|
بوادر تفكيك الأسَر
ماجد ع محمد
الحوار المتمدن-العدد: 5034 - 2016 / 1 / 4 - 12:09
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
"بالحاجة يقع الخضوع والتجرد، وبالاستغناء يعرض التجبر والتمرد" أبو حيان التوحيدي من المؤكد أن من بعض أهم ما سيواجهه المُهَاجِرُ بعد انقضاء فترة الانبهار بالحضارة العمرانية في المغترب بعد الانشغال حيناً بالاندماج هي قصة التفكك الاسري، إذ أن لهذا الموضوع جوانب عدة تدفع باتجاه التباعد بين أفراد الاسرة الواحدة ومن ثم تساهم في انحلال بعض الاسر، فمنها عوامل ذاتية بحتة، مثل: رغبة الأب أو الأم لخوض غمار الأهواء النفسية والبدنية، وممارسة أشواط قديمة راحت عليهما، ولا تزال تخطر على بالهما تلك الأجواء التي حرموا منها في البلد الذي فروا منه، حيث قد يرى بعض أولياء الأمور بأن واحدهم في ربوع البلاد الجديدة سيكون قادراً على تحقيق ما فاته من الغرائز والرغبات المكبوتة، وكذلك الحال لدى الأولاد الذين لا شك لديهم التوق الشديد للتخلص من سلطان الأسرة ككل وسلطة الأب والأم والأخ كلٍ على حدة. إذ ما من أسرة ستبقى محافظة على ذاتها بفعلٍ خارجي أو داخلي كما السابق، باستثناء تلك الأسر التي كانت المحبة والصدق والاحترام والالفة مقيمة بين أفرادها قبل زمن الاقتلاع، أما الأسر التي كانت روابطها مبنية على الإكراه والقهر والسلطة فهي بدأت بوادر انحلالها حتى قبل الوصول الى ربوع المغتربات. حيث تشير الوقائع الميدانية بأن بعضهم حتى وهم في (البلم) قد حددوا خياراتهم ووجهة انطلاقاتهم بعيداً عن عوائلهم، وضمنياً وضع أغلبهم نصب أعينهم سلفاً كل ما يتعلق بمسارات الافتراق كحل نهائي للانعتاق من سطوة الاسرة والاهل والاقارب، فالأب اختار دولة ما والابن اختار اخرى والبنت اختارت ما يتناسب مع مزاجها حسب الاطلاع على الوجهة النهائية مِنذ ما قبل ركوب أمواج البحر، باعتبار أن قرار الهجرة يتم التفكير فيه ملياً قبل البدء بتنفيذه، وأصلاً ما من أسرةٍ أو شخصٍ اتخذ قرار الهجرة بين ليلة وضحاها. عموماً فكما خضع معظم السوريين أفراداً وجماعات في السابق لسلطان الحاجة في البلد، وقبلوا بالأمر الواقع على مضض لعشرات السنين، سيكون حالهم كذلك في المغتربات، طالما أن سلطان الحاجة هو أصلاً ما أوداهم الى تلك المرابع، وعلى المستوى الشخصي فباعتباري سوري فرغم كل دكتاتورية النظام البعثي القذر، فكنتُ كفرد قادراً نوعاً ما على نسيان أو تجاوز تلك العلة، إلا كأس الحاجة فلم أطقه، ولم أشعر بالخضوع يوماً لجلاوزة الأمن السوري رغم كل نتانتهم، أما كلاب المال فياما تنازلنا أمامهم خوفاً من ساطور الحاجة، لذلك كنت ومنذ ما الثورة أقول: لو استطاعت معارضات الشرق تحقيق هذا الشرط الجوهري ستنحل تلقائيا ثلاثة أرباع مشاكل مجتمعاتنا، ولازلت أرى بأنه بدلاً من بيع أوهام الحرية والديمقراطية للناس، فالأجدر بكل معارضات الشرق تأمين ظروف حياة مقبولة تقي الفرد والعائلة من سطوة الجوع والعوز والاستجداء، فالنظريات عندها ربما تخرج الى الشوارع من تحت آباط أبسط مواطنٍ من مواطني بلادنا، ولن نكون آنذاك بحاجةٍ لاستيرادها من الدول الغربية. أما فيما يتعلق بقصة التفكك الاسري في المغتربات فبوادرها تبدأ من وقت قيام الدولة المضيفة بالتفريق بين أبناء العائلة الواحدة، والسعي لإرسال نصفهم الى مكان والنصف الآخر الى كامبٍ خاص يجمع الباقي بمن كانوا مثلهم، فلربما كان الاحتفاء الزائد بالضيوف الطارئين أي من يسمون بـ:( اللاجئين) هو ما يدفعهم الى ذلك! وقد حدثت الانسلاخات المتعمدة في أكثر من بقعة جغرافية في المَهَاجِر، فقد يتم التفريق بين الاسرة الواحدة بدعوى أن المكان لا يتسع لجميع أفراد الاسرة، وأن الجغرافيا الطبيعية لا تسمح بجمع شملهم للمكوث في حجرةٍ واحدة، حيث جرى ذلك منذ عدة أيام في السويد لعائلة كردية من الحسكة، فتم تفريق العائلة عن بعضها، فالأب رُمي في كامب، والأم والأولاد في كامب مماثل، مَن يدري لعلها أفضل وسيلة لتفكيك الاسر الشرقية؟ وبالتالي دق أسافين البرودة في أوصال العائلة الواحدة، باعتبار أن الشرقي تغلبه الحالة العاطفية بخلاف السكان المحليين الذي يمتازون بالبرود العاطفي؟ وهم مكرهين على تقبل الوضع والخضوع لقوانين تلك البلاد، كما كانوا خاضعين لسلطان دكتاتورية حزب البعث، طالما أن لا حول لهم ولا قوة، مرغمينَ لا شك على تجرع ما يُرسم لهم في الوطن الجديد مقابل الايواء والإطعام. إذ كما كانت الحكومات الشرقية تتخذ القرارات عنا وعنهم، وترسم لنا ولهم كل الاستراتيجيات الحياتية بناءً على مزاج النظام الطغياني المستبد، ففي المَهَاجِر أيضاً وتحت بند أن الحكومة تعرف مصلحة الطفل أكثر من الأهل، عادة ما يتم إخضاع العملية التربوية برمتها لرقابة الدولة بشكلٍ مباشر، بحيث تتدخل الدولة في كل شاردةٍ وواردة في حياة الطفل بدعوى أنها حريصة عليهم أكثر من الأهل، والتغلغل الى منطقة نفوذ العائلة والتدخل في الشأن الداخلي بين الأب والابن والبنت، وتمنع الأهل من ممارسة العملية التهذيبية في البيت، وكأن الدولة هي من أنجبت أولئك الأطفال وليس الأم، كما أنهم يسقطون عن الأب حق الابوة إذا ما لجأ الى أي سلوك تراه الجهات المختصة بأنه سيكون له تأثير سلبي على حياة الطفل الذي غدا ملكاً للمؤسسات، وطبعاً كل ذلك يتم تحت مانشيتٍ عريض يسمى رعاية الطفولة واحترامها وتربيتها وفق المبادئ الانسانية القائمة على المحبّة، وكأن أهل الأطفال لا وظيفة لهم غير بث المقت والكراهية في نفوس الأطفال، مع أن مصادر الكره والبطش والقسوة ليس دائماً الأسرة وما قد يدور بداخلها، إنما أعراف وعادات وتقاليد المجتمع ككل وقوانين الدولة معها هي التي تكون سبباً رئيسياً من أسباب انتشار البغضاء بين الناس، وليس الاسرة الواحدة التي تراها تلك المؤسسات بأنها مصدراً للعنف والكراهية، وبناءً عليه قد تسلبهم حق رعاية وتربية أطفالهم.
#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحدث الانساني ما بين التغاضي والاحتفاء
-
لوثة الغريزة
-
يوم يزعم الخاسر بأنه منتصر
-
إثم المتقي
-
التعكز الحضاري
-
المُنهارُ وعوائد السقوط
-
الذريعة ومنافعها
-
أحمد سعيد: العلويون اختاروا النظام خوفاً على ذواتهم وليس حبا
...
-
متعلقاً بأهدابها
-
عندما نناهض ما ندعو إليه
-
الأوهام وزارعيها
-
دونك أو دونه
-
ما بين الخنوع والإباحية
-
أكثر ما يؤلم الحمار
-
من السهروردي الى أشرف فياض
-
ليلى زانا والقَسمُ الكردي من جديد
-
أطفال سوريا في يوم الطفل العالمي
-
المتضرر الحقيقي من الحرب لا يمتلك ثمن الوصول الى أوروبا
-
جاذبية متن الدواعش
-
عندما يستهدفك اخوانك
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|