي كتابه بقوله : باليتني كنت بديواني لأفر من صدر الى ثان قد بت من حسد اقول له ياليت من تهواك تهواني. نقيض في قلق الشاعر وموقفه أزاء محنته مع المرض وتعامل الاخرون معه ليسجل هذا في وقائع ما يشعره ويكتبه وليمثل في هذا الاحساس انتاج اجمل تجربة شعرية حديثة سجلها بتفاصيل وعي ودراية واحتراف فكانت انشودة المطر وغريب على الخليج وصبر ايوب وحفار القبور وغيرها .انما هي نوافذ لرؤى الحداثة في التكوين السيابي الذي شكل ظاهرة ادبية حملت اسئلتها ومعجبيها ودارسيها. يشكل السياب في مشكلته مع سعال صدره التعامل مع القدرية بدواء الشعر عندما شعر ان مشافي العراق وباريس والكويت لن تشفيه وان دواءه ان يبث لواعجه عبر قصائد اعتبرها يوسف الخال وأدونيس وانسي الحاج تحمل دهشتها وغرابتها وقوتها لتشكل في احساسها صدق الاحساس وانعكاس الالم الداخلي الذي عانيه الشاعر وفي اخر مراحل المرض شاهده قطرات دم يخرج مع السعال. تلك الصورة وذلك الالم مسكونة بمشاعر القدر في الخلق البشري لشكل الشاعر مثلت تحديا اراد ان ينتصر عليه ولكنه في النهاية سكن الى الكآبة والقدرية الظالمة التي تركت موهوبا فذا كالسياب يعاني الفاقة والفصل من الوظيفة والم سرير المشافي. أحمل نحافة الرجل وحزن اجفانه واتصفح في تفاصيل ومحطات حياته هذا العالم المتشكي والممتلئ بروعة الاناشيد والاساطير وحداثة الصورة وفكرتها واجوب بها شوارع البصرة في الفرن الحادي والعشرين فأكتشف ان الشاعر بين غالبية اهله ليس سوى نصب من البرونز ادار ظهره لبساتين شط العرب وصار مصدر رزق لكاميرات التصوير او صور الذكرى لضيوف المرابد البائسة . وسط تلك الاشكالية اتخيل وجود الشاعر في حياتنا فأحسبها درس في منهج كتاب النصوص للرابع عام ، وغير ذلك فأن القلة النادرة هم من يحتفظون بأعماله الكاملة ويستعيدون معها الاحساس الرائع بجودة الشعر ورقته ورصانته . وقلة نادرة ايضا يكتبون عنها ويدرسونها فيصبح الشاخص البرونزي مجرد واجهة لسياحة المدينة تهم منجزات البلدية وحاكم المدينة ، وغير ذلك لن يكون السياب للبصرة كما بورخيس لبوينس إيرس . فالأرجنتين احتفاء ببورخيس تبني المكتبات وتصدر طوابع تحمل صورته وتعيد طباعة كتبه والإطاريح التي كتبت عنه .فيما السياب لم تذكره حكومة مدينته بكراس يطبع عنه .او اي مناسبة تستذكره فيه. وهكذا يظلم السياب في حياته ومماته .وتحتفي فيه الجامعات خارج العراق اكثر من جامعات بلاده. صورة السياب في سعاله وحزنه وخرخشة الهواء الخارج من رئتيه هي صورة أيوب في قدريته الالم ، صورة البؤس الذي يلاحق الشعراء في عصور العشق والصعود الى مقاصل الاعدام و الجلوس امام موائد الملوك في بهجة الهبات والعطايا وقدرية الموت الذي واجه مثله وذبح بسيف فاتك الاسدي قرب نعمانية واسط . وهكذا يخرج السعال من الكتاب وليس من رئتي السياب ، صورة المفارقة التي تمتزج بغبار شوارع المدينة الصاخبة ، حيث تعاني البصرة اليوم من اهمال غريب حد جعل عمال تبديل زيوت السيارات يقتربون اكثر فأكثر من تمثال الشاعر مع بسطياتهم ودهونهم وضياع القانون واختفاء مراقبي البلدية. هذا الخروج القسري من رئة القصائد والدواوين والحنجرة المتعبة يمثل الحس الذي يسكننا في قراءة تواريخنا الممتلئة بالاسى والرقاب المدلات من الحبال وطوابير الفقراء وعمال الطين والشعراء المفلسين مع صفنة ارائك المقاهي وصوت ام كلثوم من اجهزة المذياع ذوات اللمبة . بين سعال الشاعر ومدينته تظهر بشكل جدلي تلك العلاقة في ثنائية المودة بين الحلم وعصور الشعر التي عاشها العراق منذ كشوفات الحرف وافران الخبز والواح الاساطير وساحات الحروب التي من بعض هاجس ولادتها هو سعال الشعراء وموسيقى نبض قلوبهم ، وربما السياب يمثل في هذا السفر منذ ايوب الى اليوم صورة من صور ذلك الالم المميز والذي اصبح ظاهرة ليس بفضل التدرن الذي ملئ رئتيه بل بفضل تلك الغرائبية المدهشة التي صنعها الشاعر في قصائده وقد امتلأت حداثة ورومانسية وسريالية وجمالا وبلاغة . السياب سعال في كتاب . مقياس ما أراه في قراءتي لما انتجه الشاعر واسمعنا اياه . نتاج ثري من رئة مريضة . ولكنها حتما اثرت في مسامعنا نشوة عصر من الاحلام والأمنيات والذكريات لتسجل مع محطات الزمن ومحطات القطارات وقائع تلك الاقدار التي قدرتها الالهة البابلية والسومرية والاشورية والاكدية لحياة بلاد الرافدين.
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خواطر في ذكرى السياب
-
خضير ميري ( رثاء من بلاد الفلسفة )*
-
عطرٌ وسرٌ وغيبْ
-
ليلة عبد الرب إدريس
-
وطن بلا تأشيرة ( 25 ) الرمادي ( سلام خُذ )
-
وطن بلا تأشيرة ( 24 ) جوائز منظمة عيون ( الوهم )
-
وطن بلا تأشيرة ( 23 ) المسيحيون العراقيون ( البقاء )
-
وطن بلا تأشيرة ( 22 ) النفط و( الغلط ، غلط )
-
وطن بلا تأشيرة ( 22 ) تفرك لايت ( يالله )
-
وطن بلا تأشيرة ( 21 ) الرمادي المحررة ( صينياً )
-
وطن بلا تأشيرة( 19 ) كهرمانة ( حكاية اللصوص )
-
وطن بلا تأشيرة ( 18 ) الأهوار ومسخ كافاكا
-
وطن بلا تأشيرة ( 17 ) حباري قطر وحميد منصور
-
وطن بلا تأشيرة(16 ) هينبعل القذافي عراقيا
-
وطن بلا تأشيرة ( 15 ) الغجر العراقيون تراثٌ أيضا
-
وطن من دون تأشيرة ( 14 ) ( حالوب ) لُبيد والمنفى
-
ماذا لو البسنا باريس عباءة صوفي ..؟
-
وطن بدون تأشيرة ( 13) ( الأكراد ليسوا جراداً )
-
وطن بدون تأشيرة ( 12 ) عراق مكتبة ماكنزي
-
وطن بدون تأشيرة ( 11 ) عمائم في الكرملين
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|