كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1369 - 2005 / 11 / 5 - 11:32
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في اللقاء الصحفي الذي أجراه السيد عبد الكريم حمادي على رئيس الوزراء السيد الدكتور إبراهيم الجعفري طرح عليه سوألين بمضمون واحد يدوران حول موقف الدول العربية غير الإيجابي من العراق:
هل يعتقد الدكتور الجعفري أن موقف الحكومات العربية إزاء العراق يرتبط بسبب وجدود حكومة شيعية؟
فماذا كان الجواب يا ترى؟
لم يرفض السيد الجعفري هذا السؤال ولم يؤكد له خطأ طرح مثل هذا السؤال, بل راح يتحدث عن الموقف السلبي للإعلام المؤمم من جانب الحكومات في الدول العربية, وكأن الحكومة العراقية بقضها وقضيضها حكومة مذهبية شيعية, وليست حكومة عراقية تضم إليها العرب من شيعة وسنة ومن هم ليسوا بمذهبيين سياسيين, بل مدنيين لا يعتمدون المذهبية هوية لهم, وأن الحكومة تضم إليها الكرد أيضاَ لا على أسس مذهبي سياسي, بل على أساس قومي وعراقي, أي أن الحكومة العراقية يفترض أن لا تقوم على أساس مذهبي, بل هي يفترض أن تكون حكومة عراقية, وهو ما عبر عنه رئيس الدولة أكثر من مرة وبوضوح كبير. تضم إليها الكرد, وهم لا يعتمدون المذهب هوية لهم بل علمانيين وديمقراطيين. وكذلك العرب, من شيعة وسنة ومدنيين لا يعتمدون المذهب هوية لهم أيضاً, بل القومية أو الهوية العراقية هي التي تحدد موقعهم.
أدرك جيداً بأن أغلب الحكومات العربية غير العلمانية ونصف العلمانية تعتقد بأن الشيعة يسيطرون على العراق كله, وهو الانطباع الذي أرادت الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية أن تعطيه للعالم وأن تخفف من عقدتها النفسية في أنها لم تكن يوماً على راس الحكم من جهة, والانطباع الذي أرادات الأحزاب السياسية السنية أن تعطيه لعالم بأنها فقدت الحكم وأن الحكم في العراق بيد الشيعة فانجدونا. ولهذا فهي تقف ضد الوضع في العراق, ولكنها تقف ضد الوضع في العراق لأنها تخشى من تحول العراق صوب الديمقراطية ولأنها تخشى من أن يتمتع الشعب الكردي بحقوقه المشروعة والعادلة بما في ذلك الفيدرالية في ظل نظام اتحادي ديمقراطي سليم.
كان الموقف الذي اتخذه رئيس الحكومة العراقية عند الإجابة عن السؤال يتعارض تماماً مع الدعاية التي يقوم بها رئيس الوزراء نفسه في بعض الأحيان أو حتى في حملته الانتخابية الراهنة وفي نفس اللقاء, حين تحدث بامتعاض بادٍ على محياة ضد الطائفية السياسية المقيتة والتمييز الطائفي المقيت. هناك مجموعة من المؤشرات تؤكد, مع الأسف الشديد مشاعر الطائفية في التوزيع الحصصي للوزارة أولاً واعتباره الوزارة الراهنة شيعية حقاً ثانياً, ومنه:
• العفوية التامة التي أجاب فيها عن سؤال السيد حمادي حول موقف الحكومات العربية من الحكومة الشيعية في العراق, وكأنه يقول نعم أنها حكومة شيعية برغم من يرفض ذلك.
• الائتلاف الذي ضم إليه الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية التي خاضت الانتخابات السابقة وبتأييد من المرجعية الدينية الشيعية التي مثلها السيد علي السيستاني.
• تكوين الائتلاف الجديد من أحزاب شيعية ضم إليها الحزب المتميز بالعنف والتطرف "والمحتضن للفقراء!" السيد مقتدى الصدر حسب قول نائب رئيس الوزراء الدكتور أحمد ال?لبي, إضافة إلى أحزاب وكتل إسلامية سياسية شيعية صغيرة.
• خروج القوة العلمانية الوحيدة التي ارتبطت بالائتلاف الوطني الشيعي, وأعني بها المؤتمر الوطني العراقي الذي يمثله الدكتور أحمد ال?لبي من الائتلاف الشيعي ودخوله الانتخابات بقائمة مستقلة, إضافة إلى خروج قائمة الدكتور بحر العلوم من الائتلاف أيضاً.
• الممارسات الدينية الشيعية التي تفرض على المرأة في مجلس الوزراء وفي بعض الوزارات التي هي بأيدي وزراء يمثلون الائتلاف الشيعي, أي حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بشكل خاص.
إن من تابع هذا اللقاء الصحفي الانتخابي, أدرك بحس سليم وبسرعة, أن السيد الجعفري لا يدين بالمذهبية السياسية فحسب, بل ومتعصب لها جداً. وستكون لهذه الظاهرة آثارها السلبية على حياة البلاد إن استطاع هذا الائتلاف الذي يرتبط به أن يحقق نسبة مهمة في الانتخابات القادمة, خاصة وأن المجتمع العراقي يريد حكومة وحدة وطنية واسعة وغير مذهبية, بل عراقية, لكي يستطيع تجاوز الأزمة الإرهابية الراهنة ويجد علاجات لمشكلات البلاد الكثيرة.
إلا أن أملي أن الشعب العراقي سوف لن يمنح القوى المذهبية الكثير من الأصوات التي تعلن عن فوزها الساحق على بقية القوائم العراقية, وكأنه فوز المذهبية السياسية على الهوية الوطنية العراقية.
إذ أن فوز القوائم المذهبية السياسية سيكون مأساة تنزل على رأس العراقيين وتحول العراق في الوسط والجنوب إلى ما يشبه النظام الإيراني وعلى غرار ما يجري الآن في البصرة وفي الجنوب. إن المناطق التي أكثرية سكان من العرب من أتباع المذهب الشيعي يمكنهم أن يمنحوا أصواتهم لقوى مدنية ديمقراطية وعلمانيين رغم كونهم من حيث الانحدار المذهبي شيعة, وهي إشكالية مؤسفة خلقتها لنا سياسات النظام الصدامي وسياسات الاحتلال بعد سقوط النظام الدموي, وممارسات الأحزاب الإسلامية السياسية ذات التوجهات الطائفية السياسية والتمييز الطائفي.
وفي هذه المقابلة تحدث الدكتور الجعفري عن موضوعة الفساد الوظيفي وأكد بأن هناك لجنة خاصة تابعة لمجلس الوزراء تشكلت للنظر في العقود التي تبرمها الوزارات المختلفة. وهو مجال أساسي من مجالات السرقة والنهب لأموال الدولة. وأكد على ذلك الدكتور أحمد ال?لبي في لقاء انتخابي له مع قناة الشرقية في يوم 2/11/2005 حتى أنه قال بأن 95% من الفساد الإداري قد انتهى, والعهدة على الراوي من هذا القول الذي لا يمت إلى الحقيقة بصلة ولا إلى الواقع العراقي بأي حال.
صدر حديثاً التقرير الخاص بالفساد في العالم عن منظمة "الشفافية العالمية" تضمن معلومات مثيرة عن درجة انتشار الفساد في 146 دولة جرى البحث والتحري واستطلاع الرأي فيها. وإذ احتلت فنلندا الموقع الأول في الدول النظيفة 9,7 نقطة من مجموع 10 نقاط, حصلت الولايات المتحدة على 7,5 نقطة واستقرت في الموقع العشرين, في حين احتل العراق موقعاً خلفياً ومتخلفا يتراوح بين 129 – 133, إذ حصل على 2,1 نقطة فقط في النظافة. ويبدو أنه من بين 60 دولة انتشر الفساد فيها بعمق شديد وأصبح الظاهرة السائدة فيها .. ولكن ماذا يعني مفهوم الفساد في المؤسسات العلمية الدولية والمتخصصة بشئون مكافحته دولياً؟
يقصد بالفساد تلك المجموعة من الممارسات التي تتنافي مع مصالح المجتمع وتسيء إلى مبدأ المساواة بين الأفراد, إضافة إلى إساءة استعمال الموقع الإداري الذي يشغله الإنسان, سواء أكان موظفاُ أم مستخدما في أجهزة الدولة التشريعية أم التنفيذية أم القضائية, أم كان يعمل في القطاع الاقتصادي أم الاجتماعي الخاص أو الحكومي, أم كان نائباً أو ممثلاً أو مندوباً سياسيا. ويدخل في هذا المفهوم السعي إلى تحقيق منفعة شخصية أو منفعة شخص آخر, أو إلحاق الضرر بآخر, سواء بتأثير من آخرين أم بمبادرة خاصة منه. كما يتضمن إخفاء معلومات عن الدولة أو كشف أسرار معينة تلحق أضراراً بالدولة والمجتمع أو تحقق منفعة للشخص المعني بسبب موقعه السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الإعلامي...الخ. ويدخل ضمن هذا المفهوم ممارسة المحسوبية والمنسوبية واستغلال الموقع أو المركز الذي يشغله الفرد ويتسلم رشاوى أو يقوم بتقديم رشاوى ...الخ.
من هنا يتبين أن الفساد الإداري والمالي لا يمس العقود التي توقع مع شركات أجنبية فقط, بل هو أحد مظاهره المهمة. والفساد الإداري والمالي منتشر كنظام معمول به في العراق منذ عهد الأخوين عبد السلام وعبد الرحمن محمد عارف بشكل خاص, ولكنه تفاقم بشكل مرعب في عهد صدام حسين ,إلى أقصى الحدود وتحول إلى نظام فعلي متكامل يصعب القضاء عليه بسرعة, كما ادعى باطلاً السيد نائب رئيس الوزراء. إذ ما يزال العراق يحتل المركز رقم 130 تقريباً في سلم الدول الفاسدة إدارياً ومالياً أو وظيفياً.
إن وجود الفساد الإداري والمالي لا يعني بأي حال عدم وجود شخصيات سياسية نظيفة أو جمهرة من الموظفين النزيهين وغير المرتشين, إذ لكل قاعدة استثناء لا شك في ذلك. والفساد الإداري, كما يفترض أن يعرف به السيدان رئيس الوزراء ونائبه للشؤون المالية والاقتصادية, يشمل المحسوبية والمنسوبية والتعيين غير القائم على أساس الكفاءة والمقدرة, بل على أساس الدين والمذهب والطائفة والعشيرة والقرابة والحزبية بشكل خاص ...الخ, فهل هذه كلها انتهت في العراق وبقدرة قادر. لو كانت قد انتهت لما التقينا ببعض السفراء العراقيين في الخارج من أعضاء هذا الحزب أو ذاك وهم بعيدون كل البعد عن تمثيل العراق, بل هم يمثلون أحزابهم والمذهب الذي ينتمون إليه أو حتى بعضهم القومية التي ينتمون إليها أيضاً, في حين لا يمثلون جميع العراقيين ولا يهتمون بهم أيضاً. والأمثلة كثيرة في هذا الصدد ولست بحاجة إلى إيراد أسماء بهذا الخصوص. فهؤلاء بعيدون عن الحياة والعلاقات الدبلوماسية الضرورية للدبلوماسي العراقي في الخارج الذي لا يهمه حزبه وجماعته يقدر ما يفترض أن يهمه جميع العراقيات والعراقيين ولا يميز بين العربي والكردي أو الشيعي والسني أو المسيحي والمسلم والصابئي المندائي أو الأيزيدي من حيث الدين ...الخ. والأمثلة التي عندي كثيرة يا من تعتقدون بانتهاء الفساد الإداري بـ 95% والناس تعاني من السوق السوداء والرشوة والنهب والسلب اليومي والتوظيف على أساس حفظ سورة من القرآن الكريم ... وفرض الحجاب على الموظفات, أي سلب الحرية الشخصية.
كانت هناك الكثير من النقاط التي يفترض مناقشتها وإيصالها إلى أسماع السيد رئيس الوزراء لكي لا يسمع كلام الأصدقاء فقط الذين في الغالب الأعم يجاملونه دون أدنى, بل يفترض أن يستمع ويقرأ لمن يطرح عليه ملاحظات نقدية.
جميل أن تكون للسيد رئيس الوزراء علاقات صداقية مع عائلته, وهذا هو المطلوب طبعاً, ولكن الأجمل والأهم أن تكون له علاقة واضحة وسليمة مع المجتمع الذي فوضه رئاسة الحكومة لا على أساس حكومة شيعية, بل على أساس حكومة عراقية, وأن لا يحكم بروح فردية بل بروح جماعية, وأن يهتم بالكادحين من الناس لا بالأغنياء منهم فقط والحديث عن بؤس الفقراء فقط, إذ الحديث وحده لا يشبع من جوع أبداً, وأن .. وأن ..الخ
أتمنى عليه كل ذلك, رغم أن تفويضه على وشك الانتهاء, ولكن أتمنى عليه في كل حياته السياسية القادمة أن يكون غير ما هو عليه الآن ...
3/11/2005
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟