كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1370 - 2005 / 11 / 6 - 10:53
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
أولاً- عندما كان قادة وكوادر وأعضاء ومؤيدو حزب الدعوة في إيران في فترة حكم البعث الصدامي, قيل لي بأنهم تعرضوا إلى المضايقة والتدخل في شؤون الحزب والتمييز في المعاملة لصالح السيد محمد باقر الحكيم والسيد عبد العزيز الحكيم وجماعة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية, باعتبار المجلس كان حزباً مقبولاً ومدللاً لدى قادة وأقطاب الحكم الإيراني ومرجعيته الدينية ومحسوباً على الأخيرة. وكان هذا محط اعتزاز المجلس الأعلى للثورة الإسلامية العراقية, في حين لم يكن حزب الدعوة يرضخ لتدخل الإيرانيين في شؤون حزبهم. لهذا وجد حزب الدعوة نفسه مجبراً على الرحيل التدريجي والهادئ من إيران, قادة وكوادر والكثير من القواعد إلى دول أخرى أوروبية أو على كندا وغيرها. واستبشر الناس خيراً من هذا الموقف, إذ من غير المعقول أن يسمح حزب عراقي دولة أجنبية تتدخل في شؤونه حتى لو كان لاجئاً لديها وضيفاً مجبراً عليها, إذ أن في ذلك إضرار بسمعة واستقلالية هذا الحزب أو ذاك.
وفي حينها قيل أيضاً بأن الحزب يستند في نظرته للأمور الدينية والدنيوية, ولا نقول مرجعيته الدينية, إلى رؤية واجتهاد شخصية دينية وعالم إسلامي متفتح هو السيد محمد حسين فضل الله في لبنان. وكان هذا الأمر يعبر عن موقف مريح, إذ أن العلامة السيد فضل الله من الناس المقتنعين بأهمية الديمقراطية لحياة بلداننا ولا يستحي من ذكر هذه الكلمة ولا يدعي تعارضها مع الإسلام أو الشريعة, بل حتى أنه تحدث عن أهمية الديمقراطية في لقاء المعارضة العراقية في بيروت في أعقاب انتفاضة الشعب ضد النظام الصدامي في ربيع عام 1991, إذ كنت مشاركاً فيه واستمعتن لخطابه القصير.
وكان موقفاً سليماً عندما كان حزب الدعوة لا يجد حرجاً من الاتفاق والتعاون مع الحزب الشيوعي في الموقف في النضال ضد الدكتاتورية في تلك الظروف الصعبة التي كانت تواجه المجتمع العراقي في ظل النظام الصدامي.
كان موقف حزب الدعوة والحزب الشيوعي العراقي متماثلان, وفق تتبعي للأخبار وسياسات الأحزاب العراقية في الموقف من الحرب التي كانت تسعى إليها الولايات المتحدة, حتى أنهما أبعدا بعد سقوط النظام من القوى الستة التي وافقت على الحرب وتعاونت مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية بسبب هذا الموقف, ثم اشتركا في كل شيء مع تشكيل مجلس الحكم المؤقت وبتأييد من الحزبين الكرديين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
لا شك أن الوصول إلى السلطة والجلوس على مقعد الحكم, حتى في ظل الإرهاب الراهن في العراق, تغير الإنسان وتدفعه إلى تغيير نهجه وسياساته ومواقفه أحياناً غير قليلة, وهو أمر مفهوم ولا يمكن رفض ذلك ومن حق الإنسان أو الجماعة ممارسة مثل هذا التغيير. ولكن ما جلب انتباهي بوضوح كبير هو ثلاث مسائل في مواقف السيد الجعفري التي تحتاج إلى وقفة حقيقية, وهي:
1. دفاعه المستميت, وهو رئيس حزب الدعوة ورئيس الوزراء العراقي, عن إيران ورفض مقولة تدخل إيران في شؤون العراق الداخلية وتهيمن عملياً على بعض أبرز قادة وأحزاب الجنوب الإسلامية السياسية. وأنه سيعمل ضد هذا التدخل إن اكتشف فعلاً تدخلاً إيرانياً في شؤون العراق. وأحداث الجنوب تؤكد يومياً وجود هذا التدخل, فهل يمارس السيد ما قيل عن النعامة وهو تواجه عدوها.
قيل قديماً بأن "الزوج هو آخر من يعلم". ويبدو أن هذا القول ينطبق على السيد رئيس الوزراء العراقي الراهن في علاقته مع إيران. فإيران لا تتدخل كدولة فحسب, بل أن هناك تدخلاً إيرانياً شاخصاً من جانب المرجعية الدينية الإيرانية (المرشد الأعلى), والقادة السياسيين المحافظين بشكل خاص, والحرس الثوري والأمن الإيراني ومنظمات سياسية عديدة لها مهمة واحدة هي التأثير على الجماعات الدينية في العراق لصالح إيران. لقد وجهت اتهامات كثيرة إلى إيران, والسيد رئيس الوزراء ينكر ذلك. ولكن الإنكار وحده لا يكفي, إذ عليه أن يدقق بالأمر. ليس فينا من يريد أن يسيء إلى إيران, بل نريد إبعادها عن الشأن العراقي لكي نتجنب أيضاً تدخل الدول العربية بحجة تدخل إيران, وهو ما برز في تصريحات الأمير فيصل وزير خارجية السعودية, أو كما يحصل من غيره أيضاً.
أتمنى عليه أن يحقق وأن لا يرفض, رغم قرب انتهاء مدة حكمه كرئيس للوزراء.
2. دفاعه غير المشروع عن السيدة حفصة العمري في لقاء في الموصل دون أن يربط ذلك بالوقائع التي جرت في حينها في الموصل ويعطي عندها لكل ذي حق حقه من القضية. وليس لدي أي شك في حقه في نقد الحزب الشيوعي أو غيره من الأحزاب لو كان قد خرج علينا بدراسة متكاملة تشير إلى مواطن الخلل في سياسات الحزب الشيوعي في حينها ومواطن الخلل في سياسات القوى البعثية والقومية التي نفذت محاولة انقلاب الشواف. عندها سيكون الأمر واضحاً, ولكنه كان يريد بذلك التصريح تحقيق مكسب انتهازي لم يخف عن الناس هناك وأدركوا نواياه ولم يهتم به أحد.
3. فرديته في العمل في مجلس الوزراء والذي يم يتحدث عنه شخصاً واحداً, بل كرره كثيرون ويعاد الحديث عنه باستمرار, وهي سمة لا ترتبط بالأحزاب الإسلامية السياسية فحسب, بل بالكثير من الأحزاب العراقية وغير العراقية, ولكنها ظاهرة بارزة في العراق يراد الحذر منها ورفضها حيثما برزت.
ثانيا- الموقف من الخدمات
أعرف أن الإرهاب يعطل نسبة معينة من القدرة على البناء وإعادة الإعمار, وأدرك المصاعب التي ترتبط بهذه الهمجية العدوانية للإرهابيين, ليس في ذلك شك. ولكن ألا يرى السيد رئيس الوزراء أن المجتمع اليوم يعاني وأكثر من أي وقت مضى من نقص شديد في الطاقة الكهربائية وفي المياه الصالحة للشرب وفي الهواتف وفي النقل والبريد وجملة من الخدمات الأخرى, إضافة إلى مشكلة البنزين والكيروسين وما إلى ذلك من منتجات ومشتقات النفط الخام.
هناك مناطق كثيرة يسود فيها الأمن النسبي. أفلم يكن بالإمكان العمل هناك لتأمين الخدمات لتلك المناطق مثلاً, أو تنفيذ مشاريع الطاقة في كردستان التي يمكن إيصالها إلى المناطق المختلفة من العراق, ألم يكن بالإمكان تأمين تطوير بعض محطات الطاقة القائمة فعلاً والتي لا خطر عليها لضمان وصول الطاقة إلى الناس.
الحجة التي يقدمها المسؤولون صحيحة, ولكنها غير كافية, ويرفضها الناس لأنهم يعانون منها مباشرة, ولأنهم يدركون بإمكانية تغيير الوضع الراهن نحو الأحسن.
ثالثاً: البطالة
السؤال الدائم الذي طرح على السيد رئيس الوزراء وعلى السيد نائب رئيس الوزراء (الدكتور أحمد ال?لبي) في مقابلتين منفصلتين, هو موضوع نسبة البطالة العالية في صفوف القوى القادرة على العمل بين النساء والرجال والتي يعاني منها المجتمع. لم يقدم السيدان الإجابة الشافية والكافية عن هذا السؤال, ولم تكن لديهم الحجة التي تقنع المتخصصين بالاقتصاد أو الناس الاعتياديين بصواب الحجة التي قدموها.
إن البطالة أيها السادة تساهم في تنشيط الإرهاب وتضع تحت تصرف قوى الإرهاب عناصر كثيرة مستعدة لبيع ضميرها وعقلها لصالح حفنة من الدولارات لأن الجوع إن دام دمر. هناك الكثير من الإمكانيات المتوفرة لامتصاص البطالة, وقد قدمت الكثير من المقترحات بهذا الصدد, ولكن لم يؤخذ بها حتى الآن. رغم تشكيل وزارتين متتاليتين, لأن انشغالهم يتركز في مواقع أخرى, بغض النظر عن مدى أهميتها.
قيل أن علياً بن أبي طالب قال مرة : عجبت لمريء يدخل بيته ولا يجد طعاماً ولا يحمل سيفه. ويمكن أن يكون حمل السيف في غير مكانه وإزاء قوى ليست هي المسؤولة عن الجوع الذي يعاني منه من حمل الرشاش وركب السيارة المفخخة أو وضع حزام الموت حول خاصرته, وبدفع من قوى إرهابية همجية. ولكن هذا هو ما يجري حالياً في العراق, وعلينا أن نتعامل مع هذا الواقع,
من يتتبع أحياناً قناة العراقية وهي تبث اللقاءات مع بعض منفذي العمليات الإرهابية البشعة, يدرك كيف يتعامل الإرهابيون مع حاجة الناس للمال والطعام. طبعاً هذا لا يبرر تلك الأعمال الوحشية البشعة, ولكن علينا معرفة أسابها ليتسنى لنا معالجتها أيضاً وإنقاذ جمهرة من هؤلاء من براثن هؤلاء السفلة الإرهابيين ومن يحتضنهم ويغطي عليهم ويوفر لهم ما يحتاجونه لتنفيذ عملياتهم الجبانة.
هناك اتفاق غير معلن بين قوى كثيرة خارج العراق وفي بعض دول الجوار بأنها "بالنقود يمكنها أن تشتري من تريد من الناس المحتاجين لكي ينفذوا لها ما تريده من عمليات إرهابية". وهذا المبدأ العدواني كان يمارسه صدام حسين, ولكنه كان يقول بـ "أن ليس هناك إنساناً لا يمكن شراؤه في العالم!". ويبدو أنه كان أول من أوائل من باع نفسه عندما كان في القاهرة في الفترة التي أعقبت محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم, ولهذا كان وربما ما يزال يرى الناس من خلال ذاته وممارساته, ولهذا جاء المثل الشعبي النابت "وكل إناءً بالذي فيه ينضح".
إن البطالة الواسعة الراهنة ترتبط عضوياً بمشكلتين أساسيتين في العراق هما الإرهاب والفساد الوظيفي (الإداري والمالي), ويقبع خلفه عجز الحكومة عن الربط الجدي بين هذه المسائل. لا يجوز للحكومة تأجيل واحدة لحل الثانية, بل يفترض أن تتعامل مع المشكلات الثلاث في آن واحد. إذ بدون ذلك سوف تتعطل الكثير من الجهود لمعالجة المشكلات الثلاث والخروج من الأزمة أو المحنة العميقة الراهنة.
4/11/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟