|
مات المخزن ولم يمت المفهوم والتمثلات
مصطفى المنوزي
الحوار المتمدن-العدد: 5022 - 2015 / 12 / 23 - 14:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
سيظل المخزن كاصطلاح توظفه أطراف الصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ، كل من زاويته وخلفياته ، فهو فزاعة بيد البعض لاستمرار التمثلات التقليدانية ولتكريس تماهي وهجانة أنماط الانتاج ، مما يوفر امكانية استمرارية تداعيات « فوبيا » الاستبداد الشرقي الذي يتغذى من وصايا الفكر الوهابي ، في حين يفيد البعض في تغليف سلوكات التحكم المؤسساتية / الدولتية ، أجهزة و ثقافة ، في إطار الوصاية الأبوية كمصدر للحكم ، وتوظيف ذلك كمبرر للتحلي واحتكار شرعية الفصل والقضاء والتحكيم والإفتاء والإرشاد تحت يافطة الإمامة أو الإمارة ، والحال أن هذه السلوكات تحولت ، بالتراكم والتكرار ، إلى عقيدة لدى البعض الآخر تسلم ، استيلابا ودون انتباه ، بأن « أولياء الأمر » بتربعون فوق « الصراع » و فوق « الطبقات » ، فتتماهى السلطة الزمنية مع السلطة الدينية في شكل توليفة توحي بالتعادلية والوسطية كخصوصية تميز النظام السياسي ، وتؤكد تعايش الشكلانية اللبرالية كمظهر بدون محتوى ، اللهم ما يطفو على السطح من تمثل لحرية الملكية ، الرأسمال والقوة و الحكم ، في ثنائية مرتبكة و غير متناغمة أحيانا ، مع الجوهر التقليداني ، الذي يستند على الريع والدين والشرف ، إلى درجة أن عددا كبيرا من « المعارضين » الذين تخلوا عن أدوات التحليل المادي التاريخي ، صاروا أيضا ضحايا التعويم الديماغوجي الذي يختزل ، عمدا ، الصراع في ثنائية « الشعب والمخزن » ضدا على ما يقتضيه قانون « وحدة وصراع المتناقضات » ، فكيف يمكن لعاقل أن يتجاهل أهمية تحليل وتوصيف فسيسفاء التشكيلة الاجتماعية والاقتصادية ، وهو يعلم جيدا أنه قوض مرتكزات الاختلاف والتناقض الأساسي بين مالكي وسائل الانتاج ومنتجي الثروة بخدماتهم ، والذين لا يملكون سوى قوة عملهم ؟ فهل بذلك يبتغون ممارسة التضليل للتهرب من أداء كلفة الاصطفاف الاجتماعي / الطبقي ؟ ألا يضر هذا التعويم ، المقصود ، بالحركة التلقائية للانتماء للجماعات أو للوطن ؟ ألا يدفع هذا « الكسل » في التحليل والتمييز بين مكونات الصراع إلى صعوبة تحديد التناقضات بين المحافظين و حلفائهم الطبيعيين داخل التحالف الطبقي الحاكم وبين حاملي مشروع التغيير الديموقراطي ؟ قد يبدو في الوهلة الأولى أن هذه الضبابية قد تفيد في استقطاب ، إلى الصفوف ، كل خصوم وأعداء أو معارضي الطرف الحاكم ، كتكتيك ليس إلا ، لكن هنا يغيب أو يتم تجاهل أن هذه الطريق غير سالكة ، مادام عمق الصراع بين طرفي تلك الخصومة ، يكمن حول السلطة السياسية ، وأي سلطة ، طبعا ذات الخلفية التنازعية المؤسسة على وللشرعية الدينية ، إنها معركة خاسرة ، في ظل هشاشة مقومات الإمساك بالقيادة والتدبير « التشاركي » ، فالطلائعية لا تتوفر بالصراخ والمزايدات والشعارات حول من يعشق الوطن أكثر من الغير ، فمن يتبنى استراتيجية النضال الديموقراطي ليس كمن ينشد خلاص « الأمة » ، صحيح أن ما يجمع بين طرفي النقيض هو طموحهما « الأممي » لكن شتان بين غايات الأمميات الاشتراكية والشيوعية وبين أهداف ووسائل مكونات تنظيمات « الأمة » الدينية أو القومية ، فهل هذا اقتناع راسخ بينهما أم مجرد حنين ل« طوباوية » الفوضوية التي لا تعترف لا بالإله ولا بالسيد ، أو ل « أمجاد » السلف الصالح والخلافة الرشيدة ؟ من هنا تأتي أهمية الوضوح الفكري الذي يحرر الثقافي من تبعيته لهيمنة السياسي ، لأن المراهنة على توصيف الجهات الحاكمة على أنها « مخزن » ، دون تمييز بين من يهيمن إقتصاديا وبين من يحكم سياسيا ، من شأنه توليد صعوبات ومفارقات ، أهمها ضياع امكانية ترتيب الأولويات والتكتيكات والتحالفات ، وفرص التفكيك وإعادة التركيب بشكل واقعي وعقلاني ، فليس الغموض سوى إحدى وسائل القمع الايديولوجي التي تشرع للعنف والتعسف في استعمال القوة والسلطة والقانون باسم الشرعية الدينية أو الضرورة « التاريخية » للدولة كجهاز وكطبقة ، تماهيا واندماجا ، مما يكرس الوهم باستحالة تحولها وتحديثها بعلة أن طبيعتها « مخزنية » تصنع « المخزن » وتعيد إنتاجه وتنميه بصفة مستدامة ، هذا المفهوم الذي سيظل ، عبر التمثلات نفسها ، يوحي بتماهي الوطن مع النظام السياسي ومع الدولة نفسها ، فيتحول « الشعب » أقلية ويظل الاستيلاب عالقا يكرس منطق الغلبة ، ونصير جميعا ضحايا الوهم بضرورة التنازل عن مطلب دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع ، مادام المنطق الصوري يقتضي أن نتمثل بأن الديموقراطية اللبرالية ، كوصفة سحرية هي حكم الأغلبية ، وحسبي أكرر، بحماس فائض ، مع القائلين « عاش الشعب » لأن مفهوم الشعب مات ، وينبغي أن نعدم معه مفهوم المخزن الذي لازال يعشعش في العقليات ، وما أعظم أن نحرص على حياة الوطن كواقع وليس كأحلام
#مصطفى_المنوزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البعد الحقوقي والديموقراطي وتحديات مقاومة زمن الإرهاب
-
من أجل أنسنة العلاقة بالاتصال والحوار
-
من أجل ربط الحق في التنمية بالحق في الأمن الإنساني
-
بيان صادر عن سكرتارية شبكة أمان
-
في الحاجة إلى تحيين منهجية النقد الذاتي
-
رسالة إلي كل من يهمهم الأمر
-
الذئبان والثعلب
-
حديث الجمعة 01
-
الآن فقط فهمت
-
تحصين السيادة الحزبية مدخل لدمقرطة التعاقدات السياسية
-
حديث الجمعة
-
لماذا أنا ضد المطالبة بالمنع؟
المزيد.....
-
نجل ترامب يرد على تقارير حول تدخله وشقيقه في اختيار المرشح ل
...
-
القاهرة: إسرائيل تشن حرب إبادة ضد غزة
-
الداخلية السورية تصدر بيانا بعد ضجة على مواقع التوصل عن حالا
...
-
دراسة: المشروبات الغازية واللحوم المصنعة تزيد من خطر الوفاة
...
-
حل مبتكر لمنع اختراق الأجهزة المنزلية الذكية للخصوصية
-
عواقب الكسل المفرط
-
تحذيرات من طرق احتيالية جديدة لاختراق حسابات -تليغرام-
-
-نيوزويك- تكشف خطة ألمانية لإرسال مئات آلاف من جنودها وعناصر
...
-
ميرسك تحذر من -تداعيات عالمية- بعد اضطرابات البحر الأحمر
-
رئيسة بلدية باريس تسبح في نهر السين في تأكيد لنظافته قبيل اف
...
المزيد.....
-
فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا
...
/ نجم الدين فارس
-
The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun
/ سامي القسيمي
-
تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1
...
/ نصار يحيى
-
الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت
...
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
هواجس ثقافية 188
/ آرام كربيت
-
قبو الثلاثين
/ السماح عبد الله
-
والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور
/ وليد الخشاب
-
ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول
/ بشير الحامدي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
المزيد.....
|