جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 5033 - 2016 / 1 / 3 - 15:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إعدام الشيخ نمر النمر في السعودية
جعفر المظفر
يقول الأستاذ جمعة الحلفي العضو القيادي في الحزب الشيوعي العراقي وأحد القيادين البارزين في التيار الديمقراطي والتظاهرات المطالبة بإصلاح النظام السياسي (حين تتضامن مع أية ضحية، يعيب عليك الطائفي من الجهة الأخرى ويتهمك بالانحياز في تضامنك! ما ان استنكرت جريمة إعدام رجل الدين السعودي نمر النمر، حتى بان غضب الطائفيين لأنهم ينظرون للأمر بعين طائفية، هذه التي لم تبصر تظاهرتنا امام السفارة الإيرانية حينما تم اعتقال رجل الدين التنويري احمد القبنجي. ان التضامن قيمة إنسانية عالية، هي ابعد ما تكون عن الفكر والسلوك الطائفيين.) إنتهى
هذا الرأي لا شك حصيف ويكشف عن توازن نحتاجه في الوقفة من حقوق الإنسان ومن الطائفية, غير إنه في ظني يبقى ناقصا لأنه لا يناقش قضية النمر ذاتها وطريقة رفضه للنظام السعودي وتناقضه معه, وهذا في إعتقادي يضيع علينا فرصة التوقف أمام واحدة من أخطر المواقف التي جرت على العراقيين ذاتهم وبال المواقف التائهة والإقترابات الخاطئة, ولهذا فإن مناقشتها لا بد وإن يرتبط بإقترابات مسؤولة ودقيقة.
إن الأستاذ جمعة الحلفي يمثل بتصريحاته هذه تيارا من الديمقراطيين التقدميين الذين يعيبون أن تحسب مواقفهم بإتجاه طائفي لكنهم من ناحية أخرى يتخذون موقفهم هذا بصيغة لا تتعامل مع هذا المشهد المركب إلا من خلال تبسيطه وحصره في جدلية الموقف المطلوب من النظام السعودي حتى كأن كل أشكال المعارضة ضد هذا النظام باتت مشروعة ومباركة دون إدراك لخطورة أن يكون البعض منها نقيضا مدمرا أيضا للحالة الوطنية المنشودة.
ولأن طرق الحديد وهو حار هو وسيلة إعلامية وفكرية مفضلة لتوجيه الأنظار نحو الحدث الذي يراد الإهتمام به فإنني اجد أن مشهد الإعدام هذا يجب ان لا يمر دون الإهتمام بالجوانب الأخطر من قضية الإعدام ذاتها, من حيث تعويمه إنسانيا , وأجزم ان عدم الإحاطة بالموقف من جميع جوانبه والوقوف فقط لإدانة النظام السعودي سيضيع علينا فرصة الإستفادة من دروسه الخطيرة بالإتجاه الذي لا يجعلنا قادرين على الإحاطة بمكونات المشهد السياسي عامة وشفط الموقف ذاته من المستنقع الطائفي الذي يتغذى عليه الطائفيين من الجهتين.
ستوفر لنا لنا شجاعة عرض الرأي ودقة التوصيف القدرة على النفاذ من وقعات أقلها قلة الوعي وأخطرها التضليل. بهذا السياق علينا نحن الذين ندعي الوطنية والتقدمية, وأفترض إنني منهم, ان نقول موقفنا الصريح, على الأقل مستذكرين بعض الدروس الخطيرة التي مر بها العراقيون, وخاصة في الموقف من نظام صدام حسين إزاء قضايا الإسلاميين العراقيين وفي المقدمة منهم حزب الدعوة وقصيته الأشهر, وأقصد بها هنا إعدام رجل الدين الشيعي محمد باقر الصدر.
من ناحيتي أجد أن قضية النمر وقضية الصدر إن لم تكونا متشابهتين فهما متقاربتين من حيث المشهد العام والدروس المستنبطة وحتى على صعيد بعض التفاصيل, إذا أن كلا الرجلين يدعوان بشدة وبصراحة إلى تغيير النظام السياسي علنا وعلى رؤوس الأشهاد ويدعوان إلى قيام دولة الفقيه ونصرة مركزها في إيران في الوقت الذي بلغ الصراع فيه اشده بين الدولتين, العراقية السابقة والسعودية الحالية من جهة وبين إيران من جهة اخرى حتى كأنهما في حالة حرب, ونذكر كيف أن إعدام الصدر وما أحاط به وما سبقه كان قد هيأ الظرف المناسب لإشتعال الحرب العراقية الإيرانية ذاتها. فإن كان البعض قد آخذ على صدام حسين أنه لم يحسن إختيار الرد في الموقف من إيران ويحمله مسؤولية البدء بالحرب فإن من الخطأ التعامل مع إيران وكأنها كانت حينها دولة مسكينة ومسالمة ولم تكن سببا من اسباب الحرب ذاتها فنكون بالتالي قد أخطأنا إتخاذ الموقف أما بسبب قلة وعي او بسبب ضلالة دفعتنا إليها خصومة لم نحسن تصريفها مع صدام حسين.
إن هذه الثنائيات المربكة قد جعلتنا نقع في أخطاء قاتلة ومشينة ومضلِلِة, فالموقف العدائي من صدام حسين كان قد جعل البعض يؤازربشكل مفتوح حزب الدعوة وينتصر لبطله الصدر, ثم جعلت هذه الثنائية المربكة المضللة البعض ينتصر للإحتلال الأمريكي تحت عناوين النضال ضد الحكم الديكتاتوري الصدامي البغيض, وقبلها كات جعلته ينتصر لإيران في حربها مع العراق, ثم جعلته ينتصر أيضا للعناوين الطائفية في البحرين واليمن ولبنان وسوريا وبطريقة تحقق الإستفادة العظمى للطائفيين على الجهتين, فنحن مع حزب الله على طول الخط, وخاصة تأسيسا على موقفه البطولي من العدو الصهيوني لكننا لا نقف أمام إنحيازاته الإيرانية وتبعيته لدولة الفقيه, أو كأننا صرنا ضده على الطرف الآخر من واقع إنحيازنا للسعودية, ونحن ضد بشار الأسد لكننا ننحاز بالمطلق إلى الموقف السعودي والقطري الداعم حتى للحركات الإرهابية قبل أن تسقط المواقف الدولية من الإرهاب تداعياتها على توزيع القوى المناهضة للنظام السوري.
صحيح ان المرحلة الحالية سلبت من القوى الديمقراطية والعلمانية, وخاصة على صعيد الساحتين العراقية والسورية قدرة التحرك في ساحة القرار, لكن معطية كهذه لم تسلبه حق إتخاذ المواقف المبدئية السليمة التي تراعي عدم الإنجرار وراء الخصومات البينية لإتخاذ موقف الإنحياز لعدو تاريخي آخر, وهذا الموقف بحد ذاته هو مهمة تاريخية خطيرة, حتى بغياب القدرة على تسجيل المواقف الأخرى, لأنه يشعل الشمعة المطلوبة وسط ليل السياسة العربية الحالك الظلمة, وإنه لخير لنا ان نقرأ الحقيقة على شمعة بدلا من أن تمنعنا حلكة الظلام عن ذلك, وأجزم ان مواقف الأحزاب العقائدية هو أن لا تترك لموقفها السياسي خطأ الإنتقاص أو التصادم مع موقفها التاريخي.
وقد رأينا كيف أن البديل لشر صدام حسين صار اشَّر منه, سواء على صعيد حكم اللصوص والتبعية والطائفية الذي يقوده حزب الدعوة أو على صعيد ذلك الذي ساعد الإحتلال على ترسيخه والمتمثل بالتدمير الحقيقي للدولة والمجتمع.
لسنا بطبيعة الحال مع السعودية في قرارها إعدام الشيخ النمري ولهذا فإن مناقشة قضية الشيخ بهذا الإتجاه والمعاني يجب ان لا تحسب وكانها مولاة للسعودية أو إنحياز لها, لكن سؤالا من النوع وماذا كانت إيران ذاتها ستفعل مع معارض كالنمري لو كان سنيا سوف يختزل طريق الحوار لأن الإجابة لن يكون بمقدورها أن تتجاوز حقيقة إن إيران كانت ستتعجل إعدامه بما يعني أن السعودية قد صبرت عليه طويلا, وإن إيران كانت ستعيب على السعودية التدخل بالشان الإيراني فيما لو فعلت الأخيرة ذلك.
لست متهيبا ولا متخوفا من إدانة رد الفعل الطائفي على إعدام الشيخ النمري, ذلك ان حكومتنا وأحزابنا الطائفية لا تتردد مطلقا من إصدار المواقف وهي تسبح في مستنقعا الطائفي وتنطلق من فقه كان شارك في إشعال حرب الثمانية سنوات بين العراق وإيران التي أدت إلى مقتل أكثر من مليون عراقي وإيراني واسر الكثيرين وترميل عشرات الألوف من النساء وأيتمة أضعاف هذا العدد من الأطفال, ثم اضافت على رصيدها التخريبي الإجرامي واقعة الإطاحة بما تبقى من العراق والإجهاز على خزينته وثروته وتخريب وحدته الإجتماعية وتحويله دستوريا وسياسيا إلى مشروع آيل للتقسيم. هؤلاء أخزاهم الله لا يحق لهم إدانة غيرهم فهم سببا رئيسيا من اسباب بلائنا الكبير.
ولن يفوتنا بطبيعة الحال التأكيد على أن السعودية التي قامت بإعدام العدد الكبير من الإرهابيين أن تلتفت لكي تقلع من الجذور فقه الإرهاب وشيوخه على أرضها وأن تتخلى عن تحالفها مع فقهاء الوهابية وهم أساس البلاء الإرهابي التكفيري, ذلك أن بإمكان هذا الفقه ان يعيد إنتاج الآلاف من الإرهابيين الذين يحاولون تخريب العالم برمته.
والسعودية هي كما خصومها المتهمين بالتدخل بشأنها الخاص بما يتعلق بحادثة إعدام الشيخ التمر مطالبة هي أيضا برفع يدها عن موالاة الإرهابيين على الساحة السورية لأنها أيضا تسلك طريق دولة الفقيه بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة ومطالبة أيضا بالكف عن التخل العسكري بالشان اليمني والحرص على أن يأتي الحل من خلال الجامعة العربية والأمم المتحدة.
لكن كل ذلك سيأتي من باب الهوس بالإدانات التي لا تقدر واقعية الصراع بين الإستراتيجيات والذي يدخل في مساحتها التدخل الإيراني في الساحات العربية المختلفة, وهو تدخل يحفز بالمقابل, وحتى أنه يعطي مشروعية لكثير من التدخلات على الجانب الآخر.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟