أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - الاستفتاء وآفاق الانتقال من نفسية القطيع إلى ذهنية الاختيار الحر















المزيد.....

الاستفتاء وآفاق الانتقال من نفسية القطيع إلى ذهنية الاختيار الحر


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 1371 - 2005 / 11 / 7 - 08:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن الأفعال التاريخية الكبرى هي الأفعال التي تحدث للمرة الأولى. إلا أن قيمة موقعها "الأول" في ذاكرة الأمم يتحدد بمضمونها الفعلي، ومن ثم بنتائجها العامة وآثارها الخاصة بالنسبة لحياة الأفراد والجماعات والدولة والثقافة. أما تكرارها فانه يشير أما إلى بقاء المشكلة دون حل، أو إلى أنها عملية متراكمة في الوعي والممارسة. فعندما تتكرر الثورات والانقلابات فان ذلك دليل أما على عدم تجسيد كل منها لما يرفعه من شعارات وأما على بقاء الأزمات دون حل منتظم. وعموما هو دليل على عدم الاستقرار الديناميكي في بنية الدولة والمجتمع والفكر. وهو حكم ينطبق من حيث الجوهر على كل فعل تاريخي كبير، باستثناء ما له علاقة بتقوية وتراكم الرؤية الثقافية والحقوقية للفرد والمجتمع. فهي الميادين التي تتمثل المضمون الديناميكي للاستقرار. وذلك لأن الرؤية الثقافية والحقوقية قادرتان على جمع وحفظ وتراكم العناصر الضرورية لفكرة النظام والحرية. وهي الفكرة التي تشكل من حيث الجوهر مضمون المرجعية المتسامية للدولة العصرية.
وإذا وضعنا هذه الفكرة العامة في أساس تحليل الاستفتاء الأخير، فان قيمته التاريخية تقوم في كونه الفعل الكبير الأول في ميدان الحرية والنظام بالنسبة لتأسيس الدولة العصرية في العراق. خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار كونه الفعل التاريخي الأول الرامي إلى صنع رؤية وممارسة سياسية تستند إلى فكرة الشرعية من خلال تجسيدها في "قانون ثابت" (دستور). ومن هذا المنطلق العام والمجرد يمكن اعتبار ما جرى هو خطوة فعلية في ميدان الحرية والنظام، أي في ميدان بناء أسس الدولة الشرعية. غير أن هذا الحكم العام يبقى عاما، أي مجردا من وجهة نظر المستقبل. وذلك لان الغلبة فيه هي لفكرة النظام وليس الحرية. أو بصورة أدق أن مقدمات وأسلوب ونتائج الاستفتاء تشير إلى طبيعة وحجم الخلل الهائل في النسبة الضرورية بين الحرية والنظام.
فمن حيث مقدماته كان يجري وينطلق من حالة تمزق وصراع واحتراب قومي وعرقي وطائفي وجهوي. ومن ثم لا يحتوي على القدر الضروري من اجل تحقيق فكرة الإجماع الوطني والاجتماعي السياسي. وهو إجماع ضروري بالنسبة لبلورة دستور، أي "قانون دائم" يتسم بقدر من الثبات التاريخي. فهي الصفة الضرورية التي تعطي له قدرة الاستقطاب الواقعي للقوى الاجتماعية والتأثير الفاعل بالنسبة لارساء اسس الوحدة السياسية المبنية على إدراك وطني عام.
أما من حيث أسلوبه، فانه كان تجسيدا لحالة التمزق والصراع والاحتراب القومي والعرقي والطائفي والجهوي. وهو أسلوب لا يمكنه أن يصنع في نهاية المطاف تقاليد سياسية قادرة على تأسيس وترسيخ فكرة الشرعية وسيادة القانون.
أما حصيلة تضافر المقدمات والأساليب فقد ظهرت في شكل ومدلول النتائج المباشرة في النسبة والأرقام المؤيدة والمعارضة للدستور الجديد. ففي المناطق الشمالية (السليمانية واربيل ودهوك) تصل النسبة المؤيدة إلى حوالي 99%، وفي المناطق الغربية (الرمادي، صلاح الدين) تصل النسبة المعارضة إلى حوالي 90% وفي المناطق الوسطى والجنوبية (بغداد، الحلة، النجف، كربلاء، الديوانية، الناصرية، العمارة، البصرة) تصل النسبة المؤيدة إلى حوالي 96% . أما المناطق "المتأرجحة" (كركوك والموصل وديالي) فإنها تصل إلى المناصفة كمعدل وسط بينها جميعا.
إن هذه الصورة النموذجية للتأييد والمعارضة تنتمي من حيث المقدمات والأسلوب والنتيجة إلى نوع واحد، هو نوع القطيع. بمعنى أن النفسية والذهنية المتحكمة بها هي نفسية وذهنية القطيع وليس مواقف الاختيار الحر المميزة للرؤية المدنية والتمايز الاجتماعي والسياسي. فالتأييد والمعارضة محكوم كل منهما برؤية ضيقة تتراوح ما بين العرقية والطائفية والجهوية أو خليط منها. ومن حيث مقدمات وأساليب التصويت ونتائجه تبرز فاعلية فكرة "النظام"، بوصفها الوجه الآخر لتقاليد الاستبداد والانحطاط.
فالتأييد الكردي للدستور هو تأييد محكوم بالنزعة العرقية والاستبداد السياسي لأحزابهم وانضباطها الفعال في التزوير. وهي نتيجة محكومة بالتقاليد والعرف وليس بالرؤية السياسية الاجتماعية. إذ من الصعب توقع ممارسة ديمقراطية في ظل بنية اجتماعية تقليدية وتقاليد جبلية وتاريخ عقائدي انتقائي لقوى قومية مجزأة وضعيفة (طالبانية وبرازانية)، أي كل ما يجعل من النفسية العرقية القوة الغالبة في "تسيير" و"توجيه" الجماهير، أي الاستحكام بقرارها. وهو قرار لا يعني إمكانية معارضته في ظل الشروط الحالية للعراق، لرغبة "القادة" و"الزعماء" لأنه بحد ذاته لا يتعدى كونه جزء من عرف وتقاليد لا علاقة لها بالمجتمع المدني والمؤسسات السياسية. والشيء نفسه بمكن قوله عن المناطق الغربية، التي كانت معارضتها للدستور مبنية على أسس طائفية وجهوية. إذ لم تكن "لا للدستور" سوى الوجه الآخر لرفض فقدان السلطة. بمعنى أن الهاجس الجوهري فيها لم يكن نتاجا للرؤية الاجتماعية والوطنية، بقدر ما كان نتاجا للطائفية المبطنة والجهوية السياسية للعرب السنة. وهي مواقف تعبر أيضا عن نفسية "القطيع السلطوي". في حين كان تأييد الدستور في المناطق الوسطى والجنوبية محكوما بالتثقيف الطائفي للعرب الشيعة وتاريخهم المكبوت في غضون عقود مديدة وامتهان كينونتهم العراقية. أما "التأرجح" في كركوك والموصل وبعقوبة فهو تأرجح ظاهري فقط. وذلك لأنه محكوم بثبات شديد في الانقسام مبني هو الآخر على أسس قومية أو عرقية أو طائفية.
ذلك يعني، إننا نعثر عند الجميع على قدر هائل من نفسية وذهنية القطيع. إلا انه متباين بين المناطق الثلاث بحكم مستوى وتقاليد الرؤية المدنية. فإذا كانت الوحدة الصلدة بين الأكراد هي الوجه الآخر للوحدة الخشنة المصنوعة من عجينة الادلجة العرقية وتاريخ الاضطهاد الذي تعرضوا له على امتداد عقودا طويلة من جانب السلطة المركزية، فان الوحدة الصلدة للعرب السنة هي الاستمرار المتعنت لاسترجاع القدر الممكن من السلطة وليس المشاركة فيها. بينما كانت وحدة العرب الشيعة في التصويت الأكثر حرية لأنهم الأقل اشتراكا فيه. وهي وحدة محكومة بفكرة البديل الاجتماعي، كما أن قلة الاشتراك محكومة بالاستقلال الاجتماعي والسياسي في المواقف. حقيقة أن هذه الاستقلالية لم ترتق بعد إلى مصاف الرؤية السياسية الوطنية وذلك بسبب تاريخ العنف والإكراه الذي تعرضوا له وبالأخص في مجرى العقدين الأخيرين. فقد استطاعت الأحزاب الشيعية تحويل الشيعة إلى طائفة في مواقفها من الدستور، لكنها عجزت عن احتواء العرب الشيعة. وهو أمر يدلل على عمق تقاليد المدنية فيهم. وهي حقيقة تاريخية أيضا، لان كينونة العراق الثقافية مرتبطة تاريخيا بالبصرة والكوفة وبغداد.
وعموما يمكننا القول، بان "النجاح" في التصويت لم يكن للدستور بقدر ما كان لنفسية وذهنية الانقسام والتجزئة. وهو أمر يعكسه الإجماع شبه المطلق على "تأييد" أو "معارضة" الدستور في مناطق محددة دون غيرها. ذلك يعني أن التأييد والرفض لم يكن نتاجا واعيا لفاعلية القيم والمفاهيم الوطنية العامة، بقدر ما كان نتاجا لنفسية وذهنية القطيع المحكومة يقيم ومفاهيم عرقية أو طائفية أو جهوية.
طبعا أن هذه النتيجة هي الاستمرار "الدستوري" لتقاليد الانحطاط وانقلابا عليه. وهي مفارقة تحكم تحليل المضمون الفعلي لمقدمات وأساليب ونتائج الاستفتاء على الدستور العراقي الجديد. إننا نعثر فيه ليس فقط على "مساومة سياسية" بائسة بل وتجربة مريرة يصعب عليها تحقيق فكرة الديمقراطية الاجتماعية وفكرة المواطنة الفعلية في ظل قوى لم تتحرر بعد من ثقل تقاليد الاستبداد والعنف المركب (القومي والعرقي والطائفي والاجتماعي والسياسي). وهي تقاليد يشكل الانحطاط المادي والمعنوي للعراق كما هو جلي في كثافة الحثالة الاجتماعية ووعيها السياسي المبتذل في الأحزاب "الحاكمة" والمعارضة على السواء، الوجه الآخر لبقاء وفاعلية التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. فقد تركت الأخيرة العراق في هاوية سحيقة. وجعلت من كل ما يجري فيه الآن، بما في ذلك تعميق التجزئة من خلال البحث عن وحدة، كما بينه الاستفتاء حول الدستور، "زكاة" لتطهير العراق من خلال ضرورة قطعه الأشواط التي لابد منها من اجل أن تتبرعم من جديد قوى المجمع المدني ونخبه الفكرية والاجتماعية والسياسية الجديدة.
فقد كشفت تجربة الاستفتاء عن واقع يقول، بان العراق يحتوي من حيث الجوهر على جماهير بائسة ونخب أكثر بؤسا. ولكنها تجربة تحتوي في نفس الوقت على قد هائل من الفضائل الاجتماعية والسياسية. وهي فضائل تختبئ في كمونها التاريخي بالنسبة لمستقبل الفكرة الشرعية والنشاط الديمقراطي السياسي، أي كل ما نعثر عليه في الاشتراك الفعال لفئات اجتماعية عريضة ظلت على طوال عقود مهمشة ومغيبة عن النشاط السياسي المباشر، وانتقال أغلبية الحركات المؤيدة والمعارضة إلى ميدان العمل السياسي المباشر، واشتراك الجميع في الاختلاف، وأخيرا البحث عن توازن ومساومة في التأييد والمعارضة. وهي فضائل كامنة يمكنها أن تتوحل إلى فضائل سياسية بالفعل في حال اندماجها في رؤية وطنية عامة. بمعنى انها يمكن أن تذلل الأبعاد اللاعقلانية القائمة فيها (من قومية وعرقية وطائفية وجهوية بوصفها بقايا من بقايا التوتاليتارية والدكتاتورية الفاعلة في بنية العلاقات الاجتماعية والسياسية) في حال ارتقائها إلى مصاف الرؤية الواقعية والعقلانية الوطنية العامة. وإلا فإنها يمكن أن تتحول إلى تقليد يؤسس "لشرعية" الانحطاط الدائم، عبر جر المجتمع إلى حالة من التشرذم والتخلف لا يمكنه معها الارتقاء إلى فكرة الدولة والمواطنة والمجتمع المدني والحرية الفعلية.
إن العراق بحاجة إلى منظومة متكاملة من الحرية والنظام، وليس إلى "انتظام" عرقي أو طائفي أو جهوي ضيق. فالتجارب التاريخية للأمم تبرهن على أن انضباط وانتظام القطيع اشد تخريبا للروح الاجتماعي من دكتاتورية مرعبة. لان الأول يصنع وهم الانتصار والتلذذ بالعبودية غير المرئية، أما الثانية فان مصيرها الزوال بالضرورة.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقدة العراقية – تاريخ البدائل
- العقدة العراقية – خرافة الانحطاط وأسطورة العظمة
- الشخصية العلوية – وحدة المتناقضات المغرية
- العراق وهوية المستقبل
- الاستفتاء والمحاكمة – الابتذال الديمقراطي لفكرة الحق
- العد العكسي لزواج المتعة بين القيادات الإسلامية الشيعية والق ...
- المأساة والأمل في العراق
- هادي العلوي: المثقف القطباني 11 من 11
- هادي العلوي: وحدة اللقاحية والمشاعية الشرقية 10 من 11
- هادي العلوي: المثقفية والابعاد الروحية والحضارية 9 من 11
- هادي العلوي - المثقفية والابعاد الاجتماعية والسياسية -8 من 1 ...
- هادي العلوي: المثقفية او القيمة الابدية للمثقف 7 من 11
- هادي العلوي - الثقافة الحقيقية هي الثقافة المعارضة 6 من 11
- هادي العلوي - الثقافة والسلطة كالعقل والطبع 5 من 11
- هادي العلوي - التاريخ المقدس هو تاريخ الحق 4 من 11
- هادي العلوي: الابداع الحر - معارضة أبدية -3 من 11
- هادي العلوي- من الأيديولوجيا إلى الروح 2 من 11
- هادي العلوي المثقف المتمرد 1 من 11
- الديني والدنيوي في مسودة الدستور - تدين مفتعل وعلمانية كاذبة
- الدستور الثابت والنخبة المؤقتة


المزيد.....




- بـ-ضمادة على الأذن-.. شاهد ترامب في أول ظهور علني له منذ محا ...
- الشرطة العمانية: مقتل 4 أشخاص وإصابة آخرين في إطلاق نار قرب ...
- مقتل أربعة أشخاص على الأقل وإصابة آخرين في إطلاق نار في العا ...
- 4 قتلى على الأقل بإطلاق نار في محيط مسجد بسلطنة عمان
- بضمادة في أذنه.. فيديو لأول ظهور علني لترامب
- بايدن: أنا صهيوني وفعلت للفلسطينيين أكثر من أي شخص آخر
- الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن مهاجمة سفينتين قبالة سواحل اليم ...
- إطلاق نار في مسقط يؤدي لمقتل أربعة أشخاص وإصابة آخرين
- قد تسكن البيت الأبيض إذا فاز ترامب.. من هي أوشا فانس؟
- أمريكا.. مديرة -الخدمة السرية- تكشف عن رد فعلها عندما علمت ب ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - الاستفتاء وآفاق الانتقال من نفسية القطيع إلى ذهنية الاختيار الحر