|
يسار داخل الصندوق
حمدى عبد العزيز
الحوار المتمدن-العدد: 5024 - 2015 / 12 / 25 - 00:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نحن أبناء التنظيمات والأحزاب اليسارية المصرية كلما تعرضنا لإخفاق ما في أحد الاستحقاقات الإنتخابية البرلمانية أو غير ذلك من استحقاقات سياسية وقتها لانملك إلا التوجه فوراً إلى صندوق تفكيرنا القديم الذي لايتغير كثيراً هو نفس الصندوق ذاته بنتاجه المنحصر في ثلاث أطروحات:
أولها:
هو ماتبدأ غالب القيادات الوسيطة وجانباً من القيادات المركزية في طرحه في إطار ندب الحال السئ وجلد الذات من نقاشات حادة تتلوها حالة من تبادل الإتهامات إلى ذلك الجناح أو ذاك ، ثم تصاعد الحديث حول خطأ القيادة اليمينية التي فرطت وهادنت وأودت بنا إلى الفشل ( ولابد هنا - طبعاً - في تلك اللحظة فقط أن تكون القيادة يمينية .. وأي قيادة في هذا الوقت بغض النظر عن حقيقة ذلك موضوعياً وبغض النظر عن يمينية أو يسارية المنتقدين أنفسهم وحقيقة نوايا البعض منهم) ثم يحدث مانعرفه جميعاً من تجاذبات وتخندقات داخل الجدران التنظيمية تزيد من عزلتها وتساهم في تبديد الطاقات وتعمق المزيد من الضعف والهشاشة التنظيمية داخلها
وهؤلاء هنا يتجاهلون التقييم العلمي الموضوعي الذي يجب أن يتناول بالدراسة والتحليل الواقع الموضوعي المجتمعي ومدي تأثير اليسار الفعلي فيه على صعيد العمل الفعلي لا على صعيد العمل الدعائي المعنوي العام ذو الطابع النخبوي
وكذلك فإنهم يتجاهلون أن أي شكل من أشكال التنظم السياسي هو وظيفة اتصالية هدفها الاتصال بمجسمات الشعب المختلفة عبر مواقعها المجتمعية والاقتصادوية والنشاطية وكافة أشكال الحياة الإجتماعية عبر موصلات عضوية تستطيع ضخ تيارات الخبرة العملية وأساليب التفكير السياسي المختلفة إلى داخل هذه الأشكال كتفاعل اتصالي داخلي تتيحه ماتسمي بالديمقراطية الداخلية وطريقة إدارة النقاش السياسي داخل أوصال هذا التشكل الإتصالي ( الذي هو حزب أو تنظيم أو أي منظمة كان)
وبالتالي فعند تبني ذلك الفهم وأعماله يستطيع هؤلاء البعض من القيادات والكوادر الوسيطة أن يعرفوا مقدماً قبل الدخول إلى أي استحقاق انتخابي مقدار الوزن النسبي لتشكيلهم السياسي ومقدار ماهو متوقع من نتائج في حالة دخول أي استحقاق انتخابي قادم
فالإخفاق لايأتي إلا نتيجة لمقدمات يشترك في صنعها الجميع طبقاً لتنوع المسئوليات وتعددها وطبقاً لمقدار صلاحية وفاعلية هذه الوظيفة الإتصالية
ثاني هذه الأطروحات الثلاث :
هي تلك المباراة المظلمية الحامية في صب اللعنات على النظام الإنتخابي وملابسات العملية الإنتخابية الظالمة ومايترتب عليها من انحيازات لتيارات وأفراد بعينهم وما إلى ذلك من أحاديث بغض النظر عن كونها تكون صحيحة في بعض جوانبها ومبالغة وواهمة في بعض جوانبها الأخرى
ولكن منذ متى يحدد الطرف الغير متنفذ في وقت بداية أي معركة شروط خوضها ؟ ، وثم منذ متى يستجيب طرف ما يمتلك شروطاً مناسبة لمعركة لمجرد إعلان أمنيات ومجرد إبداء أراء لم يكن لها السند الشعبي المناسب ويقدم تنازلات تجعل هذه الشروط قسمة عادلة مع الجميع ماالذي يدفعه لذلك؟
وأليست عملية تحسين شروط وظروف المعارك والاستحقاقات بشكل عام هي عملية نضالية يتم إنضاجها عبر نضالات تراكمية تتحقق فيها مراكزاً وتوازنات على الأرض تضغط ضمن ماتضغط في إتجاه تحسين ظروف وشروط أي معركة أو استحقاق سياسي ؟
لما لانسأل أنفسنا جميعاً عما قمنا به من جهد ونضال تراكمي قد يساهم في تهيئة الظروف وتحسين الشروط لمزيد من المعارك والاستحقاقات أياً كانت هذه المعارك السياسية وأياً كانت تلك الاستحقاقات ؟
ثالثاً : ثالث هذه الأطروحات هو تعالى النداءات بوحدة فورية لتنظيمات اليسار واندماج عاجل يقضي على حال الإنقسام والتفتت والتشرذم الذي يعانيه اليسار (والغالبية الساحقة من طارحي هذا النداء المتكرر عبر كل إخفاق صادقي النوايا)
وهذا الطرح هو حق أخشى مااخشي أن تكون نتيجة التسرع في التعاطي معه نوعاً وحدة للمأزوميات للتتحول في النهاية إلى مأمزومية كبرى ومعبد ينهار سقفه على جميع أطرافه المأزومة فتصبح الكارثة أكبر وأكثر ثقلاً وخسارة فادحة قد تمتد لأجيال قادمة لانريد لها أن تكرر مانحن فيه
ولعلني لا أكون مخطئاً إن اعتقدت أن أزمة اليسار ليست في انقساماته ولاتنوعاته فتلك ظواهر للأزمة وليست أسباباً لها وربما أيضاً ظواهر لحقيقة أخرى تعكس تفاوت وتنوع وتدرج وعي الشرائح المجتمعية التي يتمفصل عنها تيار اليسار العام
لعلني لا أكون مخطئاً أن أهم جوانب أزمة اليسار على الإطلاق هي في ذلك النزوع النخبوي الذي طرأ على أداءه منذ وقت طويل وتعمق هذا النزوع تواكباً مع تلك الإتاحة المنبرية الهائلة التي وفرتها التكنولوجيا الرقمية والفضائية المرئية والمسموعة على تنوعاتها
هذا بالتوازي مع نزوع آخر بدأ قبيل وبعد 25 يناير 2011 وخصوصاً بين أجيال الشباب من هذا التيار .. وهو النزوع نحو الأداء الإحتجاجي الشعاري الشكلاني ذو الجرس الثوري المرتكز على موضوعات ومشروعات مرتبكة وبعضها زائف أو محمل بشذرات سطحية متشبسة عن غير فهم تاريخي بأصوليات حرفية تاريخية الطابع لاتعقد صلات حقيقية بواقع الشعب المصري وطبيعة نضاله اليومي من أجل تحسين شروط حياته
وكلتا الحالتين قد دفعتا باليسار المصري إلى سياق مختلف عن طبيعته النضالية الحقيقية وعن سياق الفعل الحقيقي في واقع الشرائح الشعبية الواسعة التي يزعم تبني مصالحها وجعلته ظاهرة دعائية وإعلامية وأدبية وثقافية أكثر منه حقيقة نضالية واقعية على الأرض
وبالتالي لن تجدي من وجهة نظري ( كشخص فقير إلى العلم والتجربة) وحدة ستحقق دوياً نسبياً إعلامياً أمام الميكروفونات ووسائل الإعلام المختلفة وسينشرح لها الصدر لفترة ثم يعود كل منا إلى مقعده في مقره حيث التمترس على نفس الحال وكأنك يأبا زيد ..
كيف سننجح في إقامة وحدة مكتبية ورقية لليسار في حين أننا لم نناقش مدى مردود أي من التحالفات التي أقيمت منذ مابعد 25 يناير 2011. وإلى الآن ؟
ماهو مردود التحالف الثوري الديمقراطي وماهي ملامح تجربته وماهي دروسه المستفادة ؟
أين ذهب التيار الشعبي الذي تأسس كطرح وحدوي لتيارات يسارية منها ماهو ناصري ومنها ماهو ماركسي مع تنوعات أخرى ؟
ماهو حجم التيار المدني الديمقراطي المماثل للتجارب الجبهوية اليسارية وماهي حقيقة وجوده في الواقع النضالي اليومي بين المصريين ؟
الخلل هنا نفس الخلل
إنه العمل النخبوي الذي لاينبع من عمل نضالي متحقق على الأرض والذي يمنحنا وهم القوة والوكالة عن الجماهير في حين أننا في الواقع نغوص نحو عزلة عميقة لانحس بها إلا حين ترتطم رؤوسنا بنتيجة استحقاق ما أو أمر ما توقعنا أنه سيأتي مواتياً لتلك التوهمات النخبوية
التحالفات يارفاق إنما تتم حول موضوعات لمعارك نضالية على الأرض وكذلك فالوحدة إنما تعبر عن حاجة موضوعية تظهرها مقتضيات النضال على الأرض وتنضج من خلال تتابع المعارك والانتقال من معركة إلى معركة كتفاً بكتف يختبر بعضنا الآخر على أرض النضال اليومي لتحسين شروط الواقع وتحسين تعاطي الناس معه على الأرض لاعبر الإتفاق على صياغات ومفاهيم نظرية ستنهار مع أول تحديات تصادفها على الأرض فتعالوا إلى أرض المعارك النضالية اليومية أولاً فمواضيع تلك المعارك على الأرض هي التي تحدد عمق اتفاقاتنا وهي التي ستحدد فيما نختلف وكيف سنحتكم إلى واقعنا لا إلى قدراتنا على صياغة الأوراق
ولنأتي لمثال شاخص أمامنا الآن وهو أنه لعل هناك فرصة سانحة للجميع على طريق التفكير خارج مانحن فيه وهي فرصة استحقاق المجالس الشعبية المحلية القادم فهي ستكون معركة جماهيرية من الطراز الأول وتتناسب. - إلى حد ما - مع أطروحات اليسار المجتمعية وإمكاناته البشرية والتنظيمية وتعد نقطة بدء للعمل وسط الشرائح الشعبية الواسعة وسط تنوعاتها السكنية بواقعها المحلي المباشر وتنوعات مشاكله الحياتية اليومية وهي معركة يجب الإعداد لها من الآن بوضع نقاط اتفاق حول أساليب خوضها وتجهيز العناصر والأدوات اللازمة لها بما يتضمنه ذلك من تدريب وتثقيف يخص طبيعة المشاكل المحلية وتنوعاتها المختلفة والأدوات النضالية للتعامل معها وكذلك مايتعلق بالسياق الدستوري والقانوني للمحليات وخبرات خوض المعارك الخاصة بالمحليات وصولاً إلى أدوات العمل داخل المحليات وطرق المشاركة الشعبية وتنوعات العمل النقابي والخدمي ومايتعلق بالنقاش وطرح الأسئلة وتقديم طلبات الإحاطة والاستجوابات وغيرها من أدوات العمل الشعبي وهذا في حد ذاته كفيل بخلق وتنشيط وثقل الكوادر الجماهيرية المناضلة ووضع أقدامها على طريق المشاركة الشعبية الحقيقية والنضال اليومي وسط الناس واكتساب ثقتهم في تلك العناصر التي تعمل على الأرض معهم في معركتهم من أجل تحسين شروط حياتهم المعاشة
ولعل ذلك يكون كفيلاً أيضاً بخلق الجهد نحو بروز عناصراً تستطيع خوض معارك برلمانية أكبر ، ووقتها لن تكون بحاجة إلى المال السياسي فالصلات بينها وبين الناس لاتحتاج إلى تكاليف للدعاية والإعلان وماشابه ذلك
أقول هذا كمحاولة لخلق نقاش بعيد عما يدور في الصندوق من نقاش سيجعلنا ندور في نفس الدائرة التي أوردها شاعرنا الراحل عبد الرحمن الأبنودي في قصيدته المشهورة ( الدايرة المقطوعة) مع إحترامي لقدرات كل الرفاق كل الرفاق على تنوعاتهم
حمدي عبد العزيز 24 ديسمبر 2015
#حمدى_عبد_العزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في مسألة الموقف من حزب الله
-
عملية القنطار
-
سرب الأوز الطائر
-
رؤية سياسية
-
صفقة الدولة اللبنانية مع العصابات الأرهابية
-
العدوان التركى على العراق
-
العلمانية والصهيونية لايجتمعان
-
الحك على المنخار الروسي
-
صفقة وادي حميد
-
من أجل ذلك خلق الله الندم .. ياسيد أردوغان
-
عاجل إلى الضمير الأوربى
-
أسئلة عن مستقبل الحياة السياسية والحزبية فى مصر
-
لماذا انطفأ النور انتخابيا .. قراءة فى نتائج المرحلة الأولى
-
عزاء للشعب الروسى الصديق
-
تخلوا عن هذا الخاتم
-
من إخوانى إلى سلفى .. ياقلبى لاتحزن
-
إكسيليسيور .. لقاء الوداع
-
ثلاث ملاحظات على هامش الوضع السورى
-
وداعا خالد الصاوى
-
على عبد الحفيظ .. سيرة ممتدة للفلاح الفصيح
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|