أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - الناسخ والمنسوخ بين التراتبية الأخلاقية والتراتبية الزمنية















المزيد.....

الناسخ والمنسوخ بين التراتبية الأخلاقية والتراتبية الزمنية


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 5027 - 2015 / 12 / 28 - 17:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



الناسخ والمنسوخ بين التراتبية الأخلاقية والتراتبية الزمنية
جعفر المظفر
يعتقد البعض ان المعتزلة كانوا لجأوا إلى (حيلة) تأويل القرآن بديلا لتفسيره لغرض إخراجه من المأزق الذي وضعه فيه المفسرون النصيون السلفيون, لكن هذه (الحيلة) سرعان ما أبطلها اصحاب ثقافة النص ومدرسة النقل الذين اغلقوا باب الإجتهاد برعاية الخليفة العباسي المتوكل, معتمدين على آلية الناسخ والمنسوخ يوم جاءوا بصيغة تقول أن الجديد يُجِّب (يلغي) القديم وذلك تسهيلا لحسم هذه الإزدواجية بين الإسلام المعتدل (إسلام مكة) والإسلام التكفيري (إسلام المدينة) وخاصة بعد معركة الخندق التي فضَّت روح الوئام والسلام التي كانت سائدة مع اليهود خاصة, ومهدت بالتالي إلى إعتبار (أهل الكتاب الذين لا خوف عليهم ولا يحزنون) كفارا يجب قتالهم حتى دخولهم الإسلام (َتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} سورة المائدة.
وهكذا يرى البعض ان اصل الصراع الذي ادى إلى نشوء فكر ومنهج الإعتزال هو ذلك الذي نشأ بفعل الإقرار بوحدة القرآن الذي (اما أن يترك كله أو أن يؤخذ كله) مع وجود التناقضات البينة بين خطابين هما المكي والمديني بما يجعل أمر (كلية الأخذ) مستحيلة بوجود هذا التناقض, إذ لا يمكن الجمع بين النقيضين في حال واحدة وبخاصة على الصعيد الأخلاقي, حيث تحتم مثالية الدين ضرورة ترك أمر ما لصالح الإلتزام بالآخر.
ومبدأ "الإحتيال" هنا أو فلسفته, لا يعني بطبيعة الحال الخروج على قيمة أخلاقية, وإنما المقصود به هو الخروج من مأزق ثقافي او منهجي بطريقة تكفل حل التناقض بين النصوص المقدسة عن طريق رفع حصانتها النقلية إلى مستوى يجوز فيه التفسير بما يتناقض ومباشِرية أو سطحية المعنى.
لقد أراد المعتزلة من خلال تشريع تلك (الحيلة) منح القرآن صفة الأزلية والمرحلية بنفس الوقت, أي جواز إعتباره (خالد وأزلي القيمة) مع منحه قدرة التعامل مع أحداث كل مرحلة على حدة بما ينسجم مع معطياتها وسياقاتها الثقافية والإجتماعية على أن يتحرك ذلك كله من خلال وحدة الهدف الأخلاقي.
المؤكد أن المعني بالإخلاق لا يتحرك في مساحة سطحية المعنى المتداول الخاص بمعاني الشرف التقليدية ذات المعنى القَبَلي وإنما هو يخرج عنها إلى مفاهيم العدالة الإجتماعية وبدايةُ بمفاهيم إنسانية وهو هدف ستتغير او تتحور أو تتكيف أزلية تحققه الثابتة من خلال تبدل أو تكيف الأساليب المرحلية للوصول إليه.
المهم أن (حيلة) التأويل قد جاءت لتفك الإشتباك بين بين جملة من الثقافات المتناقضة ( وهنا المعتدلة والتكفيرية) مثلما اريد لها ان تكون ضامنة لأزلية القرآن من خلال تسهيل عملية (تَمَّرْحُلِه), اي توافقه مع معطيات كل مرحلة على حدة وذلك وفق حقائقها المستجدة وبالتالي الجديدة على العقل البشري التي ربما يشيع التناقض بين الجديد منها والقديم إلى أجواء من اللبس والغموض والحيرة والضياع الذي تؤدي, مفردة ومجموع, إلى التمرد على قدسية النص بمنطق الإجتهاد الذي يقود إلى الإلحاد كتتويج لمحاولة الخروج من مأزق العجز عن تفسير النص بما يليق ونعمة العقل التي تميز بين الإنسان والحيوان ( الإنسان ليس حيوانا ناطقا وإنما حيوان عاقل لأن لكل نوع من الحيوانات لغتها الخاصة - القرآن نفسه يشيع لثقافة وجود لغة متداولة بين النمل مثلا "حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" , اي ان النمل ناطق أيضا, وهل يمكن للنحل أن ينظم أمور ممالكه العسلية بدون لغة خاصة كفلت له ذلك !
بالتأكيد لم يأتِ الناسخ والمنسوخ (ما ننسخ من أية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها ألم تعلم بأن الله على كل شيئ قدير) للرد المباشر على طريقة (التأويل لا التفسير وجماعة العقل قبل النقل) لأن الأول سابق على الثاني, بل أن الأمر لا يخلو من وجود علاقة متجاذبة, فالثانية تدعو إلى تحرير النص من قيد المطلق التاريخي بجعله قابل للإنسجام المرحلي لغرض منع الصدام بين مضمون النص المتوارث وبين مضامين الإكتشافات العلمية المرحلية الجديدة. هذا يعطي مثلا فسحة للعقل لكي يفسر الإكتشافات العلمية, مثلا كروية الأرض لا تسطحها, ودوران الآرض حول الشمس وليس العكس, وقضية الرواسي والعمد التي يمكن تفسيرها عن طريق إيجاد دور للجبال في (عملية التثبيت المغناطيسي للأرض بدلا من التثبيت الميكانيكي !) رغم أن التفسيرات الجيولوجية لنشوء الجبال تتناقض مع ذلك.
وحيث أن الأولى, اي قضية (النسخ) لم تأتِ إلا لغرض تثبيت صيغة جديدة للتعامل مع الحدث نفسه بحيث يأخذ الجديد مكانة الثابت الذي لا يجوز تغييره فإن الأمر أراه سيتناقض مع فكرة المبدأ من قضية الناسخ والمنسوخ كونه حاجة من حاجات التطور وشكل جديد من أشكال التعامل مع الحدث المتكرر, فإذا كانت قضية النسخ نفسها قد أتت بداع من ملاحقة التطور نفسه فإن تحول الناسخ إلى ثابت يلغي الحاجة بالتالي إلى التعامل مع المتكرر بمنطق التحديث بما يتناقض مع مبدأ النسخ نفسه.
هذا الأمر يستدعي حقا العودة إلى ما طرحته في القسم الأول من هذه الدراسة والذي كان بعنوان (الناسخ والمنسوخ ... حل أم معضلة)* بشأن ضرورة الأخذ بالحل الذي يقتضي التراتبية الأخلاقية بدلا من التراتبية الزمنية والذي اعيده موجزا على الشكل التالي: بما أن هناك إختلاف بين بين الآيات المكية المسالمة والمتسامحة والديمقراطية التي يستمد منها المعتدلون مواقفهم وبين الآيات المدينية ذات الطابع العسكري العنفي الإلغائي التي يستمد منها التكفيريون والإرهابيون مناهجهم, وبما أن الناسخ والمنسوخ وفق التراتبية الزمنية غالبا ما ينتصر للأخيرين فإن الخروج من هذا المأزق التاريخي القاتل قد يتم من خلال إستعمال مبدأ التراتبية الأخلاقية بدلا من الزمنية إعتمادا على قصة أن الإسلام لم يلجأ إلى العنف والغزوات إلا بعد سبع سنوات من الدعوة السلمية التسامحية الجدالية والحوارية مضطرا لحماية النفس والدعوة, الأمر الذي يوجب عليه العودة إلى روح وتعاليم إسلام مكة وتعليق العمل بإسلام المدينة إلا أينما تقتضي حالة الدفاع عن النفس ذلك, وأرى ان العودة إلى إسلام مكة سوف يخرج المسلمين من محنة إتهامهم بالكذب يوم إدعوا أن إختيارهم العنف بعد الهجرة إلى المدينة جاء تلبية لحاجات الدفاع عن النفس ليس إلا.
إن محنة الإسلام مع المسلمين كبيرة وكذلك محنة المسلمين مع إسلامهم, ويوم ننتهي إلى إقرار إن الدعوات التكفيرية ومناهج الإرهاب هي عار على الإسلام وبمثابة الطاعن له فإن إيجاد الطرق التي تخلص المسلمين من سلوك ثور الناعور, الذي يبقى في حالة دائمة من الدوران حول البئر, تصبح هنا لازمة ولا بد من إيجاد مخارج لها وحلول.
وأجد أن جعل قضية النسخ تأتي بموجب التراتبية الأخلاقية لا الزمنية هو واحد من الحلول المعقولة. وغير ذلك لا أجد ان بإمكان الإسلام المعتدل أن يربح الجولة, ليس على صعيد التخلص من التكفير والإرهاب حسب وإنما على صعيد تحويل الإسلام إلى دين ودنيا.
ولا بد لي ان أنوه هنا أن ذلك لن يتعارض بطبيعة الحال مع ضرورة الأخذ بمبدا علمانية الدولة الذي يضمن لنا إنقاذ الإثنين, الدين والدولة من مخاطر المزج بينهما على صعيد السياسة, لكنه من جهة أخرى يضمن ان يأتي التدين (الإجتماعي) متفتحا ومسالما وغير متصادم مع الطبيعة العلمانية للدولة نفسها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=487325



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غسان أبو المولدة
- لكي لا نموت في الأرض الحرام
- صدام والأسد .. هل كان أحدهما طائفيا (2)
- صدام والأسد .. هل كان أحدهما طائفيا (1)
- أرقام حنا بطاطو ... الرقم سمكة
- سوريا والعراق .. الثابت المبدئي والمتغير السياسي
- هل يتحول القيصر إلى شيخ قبيلة كذلك الذي كان عندنا في بغداد
- قضية المهاجرين المسلمين إلى الغرب
- الله ليس جنرال حرب
- القضاء علىى الإرهاب بالطائرات أشبه بالقضاء على الإيدز جويا.
- شهداء باريس .. الرقم سمكة
- البكاء عند أسوار سنجار
- نقلا عن فلان
- السيدة (العاصي) الزوجة الثانية أو الثالثة للجلبي .. حروب الم ...
- الشعب .. ما هو الشعب
- معركة الجوامع لا الشوارع . عائدية الإسلام لمن : للمعتدلين أم ...
- من أجل أن لا نفشل أمام الأغراب
- غدا تبدأ الهجرة المعاكسة
- سوريا واليمن .. بين الشرعية الأخلاقية والشرعية الدستورية
- لماذا (علي بن أبي طالب والتجربة الدنماركية)


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - الناسخ والمنسوخ بين التراتبية الأخلاقية والتراتبية الزمنية