أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - واثق غازي عبدالنبي - الكاتبة الإمريكية (هيلين كيلر) وتهمة الإنتحال














المزيد.....

الكاتبة الإمريكية (هيلين كيلر) وتهمة الإنتحال


واثق غازي عبدالنبي

الحوار المتمدن-العدد: 5022 - 2015 / 12 / 23 - 22:50
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


الإنتحال هو عملية تقديم أعمال أو أفكار شخص آخر على أنها أعمالك أو أفكارك الخاصة. في المدارس والجامعات الغربية الإنتحال جريمة غش (جريمة أخلاقية) يحاسب عليها القانون، وعقوبتها الطرد من المدرسة أو الجامعة أو المؤسسة التعليمية. وقضية تجريم الإنتحال قضية قديمة في المؤسسات التعليمية في أمريكا، وهي لا تعذر أحداً ولا تغفر له هذه الجريمة مهما كانت الظروف التي رافقت عملية الإنتحال. المثال الذي أرى من المناسب عرضه على القارئ هو مثال الكاتبة الأمريكية هيلين كيلر (1880 – 1968) التي تعرضت وهي في سن الثلاث سنوات إلى مرض شديد كاد أن يؤدي بحياتها، ولكنها نجت منه بأعجوبة تاركاً أياها صماء وبكماء وعمياء. ولم يكن هناك أي أمل في أن تعيش عيشة تسمح لها بتقديم أي عطاء أو أن تستمتع بالحياة، ولكن وجود معلمة شابة ظهرت في حياة هيلين وهي في سن الثمان سنوات سمح لها أن تتعلم لغة الحروف الهجائية التي يتم من خلالها التحاور مع الآخر عبر استخدام اليد. وعندما بلغت هيلين العاشرة من عمرها تمكنت أن تتكلم بعد تعليمها كيفية تحويل الحروف الأبجدية اليدوية إلى أصوات تتلفظ بها. تمكنت هيلين من القراءة باستخدام تقنية الأحرف البارزة. وتمكنت خلال حياتها من اصدار ثمان كتب أغليها قصص للأطفال وواحدة منها هو سيرتها الذاتية.

هيلين تعرضت إلى موقف صعب جداً كتبت عنه في سيرتها الذاتية. هذا الموقف يتمثل بوقوعها في جرمية الإنتحال. فقد كتبت بنفسها في عام 1892، أي عندما بلغت الثانية عشر من عمرها، قصة بعنوان (ملك الجليد)، وأرسلتها إلى أحد المسئولين في مدرسة للعميان بمناسبة عيد ميلاده كهدية، وقام هو بطبعها في أحد تقاريره. ولم يمضي وقت طويل حتى تم أكتشاف أن هذه القصة مسروقة لأنها تشبه من حيث الفكرة والأسلوب قصة بعنوان (جنيات الجليد) كانت قد ظهرت قبل ولادة هيلين في كتاب بعنوان (بِردي وأصدقائه). لقد تم وصف هيلين ومعلمتها كذلك، بعدم النزاهة والخداع. وعلى أثر ذلك تم تقديم هيلين إلى مجلس الأساتذة في مدرسة العميان للتحقيق معها. وكان الهدف من التحقيق هو أثبات أن القصة الأصلية (جنيات الجليد) قد تم قرأتها إلى هيلين ولو لمرة واحدة على الأقل، لإثبات أنها قامت باقتباس القصة منها. ولقد خرجت هيلين من هذا التحقيق بحالة نفسية شديدة الصعوبة. تقول هيلين عن هذه التجربة: (عندما سُمح لي بالخروج في النهاية، شعرت بالدوخة. وعندما رقدت في الفراش تلك الليلة بكيت كثيراً، حتى تصورتُ أنني سأموت قبل انبلاج الفجر). ولقد فسرت هيلين كيف أنها قامت بهذا الإنتحال ــ دون أن تشعر ــ بأن هذه القصة كانت قد قُرأت من قبل أحدى صديقات هيلين في العطلة الصيفية عندما كانت معلمتها في أجازة. كان ذلك قبل أربع سنوات من قيام هيلين بكتابة قصتها. وتقول هيلين بهذا الشان: (وهكذا تبقى حقيقة ثابتة.. وهي أنني سمعت بهذه القصة ذات مرة، وثم نسيتها بعد سنوات. ويبدو أن ذكرى هذه القصة قد عادت إلى مخيلتي بشكل طبيعي، حتى إنني لم أتصور أنها من نتاج عقل آخر).

لعل البعض يرى أن مجلس الأساتذة في مدرسة العميان قد كان قاسياً على هيلين بالتحقيق معها وأتهامها بعدم النزاهة، فهي طفلة صماء وبكماء وعمياء، استطاعت تعلم الحروف الابجدية والنطق بعد سنوات طويلة من الدراسة والتعب. فهل تستحق مقابل جهدها هذا، هي ومعلمتها، بأن تعامل بهذه الطريقة؟. أليس من (الإنسانية) أن تعامل بطريقة تراعي حالتها (الصحية)، ويتم التغاضي عما قامت به من انتحال، خصوصاً وأنها لم تكن تشعر بأنها سرقت جهد أو فكرة شخص آخر، لأنها نسيت أنها كانت قد سمعت هذه القصة قبل أربع سنوات، وظنت أن القصة هي من بنات أفكارها؟. كل هذه التبريرات لم تشغل ذهن المسئولين في مدرسة العميان التي كانت تدرس فيها هيلين كيلر؛ لأن الإنتحال جريمة أخلاقية لا تسمح بها أي مؤسسة تعليمية سواء كانت مدرس أصحاء أو مدرسة عميان. الأخلاق يجب أن تكون لدى الجميع، وليس في هذا الأمر أي تساهل. الاخلاق لا تتجزأ. هذه الصرامة الأخلاقية في قضية الإنتحال هي أحد أسباب تقدم دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي هي القوة العظمى في عصرنا الحالي.

في العالم العربي، الإنتحال ممارسة يومية عادية لا يعتبرها أحد جريمة. فالمدرسون يمارسون الإنتحال عندما يقومون بأخذ محاضرات مدرسين أخرين وينسبونها لأنفسهم أو يدرسونها دون أن يشيروا إلى صاحبها. الباحثون في الدراسات العليا ينتحلون فقرات وموضوعات كاملة من رسائل ماجستير ودكتوراه أخرى وينسبونها إلى أنفسهم. باحثون بدرجة دكتوراه ينشرون بحوث أكثر من نصفها مُنتحل من بحوث أخرى. وقد وصل الحال مع مؤلفين كُتب أغلبها مقالات مأخذوة نصاً من الأنترنيت وينسبونها إلى أنفسهم. التعليم القائم على أساس الإنتحال هو تعليم لا يُعلم الشرف والأمانة بل يستسهل سرقة جهود الآخرين. إنه تعليم فاسد تم في مؤسسة فاسدة وتحت إشراف مدرسين فاسدين. من يتخرج من الجامعة حاملاً شهادة بكلوريوس أو ماجستير أو دكتوراه وهو لا يُقدر قيمة الشرف المعرفي والأخلاق العلمية لا يستبعد منه أن يسرق أموال الدولة أو جهود زملائه عندما يصبح موظفاً في الدولة أو عندما يحتل منصباً متقدماً فيها. فالشرف والأمانة لا يتجزئان، إنهما أمر واحد. من يسرق فكرة من بحث لينسبها إلى نفسه عندما كان طالباً، لا يتوانى عن سرقة جهود زملائه في العمل أو من يترأسهم وينسبه إلى نفسه ليحصل بها على أمتيازات أو علاوة أو ترقية أو مرتب أعلى. لأجل هذا قلنا ونقول: أن إصلاح التعليم هو الخطوة الأولى في أي عملية أصلاحية أو تنموية في البلاد العربية. والقضاء على الإنتحال هو أحد أهم خطوات الإصلاح هذه. فهل سوف نرى خطوات جادة بهذا الإتجاه أم أن الأمر مجرد قرارات على ورق؟



#واثق_غازي_عبدالنبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاطفال ليس لهم دين .. وسائل انتشار فايروس الدين عبر الأجيال
- أبناء مدينتي .. كيف يعملون؟ وكيف يحبون؟ وكيف يموتون؟
- ثلاث كُتب للشباب
- كُتب الدين الفايروسية
- مهزلة الفتاوى الجنسية
- الصراع بين الدين والعلم في أمريكا
- قصة المفهوم المعاصر لكلمة (حجاب)
- الحياة هي الوجدان
- الحاضر مفتاح الماضي
- المحتكرون
- الله لا يحب العبيد
- كُلنا نتبرك بروث البقر
- ديني أم دين آبائي؟
- احذروا من تدين الأبناء
- المبدعون مصيرهم جهنم
- عقدة الزواج الطائفي
- مأساة الثقة العمياء
- جرائم جيش الله المسيحي
- جرائم عقيدة المخلص
- توليستوي والمسيحية


المزيد.....




- بعد ارتفاع أسهم تسلا عقب الانتخابات الأمريكية.. كم تبلغ ثروة ...
- وزير الخارجية الفرنسي: لا خطوط حمراء فيما يتعلق بدعم أوكراني ...
- سلسلة غارات عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت (فيديو)
- هل تعود -صفقة القرن- إلى الواجهة مع رجوع دونالد ترامب إلى ال ...
- المسيلة في -تيزي وزو-.. قرية أمازيغية تحصد لقب الأجمل والأنظ ...
- اختفاء إسرائيلي من -حاباد- في الإمارات وأصابع الاتهام تتجه ن ...
- أكسيوس: ترامب كان يعتقد أن معظم الرهائن الإسرائيليين في غزة ...
- بوتين يوقع مرسوما يعفي المشاركين في العملية العسكرية الخاصة ...
- -القسام- تعرض مشاهد استهدافها لمنزل تحصنت فيه قوة إسرائيلية ...
- للمرة الأولى... روسيا تطلق صاروخ -أوريشنيك- فرط صوتي على أوك ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - واثق غازي عبدالنبي - الكاتبة الإمريكية (هيلين كيلر) وتهمة الإنتحال