|
الانهاك النفسي والعجز المكتسب
اسعد الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 1372 - 2005 / 11 / 8 - 11:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في كثير من المواقف الحياتية المتنوعة تكون استجابة البعض بالاعراض الشبيهة بالحالات المرضية،وهي استجابة طبيعية لاتمثل حالة مرضية بعينها لانها رد فعل لموقف صادم او رد فعل لموقف ضاغط كما هو الحال حينما يتعرض جسم الانسان لبرد مفاجئ او حرارة شديدة يكون رد الفعل عرض مرضي وفي الحالة النفسية حينما نريد مقارنتها فأن المقابل في ذلك يكون على المستوى النفسي هي حالة العرض المرضي(العرض المرضي يسبق المرض)التي تحتم الاستجابة بالاعراض مثل الحزن او الاسى في حالة فقدان شخص عزيز او في حالة الخوف في مواجهة الخطر ،وهي تعد استجابات صحية، ولكن تكون غير صحية عندما تترك آثار الحزن او حالة الخوف على الكيان النفسي باسره،حيث تتداعى مقاومات النفس بشكل عام وواسع حتى تشمل العمليات العقلية العليا مثل التفكير والادراك وازدياد حالة النسيان وتبدو حالة الذهول هي الغالبة بعد انقضاء الحدث الصادم بعدة ايام ويقول علي كمال هي اعراض الحالة المرضية النفسية التي تتجه اليها انهيار الفرد على ان معظم هؤلاء الذين يصل بهم الحال الى هذه الاعراض ينهارون الى اكثر من حالة مرضية نفسية في نفس الوقت،فتظهر عليهم اعراض القلق الحاد والاكتئاب النفسي والنحول في آن معاً. وفي الحالات الشديدة يبدو الشخص الذي تعرض للانهاك النفسي والذي ادى الى الانهيار وكأنه يمثل جميع الانفعالات النفسية في عملية الانهيار والانهاك النفسي ،الا ان من اكثر الاعراض المصاحبة للانهيار والانهاك النفسي هي التي تعطي اعراض الاكتئاب النفسي بشكل عام وان النحول العصبي بشقيه النفسي والجسدي هو الاكثر وضوحا في مثل هذه الحالات. عندما نطلق على العوامل البيئية المؤثرة في سلوك الانسان نقول انها عوامل مكتسبة ،اي ان الفرد يتعلمها من خلال تعامله مع البيئة وتختلف هذه العوامل عن العوامل الوراثية المؤثرة في الشخصية،فالعجز هو احد العوامل البيئية المكتسبة والتي يتعلمها الناس من بيئتهم المتنوعة ،والتفكير هو الذي يقود الى اكتساب ما يرغب وما يوافق الميول الذاتية للفرد تماما،فيبني ازاء ذلك اتجاهاته وقراراته وكيفية اتخاذها ،فعندما يشعر اي منا في وقت من الاوقات بالعجز فأنه سيتراجع في اتخاذ القرار المناسب وفي الوقت المناسب فتفوت فرصة المواجهة وكلما كان التردد مرادفا له،كلما كان التأجيل هو السائد،والتأجيل كما يقول المثل الانكليزي"التأجيل لص الزمن" وكثرة التأجيلات تؤدي الى الانهاك النفسي ومن ثم يؤدي الى العجز، وكأن الفرد تعلم شيئا جديدا هو اكتساب العجز في المواجهة الحياتية ازاء مواقف الحياة المتعددة والتي تتطلب الجسم. يؤكد التصنيف الطبي الامريكي DMS ان نتيجة العجز المكتسب ستؤدي الى اعراض مرضية لدى البعض ممن يستطيعون مواجهة متطلبات الحياة حتى يؤدي الى الانهاك النفسي ،وابرز تلك الاعراض هو الاكتئاب ،ويؤكد هذا التصنيف ان الاعراض لا تكون لحظية،بل تستمر وتتراكم لمدة لا تقل عن اسبوعين ،وبعد ذلك يحصل الانهيار النفسي عند الانسان.وقد اثبت عالم النفس الشهير سيلجمان ومساعدوه في دراسة علمية بعد تطبيق مقياس خاص لقياس العجز المكتسب،تبين لهم ان نمط تفسير العجز المكتسب الذي يؤدي الى الاعراض المرضية ،كان تشاؤميا لدى جميع افراد العينة. اما احمد عكاشة فيرى ان الانهاك او الاعياء العصبي يتخذ اعراض الشكوى من زيادة التعب بعد اي جهد عقلي وعادة ما يصاحبه انخفاض في الاداء الوظيفي او الكفاءة في التعامل مع المهام اليومية،ويوصف نمطيا كما يؤكد عكاشة بانه تداخل مزعج او استرجاعات وضغوط مع صعوبة في التركيز،وتفكير غير كفء بشكل عام. اننا وفي غمرة مواجهتنا لمواقف الحياة المتنوعة تترسخ في دواخلنا العديد من حالات الارتباك النفسي الذي يؤدي الى حدود الاضطراب او يمسه على الارجح او تقترب اعراضه من كونها مرضية،اذن هي تعيق التكيف بدرجة ملحوظة وتسبب الضيق اوالالم لصاحبها او لمن حوله حتى وان كانت اضطرابات موقفية فأنها تنشأ الصراع وتؤدي بصاحبه الى ان يقع تحت طائل الصراع الداخلي،ويوصي المعالجين النفسيين بضرورة تغيير البيئة واستخدام الارشاد النفسي بصور متفاوتة لكي يساعد هذا التوجيه الى تقليل من حالة الشعور بالعجز رغم ان السلبية في التعامل يمكن ان تنتج من مصدرين: الاول : العوامل الذاتية التكوينية(وهو الاستعداد النفسي لها) الثاني : تعلم الاستسلام الكامل اذا وصل الفرد الى قناعة راسخة بأن اي شئ سيفعله لن يؤثر قط على وضعه.
بقي لكي نتوج هذه السطور بصورة ادق علينا ان نشير الى ان الانهاك النفسي المؤدي الى الانهيار ما هو الا عرض لمرض،يعود سببه اولا واخيرا الى فشل الفرد في حسم او تحييد الموقف الذي ولد الصراع ،وبالتالي نود ان نسأل:من هو الاكثر صلابة في مواجهة عواصف الحياة،ومن هو الذي لا ييئيس بسهولة عندما لا يحمل له عمله او وضعه الحالي اي نتائج مثمرة،او عندما يتلقى الصد من شخص يحبه جداً او وضع لا يشعر بتحسن او توافق فيه؟ ومن هو الذي يستسلم بسرعة،ومن هو الذي لا يستسلم ابداً؟ اعتقد ان الناس المفعمون بالحياة حقا قديرون على الفهم والتكيف ومعرفة احداث الحياة معرفة كاملة،اما بعض الناس الذين لا يستطيعون في مواقف الفشل ان يحتفظوا باتزانهم فينهارون تماما حتى يصل بهم الامر الى المرض ،وتضعف لديهم القدرة على استعادة الثقة والتوازن النفسي، ولكن العبرة الاساسية هي كيف يستطيع هؤلاء ان يستجمعوا قواهم فيقفون على اقدامهم من جديد ويتمكنون رغم الخبرة المؤلمة التي عانوها وتعرضوا لها ،بأن يعيدوا بناء حياتهم من جديد ،لا ان يغرقوا في الاوهام والخيالات ،فالمناعة النفسية متجددة يومياً،وتتدهور بنفس القدر لدى اي انسان،وهي بنفس الوقت ليست صفة تولد مع الناس بل يمكن ان يتم اكتسابها وتعلمها لكي تعزز الجوانب العقلية في التفكير الايجابي،وهو انتصار للارادة داخل الانسان نفسه.
#اسعد_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النكوص في الشخصية حقيقة ام مبالغة؟
-
المرض النفسي ومعايير السواء
-
الطفل بين تقبل الذات وتقبل الآخر- صورة المرآة
-
عندما يبكي الجسد-الاضطرابات النفسجسمية-
-
المرض النفسي ..بين الالم والهروب من المواجهة
-
الاسرة واحوال الطفولة
-
النقاط الرخوة في النفس .. ادراك ام هروب؟
-
التفاعل العائلي بين الاضطراب والتوازن العاطفي
-
قلق الطفولة
-
احلام اليقظة ..تسوية موفقة ام انسحاب انهزامي!!
-
التوافق المهني انعكاس للتوافق النفسي
-
الانفعال والجسد
-
حياتنا والضغوط النفسية
-
انه الفصام-الشيزوفرينيا-ما اقساه
-
العلاقة الزوجية.. نضوج الدوافع وتوافق الحاجات
-
الميول الانثوية عند الرجال.. بين الرغبة والدفاع
-
الجنس..الرغبة والدفاع
-
التوافق الديني..ونقيضه
-
التوافق والصحة النفسية
-
الضغوط النفسية ونتائجها المرضية
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|