|
قول الإسلام في وجود الإنسان
سيد القمني
الحوار المتمدن-العدد: 5019 - 2015 / 12 / 20 - 23:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سيد القمني التأملات الثانية في الفلسفة الأولى 10 قول الإسلام في وجود الإنسان ( 1 ) يحكي لنا كتاب الإسلام المقدس ( القرآن ) قصة خلق أب للبشرية باسم ( آدم ) في قوله : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ، قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ؟ قال إني أعلم ما لا تعلمون / 30 / البقرة " . وعلى هذا القص القرآني قيلت أحاديث وصيغت روايات ووضعت تفاسير وابتُكرت تأويلات ، جمعها وحشدها لنا : العالم العلامة والحبر الفهامة : الإمام أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي في كتابه : ( التبصرة ) طبعة المكتبة العربية بيروت ط 1 سنة 2004 ، وهو الحشد الموجز لكل ما لحق خلق آدم من أقوال وتفاسير وفيقهة ، ييسر لنا مهمة البحث والفهم والمناقشة . يبدأ بن الجوزي تبصرته لنا بقوله : " لقد اختلف العلماء على المقصود بإعلام الملائكة بخلق آدم عليه السلام ، وجاء هذا الاختلاف على تسعة أقوال : أحدها : أنه أراد إظهار كبر إبليس ، وكان قد خفى على الملائكة لما يرون من تعبده ، رواه الضحاك وبن عباس " . أبدا لم يوضح الله في القرآن مقصده من خلق آدم لملائكته أو لغيرهم ، لأن المفروض لأفعاله حسب مفهوم الألوهية لاتأتي نتيجة لسبب ولا تبريراً لقصد ، لأن ذلك يعني أن السبب أو القصد هو ما دفع الله إلى إتيان فعله فتنتفي عن الله حرية الإرادة ، ولو كانت أفعالة غير مسببة ولم تحدث بقصد دافع لغابت تلك الأفعال وانعدمت بانعدام الأسباب والمبررات والمقاصد ، أي تصبح أفعال الله محكومة بالأسباب مشروطة بالمقاصد ، بينما مفهوم الألوهية المتفردة يعني ضمن ما يعني عدم قيام أفعال الله على المقاصد ، لأنه مُنزه عن الاحتياج للمقاصد ، فالمقصد علة تدفع صاحبها للعمل ، وتكون السيادة للعلة والدافع كما هو حال البشر ، فالإنسان مُجبر على الهروب من الحريق والجائع مجبر على السرقة ، وعليه لا يصح أن يكون فعل الله معلولا لعلة ، ويكون طرح السؤال عن مقصد الله هو انتقاص من قدرته الكلية في فعل مايريد ، وإذا كانت الآيات لم تتطرق لإعلام الملائكة بقصده وقراره بخلق آدم ، فهو مايعني أن الله أراد ستر رغبته وعدم الإفصاح عن غرضه ، كان ممكناً أن يقول لهم ما ستره ، لكنه لم يفعل . لكن فقهاؤنا قرروا أن يفعلوا وينقبوا في المقاصد الربانية والدوافع الإلهية على عكس الإرادة السماوية . " واختلف الفقهاء في مقصد الله من إعلام الملائكة بخلق آدم على عشرة أقوال أولها هو إظهار تكبر إبليس الذي خفى على الملائكة بسبب تعبده الظاهر " ... وهو ما يعني أن عبادته وصلواته في حضرة الإله لم تحسن من أخلاقه ولم تهذب طويته ولم تنهه عن المنكر . وقول الفقهاء الثاني في مقصد الله من إعلام الملائكة بخلق آدم ، وينسبه بن الجوزي إلى الحسن وهو " ليبلو طاعة الملائكة " ؟ ! ، كما لو أن الله ماكان ليدرك طاعتهم إلا بهذه الوسيلة الاختبارية بعمل إمتحان يجرب به طاعتهم ليعلم ؟ ! وجعل معرفة الله لقدر طاعة الملائكة لا تكون إلا بامتحان وابتلاء واختبار عملي ، والمعنى أنه لولا امتحان الطاعة هذا لظلت طاعة الملائكة لله غير مُدركة ومشكوك في مقدارها عند الله ، ومن ثم يسقط فقهاؤنا عن الله أهم صفاته أنه وحده العالم بما تخفي الصدور . والقول الثالث في الحشد التفسيري والفقهي الذي يقدمه لنا بن الجوزي كتقرير جامع للأقوال بشأن خلق آدم وليس رأياً له ، القول هو : " أنه لما خلق الله تعالى النار ، جزعت الملائكة ، فقال : هذه لمن عصاني ، فقالوا : أو يأتي علينا يوم نعصيك فيه ؟ فأخبرهم بخلق غيرهم ، قاله بن زيد " . يقدم بن الجوزي رواية بن زيد كتقرير وصفي لحدث وحوار قد حدث و دار في السماء بين الله والملائكة ، وصف فيه حتى ما رأى على وجوه الملائكة من مشاعر أوضحت جزعها من خلق النار ، وأدرك بن زيد هذه المشاعر كما لاحظها الله بدوره فقال لهم مهدئاً من روعهم : هذه لمن عصاني ، فذعرت الملائكة أكثر وتساءلوا جزعين : هل سنعصاك يوماً ؟ فرد باقتضاب موجز لا يفصح عن القصد ولا المقصود : أن النار خلقت لغيركم . إذا كان هذا الحوار قد جرى فعلا فهو لابد أن يكون كلاما مقدسا يجب حفظه والتنبيه عليه كتصوير لحدث رفيع حدث في السماء بين الملائكة وذي الجلال والإكرام ، فما رواه بن زيد هو قول وكلام إلهي ولم يتم حفظه بالقرآن ، فهل يتم تصنيفه ضمن الأحاديث القدسية أم ضمن الصحيح كرواية قدسية سماوية حضرها بن زيد كشاهد مباشر ؟ لنر القول الرابع في دُرة مكتبتنا الإسلامية : " والقول الرابع أنه سبحانه وتعالى أراد إظهار عجزهم ( أي الملائكة ) عما يعلمه ، لأنهم قاسوا على حال من كان قبل آدم ، عندما قالوا : أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " ، وهذا القول الرابع يعني أن الله يريد تأكيد المُؤكد وتعريف المُعرف ، لأن عجز الملائكة عن علم الله مؤكد لا يلزمه شرح وإيضاح ، ولو أنهم لم يفهموا أنهم أعجز من الله لكفروا ، كما أنه لايصح تفسير أفعال الإله بالقياس ، وكان قياسهم على فِعل فَعله الله من قبل آدم على الأرض ، الملائكة هنا ترجم بالغيب وتشكك في قدرة الله على إتقان الصنعة ، وتتهمه ضمنياً بالعجز ، وتظهر الله بحاجة لتقديم دليل يفيد بأنه أعلم من الملائكة وأن الملائكة أعجز منه ، بينما واقع الأمر أن كلا الطرفين يعلم ذلك وليس بحاجة للدليل ، الملائكة في هذه الرواية تجعل الملائكة تسأل الله : هل تريد تكرار خطأك الأول أيها الإله ؟ ، رواية تجعل الملائكة في مكان المُذكرين والناصحين والمخطئيٍّن والمستهجنين والمنبهين لله . " والقول الخامس : إن الملائكة التي طردت الجن من الأرض قبل آدم ، أقاموا في الأرض يعبدون ، فأخبرهم إني جاعل في الأرض خليفة ليوطنوا أنفسهم على العزل " ...... وهنا تدبيج لمشهد سينمائي من نوع ( فلاش بك ) ، نعلم منه في لقطة من الماضي لم نكن نعلمها ، أن هناك ملائكة قد تركوا السماء وهبطوا إلى الأرض ، للقيام بمهمة جليلة وهي طرد الجن من الأرض والسكن محلهم بأمر من الله وتنفيذاً لمشيئته ، فالملائكة مخلوقين على الطاعة المطلقة ومجبولين عليها وهذه عبادتهم ، وأصل وجودهم سماوي لكنهم أطاعوا وهبطوا الأرض لطرد الجن ، فإلى أين ذهب الجن المطرودين ؟ لم يخبرنا الإمام الحكواتي ، تم طردهم وكفى ، وربما لو كان الحاكي يعلم بوجود كواكب أخرى لحل المشكلة ولقال أنها أصبحت مأوى الجن ، وطرد الجن إلى أي مكان لايغير شيئاً فسيظلون داخل كون الإله وتحت سلطانه ، ولن يحسن تغيير المكان من وضعهم ، نحن أمام مشهد لعملية غير مجدية فقد طُرد الجن من ملكوته إلى ملكوته في عالم الإله المتين ، حتى الحبكة الدرامية شديدة السخف واللامعنى ، وخيال سقيم أفلام هوليود البدائية أكثر منه احتراماً لعقل المتلقي . غرض الرواية الموجز القول بأنه قد تمت عملية تهيئة للأرض بطرد الجن بملائكة ثم أمر الله الملائكة بالرحيل عن الأرض ولم عزالهم منها للساكن الجديد آدم . " والقول السادس : أنهم ظنوا أن الله لا يخلق خلقاً أكرم منهم ، فأخبرهم بما خلق " وهو قول يتضمن الظن في الله بالنقصان فهو كفر منهم بقدرته المطلقة ، والتي لا يصح أن تكون محل شك من حاشيته الملائكية ، هو ظن لا يجوز مع من يعيش ملكوت الله السماوي ويعرفة يقيناً . " والقول السابع : إنه عليم بما سيكون ، ليعلموا علمه بالحادثات " ... وهو بدوره قول لغوب ، فأن يعلم الملائكة أو لا يعلموا أن الله عليم بالحادثات لن يعود على الله بشئ كي يريد تعريفهم بها ، فعلمهم وعدم علمهم لا يغير شيئاً ولا قيمة له البتة ، هذا لون من تباهي الناقص وليس الكامل الذي لو كفر به الجميع ما ضروه شيئاً ، فخُمس البشرية فقط مسلمين والغالبية الأخرى لا تؤمن به وهو مازال باقياً لم يصبه أذى ولا ضرر ، ومن ثم يكون إعلام الملائكة بخلق آدم لم يكن مقصداً ربانياً ، وإلا كان إعلامهم بخلق السماوات والأرض هو الأجدى والأولى . " والقول الثامن : أنه أراد تعظيم آدم بذكره قبل وجوده " ... وهو قول غريب مع مخلوق عصى ربه وجوزي بالطرد من الجنة ، خاصة أنه قد عصى وأفسد عن قصد وإرادة وتدبر ، وحسب الحكاية أنه طرد هو وحواء والحية وإبليس معهم إلى الجوع والعري والمرض والجهل والشقاء ، في صراع دائم مع إبليس رفيق السماء والأرض ، ولم يقتصر الصراع على المُذنب وحده ، إنما امتدت اللعنة لتلاحق ذريته من بعده بوجود إبليس معهم على الأرض حتى نهاية الأزمان . هذا القول يعني أن الله قرر سلفاً تعظيم من سيعصاه مستقبلا ، حتى أنه اضطُر إلى طرده كما لو كان لا يحسن التقدير فيُعظم من لا يستحق ، ويكون استنكار الملائكة للقرار الإلهي بخلق آدم هو الصواب وأنهم أبعد نظراً من ربهم . " والقول التاسع : أنه أعلمهم أنه خلقه ليُسكنه الأرض وإن كان ابتداء خلقه في السماء " ... وهو ما يعني أن الله لم يجعل الأمر سهلا على آدم فقد أنزل معه إبليس دون أن ينال عقوبة الخلود في النار ، إنما الخلود على الأرض ليطارد ذرية آدم ولا عمل له على الأرض سوى تدمير ما يعمره بنو آدم ، الله كلف آدم بالإعمار وكلف إبليس بالدمار ، فأي تكريم هذا ؟ يتبع
#سيد_القمني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لحملة الأستاذ الشوباشي لخلع الحجاب
-
التأملات الثانية في الفلسفة الأولى 10
-
المجد للشيطان
-
هل كان تاريخنا ماضيا سعيدا؟؟
-
إرهابيونا في الخارج
-
نظرية أن كل مسلم إرهابي
-
نظرية أن كل مسلم إرهابي !
-
كل يوم كلمتين قلتهم زمان
-
العلة والمعلول
-
التأملات الثانية في الفلسفة الأولى 7 - الوجود والعدم 2
-
التأملات الثانية في الفلسفة الأولى ( 7 )
-
التأملات الثانية في الفلسفة الأولى(6).. الإله الحقيقي
-
التأملات الثانية في الفلسفة الأولى (5).. ويسألونك عن الروح؟
...
-
التأملات الثانية في الفلسفة الأولى ( 5 ) ويسألونك عن الروح؟!
...
-
التأملات الثانية في الفلسفة الأولى -4-.. هو الأول وهو الآخر
-
التأملات الثانية في الفلسفة الأولى.. من التعدد إلى التوحيد -
...
-
التأملات الثانية في الفلسفة الأولى 2
-
التأملات الثانية في الفلسفة الأولى.. البحث عن المنهج -1-
-
لحية برهامي
-
عبور البرزخ
المزيد.....
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|