|
لماذا تجبى الضرائب ؟!
عبدالله أبو شرخ
(Abdallah M Abusharekh)
الحوار المتمدن-العدد: 5034 - 2016 / 1 / 4 - 21:37
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
• الحرية صفة أساسية للإنسان، وحق غير قابل للتفويت، فإذا تخلى الإنسان عن حريته فقد تخلى عن إنسانيته وعن حقوقه كإنسان. • والحرية تعني تمتع الفرد بجميع حقوقه السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية في إطار قانوني. • الإنسان ولد طيباً بطبعه ولكن المجتمع هو الذي يفسده !
جان جاك روسو ( 1712 – 1778 م )
--------------------
ليس هذا المقال موجهاً لانتقاد عصابات حماس في غزة، رغم أن الوضع في غزة يحتاج للكثير من النقد والاحتجاج، فمن حيث جباية الضرائب، فإن كلتا السلطتين تتشابهان في كونها غير منتجتان، حيث سلطة رام الله تجبي الضرائب لكي تنفق معظمها رواتب وامتيازات لأعضاء تنظيم فتح الذي استولى على السلطة عشية اتفاق أوسلو، وحتى السلطة نفسها لا تنكر حالة الفساد المالي والإداري التي دفعت بحماس إلى الواجهة، أما سلطة حماس فقد قررت أخيراً السطو على جيوب الفقراء والمحاصرين من خلال جباية ضرائب مختلفة ومتنوعة، علماً بأننا في غزة محتلون بشهادة جرحى الصيادين يومياً على شاطيء بحر غزة، ولا ضير من التذكير بشهادة الطيران الاحتلالي أو صواريخه الذكية. لكن من المهم التنويه إلى أن ثمة فوارق بين سلطة رام الله وسلطة حماس من أهمها أن سلطة رام الله هي السلطة الشرعية المخولة من قبل المجتمع الدولي لإدارة شئون الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، وأنها تنفق رواتب ل 170 ألف موظف خلاف مخصصات الشؤون الاجتماعية ومعاشات الجرحى والشهداء، أما حكومة حماس فلا يعلم أحد أين تصرف أموال الجباية، فلا سفر ولا علاج ولا كهرباء ولا عمل، ولا نعلم بأي حق ومقابل ماذا تقوم حماس بجباية ملايين الدولارات من جيوب المحاصرين.
المقال في الحقيقة، وإن جرت الإشارة إلى سلطة حماس، فإنه يتخذ منها نموذجاً للحكم العربي الإسلامي المستمر في بلادنا منذ أكثر من ألف عام، ويخطيء من يظن أن ثمة فارقاً بين أنظمة حكم الأمويين والعباسيين والفاطميين والعثمانيين، فنحن حتى اليوم نرزح تحت حكم القرون الوسطى، حيث الحاكم بأمر الله يمتلك كل شيء، يعطي لمن يشاء ويهب لمن يشاء، ويمنع عمن يشاء ويقتل من يشاء. الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة لم تتحول إلى مطلب شعبي عربي بعد مرحلة التحرر من الاستعمار. لم يحدث تحرر اجتماعي، ولم تتطالب الشعوب بأي حريات لا شخصية ولا عامة.
حتى الفلسفة العربية الإسلامية، وفيما خلا المعتزلة وابن رشد ومفكري الدولة العباسية الأولى، كانت عقيمة، بسبب تكبيل العقل العربي بالمسلمات غير القابلة للنقاش عن الكون والحياة، واقتصرت الثقافة على حشو وشحت نفوس الناس بثقافة الحياة الآخرة، وبالتالي كانت حياة الناس كموتى في قبور، بينما حدث العكس في أوروبا والغرب، حيث قرر الناس هناك أن يعيشوا حياتهم بسعادة ودون اضطهاد أو استغلال أو قمع من أي نوع، ولهذا أقاموا جنتهم في حياتهم وكونوا الدولة الحديثة وفق العقد الاجتماعي، فتصبح الدولة مخولة من قبل الشعب بإدارة شؤون الحكم.
الدولة مخولة بجباية الضرائب المتنوعة لكي تعيد صرف أموالها على شكل خدمات ومنافع للناس، وليس لحشو جيوب ولاة الأمر بلا محاسبة أو شفافية. الدولة الحديثة تعلن موازنتها فيعرف الناس حجم الأموال التي سيدفعونها، كما يعرفون من خلال إعلان الموازنة السنوية أين يذهب كل مليم، بعكس أنظمة الحكم العربية، فلا الوارد معلوم، ولا الصادر معلوم، وكل ما يمكن ملاحظته هو طرق مهشمة ومستشفيات حقيرة وخدمات اجتماعية قاصرة. أنظمة الحكم العربية هي منتهى الفساد حيث السيادة منعقدة للفوضى والتسيب وانعدام المسؤولية.
الضرائب مقابل حريات مكفولة
لا تكفل سلطة حماس حرية السفر والتنقل لأي مواطن في غزة، ولا تكفل له حق الانتخاب باعتبار أن الشعب مصدر السلطات، فلماذا ندفع لهم ضرائب ؟ مقابل ماذا ؟! لماذا جباية الكهرباء من الناس بصورة باهظة بينما لا وجود للكهرباء ؟؟! ماذا يسمى هذا الوضع سوى أنه بلطجة وعربدة من مافيات منظمة ؟! دفع الضرائب يكون لدولة ذات سيادة توفر حق العمل وحق الراعية الاجتماعية والصحية ومجانية التعليم الجامعي، نحن ندفع مقابل الرعاية الصحية ولا يحصل العاطلون عن العمل على أي ضمان اجتماعي أو مخصصات بطالة، كما ندفع آلاف الدنانير كرسوم للتعليم الجامعي، فلماذا الضرائب إذن ؟ مقابل ماذا مثلاً ؟؟!
الضرائب مقابل سيادة وطنية
ما إن يتحدث مواطن من غزة عن موضوع الضرائب حتى يتصدى له مؤيد لحماس ( وغالباً عضو في التنظيم ) بالقول أن الضرائب موجودة في جميع دول العالم ولا أحد يحتج !!! حسناً تقولون " دول " وليس عصابة أمر واقع. الدولة الحرة المستقلة ذات السيادة الوطنية تتقاضى ضرائب، ولكنها تمنح مواطنيها جواز سفر صالح للتنقل عبر العالم لا أن تتقاضى ضرائب بينما تقوم بسجنهم كالجرذان ! تجبي ضرائب لكن مقابل أسطول بحري وجوي قادر على الدفاع عن كرامة أي مواطن، أما نحن فلماذا الجباية ونحن في حالة من الذل والمهانة والاضطهاد ؟؟!
الضرائب كجزء من نظام ديمقراطي
والنظام الديمقراطي يضمن للأفراد حق الانتخاب كما أسلفنا، كما يضمن لهم حق المشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أما الضرائب في ظل مصادرة حق المشاركة، فهو لا يتعدى عن كونه نظام قرصنة وبلجة لجيوب التنظيم لا لخدمة دافعي الضرائب !
الضرائب للبنى التحتية والمنشآت
صحيح أن الدول " الديمقراطية " تجبي ضرائب منوعة، ولكن تلك الأموال تستخدم في تطوير البنى التحتية وبناء الجامعات الحكومية والمدارس والمستشفيات والأندية والحدائق، وطالما أن السلطة في غزة لا تبني جامعات ولا مدارس ولا مستشفيات ولا أندية ولا حدائق، فمقابل ماذا الجباية إذن ؟ إن جميع المدارس والمستشفيات يتم بناؤها من تبرعات الدول المانحة ولا تدفع السلطة أي فلس من الضرائب في بنائها، فهل تقوم سلطة حماس بإعلان الموازنة العامة ؟! كم هي الجباية وأين تذهب ؟؟ هذا ما يحدث في الدول التي تجبي الضرائب دون تشنج أو توتر أو حاجة إلى قمع !
تراخيص السيارات
إن الجباية الباهظة لعشرات ألوف السيارات يجب أن تذهب لخدمة أصحاب السيارات، فيتم إنفاقها على تعبيد الطرق وشق طرق جديدة، أما استخدام أموال التراخيص في أوجه أخرى لا علم للناس بها، فهو تحايل وشكل من أشكال الفساد.
والخلاصة ؟!
الخلاصة هي أننا وضعنا الحصان أمام العربة، فطورنا من نظم الجباية والسلب والنهب دون أن تكون لدينا دولة على الإطلاق، وتركنا السيادة الحقيقية للاحتلال في البر والبحر والجو !! الخلاصة هي أن جباية الضرائب غير المنطلقة من نظام ديمقراطي وطني شفاف ذو سيادة على أرضه لا تعد جباية قانونية ولا دستورية بأي حال، وطالما أن السيادة الحقيقية على المال والاقتصاد هي لدولة الاحتلال، فلماذا نعفيهم من مسؤولياتهم ؟؟! أدعو أبو مازن للإعلان عن فشل اتفاق أوسلو والإعلان بالتالي عن حل السلطتين وتسليم مفاتيحهما لدولة الاحتلال لكي تتحمل كامل المسؤولية عن حياة الناس الواقعين تحت الاحتلال بموجب اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحقوق المدنيين تحت الاحتلال !
دمتم بخير
#عبدالله_أبو_شرخ (هاشتاغ)
Abdallah_M_Abusharekh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بين مارك زوكربيرغ والوليد بن طلال !
-
عندما تصبح ( الجعلصة ) ثقافة شعب !
-
طعن الجنود ليس عملاً إرهابياً، ولكن .. !
-
بعد فشل ذريع وآلام وكوارث: هل تتخلى حماس عن إدارة قطاع غزة ؟
...
-
وماذا مع الإرهاب الصهيوني ؟؟!
-
المثقف الشعبي الفلسطيني !!!
-
أزمة الأنروا لم تنتهي بعد !
-
غزة والموت بلا مقابل
-
الأنروا من مؤسسة دولية إلى مؤسسة عربية !
-
لماذا تبرئة إسرائيل وبريطانيا من المسؤولية ؟!
-
عن طلائع التحرير الفلسطينية واليهودية !
-
أضواء على مؤامرة وكالة الغوث !
-
حول تصفية ملف اللاجئين والقضية الفلسطينية
-
جمهور غوغائي وعنصري !
-
عن دواعش إسرائيل مرة أخرى !
-
رأي آخر في مسألة تحرير الأوطان من المستعمرين !
-
فساد السلطة وبيع المنح الدراسية لغير مستحقيها: هل من نهاية ؟
...
-
الحقيقة الصادمة !
-
شكرٌ وتقدير للحوار المتمدن وكتّابه وقرائه !
-
لماذا يجب المطالبة بدولة واحدة ؟؟!
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|