طارق المهدوي
الحوار المتمدن-العدد: 5017 - 2015 / 12 / 18 - 13:42
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
يعلم المتخصصون في العلاقات الدولية جيداً أن كل ما سبق أن صنعه جميع الحدادين بالعالم من كافة أدوات ومبررات الشر والمكايدة والكراهية المتبادلة موجود وقائم بين دولتي روسيا وتركيا، سواء من زاوية المتاخمات الجغرافية والتداخلات العرقية والتقاطعات الاقتصادية والتناقضات الثقافية بين الدولتين الجارتين، أو من زاوية استمرار الميول الثأرية والرغبات الانتقامية في الحاضر المعاش والمستقبل المنظور على الخلفية التاريخية الممتدة للصراعات السياسية والعسكرية العديدة بينهما، كما يعلم المتخصصون في العلاقات الدولية جيداً أنه رغم خوض روسيا وتركيا بعض تلك الصراعات البينية بالأصالة المباشرة عن نفسيهما وهذا شأن يخصهما وحدهما كجارتين غير متحابتين، فإنهما في الغالبية العظمى من صراعاتهما التاريخية المتبادلة كانتا تستخدمان وكلاء آخرين عنهما مثل "أرمينيا" التي استخدمتها روسيا خلال القرن التاسع عشر و"شيشانيا" التي استخدمتها تركيا خلال القرن العشرين، ويعلم المتخصصون في العلاقات الدولية أيضاً أن "مصر" قد سبق لها الانزلاق الاضطراري داخل مستنقع الصراع الروسي التركي عدة مرات عبر تعاملها الإيجابي والسلبي مع موجات الغزاة المتتالية، سواء بالنظر إلى المماليك الذين كان نصفهم من السلافيين (الروس) ونصفهم الآخر من التركمان (الأتراك) لاسيما وقد أقام النصفان المملوكيان تباعاً فوق الأراضي المصرية دولتين لكل منهما على قاعدة العداء للنصف المملوكي الآخر، أو بالنظر إلى التتار والمغول (الروس) المهزومين فوق الأراضي المصرية أو العثمانيين (الأتراك) المحتلين للأراضي المصرية ضمن سلاسل من التحالفات والمخاصمات المصرية الاضطرارية شديدة التعقيد، ورغم الخسائر الفادحة التي تكبدها الشعب المصري على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية بسبب انزلاق دولته الاضطراري المتكرر عدة مرات في التاريخ الأوسط والحديث داخل مستنقع الصراع الروسي التركي، فإن الدولة المصرية المعاصرة تعاود دفع شعبها نحو الانزلاق داخل ذات المستنقع مجدداً ولكن هذه المرة بمحض إرادتها واختيارها الحر، مما يثير لدى المتخصصين في العلاقات الدولية الكثير من الدهشة والتعجب والشكوك حول القائمين الحاليين على إدارة العمل الدبلوماسي المصري، ليس فقط فيما يخص مستوى وعيهم بحقائق التاريخ ومدى إدراكهم لثوابت الجغرافيا ودرجة ذكائهم المهني بوجهيه المبدأي والبراجماتي، ولكن أيضاً فيما يخص الاتجاهات الحقيقية لولائهم السياسي والذي قد يكون معبراً عن أية حسابات عالمية أو إقليمية إلا أنه بالحتم اليقيني ليس ملبياً لمصلحة الوطن المصري في الحفاظ على حياده بين الدولتين المتصارعتين!!.
طارق المهدوي
#طارق_المهدوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟