|
قراءة في خريف المآذن للشاعر باسم فرات
محمد علي النصراوي
الحوار المتمدن-العدد: 1372 - 2005 / 11 / 8 - 03:00
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
نص ( المنطقة المقدّسة ) 00 وأرخنة الذات الغائبة قراءة في المجموعة الشعرية ( خريف المآذن ) في المجموعة الشعرية ( خريف المآذن ) للشاعر المغترب باسم فرات الصادرة من دار ( أزمنة ) عام 2002 م ، يمكن للقارئ فيها أن ينطلق من الهامـش نحو المركز ، ولكن هل يمكن للهامش أن يحقق حضوره في جسد النص 00؟ هل هو مضفور داخل الجسد / المتن ، أم ملحقاً لجسد المكتوب ، مضافاً أليه ويقع خارجه ، كإطار يجمع حدود الصورة من التشتت والضياع 0 أو يمكن القول ، باستطاعتنا أن نمثله بـ( الحد ) الفاصل بين الداخل والخارج 00؟ باسم فرات • 1967 م : أطلقت احتجاجي البكر في مدينة كربلاء – العراق 0 * 1969م :أبي أطلق احتجاجه الأخير وهو في سن الخامسة والعـشرين دفاعاً عن جارته 0 • 1988م : تركت مقاعد الدراسة خشية أن تبلللى أحلامي 0 • 1993م : احتجاجاً على اعتقال رفات أسلافي تركت العراق إلى الأردن 0 • 1997م : اتجهت إلى أقصى جنوب الجنوب ، بحثاً عن طفولة الشمس 0 • 1999م : نشرت دار ألواح – مدريد – ديواني الأول ( أشد الهديل ) 0
وها00 هي الذات تتحول إلى ( عتبة ) ، لا هي بالداخل ، ولا هي بالخارج ، إن ما نريد قوله هنا ، هو إن التجربة الحياتية للشاعر قد تحولت بفعل إنصهار الروح إلى حقل معرفي خاص ، يكون هنا بمثابة الأبستيم الذي يقوم بتأسيس تلك التجربة / بفعل الذات المنكتبة ، وهكذا فأن النسيج المضفور بفعل الكتابة يسير هنا في تحقيق الذات ، تلك الذات التي أصـبحت ( ملحقاً / أو ( هامشاً ) للمتن المتكون من نسيج الكتابة / الجسد / الضمير المنفصل الحاضر الغائب ، هذا الهامش بحضوره الصامت في جسد المنكتب ، حقق كينونته ، في لحظة مواجهته للعالم 0 (( أي حلم يجفف طفولتي / أي حلم يشق صباحاتي / أنا الأخير في قافلة العزلة / صهيلي يتكئ على صحراء فاض حدادها / ويهرول بين الأمطار وبين الشظايا / كيف لي ان أترك نسياني / يوزع ذكرياته باتجاه الألم / و لا يصرخ : يا بلاد أسترجعيني )) ………من قصيدة ( إلى لغة الضوء أقود القناديل )0
هكذا يتحول هذا العنصر / الحد / الملحق إلى منطقة تمثل الذات الغائبة ، والتي حققت حضورها بفعل الدال المعلق في فراغ ( المنطقة المقدّسة ) ، ذلك الذي يقوم بتنظيم التجربة الذاتية كأبستيم خاص ، يترجم الذات الغائبة إلى برنامج يوزع ( مثيراته المعرفية ) في مدارات الأنساق الإشارية ، لتك المنطقة كبقعة إفتراضية مخلّقة ، أو كـ( هوية ) تصبح هي وثيقة نفسها 0 (( وحيداً في ساحة العرضات / يطلق النار على الريح / ويفتك بأوراقه الصدى ))……(من القصيدة السابقة نفسها ) 0 فإذا ما حاولنا أن نلقي نظرة سريعة على المشهد الشعري التسعيني ، نلاحظ أن أغلب النصوص التي ظهرت في هذه الحقبـة ، تؤكد اختفاء حاجة الشعر إلى الاستغراق في المعرفة ، أي ان الجملة الشعرية بدت خالية من مساءلة الذات ، والبحـث عن جدوى الوجود الكوني ، أو ما الجدوى من وجود هذا الكائن الحيوي ، وهل يُعدّ مركزاً لهذا الكون 00؟ وراح يوظف الأساطير كي تحل محل تجربته نفسها في تغذية مادة النص ، وجاء الاختزال في هذه المرحلة ( أي في الحقبة التسعينية ) ، بديلاً عن ذلك الاسترسال الذي كنا نقرأه في المشهد الشعري السبعيني ، أو الثمانيني ، كالشاعر خزعل الماجدي في قصيدته المطولة ( عكازة رامبو ) وحسن النواب في قصيدتيه المطولتين : ( أغواها بعنايته فتعطلت أجنحتها ) و( شريعة النوّاب ) إن هذه القصائد وما شابهها ، هي أقرب إلى (النص المفتوح) إلا أن شعراء التسعينيات قد وضعوا الحد أمام إنثيال الجمل الشعرية وطولها 0 إن هذا يعني وجود متغيرات تركيبية قد طرأت على بنية قصيدة النثر التسعينية – وهنا بالذات تتوضح لنا فلسفة الشاعر باسم فرات في تسويغ هذه المتغيرات ، هو استبدال اهتمامه الأبستيمولوجي منحرفاً به نحو تجربته الحياتية ، لتكون هذه التجربة محوراً للمعرفة المرصودة داخل نصوصه كما في قصيدته : (( الحروب التي كنت خاسرها الوحيد / علقتها على مضض / ومضيتُ أبحث عني / أغتسل بعسل / والخرابُ يصهل في كفي / 00))……..من قصيدة (عبرت الحدود مصادفة ) 0 وكما في قصيدته : (( أيامي تتناسل سواداً / ها00أنذا / أطلق المطر والخضرة في خريفي / بينما الحروب تتفاقم في ))……من قصيدة ( عناق لا يقطعه سوى القصف ) 0 ولكن في بعض الأحيان نلاحظ ، هناك إنزياحات واضحة لتك الدوال ، التي أخذ الشاعر يلعب عليها ويشحنها لصالحه ، بحيث أصبحت هذه الدوال جزءاً من البنية الذهنية له ، وبوساطتها قام بخلق ( مثيراته المعرفية ) التي تؤكد على كينونته المتمثلة بقالب ( الدمغة ) ، أو شبح هذا ( المثير المعرفي ) كما في قصيدته : (( رسمت سماء صافية لأنفذ منها / محتها الصواريخ / رسمت جدولاً وقلت : هذا نهر الحسينية )) ……من قصيدة ( أرسم بغداد ) 0 إذن ( نهر الحسينية ) هو مثير معرفي مشحون بحمولات دلالية ، يتسم بإنزلاقات عديدة ، تحيلنا إلى مثيولوجيا إسـلامية ، يشــكل بإمتداداته الإيحائيـة إحـدى التراجيديات المهمـة لمدينـة الشــاعر ، أصـبحت تمثـل لـه ( نُصباً تذكارياً ) ، أو قالب ( الدمغة ) التي أخذت مكانها من قلب هذه التراجيديا ، وبالتالي أصبحت تلك (الدمغة) رمزاً جماعياً يشكل البنية الذهنية لشعوب تكونت ذهنيتها ، بفعل تفكيرها الفطري ، وهي مازالت حتى الآن تحلم برموزها التي كونتها بفعل الزمن ، عددها ( نُصباً تذكارياً ) مقدساً ، أو وثيقة لا يمكن التقرب منها ، أو المساس بها ، قداسـتها جاءت من جرّاء الإيغال في تطرف فعلها التراجيدي أكثر من كونها فكراً مقدساً 0 يقوم الشاعر هنا ، بإظهار ذلك المسكوت عنه ، أو اللامفكر فيه حسب تعبير ميشيل فكو - في اللامقول ، الذي قيل بطريقة أو بأخرى ، هي منطقة التكشـف ، منطقـة المايحدث ، مكان المابين ، في تحديد أو أسطرة وقائع تلك التراجيديا المنصبة في (المثير المعرفي/ نهر الحسينية ) ، وهو أيضاً يمثل لنا الوعاء المكاني لهذا المنكتب ، والذي يقوم بأرخنة الذات الغائبة ، الذات / الهامش ليصبح هو وثيقة حضوره ، يتشكل بفعل طغيان تراكمات الماضي ، وبالماضـي يسـير ليركم طبقات أركيولوجيته ، تلك التي حولت التجربة إلى فعل منكتب ، وبالرغم من أن هـذا ( الحد )/ العنصر / الملحق / الهامش / الشبح / الطيف ، ينبثق من قلب النسيج المضفور بفعل الكتابة ، فأن الصورة تبقى مشتتة ، ضائعة ، منشطرة ، تبحث عن عزائها ، ولما وجدت هذا العزاء هو لحظ يقينها الذي لابد من حضوره ، وبأي شكل من الأشكال ، حتى ولو كان ذلك المنكتب يُعدّ نقشاً في المكان ، بكونه خطاباً مدوناً بغياب أبيه / فاعله / صانع هذا الخطاب ، فهو يحقق ذاته بذاته ، هو لا غيره تلك ( المنطقة المقدّسة ) ، المنبثقة من قلب لوغوس هذا الخطاب المدوّن ، إنها لحظة المواجهة تجاه العالم ، مجسدة الذات / الهامش الذي سيصبح الأنا – المتعـالية في تحقيق مركزيته المسـتلبة ، بهذه الصفة تزحزح هذا الهامـش ليأخـذ موقعـه في مركز ( المنطقة المقدّسة ) ، إذن نستطيع القول إذا ما أردنا أن نوغل في كلامنا ، إن هذه المنطقة نعدّها ذلك ( المعنى / الأصل ) ، تتركب من طبقات خلايا اللاوعي المفترضة عند الشاعر 0 وعلى هذا الأساس فإنها تمثل الكمـون السـاكن/ ذلك الجوهر، أو أصل الحركة 0 وإذا ما أردنا الدقة أكثـر ، هي المنطقـة التي تشـكل ( اليوتوبيا / الحلم ) ، الكامن تحت طبقات اللاوعي والسابق على صياغة كلمات لوغوسه ، والسابق أيضاً على كل الإدراكات والحركات ، لذا فإن هذه المنطقة بقدر ما هي مختفية في وجودها الكامن ، فإنها تتمظهر إلى وجود ظاهر ، وتصبح أشد حقيقة / هي حقيقة ذاتها المنفعلة 0 (( تراتيل كهنة وقدّيسين / صلوات شهداء / وتسابيح عشاق الرب / مازالت الملائكة يطوفون بأزقتك / يُشعلون البخور / ولدرء براءتك من هشيم صرخات خمبابا / يُخضبون غبارك بالحناء / وينشدون : / كربائيلو : سيدة لا تشيخ أبداً )) …….من قصيدة ( خريف المآذن ) 0 في هذا المشهد بالذات ، يتوقف زمن (المنكتب) / الذات / الهامش ، وتبدأ أركيولوجيته بتقشير ذاتها ، بحثاً عن طبقات موغلة في القِدم ، أي أن الكتابة هنا بدت تحفر في ذاتها لتكشف طبقات المعرفة ، جاعلة أياها جزءاً لا يتجزأ من سطح هذا ( المنكتب ) 0 إلاّ أن هذا المنكشف أمامنا هو طقس المثيولوجيا الذي يعطي ( الحد ) القلق وغير الثابت ، ذلك ( الحد ) / ( الأصل ) / الغائب ، يعطيه الشاعر هنا قالب ( الدمغة ) ، فيتشكل أمامنا ذلك الأثر / الشبح المختفي في أركيولوجيا تلك البنية المكانية / المفترضة ، وهمية كانت أو افتراضية ، لأن المنكتب يعيد صياغة نفسه بكلمنة الأشياء الغائبة ، غائبة لأنها شبحية الرؤيا ، أعطت توقيعها لذلك المفترض منذ ( بابل ) وحتى ( نهر الحسينية ) ، وهكذا ينبثق ( المثير المعرفي / كربائيلو ) من قلب اللوغوس ، كأثر أو شبح مجسداً حضوره ، متمثلاً بالمنبت الطفولي للشاعر ، هو ذلك الجذر المكاني المختفي تحت طبقات التاريخ ، أصبح الآن أكثر حضوراً بفعل الذات المنفعلة 0 (( فأرى دمي يتدحـرج بين الحـدود / أتوسل بالكلمات أن تجمعـهُ / على الورقة ))……………...من قصيدة ( أقول أنثى 000 ولا أعني كربلاء ) 0 أصبحت الورقة هنا مثيراً معرفياً لأنها تمثل لنا ( البقعة المكانية / المخلّقة ) ذلك المكان الافتراضي ، الذي تتراكب فيه جميع قشور أركيولوجيا الشاعر ، في خطاب مدون يُقدم إلى الآخر على أنه خطاب معرفي 0 وبالاستعارة الدلالية يمكننا أن نقول : - إن كل من المثيرات المعرفي ( نهر الحسـينية + كربائيلو + الورقة ) = البنية المكانية الافتراضية / المخلّقة = شبح ( المنطقة المقدّسة ) للمجموعة الشعرية ( خريف المآذن ) ، والتي تم استدعاءها وأرضنتها ، وذلك عن طريق اكتشافنا لتلك المثيرات المعرفية السابحة في مدارات أنساقها الإشارية 0
#محمد_علي_النصراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد تحرره من السجون الإسرائيلية زكريا الزبيدي يوجه رسالة إلى
...
-
أحمد الشرع رئيساً انتقاليا لسوريا...ما التغييرات الجذرية الت
...
-
المغرب: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية وتتسبب في خسائر ما
...
-
الشرع يتعهد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
-
ترامب: الاتصالات مع قادة روسيا والصين تسير بشكل جيد
-
رئيس بنما: لن نتفاوض مع واشنطن حول ملكية القناة
-
ظاهرة طبيعية مريبة.. نهر يغلي في قلب الأمازون -يسلق ضحاياه أ
...
-
لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
...
-
الشرع للسوريين: نصبت رئيسا بعد مشاورات قانونية مكثفة
-
مشاهد لاغتيال نائب قائد هيئة أركان -القسام- مروان عيسى
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|