انتخابات
2003
الساحة السياسية
فضيحة شارون تعمق عدم الاستقرار
السياسي
العلاقة الحميمة بين
رؤساء حكومات اسرائيل وبين اصحاب الاموال ليست جديدة، فرابين عُرف بها وكذلك
نتانياهو ومن بعده براك، ولكن شارون "زوّدها". فقد وصل الى مستويات جديدة حين ادخل
اولاده كي يغطوا على اعماله غير النزيهة؛ انحسار قوة الليكود بسبب الفضائح الاخيرة،
لا يفيد حزب العمل، بل يضع صعوبات امام امكانية تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد،
الامر الذي سيفاقم عدم استقرار المؤسسة السياسية الاسرائيلية.
ختام نعامنة
لم تنته فضيحة
الفساد والصفقات التي سادت حزب الليكود قبل الانتخابات الاخيرة في مركز الليكود
بعد، حتى جاءت فضيحة اكبر واخطر فجرتها صحيفة هآرتس بتاريخ 7 كانون ثان (يناير).
فقد تحدثت الصحيفة عن تورط رئيس الحكومة اريئل شارون وابنيه عومري وجلعاد، في
الحصول على مبلغ 1.5 مليون دولار بشكل مناف لقانون الانتخابات، وذلك لتمويل حملة
الانتخابات الداخلية في الليكود لعام 1999. كما تبين تورط الثلاثة في الادلاء
بتصريحات كاذبة في تحقيق الشرطة.
لكي يفوز بالانتخابات الداخلية في الليكود في انتخابات سنة 1999، وبعدها لكي
يدخل عناصره الى مركز الحزب في نهاية 2002، كان على شارون الحصول على مبالغ هائلة،
والطريق الاسهل لذلك هي علاقات مع ما يسمى ب"السوق الرمادية" ومنها الاموال التي
تأتي من القمار ويتم فيها تبييض الاموال التي يكون مصدرها عادة عالم الاجرام. هذا
ما يفسر علاقات ابني شارون مع شخصيات غير نزيهة.
الامر الجديد على الساحة السياسية الاسرائيلية قيام شارون
باعمال منافية للقانون بهدف السيطرة على الحزب، والاتكال في ذلك على ابنيه
وليس على احد آخر. الابن الاول عومري كان دوره تجنيد اعضاء لليكود عن طريق شراء
اصوات بمساعدة عناصر جنائية، والثاني جلعاد اهتم بتجنيد الاموال من خلال تجارة
العقارات. وقد تبين ان الاب شارون سهل على ابنه التجارة بالعقارات من خلال اشغاله
منصب وزير الاسكان، ووزير البنية التحتية، والمسؤول عن دائرة اراضي اسرائيل حتى قبل
ان يصبح رئيس الحكومة.
الفضائح
الاخيرة اضرت بمكانة الليكود في حملة الانتخابات الراهنة، وقد كلفته حسب استطلاعات
الرأي العام اكثر من عشرة مقاعد. لذلك فان الليكود يخشى اليوم من ان احتمال فوزه
بالانتخابات بات ضعيفا، وحتى لو فاز، ستكون لديه مشكلة في بناء ائتلاف حكومي مستقر.
فضيحة الليكود الاخيرة عمقت ازمة السلطة في اسرائيل، وزادت من حالة عدم الاستقرار
التي تعاني منها والتي تتجلى في فشل الحكومات في استكمال دورتها.
الوضع الذي وصل اليه شارون مشابه لوضع الحكومات
السابقة، كما كتبت الصحافية حانا كيم في "هآرتس" (8 كانون ثان): "غالبية
الاستطلاعات تشير الى ان شارون سوف يشكل الحكومة القادمة. لكن بسبب هذه الفضيحة
سيكون على الشرطة الاستمرار في تحقيقها بموضوع الشركات المفبركة. هذا الامر سيجبر
عومري شارون على الادلاء بافادة، وبذلك سيكون على شارون اثبات صدق كلامه في التحقيق
امام مراقب الدولة والشرطة بنفس القضية. مما يشير، كما يتردد في اوساط حزب الليكود،
الى ان نتنياهو قد لا يصبح وزيرا للخارجية، لكن الاحتمال وارد بان يكون عليه تحضير
نفسه ليصبح رئيسا للحكومة خلفا لشارون".
مهما كانت النتيجة، فليس هناك ادنى شك في ان السياسة بالنسبة للحزب الحاكم
في اسرائيل، هي آخر ما يهم المرشحين. جميع السبل اصبحت مشروعة للوصول الى مقاليد
الحكم، بدءا بشراء الاصوات ووصولا الى الاعتماد على عالم الاجرام. بالتأكيد هذا
الوضع لا يضيف للاسرائيليين مصداقية عندما يطالبون بتنظيف فساد السلطة الفلسطينية.
1999 - الانتخابات الداخلية
لكي يفوز بالانتخابات الداخلية في الليكود امام
ايهود اولمارت، بعد فشل نتانياهو في انتخابات عام 1999 واستقالته من السياسة، حصل
شارون على مبالغ تقدر ب5.7 مليون شيكل، وهو مبلغ فاق المسموح به حسب قانون
الانتخابات. وقد اتضح في تقرير مراقب الدولة اليعزر جولدبرغ المؤرخ في تشرين اول
(اكتوبر) 2001، ان المبلغ جاء من شركات مفبركة اقيمت خصيصا لتمويل الانتخابات. على
رأس هذه الشركات كانت شركة "اننكس للابحاث". وجاء القرار باعادة المبلغ للشركة،
واضطر شارون الى اعادة مبلغ بقيمة 4.7 مليون شيكل.
ولكن لم يكن بحوزة شارون اكثر من نصف مليون شيكل، فقام ابنه
جلعاد بتدبير مبلغ 4.2 مليون شيكل كقرض من بنك لؤومي مقابل ضمان بيت شارون ومزرعته
"مزرعة شكميم". الا ان المزرعة كانت قد قدمت كضمان في صفقة سابقة، فطالب البنك
باعادة المبلغ. لذلك طلبت عائلة شارون قرضا من بنك ديسكونت، وقدمت كضمان مبلغ 1.5
مليون دولار وفره صديق العائلة سيريل كيرن، وبذلك اعيد القرض لبنك
لؤومي.
لم يكن شارون قد ذكر
سيريل كيرن في تحقيق الشرطة الذي بدأ بامر من مراقب الدولة في نيسان (ابريل) 2002،
وادعى ان الضمان للقرض الاول كان المزرعة. اما عن ابنه عومري، فقد رفض الافادة امام
الشرطة. علاوة على ذلك هناك شكوك بان كيرن كان مجرد غطاء وان مصدر المليون ونصف
دولار الحقيقي هو المليونير ارييه جانجر، مبعوث شارون الشخصي الى البيت الابيض،
الامر الذي يثير علامات استفهام حول المقابل من وراء هذا التعيين غير
الرسمي.
2003 مركز الليكود
في 1999 بادر بنيامين نتانياهو، رئيس الحكومة حينها، لالغاء
الانتخابات الداخلية التي يشارك فيها كل اعضاء الحزب، واستبدلها بانتخاب مرشحي
الحزب في مركز الليكود الذي يضم بضعة مئات، الامر الذي يسهل عملية السيطرة عليه.
فعلا نجح نتانياهو بادخال انصاره الى مركز الليكود، مما شكل عائقا امام شارون. وقد
حاول شارون هو ايضا تغيير تركيبة مركز الليكود بكل الوسائل الممكنة، فكلف ابنه
عومري بهذه المهمة.
قام عومري
بحياكة صفقات مع شخصيات من "السوق الرمادية" المشبوهة ومع عائلات معروفة بتاريخها
الاجرامي، التي يعتبر شلومو عوز احد رموزها. سيطر عوز على فرع الليكود في رمات جان،
فادخل قبل الانتخابات اكثر من 5000 عضو لهذا الفرع من خلال دفع رسوم العضوية
ورشاوى، ويعتبر هذا العدد من الاعضاء خياليا. بالمقابل فاز عوز الذي يملك شركة
حراسة، بالحراسة على امن معابر البر والجو. (مقال امنون برزيلي، هآرتس، 18 كانون
اول).
يبدو ان عوز يرتبط بعلاقات
مع المقامر عوفر مكسيموف، الذي اسقط البنك التجاري في السنة الماضية. هذا بالاضافة
الى علاقاته التاريخية مع موشيه البيرون، من رؤوس العالم الاجرامي في اسرائيل،
والذي سيطر هو ايضا على مركز الليكود في جبعات شموئيل بطرق مشابهة.
اما عومري شارون فلعب دورا هاما في شراء اصوات
من عناصر جنائية، وذلك كما تبين في تقرير كبير نشرته في ملحق "يديعوت احرونوت" (3
كانون ثان)، خصص لفضائح الليكود. كشف المقال ان عومري قام بزيارة خاطفة وغير علنية
الى الرملة التقى فيها بافراد من حمولة الجواريش. هناك جند ما يقارب الستين عضوا
جديدا من الحي الى مركز الليكود، مقابل وعد من رئيس البلدية يئيل لافي، بعدم هدم
البيوت غير المرخصة في الفترة القريبة.
سقوط العمالقة
بعد انكشاف الفضائح، حاول شارون
دون جدوى انقاذ سمعته، وادت كل محاولة الى تآكل اكبر في مكانته. فمحاولة شارون
لتبييض حزبه من خلال فصل نائبة وزير البنية التحتية نوعمي بلومنتال بسبب التزامها
الصمت اثناء التحقيق، انقلبت ضده عند انفجار فضيحة المليون ونصف دولار، ورفض عومري
شارون الاجابة على اسئلة الشرطة. كما جرت محاولة لاعادة صياغة دستور الاحزاب
بالنسبة لاجراء الانتخابات الداخلية، من خلال لجنة تضم وزير العدل شتريت والقاضي
المتقاعد شتروزمان الذي كان شارون قد ابعده في السابق. الا ان هذه المحاولة
المتسرعة لكتابة دستور جديد لم تفز بمصداقية ايضا.
اخيرا اضطر شارون الى مواجهة الاسرائيليين في مقابلة متلفزة
لدرء الشكوك عنه، لكنه قرر استغلال هذا المنبر للهجوم على حزب العمل، فاتهمه بحياكة
هذه المؤامرة ضده. وانتهى هذا البث المباشر بامر من القاضي ميشيل حشين، رئيس لجنة
الانتخابات في الكنيست، بقطع البث المباشر قبل انتهائه، لاول مرة في تاريخ الحملات
الانتخابية في اسرائيل.
العلاقة
الحميمة بين رؤساء حكومات اسرائيل وبين اصحاب الاموال ليست جديدة، فرابين عُرف بها
وكذلك نتانياهو ومن بعده براك، ولكن شارون "زوّدها". فقد وصل الى مستويات جديدة حين
ادخل اولاده كي يغطوا على اعماله غير النزيهة؛ انحسار قوة الليكود بسبب الفضائح
الاخيرة، لا يفيد حزب العمل، بل يضع صعوبات امام مهمة تشكيل الائتلاف الحكومي
الجديد، الامر الذي سيفاقم عدم استقرار المؤسسة السياسية الاسرائيلية.
الصبار
كانون ثان 2003 ، العدد 160 |