|
سيريزا: أزمة الرأسمالية أم أزمة بديلها الثوري ؟
منظمة العمل الشيوعي - تونس
الحوار المتمدن-العدد: 5020 - 2015 / 12 / 21 - 15:51
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
(مقال نشر بالعدد الثاني من جريدة الشيوعي الصادرة عن منظمة العمل الشيوعي)
تمثل تجربة جبهة سيريزا في اليونان إحدى أهم تجارب اليسار العالمي في العشرية الأخيرة فقد أعادت هذه التجربة طرح محاور ومواضيع كانت منذ إصدار البيان الشيوعي إلى حدود تشكل ما يسمى باليسار الجديد محاور صراع وتباين رسم حدودا وتخوما داخل قوى اليسار عموما وداخل اليسار الثوري بصفة خاصة، محاور خفّت حدّة تناولها بل أسقطتها قوى وتصورات من جدول صراعها وجدالها منذ انهيار الاتحاد السوفياتي بحجة نهاية الإديولوجيا والانتصار النهائي للرأسمالية وضرورة القبول بذلك والتعايش معه وسنتناول هنا ثلاثا من هذه الموضوعات في محاولة لاستخلاص بعض الدروس من نضالات الشعب اليوناني في السنوات الأخيرة ومن طروحات وخيارات ما عرف بجبهة اليسار الراديكالي"سيريزا" وهي : - أزمة الرأسمالية - النضال البرلماني - الجبهات والعمل الجبهوي أزمة الرأسمالية: إنّ المتأمل لتطورات الوضع الدولي منذ الأزمة المالية العالمية 2008 إلى اليوم يسجل دون مجهود بحثي كبير الأزمة التي عصفت باليونان منذ 2010 تقريبًا والتي ترافقت بتحركات شعبية ضد تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ثم كانت الانتفاضات العربية التي كانت المطالب الاقتصادية والاجتماعية في قلب شعاراتها والتي جوبهت كلها بتدخل امبريالي اختلفت أشكاله من رعاية انتقال ديمقراطي يتجه نحو تعميق المديونية وفرض التقشف وتفقير المنتجين إلى حروب رجعية بالوكالة من أجل السيطرة على مقدرات الشعوب وثرواتها (النفط والغاز أساسًا) وتكريس الهيمنة والنفوذ في منطقة ذات أهمية إستراتيجية في صراعات الهيمنة وإعادة اقتسام العالم ثم أتت الأزمة الأوكرانية والتي اتخذ الصراع فيها أيضا طابعا عسكريًا كما تعددت الهبات الشعبية الكبرى المناهضة للرأسمالية في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وغيرها في أنحاء العالم. تفيد كل هذه المؤشرات إلى كون "النظام العالمي"، الرأسمالية في طورها الامبريالي المتجدد المعولم تتخبط في أزمة حادة وأنّ لا حلول لتناقضاتها اليوم سوى تعميق تداين الدول المهيمن عليها أو حتى بعض الدول الطرفية في الأقطاب الرأسمالية تجاه الدوائر الرأسمالية الامبريالية، صندوق النقد الدولي,البنك العالمي,الاتحاد الأوروبي، وما يعنيه ذلك من فرض لسياسات تفقير الشعوب التي تولد ضرورة هبات وانتفاضات وثورات. أو تفجر الحروب الهادفة إلى إنعاش اقتصادياتها (اقتصاديات الحرب من تسليح وإعادة إعمار إلى غير ذلك) وإلى الهيمنة على الموارد الطبيعية (نفط,غاز,يورانيوم..). وإنْ كانت البرجوازية في الأقطاب الامبريالية خلال السيرورة العادية تعمل على تخفيض حدة التناقضات الطبقية من خلال تخصيص جزء طفيف من الأرباح الضخمة التي تكسبها جراء نهب الشعوب المضطهدة لإجراء بعض الإصلاحات لصالح العمال في إطار طمس الوعي البروليتاري الثوري فإنها في لحظة الأزمة تمضي قدما في ضرب مكتسبات الطبقة العاملة الاقتصادية والاجتماعية داخل الأقطاب الامبريالية وانتهاج أقصى درجات القمع مما يعزز من امكانات صعود حركات اليمين المتطرف و الفاشية داخلها. مؤشر آخر على تخبط الرأسمالية في أزمة خانقة تجلى بوضوح في السنوات والأشهر الأخيرة وهو تعمق الصراعات داخل أقطابها وتجاوزها لمستوى الصراع بالوكالة الى مستوى المواجهة أو التسوية المباشرة ومن أبرز الأمثلة على ذلك الملف النووي الايراني والدور الرئيسي والمكاسب المحققة من التسوية بالنسبة لروسيا إضافة إلى دخولها بمشاركة من الصين بصفة مباشرة الحرب السورية. و بالعودة الى اليونان كانت إجابة صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي على الأزمة اليونانية التي أوصلت البلد إلى حافة إعلان الإفلاس مع ما لذلك من تداعيات على الاتحاد الأوروبي سواء اقتصاديًا أو سياسيًا هي مزيد من القروض ومزيد من التقشف مما عمق حالة الاحتقان والاحتجاج الشعبي وأوجد سياقا يسمح للطروحات والتصورات اليسارية بالصعود صلب المجتمع اليوناني وفي هذا السياق كان فوز حزب/ جبهة سيريزا في الانتخابات وكان تصويت اليونانيين ب " لا" على استفتاء 7 جويلية 2015 ضد شروط الدائنين، فوز" لليسار" ورفض لشروط الدائنين تزامنا مع تعبئة شعبية كبرى و حالة من تصاعد العداء للرأسمالية تجسد في عودة رايات الشيوعية للشوارع والساحات وفي عودة الشعارات المناهضة للامبريالية وللنظام الرأسمالي في مشهد يشكل هو الأخر أحد وجوه أزمة الرأسمالية. -;- النضال البرلماني: وصفنا في العنصر السابق بعض أوجه أزمة الرأسمالية وسجلنا أنها أزمة عميقة تمتد منذ سنوات فهل هي أزمة ستفضي إلى انهيارها؟ يشكل التوجه البرلماني الذي كان أحد ركائز تأسيس سيريزا جزءً من الإجابة عن سؤال هل ستنهار الرأسمالية فهذا التوجه والخيار يعكسان وبصفة جلية أنّ نقيض الرأسمالية لم ينضج بعد فأكبر الحركات المناهضة للامبريالية إمتدادًا وقدرة على التعبئة وأكثرها راديكالية مقارنة بالاشتراكيين الديمقراطيين وحتى ببعض الشيوعيين الأوروبيين تنتهج نهجا برلمانيًا ولا ترى سبيلا للفعل خارج هذا النهج فرغم فوزها بالانتخابات وتصويت الشعب اليوناني ب"لا" ضد شروط الدائنين المذلة قبلت حكومة "تسيبراس" بتلك الشروط شروط وقبلت بأنْ تكون خادمًا ومنفذا لأحد مخططات الرأسمالية المتأزمة لتنفيس أزمتها: مزيدًا من الديون مقابل مزيد من التقشف وتفقير الشعب مثبتتًا بذلك مرة أخرى أنّ: "الديمقراطية البرلمانية أبرز وسائل حماية النظام السياسي وتجديد قدرته على مواصلة اضطهاد الطبقة العاملة و عموم الكادحين في ظلّ حٌكم البرجوازية سواء في الدول الرأسمالية _ الامبريالية أوْ في جزء من المستعمرات وأشباه المستعمرات ". (*) لم يكن هذا الخيار مفاجئا فسيريزا وإن كان من الإجحاف وصفها بالبديل الامبريالي لمجرد اعتمادها على تكتيك النضال البرلماني هذا إضافة إلى طبيعة القوى المشكلة لها: مجموعات مناهضة للرأسمالية، تشكيلات نقابية واجتماعية، حركات شبابية راديكالية، فإنّها لم تكن كذلك بديلا شعبيا .يقول "يانيس فاروفاكيس" وزير مالية سيريزا الشهير: "هل علينا أنْ نرحب بأزمة الرأسمالية الأوروبية هذه باعتبارها فرصة لاحلال نظام أفضل محلها أمْ علينا أن نقلق منها ونشرع في حملة لأحداث استقرار في الرأسمالية الأوروبية، بالنسبة لي الإجابة واضحة". وكانت تلك الإجابة الواضحة: العمل على إحداث استقرار في الرأسمالية الأوروبية هي التي شكلت خط سيريزا حماية لأوروبا من "اجتياح قوة رجعية خطيرة" والمقصود هنا هو اليمين المتطرف "الفجر الذهبي" في اليونان مثالا... وهنا تطرح عديد الأسئلة: - أي موقع اليوم للنضال البرلماني ضمن مشاريع المقاومة عموما والنضال الشيوعي خاصة؟ - هل ممارسة الدعاية والتحريض مازالت تستدعي تستدعي التواجد ضمن هاته البرلمانات؟ - هل مشروع المقاومة يبنى عبر القبول بالاندماج ضمن المنظومة أم عبر فك الارتباط بها والالتحام بالجماهير وتنظيمها وقيادتها من أجل تحقيق مكاسب مرحليا وافتكاك السلطة استراتيجيا؟ -;- الجبهات والعمل الجبهوي: تشكلت مسألة تشكيل الجبهات والعمل الجبهوي محور تفاعل رئيسي ضمن قوى اليسار في تونس وفي الوطن العربي عموما إثر موجة الانتفاضات العربية ولعلّ من أبرز التجارب التي يمكن تسجيلها في هذا المستوى تجربة الجبهة الشعبية في تونس وقد جاءت تجربة حزب/ جبهة سيريزا لترسم في مستوى الخطوط الكبرى آفاق تجربة الجبهة الشعبية وحدودها القصوى لكون الجبهتان رغم اختلافاتهما البنيوية ورغم اختلاف تاريخ اليسار عمومًا واليسار الثوري بشكل خاص من تونس إلى اليونان تشتركان في اعتبار النضال البرلماني كل النضال والشكل الرئيسي والوحيد للتغيير (تتعاطى الجبهة الشعبية في تونس مع دعوات المقاطعة للانتخابات منذ تأسيسها إلى اليوم بمنطق تخويني وتكفيري ولا تطرح إزاء أيّ محطة انتخابية جدوى المشاركة فيها) وبقطع النظر عن التقييم المفصل للجبهتين يمكن أنْ نستخلص أن إمكانات الفعل والانخراط في حركة الصراع الطبقي تتعاظم بصفة واضحة كلما تشكل اليسار واليسار الثوري على وجه الخصوص في جبهات (تجربة الجبهة الثورية الناشئة في تونس) وأنّه خارج هذا التوجه يبقى دوره ومجال تأثيره محدودًا جدا في هاته المرحلة كما تتغذى الحلقية وكلّ أمراض الزعاماتية والانعزالية. لكن السؤال المطروح اليوم في أيّ جبهات وجب على الشيوعيون التواجد وهذا مبحث مفصلي يطرح على الشيوعيين وسنورد هنا بعض التصورات والتساؤلات بهذا الصدد : 1. أي موقع للجبهات الاديولوجية (الماركسية) في السياق القطري والقومي والأممى اليوم ..؟ 2. أي موقع للتشكيلات والتنظيمات الاجتماعية/ الاقتصادية من جمعيات، نقابات، هيئات ثقافية داخل الجبهات الثورية ؟ 3. أي تحديد للمرحلة، مرحلة النضال الثوري من مقاومة إلى توازن استراتيجي إلى هجوم استراتيجي يجب أن يجمع مكونات أي جبهة ؟ 4. تحديد الموقف من الإنتخابات على أساس أنّ " إن خطيئة الأممية الثانية، خطيئتها المميتة ليست في أنها انتهجت في عهدها خطة استخدام أشكال النضال البرلمانية بلْ في أنّها قدرت أهمية هذه الأشكال بأكثر مما هي وكادت تعتبرها الأشكال الوحيدة فلما جاءت مرحلة المعارك الثورية المباشرة واحتلت مسألة أشكال النضال غير البرلمانية المكان الأول أدارت أحزاب الأممية الثانية ظهرها للمهمات الجديدة ورفضتها " (لينين).
(*) نص "خيارنا مقاطعة..نهجنا مقاومة" (منظمة العمل الشيوعي)
#منظمة_العمل_الشيوعي_-_تونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وحدة الثوريين والمهام الراهنة
-
معركة الثروات الطبيعية... من أجل فهم أعمق
-
الجبهة الثورية: السياق والمهام
-
لماذا الشيوعي ؟
المزيد.....
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|