|
زهران علوش........وداعا
احمد عسيلي
الحوار المتمدن-العدد: 5025 - 2015 / 12 / 26 - 00:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خلال أحد أيام الأشهر الأولى من عام 2012 ، كنت أعمل في مشفى ابن سينا للأمراض العقلية في دوما ، كانت الظروف وقتها عصيبة جدا ، جيش النظام يقتحم الغوطة الشرقية ، القناصين و الشبيحة فوق الأسطح و العمارات تقتل الناس بكل برودة أعصاب ، و في دوما كل يوم جنازة و شهيد ، و جميعنا نعلق أعيننا على التلفزيون و على صفحات الفيسبوك نرقب أخبار المناطق . يومها سمعت على أحد المحطات الفضائية خبر استشهاد ثلاثة من الشبان في دوما ، كان الخبر عاجلا ، مما يعني أن الشبان قد استشهدوا منذ قليل ، حزنت قليلا ، بعدها طلبت فنجانا من القهوة و تابعت عملي كطبيب نفسي . و بعد انتهاء الدوام ، ذهبت بسيارة صديقي الدوماني الدكتور غزوان بويضاني ، لنمر في مدينة دوما و نرقب الأوضاع عن قرب ، و اذ بنا نمر مصادفة ببيت أحد هؤلاء الشباب التي استشهد منذ قليل ، كانت صورته واضحة في صدر البيت ، و صوت والدته ينوح بشكل مكتوم ، وقفت حينها مصدوما ،و كأني لم أكن أعلم أن للموت طقوسه و حزنه ، ربما كان من الممكن أن أرسم صورة لمأتم و عزاء ، لكن من سمع ليس كمن رأى . جمدت للحظات ، و بعدها أكملت طريقي عائدا الى البيت ، عاجزا عن التفكير ، شاعرا بحقد رهيب في قلبي على العالم كله ، و في أول حاجز للنظام ، شعرت برغبة قوية في الأمساك بأحد البنادق المعلقة على أكتفهم ، و سحقهم بها جميهم . كان مشهدا عنيف جدا...أم تبكي ابنا ذهب ضحية قناص يقف على سطح أحد الأبنية الحكومية ، الشهيد و القاتل معروف ، لكن لا وجود لإجراءات العدالة في بلدي ، خاصة حين يكون القاتل هو نفسه المسؤول عن تطبيق هذه العدالة...... تذكرت اليوم هذه الصورة و أنا أسمع خبر استشهاد زهران علوش ، اليوم أيضا سمعت الخبر عبر الفيسبوك ، لأ أدري كيف قتل ، و لا أدري كيف هي حال أهله الآن ، بل علي أن أركز في عملي حاليا ، و سيتوه هذا الخبر غدا ، شئت أم أبيت ، في زحمة عملي ، و تفاصيل حياتي اليومية . ربما يكون الشامتين بموته كثر ، معتمدين على أخبار قرؤوها بسرعة أثناء تصفحهم للفيسبوك متوجهين الى عملهم ، أو لعل اسم جيشه وحده كافيا للبعض كي يفرح بموته ، أو ربما لأنه من خلفية اسلامية ، أو لأنه المتهم الأكبر باختطاف رموز الثورة ، و خاصة رزان زيتونة و سميرة خليل . و أعتقد، حسب وجهة نظري ، أن جميع تلك الفئات على خطأ.....للأسباب التالية 1ـ جيش الإسلام : من يعرف منطقة دوما ، يعرف جيدا أنها منطقة محافظة دينيا ، ليسوا متطرفين ، لكن للمدينة عاداتها و تقاليدها و طباع أهلها ، و هم بالمجمل أشخاص طيبون ، يشكل الدين العمود الفقري لحياتهم ، و منه تنطلق جميع أفكارهم و أحكامهم في الحياة ، و الإنسان عادة و بظل الحرب ، كما في أي وقت حرج ( غرق أو حريق على سبيل المثال ) يتزداد تمسكه بالدين أكثر ، فما بالك لو أن هذا الإزدياد في التمسك بالدين ، كان مصحوبا بجهود كبيرة من قبل أجهزة مخابرات النظام و العديد من الاجهزة الدولية ، من أجل أسلمة الثورة !! اذن ، لا يمكن لمن يريد جمع الناس حوله ، و الإصطفاف خلفه من أجل تشكيل قوة عسكرية تحمي الناس من انتهاكات جيش النظام و شبيحته ، لا يمكن أن يجمعهم إلا حول الإسلام....لا يمكن أبدا و ليس هناك خيار آخر ، وأن يدرك زهران هذه الحقيقة فهي تدل على نضج فكري و قدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة ، و قد نجح في تشكيل قوة منعت النظام من الدخول الى دوما طوال السنوات الفائتة ، و هو انجاز يستحق التقدير 2 ـ زهران علوش ، ظهر كشخصية عامة ، خلال أصعب فترة تمر بها سورية عامة ، و الغوطة الشرقية بشكل خاص . فلم يسبق لمنطقة ان تعرضت للقصف بالكيماوي و السارين و البراميل المتفجرة ، في ظل صمت دولي رهيب ، بل و تشجيع غير مباشر أحيانا ، و احتفال و فرح في مناطق أخرى . ظروف دولية و محلية قاسية جدا و معقدة جدا ، و من الطبيعي جدا في تلك الظروف أن تحيط بكل الشخصيات العديد من الإلتباسات ، و من ارتكاب الأخطاء ، و الخطأ سمة مرافقة لكل فعل ، فوحدهم العاطلون عن العمل ، هم الذي لا يخطئون . و ظروف الإنسان تحكم على تفكيره و آلية عمله ، لذلك لم ينتخب البريطانيون تشرشل بعد الحرب العالمية الثانية ، لأنه رجل تلوث بالحرب و اكتسب طباعها ، من عنف و قدرة على التضحية ، لا يمكن معها أن يمارس مهامه كقائد في زمن السلم . تصرفات زهران في الظروف العادية كانت تستلزم محاكمة و ربما اعدام إن ثبتت تلك التهم عليه ، لكن الحرب ، تفرض على الشخص التطبع و أخذ قرارات لا تتناسب ابدا مع قرارات الظروف العادية . 3 ـ الأهم من ذلك كله ، أن موته ربما سيشكل بعض البلبلة في صفوف جيش الإسلام ، و هي بلبلة ان امتدت و تشعبت ، ربما ستضعف جبهة الغوطة الشرقية ، و لا يمكنكم تخيل الوضع لو أن النظام دخل حتى بعض أحياء الغوطة ، عندها سيرتكب شبيحته من الفظائع ، و الجرائم ،ما سيفوق الكيماوي نفسه ، و أنا قلق جدا على أهالي الغوطة من بطش أكثر النظم دموية في العصر الحديث ، و بظل تعطل تام للقانون الدولي . نعم أنا ضده تماما بعرضه لأسراه فوق الأسطح ، و هو ما يتنافى تماما مع كل القوانين الدينية و المدنية ، ربما يكون مخطأ في أشياء و أشياء ، لكني مرة ثانية أنبه على حقيقة أن زمن الحرب يجعل الإنسان دموي ، و غير متناسب مع كل أحكام زمن السلم . في زمن الحرب ربما تشاهد صديق عزيز يموت أمامك فتتابع عملك ، هذا الصديق نفسه ربما كنت ستنهار لو أنه مات أمامك زمن السلم . الحرب تجردنا جميعا من صفاتنا الإنسانية ، و جميعنا قرأ قصص عن أكل الناس للحم حيوانات ميتة في أيام السفربرلك ، عن أكل بعض البشر للقمامة في أيام الحرب العالمية الثانية . الحرب قاسية جدا ، و المجرم الأوحد هو من تسبب بها ، و من سانده بها من أجل بقائه في السلطة . الحرب قاسية......و كل من تورط بها سيتركب أخطاء كثيرة ، حتى لو كان في الجهة الصحيحة . و أعتقد أن زهران علوش واحدا من هؤلاء الأشخاص الذين ارتبكوا الكثير من الأخطاء ، لكنهم يقفون في الضفة الصحيحة . وداعا زهران علوش.......و لندع التاريخ لاحقا يقول كلمته به...
#احمد_عسيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التطرف : كلنا بالهوا سوا.....
-
لم أرتكب أي جريمة في باريس
-
أوراقكم مكشوفة أيتها المؤسسات الدينية
-
المثقفين السوريين و تحطيم تمثال ابراهيم هنانو
-
أهلا بكم في جمهوريات الكلام
-
التطرف أيضا من مقومات بناء الأمم
-
الإعلام المصري : شر البلية ما يبكي
-
سقوط الإعلام المصري : برنامج المستخبي نموذجا
-
فيلم الفيل الأزرق : أخطاء طبية فادحة و معلومات مضللة
-
للأسف يا سعد الدين ابراهيم
-
لماذا اغتالوا سعادة ؟ قراءة في تاريخ لبنان الحديث
-
أخطاء التمثيل في المعارضة السورية
-
المجتمع السوري و التطرف
-
الثورة : نشوة الجسد و التعري
-
نحن جيل الهزيمة
-
فيلم مترو : الوصول بالسينما إلى الحضيض
-
فيلم الخروج للنهار أناقة السينما المصرية
-
هيا بنا نلعب سياسة
-
الذكاء السياسي لجبهة النصرة
-
عشرة أعوام على الربيع الكردي السوري
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|