|
باريس في السياق: الإسلاموفوبيا والتهميش الاجتماعي
كرستين عماد
الحوار المتمدن-العدد: 5032 - 2016 / 1 / 2 - 11:06
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ترجمة كرستين عماد الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية
لقد ثبت الآن أن جميع مرتكبي الهجمات الوحشية فى نوفمبر 2015 في باريس، كتلك الهجمات على شارلي إبدو في يناير، قد وُلدوا وعاشوا في فرنسا. إنه من المهم بمكان أن نفهم السياق الداخلي في فرنسا الذي وقعت خلاله هذه الهجمات.
إن الإسلاموفوبيا المقززة، المتوقعة في الحقيقة، التي اجتاحت العالم الغربي وخاصة فرنسا لن تؤدي إلا إلى زيادة التمييز السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعانيه المسلمون في فرنسا على مدار عقود.
أما الدولة الفرنسية، فبحجة التزامها بالعلمانية، لا تصدر الإحصاءات العرقية أو تعترف بها؛ ولكن هذا لا يعني أن التهميش العرقي غير موجود داخل المجتمع الفرنسي.
ويواجه المسلمون الفرنسيون، وأغلبيتهم الساحقة من أصول إفريقية (الدول العربية في شمال أفريقيا وكذلك جنوب الصحراء الإفريقية)، التمييز على نطاق واسع، مع معدلات البطالة، والفقر الذي يعانون منه ثلاث مرات أعلى من المعدل الوطني، والدخل السنوي الذي هو أقل بـ 30%.
يشكل المسلمون الفرنسيون، بالإضافة إلى ذلك، ما يقدر من 50 إلى 70% من نزلاء السجون، في حين يشكل المسلمون الفرنسيون 8% فقط من مجموع السكان.
تشمل هذه العوامل الاجتماعية والاقتصادية التمييز الجغرافي أيضًا، فتعيش نسبة عالية من المسلمين الفرنسيين – جنبًا إلى جنب مع المهاجرين من خلفيات أخرى – في ضواحي أكبر المناطق الحضرية، فيما يسمى بـ “المناطق الحضرية الحساسة”.
تتميز تلك الضواحي بنسبة أكبر من السكان ذوي الأصول المهاجرة، مع ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع نسب السكن الجماعي، فضلًا عن معدلات أعلى للفقر.
تُصنَّف جميع الأحياء التي شهدت انتفاضات الشباب في نوفمبر عام 2005 ضمن “المناطق الحضرية الحساسة”. ووفقًا لتقرير الاستخبارات الفرنسية، فإن الشباب الذين شاركوا فى الانتفاضات المدنية كانوا “من السكان الذين لديهم شعور قوي بالاضطهاد على أساس الهوية”، ليس فقط على أساس أصولهم العرقية أو الجغرافية، ولكن أيضًا لاستبعادهم اجتماعيًا من المجتمع الفرنسي.
وما زاد الطينة بلة هو الهجوم الأيديولوجي العنيف من قبل الدولة الفرنسية واليمين الفرنسي في السنوات الأخيرة. كقانون 2004 بشأن حظر ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس العمومية باسم العلمانية، وإنشاء الرئيس اليميني نيكولا ساركوزي لـ “وزارة الهجرة والهوية الوطنية والاندماج” فى عام 2007، فضلًا عن العديد من الأمثلة “العنصرية العادية “من قبل السياسيين ووسائل الإعلام، كل ذلك يُعد جزءًا من محاولة خلق “معضلة المسلمين”.
كما أنهم قربوا الهجرة من “الاندماج”، لتصبح الرسالة الضمنية هي أن هناك أمرًا جوهرىًّا في الإسلام يمنع المسلمين الفرنسيين من “الاندماج” في المجتمع الفرنسي وقبولهم من ما يُسمى بـ”القيم الجمهورية”.
يساهم ذلك بشكل كبير في خلق العداوات بين الناس العاديين الذين يتقاسمون مصلحة مشتركة في معارضة الطبقة الحاكمة، في حين تُخفَى الحقائق الاجتماعية والاقتصادية وراء ستار ثقافي مؤسَّس لهذا الغرض.
يقع اليسار الفرنسي لسوء حظِّه في هذا الفخ غالبًا. أغلب اليساريين وافقوا على قانون الحجاب 2004، بحجة أن الحجاب رمز لاضطهاد المرأة، وتجاهلوا حقيقة أن القانون في حد ذاته مُضطهِد؛ لأنه يميز ضد حق قطاعات معينة من النساء في الحصول على التعليم.
تجري نقاشات داخل المنظمات اليسارية الثورية حتى اليوم حول مسألة قبول النساء المحجبات كأعضاء داخل تلك المنظمات. هذا الموقف، الذي يُأخذ في كثير من الأحيان باسم العلمانية، يوحي بأنه من الممكن تحرير المظلومين على الرغم من إرادتهم، من خلال النخبة المتفوقة، والسلطة العليا التي تستطيع بناء تصور عن مصالحهم بشكل أفضل.
لقد استُخدِمَ هذا الخطاب لتبرير قانون الحجاب، وأيضًا لتبرير استعمارات الأمس والحروب الإمبريالية الأخيرة ضد أفغانستان والعراق.
في الواقع، ما من قيمة عالمية مُعمَّمة وعابرة للتاريخ كالتي تُقدَّم بها العلمانية في أغلب الأحوال. لقد كانت “العلمانية” أداة قوية في يد البرجوازية خلال الثورة الفرنسية ضد الأرستقراطية المطلقة والكنيسة الكاثوليكية. كانت المعركة ضد الدين السائد عاملًا أساسيًا في قلب النظام الإقطاعي المطلق القديم.
أصبحت العلمانية حجر الزاوية في الهيمنة الأيديولوجية للبرجوازية المنتصرة قرب نهاية القرن التاسع عشر، وخاصة في التعليم العام. واليوم تُستخدم باعتبارها عقيدة ضد الأقلية الدينية المضطهدة.
وبالمثل، فإن تفسير الأفكار والممارسات الدينية يجب دائمًا أن توضع في سياقها التاريخي. على سبيل المثال، إن ارتدت امرأة شابة الحجاب في فرنسا اليوم، فغالبًا ما ينمُّ هذا على التمرد والتحرر.
وبالنظر إلى السياق المبيَّن أعلاه، فليس من الغريب أن يشعر العديد من الشباب المسلمين الفرنسيين بالاغتراب عن بقية المجتمع. إنهم يواجهون صعوبات حياتية حقيقية، كالعزلة في الأحياء المهمشة، وكفيضان الأيديولوجيا العنصرية التي تُطلق ضدهم، وعجز اليسار إلى حد كبير عن تزويدهم بمتنفس للنضال السياسي.
أضف إلى ذلك التاريخ الدموي للاستعمار الفرنسي في الجزائر، والسياق الدولي لتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا في جميع أنحاء العالم الغربي، وكذلك الحروب الاستعمارية ضد الدول ذات الأغلبية المسلمة. إن ذلك السياق التاريخي، الداخلي والخارجي لفرنسا، وليس شيئا أصيلًا أو جوهريًا في النصوص والممارسات الإسلامية، هو ما قد يفسر القبول النفسي لدى بعضٍ من المسلمين للانسياق للانضمام إلى داعش في سوريا، وارتكاب فظائع رهيبة.
إن هناك دلائل، رغمًا عن ذلك، على المقاومة الناشئة لحملة الحكام عقب الهجمات. رفض التنظيم اليساري الرئيسي في فرنسا (حزب مناهضة الرأسمالية الجديد) الدعوة إلى “الوحدة الوطنية” مع الطبقة الحاكمة، واستنكر “العنصرية التى تقطرها الدولة باسم ما يدعى قيم الجمهورية”.
لقد نزل المئات، بالإضافة إلى ذلك، لتحدي الحظر الذي فرضته الشرطة، مباشرةً عقب الهجمات، ليتجمعوا في باريس فى تظاهرة مناهضة للعنصرية وداعمة للاجئين، كما تظاهر الآلاف في “مرسيليا” لرفض كلٍّ من الإسلاموفوبيا وشن الحرب.
إن جميع ردود الأفعال العسكرية للدولة الفرنسية لن تؤدي، في المقام الأول، إلا إلى إعادة إنتاج الظروف قصيرة وطويلة الأمد التي سمحت لداعش بالظهور. إن زيادة القمع والخوف من الإسلام في الداخل ستُسرع فقط من عملية تهميش طبقات واسعة من السكان الفرنسيين.
يكمن الأمل الوحيد، لمواجهة هذا الاحتمال الرهيب، فى يسار شجاع قادر على كسر الحواجز الأيديولوجية والعملية التي تمنع النضال الموحد لجميع الذين تظلمهم الطبقة الحاكمة الفرنسية وتضطهدهم.
* المقال باللغة الإنجليزية منشور في مجلة “الاشتراكي” الشهرية البريطانية – عدد ديسمبر 2015
#كرستين_عماد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول الحراك الثوري في لبنان
المزيد.....
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|