|
مع مناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين ...» 1/10
ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن-العدد: 5027 - 2015 / 12 / 28 - 12:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مع مناقشة صادق إطيمش لكتابي «الله من أسر الدين ...» 1/10 ضی-;-اء الشكرجي [email protected] www.nasmaa.org عندما وصلتني في صيف السنة المنصرمة إلى مكان إقامتي هامبُرڠ-;- شحنة من منشورات الجمل في بيروت شحنة من نسخ كتابي الأول ضمن مجموعة «كتب لاهوت التنزيه»، ألا هو «الله من أسر الدين إلى فضاءات العقل»، كان من أوائل من أهديته نسخة منه هو الصديق الدكتور صادق إطيمش. وبعدما فرغ من قراءته، كتب ملاحظاته مشكورا، التي وصلتني منه بالبريد الألكتروني في 05/08/2015. وها أنا أنشر مناقشته القيمة هذه كاملة في حلقتين، وكنت قد استأذنته في ذلك، ثم أتبعها بإجاباتي على ملاحظاته ومناقشاته في ثماني حلقات، حاذفا الجانب الشخصي من رسائلنا المتبادلة، ومقتصرا على ما يتعلق بتقييم الكتاب ومناقشته. ملاحظات د. صادق إطيمش على كتابي التي كتبها لي: أخي ضياء العزيز تحياتي ومحبتي [...] كما أشكرك جزيل الشكر على كتابك الأخير الذي أهديته لي، والذي قرأته بإمعان وتأمل، ووجدت فيه مادة غزيرة وقيمة، جديرة بالنقاش وتبادل الآراء. وقد سمحت لنفسي، انطلاقاً من قناعتي بأنك من مريدي تبادل وجهات النظر، أن أطرح بعض الملاحظات التي تبلورت لدي خلال متابعتي لهذا السفر القيم في أعماق الله الديني والعقلي على السواء. لم أفكر بنشر هذه الملاحظات في الوقت الحاضر، بل إن وجهة نظري تتمحور حول حوار قد يجري بينك وبين قراء الكتاب. إذ إنني أعتقد بأننا سنستفيد ونتعلم جميعاً من هذا الحوار حول موضوع له أهميته القصوى في الوعي الديني الذي يسود مجتمعاتنا الإسلامية، والعربية منها على وجه الخصوص. لذا فإنني أطمع ببعض الملاحظات منك حول ما أبديه من آراء، قد يلد النقاش حولها آراءً أخرى تحوِّل قناعات المتحاورين أو تؤسس لقاعدة أرسخ وأمتن مما كانت عليه. الملاحظات أستطيع أن أقول إن الصفحات الأربعين الأولى تتضمن معلومات هامة للتعريف بكثير من المصطلحات الواردة في الكتاب. وإن أهمية هذه المعلومات تتجلى من خلال حداثة هذه المصطلحات التي لم يتطرق لها كاتب قبلك ضمن هذا الإطار. ما وجدته يدعو إلى التأمل والحوار هي تلك المادة العميقة المضمون التي تتناول مسألة الإيمان لا لاهوتياً فقط، بل وفلسفياً أيضاً، كما أرى. أتفق معك تماماً في المقدمات التي طرحتها على الصفحة 43 والمتعلقة بالموضوعات العقيدية المختلفة. وسأعود لهذه المقدمات لاحقاً حين مناقشة بعض الطروحات المتعلقة بها. إلا إن ما أود مناقشته هنا، يتعلق بما جاء على الصفحة 44 وما تلاها حول مراحل المعرفة العقيدية، بدءً من المرحلة السابعة (الخلوص إلى حقيقة واجب الوجود ....الخ). لقد جرى هنا ربط واجب الوجود بخالق للكون، له صفات لا تختلف عن صفات الإله الديني، من حيث كماله وعدله وجزاءه. وحينما يرتبط المعاد والحساب بهذا الخالق الذي يعطيه الدين تلك الصفات، ويحمله مسؤولية الحساب والجزاء في يوم المعاد، فإن ذلك يدل، من وجهة نظري، على الوجود المثالي، ويتناقض مع فكرة حسم الإيمان من خلال الوجود المحسوس. كما إن النَفَس الديني التنزيلي يتجلى بشكل أكثر من خلال ربط الإيمان بما سميته "أحكام العقل الثلاثة"، والتي تعكس، كما أرى، ثلاثية الدين الإسلامي في الحلال والحرام والمستحب، هذه الثلاثية التي جعلها الفكر الديني سلاسل يكبل بها المؤمنين به، باعداً إياهم عن فضاءات العقل. وحينما تعود هذه الثلاثية بنفس المضمون على شكل واجب وممكن وممتنع، لإثبات وجود خالق لا يختلف عن الخالق الديني التنزيلي، فإن ذلك سيبعد هذا الأمر عن إمكانية حسم الإيمان "بواقعية الوجود المحسوس "، ونفي دعوى الوجود المثالي، إذ أن هذه الثلاثية تنطلق من الفكر المثالي أساساً. كما جعلتَ لهذا الخالق نبوة ممكنة ظنية، أراها لا تنسجم أيضاً مع "حسم الإيمان بواقعية الوجود المحسوس" الذي تراه. إذ أن مسألة النبوة لا تعدو كونها محاولة غيبية لا دليل عقلي عليها، أرادت الأديان من خلالها تثبيت القناعات الإجبارية بصاحب هذه النبوة، والإذعان لقدراته الغيبية، من خلال أطروحات جاء بها هذا النبي، جاعلاً منها رسالة سماوية لا نقاش حول مضمونها. وما ينطبق على هذه النبوة ينسحب أيضاً، كما أرى، على لاعقلانية الإمامة الدينية، أو العصمة أو الشفاعة، التي لا يمكن اعتبارها من الممكنات العقلية، وذلك لارتباطها العضوي بحاملها الإنسان، الذي لا يمكن أن يكون معصوماً أو شفيعاً أو حتى إماماً لنبوة ذات أصول مثالية غيبية. الموضوع الآخر الذي توقفت عنده كثيراً، هو ما تفضلت به على الصفحة 53 تحت عنوان "الثغرة في أدلة كل من الإلهيين والماديين". لمناقشة فكرة واجب الوجود تنطلق، أخي العزيز، من وجوب وجود "علة أولى مستغنية عن العلة" لتبرر بها التصور الإنساني العقلي حول الأبدية أو الأزلية. لا أرى شخصياً وجوب وجود العلة في تأكيد فكرة واجب الوجود. وحينما تتطرق إلى مناقشة أدلة الإلهيين والماديين لتجد فيها الثغرة التي تواجه هذه الإشكالية في علة واجب الوجود، فإنك تبني نقاشك هذا على الرغبة في التوصل إلى ما يعجز الإنسان عن تصوره، في استيعابه العقلي، ومنطلقاته الفكرية الحالية. إنني أعتقد إن الفكرة الأساسية التي ينبغي مناقشتها في هذا المجال هي مدى عقلانية واجب الوجود في التوجهين الإلهي والمادي المطروحين للنقاش، مدللاً على الثغرات فيهما. الفكر المادي، من وجهة نظري، أقرب إلى الفهم العقلي، وبالتالي فهو أقرب إلى الاستيعاب الإنساني من الفكر الإلهي. فالفكر المادي ينطلق من تحقق واجب الوجود، من خلال تأكيده على وجود خالق لهذا الكون، بكل ما يحتويه من مكونات، بكل أشكالها المختلفة وبكل تبايناتها. وهذا الخالق الذي يعتقد به الفكر المادي، يتحقق وجوده من خلال الإدراك الحسي للإنسان، عبر حواسه العضوية، التي تعكس بهذا الشكل أو ذاك، دلالات وجود هذا الخالق. أي بمعنى آخر إن الاعتراف بوجود هذا الخالق، ينفي وجود ما يؤمن به الفكر الديني، من جعل الخالق بعيداً عن الحس الإنساني، وغريباً عن إدراكه العقلي. أي إن عدم اعتراف الفكر المادي بوجود ما يسميه الفكر الديني "الله" كخالق لهذا الكون، لا ينفي عدم وجود خالق آخر يربطه الفكر المادي بكل المتغيرات الطبيعية التي تؤسس للمتغيرات الوجودية، من حياة ولاحياة، فيزيائية كانت أم كيمياوية، تخضع بدورها لمقومات خالقها في قوى الطبيعة المختلفة المحسوسة من الإنسان، والمُدرَكَة عبر قدراته العقلية وإمكاناته الفكرية. وهذ بالعكس تماماً من وجوب الوجود الإلهي الذي تتوقف عنده علة الوجود لهذا الإله الثابت الأزلي. وما يساعد الفكر المادي على الاستمرار في هذا التوجه هو الانفتاح الأزلي لفضاءات العلم التي لا ترى ثباتاً في وجود خالقها، الذي تتعرض مقوماته للتغيير المستمر، من خلال تفاعل قوى الطبيعة الخالقة، التي تعكس بدورها التطور الذي يمر به الإنسان نفسه، كأحد نتائج هذه الطبيعة، وبالتالي تغيير وجوده الفيزيائي والكيمياوي على مر الأزمان التي لا نهاية منظورة لها، وبالتالي فلا نهاية لوجود هذا الخالق المتطور المتغير. وهذا ما لا تجده في الفكر المنطلق من وجود الله الأزلي الثابت، إذ لا وجود للأزلية الثابتة التي لا تخضع لمتغيرات الطبيعة. وإن وُجِد مثل هذا الثبات الأزلي فلا يمكن أن يكون إلا في الفكر الذي ينتهي بالمقولة التي ابتكرها الفكر الديني، والتي تنص على "لا نقاش في الدين"، والتي تعني أكثر ما تعني، لا نقاش في وجود الإله الديني الأزلي، وهذا ما يجر إلى وضع العقل جانباً، وحسم الإيمان بالوجود المثالي، لا "بواقعية الوجود المحسوس"، الذي تفضلت بالدعوة إليه. ما يسترعي الانتباه أيضاً، هو ذلك التواصل بين إله دين التنزيه، وإله الأديان التنزيلية. إنني في الحقيقة أشفق على هذا الإله الذي تُحمِله الأديان ما لا طاقة به عليه. فلاهوت التنزيه الذي يريد إخراج إله التنزيل من أسر الأديان التنزيلية، يضعه في أسر دين آخر، ألا وهو دين التنزيه، ويحمله نفس ثقل الأعباء التي يحلم بتحقيقها الإنسان بنفسه، إلا أنه أثبت عجزه عن ذلك، فوضعها في إطار التحقيق الإلهي، الذي جعله واجب الوجود، في الوقت الذي هو حتى غير ممكن الوجود. وأولى هذه الأعباء يتمحور في كل الأديان حول العدالة الإلهية، التي لا وجود لها مطلقاً. أي إننا إذا ما نظرنا إلى حولنا من الكائنات الحية وغير الحية، المتحركة منها والثابتة، فإننا لا نرى أثراً لهذه العدالة الإلهية المزعومة. فبالنسبة للإنسان، لا نجد أثراً لهذه العدالة بين شعوب الأرض المختلفة في كثير من نواحي الحياة. وبالنسبة للبيئة، وكل ما يتعلق بها من مناخ وتقلبات جوية وكوارث طبيعية، لا نجد هناك ما يشير إلى عدالة في التوزيع الإلهي. أما الموارد المنتشرة على سطح الأرض وفي جوفها وعلى وتحت مسطحاتها المائية، لا تشير إلى عدالة إلهية في توزيعها، بل إن العكس هو الصحيح، وكما عبر عنه الفيلسوف برناردشو حينما سأله أحدهم عن الرأسمالية، فوصفها كالشَعْر على لحيته وفوق رأسه قائلاً: غزارة في الإنتاج، وسوء في التوزيع، وهكذا هي عدالة الإله في هذا المجال. أما إذا كان المقصود بالعدالة هي تلك المعاملة التي يلقاها الإنسان يوم المعاد والحساب، فلا أعتقد بأن مثل ذلك يقع ضمن الممكنات العقلية الواجبة الوجود، والتي لا برهان عقلي عليها لحد الآن. فإذن بما أن هذه العدالة غير ممكنة الوجود على نطاق الحياة العملية، ولا تقع ضمن الممكنات العقلية في حياة غير هذه الحياة، فإن نسبتها إلى مَن يمكن أن يحققها "الله" تصبح غير ممكنة الوجود أيضاً، هذا إذا ما استعنا بالمعادلات الهندسية. أي إن مَن تُنسب له هذه الصفات الغير متحققة أصلاً هو غير متحقق أيضاً. وما ينطبق على العدل، ينطبق أيضاً على كل الصفات التي ربطتها الأديان بهذا الإله المسكين، الذي لا حول له ولا قوة له على منع لصق هذه الصفات به، ناهيك عن وهبه لهذه "الكمالات" لغيره. إن الكمالات التي تتحدث عنها، أخي الكريم، على الصفحات اعتباراً من صفحة 117 وما تلاها، هي أمور ممتنعة التحقيق، وذلك لأنها مرتبطة بالمتغيرات التي ترتبط بالخالق المتحقق فعلاً والمحسوس به عقلاً. وبما إن هذا الخالق متعدِّد العوالم، ومختلِف المقاصد، فإن مخلوقاته تظل خاضعة لهذه المتغيرات أيضاً، بما فيها ما أطلقت عليه بالكمالات. ولتقريب هذا المفهوم نستطيع القول بأن الإنسان مثلاً باعتباره أحد مخلوقات الخالق المتجدد، والواقع ضمن المحسوس العقلي، يصبح بدوره هو خالقاً أيضاً، وذلك من خلال تأثيره على طبيعة المخلوق. فعندما يفجر الإنسان قنبلة نووية مثلاً، فإنه يعمل عل تغيير صفة الكمال التي انتهى منها الخالق المحسوس المتغير، ليحولها إلى طبيعة أخرى، قد لا تكون لها علاقة بكمال طبيعتها الأولى. فالإنسان في هذه الحالة هو خالق للهزات الأرضية، أو التغيرات المناخية، أو كل ما يخل بالكمال الذي أوجدته قوانين الخالق المتغير، والتي تغيرت أيضاً بفعل الإنسان.
#ضياء_الشكرجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 30
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 29
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 28
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 27
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 26
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 25
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 24
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 23
-
تركيا - روسيا - فرنسا - سوريا - داعش
-
مع مقولة: «الدولة المدنية دولة كافرة»
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 22
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 21
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 20
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 19
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 18
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 17
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 16
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 15
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 14
-
ربع قرن من عمري مع الإسلام السياسي 13
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|