|
شعب حر ومجتمع سعيد 2
زكي لطيف
الحوار المتمدن-العدد: 1370 - 2005 / 11 / 6 - 10:43
المحور:
المجتمع المدني
شعب حر ومجتمع سعيد (2) زكي لطيف في مجتمعاتنا التولتارية الديكتاتورية التقليدية تعيش المرأة في ظل نظام عبودية مطلق، فالفتاة تنتقل ولاية أمرها إلى زوجها وإذا ما توفي أو طلقت فان ولايتها تعود إلى احد أرحامها كالأب أو الأخ أو العم وهكذا تظل طوال عمرها إنسانة تحت الوصاية، لا يحق لها على وجه الإطلاق أن يكون لها ولاية على نفسها في ظل نظام واضح المعالم ، بينما تمتلك المرأة في العالم المتحضر ولاية ذاتها بعد سن ال18 الثامنة عشر في إطار الدستور الذي سنه الشعب عبر نوابه المنتخبين ، إنها مفارقة مذهلة ، فبغض النظر عن الحرية الجنسية التي يشير إليها الإسلاميين بعين النقد والاحتقار إلا أن الحرية الواسعة النطاق تضم العديد من الجوانب الايجابية الرائعة ، والتي يفتقدها التشريع الديني التقليدي ، ذلك أن النظام الحاكم في المجتمعات الشرقية يعبر عن مركزية تامة وبمثابة الفرض بقوة الدين أو من خلال سلطة الدولة الشمولية ، لذلك نلاحظ أن مجتمعاتنا الإسلامية تسير وفق نظم تقليدية لم تتطور منذ عشرات السنين ، وكيف لها أن تبلغ التطور الإنساني في القرن الحادي العشرين وهي تقوم على فتاوى الفقه التقليدي الذي بني على منظومة المجتمع الإسلامي في قرونه الغابرة دون التفات الفقيه للفجوة الحضارية الهائلة بين إنسان القرن الأول الميلادي والقرن الذي يعيشه، ومن شواهد ذلك الكثير منها انه عندما تقرا مسائل فقهية في أحكام الصيام فان أول كفارة للإفطار العمد عند الفقهاء المعاصرون "عتق رقبة" وهذا يعني أن الاسترقاق واتخاذ خلق الله عبيد كما في عهود الإسلام الأولى جائز ومباح في أصله عندهم، وعندما يرجع الباحث المدقق إلى سر ضمور نظام العبودية التقليدي يجد إن التشريع الغربي هو الذي ساهم في القضاء على الاسترقاق وتجريد الاقتصاد العالمي من فوائده وثماره ، بينما يقف علماء الإسلام وقفة خجولة ولم ينبت احدهم بفتوى تحرم الرق صراحة ، أن ذلك يعبر عن خلل عميق في التشريع الإسلامي لازمه منذ نشوئه سواء عند السنة أو الشيعة . في المجتمع الإسلامي سلطتين يعبر عن الأولى بالسلطة الزمنية وهي النظام السياسي الحاكم ، والثانية السلطة الدينية ويتزعمها رجال الدين، الفرد في المجتمع الإسلامي يخضع لكلا السلطتين خضوع عجيبا، فكلا النظامين شموليين يستحكمان في كافة مناهل النشاط الإنساني الفردي والجماعي، من مظاهر ذلك انعدام مؤسسات المجتمع المدني وعدم حكم البلاد من خلال دستور يناط به تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وعدم تمتع أفراد المجتمع ومجتمعات الشعب بحقوقهم الشخصية والمدنية والدينية ، أن كل نشاط فردي أو جماعي يتطلب موافقة السلطة التي تمثلها شخصية فرعونية مقرب من العائلة الحاكمة أو الحزب الحاكم عوضا عن الخضوع لسلطة النظام والقانون ، أما سلطة رجال الدين فلا تقل شمولية فكل ما يقره عالم الدين يجد المقبولية لدى عامة الأفراد ولا يمتلكون مساحة حقيقية للحوار وتغيير المواقف، فإذا ما كانت السلطة السياسية لانعدام الدستور مسيطرة على الموارد الاقتصادية وتمسك بيدها الأخرى حاضر الإنسان ومستقبل وجوده فان رجال الدين يسيطرون على الموارد المالية للمجتمع أيضا ، فعند الشيعة مثلا يحصل العلماء على الملايين من الدولارات سنويا من أموال الخمس والزكاة والهبات والكفارات الدينية لينفقوا بها على أشخاصهم ومؤسساتهم التولتارية ، بل أن انغماس رجال الدين من مرجعيات ومشايخ وعلماء دين في شئون المجتمع وخصوصيات الأفراد يكاد ليس له حدود ، فإذا ما أراد شاب الزواج يرجع إلى رجل الدين ليحدد وفقا لما يسمى ب علم " الرمل والطمس" الموعد المناسب للعقد وتمام الزواج ، وكذلك الطلاق لا بد أن يكون من خلال رجال الدين ، في بعض المجتمعات المتخلفة حتى عقد الزواج لا بد من أن يجريه رجل دين حتى يكون نافذا ! إن كافة مراكز الحركة والنشاط تخضع بشكل أو بآخر لطبقة رجال الدين العاملين ، بينما في المجتمعات المتحضرة فان الدستور يعتبر القاعدة المركزية للتشريع - والقوانين والأنظمة والتشريعات تدور مداره - والنظم الاجتماعية تحلق في أجواء التشريعات والأنظمة والتي بدورها تدور في مدار الدستور الذي يقره الشعب ،،، بينما مجتمعاتنا المغلوبة على نفسها كل أمر لا بد أن يكون مفروضا ومحسوما ، لا يوجد هامشا للمناقشة والحوار ، فذاك التشريع من الحكومة التي بيدها مصائر الأجساد ، وهذا من الحكومة التي بيدها العقول والأرواح . أن الفرد في مجتمعاتنا ربي على الخضوع والاستسلام والاستكانة ، بينما يعيش الفرد في المجتمعات المتقدمة حر الجسد والعقل والفكر، في مجتمعاتنا كل شي يخضع للسلطة ، بينما هناك في بلاد النور للسلطة دور محدود في حياة الأفراد والمجتمعات، فلنتصور أن فرد أو مجموعة تريد أن تصدر صحيفة في إحدى الدول العربية! سيتعين عليها انتظار قرار من رأس الحكم والمرور على أجهزة الاستخبارات والتحري! ولكن هناك لا يتطلب الأمر سوى توفير صندوق بريد لأجل الضرائب !! كل كلمة تقرا وتعاين وتخضع للمراقبة في كتاب سيصدره كاتب عربي في دولة بائسة ولا بد من ختم كافة صفحاته كعلامة موثقة على تحصيله موافقة السلطة! تقييد مهين للذات الإنسانة أليس كذلك؟؟ على النقيض من ذلك قرأت في إحدى الصحف عن ابتداء الموسم الثقافي الفرنسي لعام 2005، ماذا يتضمن ؟ أكثر من 70 كاتبا جديدا صدرت لهم روايات ودواوين شعرية لأول مرة ، عدا ذلك عشرات الروايات والدواوين والكتب الأدبية الجديدة !! يا للكارثة الحضارية التي نعيشها !! بينما يمر صدور كتاب قصصي أو روائي أو ثقافي بعشرات المراحل ، ابتداء بتوفير المصادر والتي تكون محظورة في العديد من الأحيان إلى مقص الرقيب وانتهاء بتكاليف الطباعة المرتفعة وسوء التوزيع !! أما مواسمنا الثقافية فليس لها وجود حتى في عوالم الرؤيا، فأي مواسم هذه في ظل القمع واستحكام نظام الاستعباد ؟؟!! ألا تخجل الدولة العربية القطرية من وصم عاصمتها ب" عاصمة العرب الثقافية" ! أي ثقافة ؟ أتخدعون أنفسكم أم شعوبكم أم العالم الحر المحيط بعروشكم المتهاوية ! يقتلون الثقافة ثم يذرفون الدمع عليها وأخيرا يتسمون بها !! ياللعجب !!! نظم التعليم في تلك البلاد تقوم على الابتكار والتفكير ، بينما نظمنا تقوم على الحفظ والتلقين ، ليس هناك من قواعد وبنى تحتية لكتابة البحوث والدراسات واعني بذلك مراكز بحث متخصصة كما في الغرب إلا فيما ندر ، أتذكر أني دخلت مكتبة إحدى الجامعات فوجدتها تحوي على مصنفات لمذاهب متعددة منها المذهب الشيعي فأردت استعارتها فقال لي المسئول إن ذلك ممنوع لأنها كتب شيعية!! في المقابل ذهبت إلى إحدى المكتبات الشيعية الخاصة فسئلت عن مجموعة من مؤلفات بعض العلماء الشيعة فأجابني الموظف أن صاحب المكتبة يحظر بيع كتب معينة تخص مرجعيات دينية وعلماء دين لأسباب تتعلق بالصراعات بين التيارات الشيعية المحلية !! أمر رهيب ونحن في الألفية الثالثة أن نعيش بقلب ينبض وعقل متحجر ، أن نسلم بالخضوع التام لسلطات رجعية تستنزف إنسانيتنا ونغفل جوهرة العقل وعظمته ، أما آن لنا أن نستيقظ من هذا السبات ونغدو ذوات أبت أن لا تخرج من هذه الحياة دون أن تغمرها بالنور ، نور لا ينطفئ ما دامت هناك قلوب وعقول ترفض الذل وتابا العيش في ظلام الاستبداد ، ذوات سخرت وجودها للمضي على خطى الكرامة والمجد والأمل.
#زكي_لطيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الى الحرية يا نساء بلادي
-
المراة السعودية بين سيمفونية العذاب ولذة الاستعباد
-
شعب حر ومجتمع سعيد! 1
-
فلتبقينه عانسات !
-
اسرقوها صاغرين !
-
الزواج المؤقت بين الفقه والقانون
-
المراة السعودية انسان ام مخلوق اخر
-
قيم الحرية والديمقراطية في المجتمعات الدينية
المزيد.....
-
منظمة حقوقية تشيد بمذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائي
...
-
بايدن يعلق على إصدار الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتني
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وجالانت لأ
...
-
كندا تؤكد التزامها بقرار الجنائية الدولية بخصوص اعتقال نتنيا
...
-
بايدن يصدر بيانا بشأن مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
-
تغطية ميدانية: قوات الاحتلال تواصل قصف المنازل وارتكاب جرائم
...
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|