أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - شتائم وطنيّة .. في الطريق إلى مقر العمل














المزيد.....

شتائم وطنيّة .. في الطريق إلى مقر العمل


عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث

(Imad A.salim)


الحوار المتمدن-العدد: 5017 - 2015 / 12 / 18 - 17:19
المحور: سيرة ذاتية
    


شتائم وطنيّة .. في الطريق إلى مقر العمل

في صباح كلّ يوم عملٍ في العراق العجيب ، أقودُ (أحياناً) سيّارتي بهدوءٍ تام ، مُلتزماً بكلّ قواعد المرور المعمول بها دولياً ، لتلافي أيّة احتكاكاتٍ ، أو سوء فهمٍ ، أو مُناكفاتٍ "قيّاديّة"
وما يُمكنُ أن يترتّبُ على كلّ ذلك ،بالنسبة لي، من عواقب ماديّة ومعنويّة وخيمة.
في واحدٍ من تلك الصباحات المُشرقة ، استيقظتُ من النوم على اصوات العصافير والبلابل السعيدة ، وأنا مُتفائلٌ جداً . كنتُ في تلك اللحظة أشعرُ بحُبٍّ جارفٍ للوطن ، وبأنّ كلّ شيءٍ فيهِ على ما يُرام ، رغم كلّ هذا الذي يحدثُ فيه الآن .
و على امتداد الطريق القصير – الطويل الى مقر العمل ، كنتُ أقودُ سيّارتي ، وأنا لا أزالُ مُنتشياً بحبّ الوطن ، و أهزّ رأسي الأشيبَ يميناً و يساراً ، وأنا أتمايلُ طرَباً مع صوت السيدة فيروز وهي تغنّي : " وطني .. يا جبل الغيم الأزرق . وطني .. يا قمر الندي والزنبق . يا بيوت اللـ بيحبّونا . يا تراب اللي سبقونا . يا زغيّر ووسع الدِني .. يا وطني " .
وبينما أنا مُستغرِقٌ في عشقيّ الصوفيّ للذات الوطنية .. والسيدة فيروز تحثّني على المزيد من الوجد بما هو موجود ، وهي تصدحُ بعذوبتها المعهودة : " وطني .. يا ذهب الزمان الضايع . وطني .. من برق القصايد طالِع .أنا على بابك قصيدة . كتبتها الريح العنيدة . أنا حجَرَة .. أنا سوسني .. يا وطني " .
وسط كلّ هذا "التماهي" الروحاني - السماوي .. واذا بي وسطَ سيلٍ عارمٍ من الشتائم الأرضيّة – الوطنيّة ، يقذفني بها شابٌ "وطنيّ" ، يقودُ سيارة "كيّا" وطنية ، فيها باقة رائعة من الفتيات "الوطنيات" .
كانت السيدة فيروز لاتزالُ تغنّي : " جيراني بالقنطرة تذكّروني .. وبلابل القمَرَة بيندهوني . شجر أراضيك سواعد أهلي شَجّروا .. وحجار حفافيك وجوه جدودي العَمّروا . وعاشوا فيك من ميّة سِنْي . من ألف سِنْي . من أوّل الدِني .. يا وطني " ... عندما اتخذتُ قراراً بالعودةِ فوراً الى البيت .
لا ادري لماذا تيّقنتُ في تلك اللحظة ، بأنّ اصراري على المضي قُدُماً الى مقر عملي ، وتمايلي شغفاً مع عذوبة وحماسة السيدة فيروز ، التي بدتْ لي يائسةً ، وهي تُلقي على مسامعي رجاءها الأخير : " وطني .. و حياتكْ وحياة المحبّي . شو بني .. عمْ إكبَر وتِكْبَرْ بقلبي . وإيام اللي جايي جايي .. فيها الشمس مخبّايي .. وانتَ القوي وانتَ الغني وانتَ الدِني .. يا وطني " ... سيجعلني عُرضةً للمزيد من الشتائم الوطنية القادمةِ حتماً ، وبالضرورة.
شتائمَ من سائقي كافّة انواع السيارات .. من "السايبا" ، الى " الجكسارة" ( التي لا أعرفُ ماهي بالضبط ، ولكنّني أسمع عنها الكثير من القصص سيّئة السمعة) .
شتائم من " نقاط السيطرة" الوطنية ، على امتداد الطريق الوطنيّ الطويل .
شتائم غير وطنيّة ، ستنهالُ عليّ في أيّة لحظةٍ من وراء الزجاج المُعتمِ لسياراتٍ فارهةٍ وسريعةٍ ، تمُرُّ دون أن تتبيّنَ هل أنّ الصوت الذي يصدحُ بالشتائمِ من داخلها الغامض ، هو صوتُ موظفٍ بسيط ، أم صوت " القائد الضرورة" .
شتائم من نقطة التفتيش الوطنية الضخمة ، المنتصبة عند مدخل مقر العمل ، برجالها المدجّجين بمختلف انواع الأسلحة .
و شتائم وطنيةٍ اضافيّة ، بدوافع مختلفة ، ستتلقّاها برحابة صدرٍ من داخل مقر العمل ، الأكثر وطنيةً من الجميع .
لا أدري لماذا تبيّنَ لي في تلك اللحظات "الشتائمية" المُلتبِسَة ، انّ الأوطان التي تُغني لها السيدة فيروز ، لا يُمكنُ أن تحبّها ، وأنت تمشي على ارضها ، و تسعى في مناكبها .
لا يمكنُ أن تحبّها ، إلاّ وأنتَ مُنكفيءٌ على روحكَ ، في عُزلَتِك .
لا يمكنُ أن تحبّها ، إلاّ وأنتَ نائم .
لا يمكنُ أن تحبّها ، إلاّ في الأحلام .
والدليلُ على ذلك ، أنّ السيدة فيروز ، لا غيرها ، هي من قرّرتْ في أواخر عمرها ، أن تترك لبنان الجميل (و المليء بالشتائم الوطنية هو الآخر) ، وأنْ تذهب لتعيش آخر أيّامها بسلام في بيتٍ صغيرٍ .. بكندا .
سأفعلُ ذلك أنا ايضاً .. ولكن .. هُنا .
نزيل غُرفتي ..
و سجين بيتي .



#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)       Imad_A.salim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمْرُ الإمارات العربية المتحدة .. و تمر العراق -العظيم-
- نصائح للعشّاق الشباب ، من عاشق عتيق مُحال على التقاعُد ، لبل ...
- العراقيّون .. و التقسيم .. و ظاهرة النينو
- مَنْ تريدُ .. أنْ تكون ؟
- أين يذهب دولارك الضريبي .. في كندا ؟
- ضرائب .. ضرائب
- لقد كبرتُ كثيراً
- هُنا .. على حائط القلب
- في يوم الأحد .. في درس الأقتصاد
- ماهذا .. لماذا .. الى اين ؟
- بعض الأسئلة .. و بعض الأجوبة
- يا لَهُ من بلد
- مُداهَمات عائليّة
- صانعو الشموع
- أعرفُ أنّ العالمَ .. سيكونُ موحشاً دونك
- الأمين العام للأمم المتحدّة : رداءٌ برتقاليّ ، و شيءٌ من الق ...
- السيدة فيروز .. و السيد فريدمان
- هل أصبحَ علمُ الاقتصادِ ، رخيصاً إلى هذا الحدّ ؟
- ذباب .. ذباب
- هذهِ الأخبارُ السيّئة


المزيد.....




- لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق ...
- بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
- هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات- ...
- نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين ...
- أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا ...
- الفصل الخامس والسبعون - أمين
- السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال ...
- رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
- مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عماد عبد اللطيف سالم - شتائم وطنيّة .. في الطريق إلى مقر العمل