|
التطرف : كلنا بالهوا سوا.....
احمد عسيلي
الحوار المتمدن-العدد: 5020 - 2015 / 12 / 21 - 01:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل التطرف أو الإرهاب مشكلة اسلامية ؟ أتفق تماما مع كل الآراء التي تدعوا إلى تحديث الإسلام فقها و خطابا ، و أعتقد أننا نعيش واقع مؤلم نتيجة تقاعس النخبة في العالم الإسلامي عن القيام بهذا التحديث و تفعيله داخل العقلية الإسلامية ، لكن و بعيدا عن أي رد فعل مستعجل ، و بكل صراحة و مسؤولية ، هل الإرهاب هو مشكلة عالمنا الإسلامي فقط ؟ لغة الإعلام العربي ( المصري و السوري خاصة ) كما لغة الإعلام الغربي ، تردد نفس الأسطوانة دائما ، لكن للواقع حقائق أخرى !!!! ربما يكون من قام بالهجمات الإرهابية في باريس مسلما ، و قام بهذه الهجمات لدوافع دينية ، لكن هل هذه الهجمات هي الأولى و الفريدة من نوعها ؟ أنسيتم ( يا سادتي يا كرام ) المواطن السويدي أنطون لوندين بترسن ، الذي هجم على مدرسة للآطفال في السويد و قتل شخصين بريئين على أسس عرقية ، وفقا لتصريحات الشرطة في السويد ؟ أنسيتم فورا أحداث عام 2011 في النرويج ، و قبل حلول مشكلة اللاجئين أصلا ، حين قام المواطن (النرويجي الأبيض ) اندرس بريفييك بفتح النار على 77 شخص ؟ ماذا تسموا هذه العمليات ؟ أليس الارهاب هو القتل على اسس دينية أو عرقية أو الموقف السياسي ؟ إذن هذه العمليات هي إرهابيية و بكل المعايير و قام بها أشخاص أوربيون من أصول أوربية ، و قد تلقوا تربية أوربية ، بل و في أرقى دول أوربا أيضا . لماذا لم نر الإعلام ، لا العربي و لا الأروبي ، قد تناول قضية الإرهاب اليميني كما يتناول قضية الإرهاب الإسلامي ؟ لماذا لم نر الإعلام يسلط الضوء على الإرهاب اليهودي ، بعد قيام أحد المستوطنين اليهود بقتل طفل فلسطيني عمره سنة و نصف ؟؟ ماذا نسمي الشخص الذي يعتدي على طفل بعمر السنة و النصف و على أسس عرقية و دينينة ؟ أليس إرهابيا و تطرفا ؟ ماذا تسموا هذا المتطرف اليهودي الذي طعن فتاة بعمر الورد في مسيرة للمثليين في اسرائيل ؟ أليس متطرفا إرهابيا يهوديا ؟ لماذا لم نسمع أبدا أي حديث عن التطرف الأوربي ولا اليهودي ؟ حتى لغة الأرقام تؤكد ذلك ، فوفقا لما نشره موقع روسيا اليوم ، فإن أوربا في عام 2013 ، شهدت 152 هجمة إرهابية ، 84 منها قام بها أوربيون على أسس عرقية و انفصالية ، و 2 منها فقط على أسس دينية . لكن الأغرب و الأكثر غرابة هو تحليل الأسباب التي أدت الى صعود اليمين المتطرف الأوربي و اليهودي . فالجميع يتفق على أن سبب هذا الصعود هو أزمة اللاجئين و ما تحمله من عبئ اقتصادي و اجتماعي أثر سلبا على حياة المواطنين في أروبا ؟ أنا أتفق معكم تماما يا سادتي ، فالتغيرات السلبية في طبيعة الحياة ، تدفع الإنسان الى التطرف ، و هذا مثبت تماما في علم النفس الإجتماعي ، لكن ما رأيكم في التغيرات التي حصلت في حياة شعوبنا ؟ ما رأيكم بالقصف الكياوي لدوما ، و بتحول نصف الشعب السوري الى لاجئين ؟ ما رأيكم في الأزمة الإقتصادية في مصر ؟ من متوسط للرواتب لا يتجاوز المئة يورو شهريا ؟ ما رأيكم في المواطنين السوريين الذين يرون طيران العالم كله ، شرقه و غربه و خليجه ، يحوم في الأجواء السورية قاصفا الأحياء و المدن و موقعا يوميا عشرات الشهداء ؟ نعم ، أتفهم تماما تطرف الأوربي نتيجة توافد عشرات آلاف اللاجئين إلى بلاده و مقاسمته رزقه و حياته !! لكن كيف سيكون ردة فعل السوري الذي لم تبق بلد في العالم إلا و استعرضت عضلات طيرانها فوق أجوائه و قصفت أهله و أكثر الأماكن قربا الى قلبه ؟ كيف سيكون موقف المصري الذي يرى قوات الأمن في بلاده تقتل المواطنين في الشارع و بمباركة دولية ؟ كيف سيكون موقف السوري الذي فقد كل شيئ و العالم ما زال يتحدث عن ضرورة الحل السياسي ؟ نعم هناك تطرف إسلامي عنيف جدا ، لكنه ليس صناعة اسلامية ، بل صناعة دولية . القاعدة نفسها و بن لادن نفسه صناعة أمريكية خليجية ، القاعدة لم تكن نتاج فقهي إسلامي ، بل نتيجة لعب مخابراتية دولية ، و إن تبعها لاحقا بعض المتغيرات في المجال الفقهي ، لكنها صناعة دولية أصلا و كلنا كسوريين نعرف ، أن محافظة الرقة ، مركز داعش الحالي ، لم تكن يوما حاضنة للتطرف ، بل كانت مدينة ليبرالية ، أهلها مثقفون مسالمون ، و كانت هي و طرطوس ، المدينتين السوريتين الوحيدتين اللتين تطبقان مبدأ التعليم المختلط ، أي أن الطلاب من الجنسين يدرسون معا ، و لا توجد مدارس للبنات و أخرى للصبيان ، الرقة لم تكن أبدا بيئة حاضنة للتطرف و التربة بها لم تكن أبدا تربة داعش ، لكن داعش فرضت فرضا عليها ، بالمختصر ، التطرف الحالي مشكلة أوربية يهودية إسلامية ، و يجب أن نتعاون جميعا على القضاء على هذا الوباء الدولي ، و بمشاركة دولية واسعة ، و يجب على الأوربيين أن لا يكرروا حماقة الأنظمة الدكتاتورية العربية ذاتها ، بتضييق الخناق على جميع الإسلاميين و حشرهم في الزوايا الضيقة ، فعواقب هذه التصرفات ستكون وخيمة على الجميع ، و لا أعتقد أن الوضع في بلادنا يشجع أي دولة أخرى على تكرار تجارب التعامل مع الشعوب كما تتعامل أنظمتنا مع شعوبها ، فالنتيجة واضحة و صارخة . نعم التطرف مشكلة دولية ، لكن أولى الخطوات القضاء على هذا التطرف ، هو مساعدة المسلمين على بناء أنظمة ديمقراطية حقيقية ، و إحداث تغييرات عميقة في بنية العقلية اليهودية المتطرفة ، و العمل على المستوى التربوي من أجل تخليص الجيل الأوربي الناشئ من عقلية التطرف اليميني . هكذا يصبح عالمنا أجمل ، هكذا نستطيع بناء حضارة تفتخر بها الأجيال القادمة.......
#احمد_عسيلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لم أرتكب أي جريمة في باريس
-
أوراقكم مكشوفة أيتها المؤسسات الدينية
-
المثقفين السوريين و تحطيم تمثال ابراهيم هنانو
-
أهلا بكم في جمهوريات الكلام
-
التطرف أيضا من مقومات بناء الأمم
-
الإعلام المصري : شر البلية ما يبكي
-
سقوط الإعلام المصري : برنامج المستخبي نموذجا
-
فيلم الفيل الأزرق : أخطاء طبية فادحة و معلومات مضللة
-
للأسف يا سعد الدين ابراهيم
-
لماذا اغتالوا سعادة ؟ قراءة في تاريخ لبنان الحديث
-
أخطاء التمثيل في المعارضة السورية
-
المجتمع السوري و التطرف
-
الثورة : نشوة الجسد و التعري
-
نحن جيل الهزيمة
-
فيلم مترو : الوصول بالسينما إلى الحضيض
-
فيلم الخروج للنهار أناقة السينما المصرية
-
هيا بنا نلعب سياسة
-
الذكاء السياسي لجبهة النصرة
-
عشرة أعوام على الربيع الكردي السوري
-
فيلم أسرار عائلية :حين تنتصر لغة الجهل
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|