|
التقاليد غير المسيحية لعيد الميلاد
شاهين خليل نصّار
الحوار المتمدن-العدد: 5015 - 2015 / 12 / 16 - 19:20
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في كل عام يطل علينا 25 كانون الأول/ ديسمبر حاملا معه نبأ ولادة الطفل يسوع المسيح من جديد، في كل سنة يحتفل المسيحيون بهذا العيد دون أن يعوا أنه في ذاك الوقت لم يكن عمليا يحتسبون التاريخ بحسب التقويم الذي نتبعه نحن اليوم، وعامة الناس أمثال يوسف ومريم – والدا يسوع بحسب الانجيل، كانا أميين لا يجيدان القراءة ولا الكتابة وبالكاد استطاعا تسجيل ابنهما يسوع في سجلات الامبراطورية الرومانية، وهذه السجلات لم تُحتفظ وفنت مع الزمن، لذلك فإن التاريخ المحدد والحقيقي قد ضاع مع الزمن. علما أنه لا يوجد عام صفر ميلادي، بل ينتقل من 1 قبل الميلاد مباشرة الى العام الأول للميلاد، بحسب التقويم، ولم يعتمد هذا التقويم الا بعض مرور عدة سنوات على موت المسيح وقيامته بحسب التقاليد المسيحية، وعمليا ابتدأ الاحتساب من العام 33 ميلادي اذ يعتقد أنه مات وقام بسن 33 عاما.
أول مرة احتفل بعيد الميلاد بتاريخ 25 كانون الأول/ ديسمبر كانت في عهد الامبراطور قسطنين، أول امبراطور مسيحي للامبراطورية الرومانية في العهد القديم، في العام 336 ميلادي. وبعدها ببضع سنين قليلة أعلن البابا يوليوس الأول – بابا الفاتيكان هذا التاريخ كموعد الاحتفال بعيد يسوع المسيح رسميا لتعتمده الكنيسة الكاثوليكية مذ ذاك الوقت والى يومنا هذا. وجاء هذا التاريخ ليضع حدا للتكهنات وكثرة الاحتفالات بهذا العيد في أيام مختلفة من فصل الشتاء، وكان شائعا الاحتفال بعيد الميلاد تزامنا مع عيد الغطاس بالعامية أو عيد الدنح الذي يحتفل فيه بالسادس من كانون الثاني/ يناير كذكرى معمودية يسوع في نهر الأردن من قبل النبي يوحنا المعمدان.
ما هو هذا التاريخ؟ إنه في واقع الأمر يوم الاحتفال الوثني بميلاد إله الشمس الاغريقي- الروماني (زيوس/ نبتون) ليتحول ويتماشى مع احتفال مسيحي بميلاد "إله النور" يسوع المسيح، بحسب قوله "انا نور العالم من يتبعني لا يمشي في الظلام بل يكون له نور الحياة" يوحنا 8/12.
كما أن تاريخ 21-22 كانون الأول/ ديسمبر هو عمليا موعد الانقلاب الشتوي أو منتصف الشتاء، winter solstice، وهي ظاهرة تعبر عن أقصر أيام السنة وأطول لياليها في النصف الشمالي للكرة الأرضية. وكان الوثنيين يحتفلون بهذا التاريخ بأهم الأعياد في السنة، ويعتقد أن الوثنيون القدامى في بريطانيا كانوا يحتفلون بهذا اليوم في ستونهينج. وكانت تعقد بهذا اليوم آخر الاحتفالات ومهرجانات الحصاد في السنة الشمسية بحيث أن أشهر الشتاء التي تلت كانت تعتبر أشهر الجوع التي تقل فيها المحاصيل والطعام، وعقدت المهرجانات والاحتفالات في هذا اليوم لدى المصريين القدامى ولدى الشعوب السورية القديمة ومنها في بلاد الرافدين أيضا. حيث كانت تعبد الإلهة عشتار لدى الأكاديين والأشوريين كإلهة الخصوبة وشيدت معابد خاصة بها وفي هذا اليوم كانت تقام احتفالات بولادة الشمس (منتصف الشتاء يعتبر أقصر أيام السنة وتبدأ ولادة الشمس بحسب المعتقدات القديمة لتطول الأيام خلال الفترة اللاحقة حتى منتصف الصيف)، وتعتبر عشتار العذراء الأصلية ومنها ولد الكون.
في الأيام الأولى للكنيسة اعتبر تاريخ 24 كانون الأول/ ديسمبر يوم آدم وحواء أيضا.
في العصور الأولى للمسيحية ومع انتشارها في نواحي الامبراطورية الرومانية وحوض البحر المتوسط حافظ الناس على العديد من التقاليد التي لا تمت بعلاقة بالدين الجديد الذي تبنوه، واستوعبت الكنيسة في عصورها الأولى هؤلاء الناس فيها وعمدتهم وجعلتهم منهم مسيحيين، فاستبدل هؤلاء آلهتهم السابقة بالإله الواحد فقط. لكن التقاليد بقيت ذاتها.
شجرة الميلاد والأضواء الميلادية
يعود تقليد شجرة الميلاد الى ما قبل المسيحية حيث اعتاد عبدة الأوثان تزيين الأشجار التي حول منازلهم وبعضهم كان يأخذ أغصان من الشجار لتزيينه منزلهم بها خلال فترة عيد منتصف الشتاء وذلك تذكارا واستعدادا لاستقبال فصل الربيع بالأخضر. ولكن اختيار أشجار السرو المنتشرة في نواحي أوروبا والشرق الأوسط لتزيين منازلهم بفترة العيد، يعود الى تقليد روماني سابق للمسيح، حيث اعتاد الرومان القدامى تزيين منازلهم بشجرة التنوب وهي شجرة مخروطية دائمة الخضرة في فصل الشتاء مع مهرجان "ساتورناليا" الذي يكرم الاله ساتورن واحتفل فيه خلال الفترة الممتدة بين 17 وحتى 23 كانون الأول/ ديسمبر وفقا للتقييم الروماني وفيه انقلبت الأدوار حيث قدّم الأسياد الطعام لعبيدهم وليس العكس. كما أن الاله ساتورن يعتبر اله الزراعة لدى الرومان القدامى. وكذلك تفيد التقاليد بأن يقدم الأغنياء الهدايا للفقراء في مهرجان ساتورناليا. كما اعتاد في هذا العيد الرومان تزيين أشجارهم بالشموع كإضاءة لإنارة دربهم نحو الاحتفال بمنتصف الشتاء. ومن هنا استخدام الشموع لتزيين الأشجار في احتفالات عيد الميلاد في السنوات التالية على مر التاريخ وصولا الى العصر الحاضر إذ استبدلت الشموع بالأضواء الكهربائية الملوّنة التي تزيّن الأشجار والمنازل.
في الماضي اعتاد البعض نصب الأشجار في منازلهم بشكل معكوس أي أنها تعلق من السقف. ومن جانب آخر اعتبر تزيين الأشجار في فترة الشتاء رمزا للجنة، حيث اعتبر 24 ديسمبر يوم آدم وحواء في القرون الأولى للكنيسة.
في القرن السادس عشر يذكر تقليدين عن شجرة الميلاد، الأول إحراق شجرة الميلاد في مدينة ريغا (عاصمة ليثوانيا) وفقا للمؤرخ بالتازار روسوف الذي كتب عن هذا التقليد عام 1584 قائلا إن الرجال كانوا يذهبون مع النساء ويغنون ويرقصون في الميدان المركزي بالمدينة وبعدها أحرقوا الشجرة في وسطها. وفي ألمانيا بالعام 1579 كتب مؤرخ آخر عن تزيين شجرة في مركز أعمال المدينة بالتفاح والتين والتمر والبرتزل والأزهار الورقية. كما تُروى قصة عن مارتن لوثر – المبشر الألماني الشهير الذي كان يمشي في الغابة في إحدى الأيام وشاهد نور الليل يمر عبر الأغصان فذكره ذلك بـ"المسيح الذي غادر النجوم والجنة ليأتي الى الأرض في الميلاد" فيعتقد أنه أول شخص يقوم بتزيين شجرة في منزله بالطريقة التي نعهدها اليوم.
الثلج
رغم أنه لا يوجد ذكر للثلج أو للشتاء في الكتاب المقدس عند ولادة المسيح، يسري التقليد بوضع زينة بيضاء وثلوج، ويرتبط الثلج عادة بعيد الميلاد خصوصا بعد تحديد موعد الاحتفال في عيد الشتاء. رغم أن الثلوج تهطل في بيت لحم والقدس شتاءً.images (11) لكن صراحة إنه لا توجد أية دلالة على العلاقة بين الثلج وبين الميلاد في أي من الكتب الدينية. ويشير بعض الباحثين الى احتمال أن يكون السبب هو كتاب "A Christmas Carol" لتشارلز ديكنز، الاديب البريطاني الذي عاش في القرن التاسع عشر وكتب إحدى أشهر القصص عن الميلاد، والتي يروي فيها قصة الرجل الغني ابينيزير سكروج الذي يكره الميلاد وفي ليلة الميلاد يزوره ثلاثة أشباح: شبح الميلاد الماضي، ميلاد الحاضر والميلاد المستقبلي، ويظهرون له كم هو شخص شرير ولئيم وعندما يستفيق من نومه يقوم بتوزيع الهدايا على الفقراء. ويصف ديكنز في كتابه هذا ذكرياته من الميلاد في مدينة لندن في تلك الفترة، ومع انخفاض درجات الحرارة كان يهطل المطر والثلوج وتنخفض درجات الحرارة بشدة. ومع اشتهار الرواية التي كتبها ديكنز، ورغم أنه في عصرنا الحالي لا تهطل الكثير من الثلوج في لندن وبريطانيا عموما، الا ان هذا التقليد لا يزال متبعا.
واضح جدا تأثير الغرب علينا وبالأخص الثقافة والحضارة الغربية الأنجلو- أمريكية علينا، فهذه الحضارة التي سيطرت على قسم كبير من الكرة الأرضية، الامبراطورية التي لا تغيب الشمس عنها أبدا (بريطانيا العظمى)، وثم الولايات المتحدة التي خرجت من الحرب العالمية الثانية كقوة عالمية عظمى وبقيت الوحيدة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، تصدّر لنا كل شيء ثقافيا، من الأفلام والمسلسلات الى التقاليد التي تصلنا عبرها وعبر الكتب والقصص والروايات الشهيرة.
نجم الميلاد
تاريخيا، يؤكد الاستاذ دافيد هوجز – جامعة شيفيلد، بريطانيا، أنه كان هناك التقاء بين كوكبي المشتري وزُحل نحو العام السادس قبل الميلاد، وعندما يلتقي جرمين سمويين تحدث ظاهرة طبيعية تجعل من اقترابهما توحي بولادة نجم جديد، ووفقا لهوجز فإن هذه الظاهرة كانت ظاهرة للمجوس (علماء الفلك البابليين والفرس)، في الجانب الغربي من السماوات في شهر أيار/ مايو، وعند اقترابهم الى القدس بدت جنوبا للقدس (بيت لحم تقع جنوب القدس). وفي نظريات أخرى يظهر المشتري غرب السماء نظرا من الرياض والجزيرة العربية في العام الأول قبل الميلاد، وجنوبا اذا نظرنا من القدس في العام ذاته.
تعليق نجم على الشجرة قد يكون ايضا وراثة عن تقليد سبق وذكرته آنفا وهو تعليق الشموع والأضواء على الشجرة.
بابا نويل والجراب المعلق
يعتقد أن ما يعرف باسم "بابا نويل" أو "شيخ العيد" هو عمليا القديس نيكولاس الذي عاش في القرن الرابع الميلادي في آسيا الصغرى (تركيا اليوم) والذي دفن رفاته بمدينة باري في ايطاليا. هذا القديس الذي يعرف بطيبته وكرمه ويعتبر قديس الأطفال، كان رجلا ثريا عاش في مدينة مير بتركيا، ولا علاقة له بعيد الميلاد لا من قريب ولا من بعيد. فإحدى القصص تروي عن كرمه واستعداده أن يساعد المحتاجين سرا، تحكي عن رجل فقير لم يكن بوسعه تزويج بناته ولم يكن يملك ما يكفي من المال لدفع مهر بناته (كان أهل الفتيات يدفعون مقابل تزويج بناتهم)، وطلب مساعدة، فما كان من نيكولاس الا أن قام بإنزال كيس من النقود الذهبية عبر المدخنة فوقعت في جراب كان معلقا فوق المدخنة لتجفيفه، وتكرر الأمر مع تزويج الرجل ابنته الثانية والثلاثة، وبعد أن علم بأن القديس نيكولاس هو من يقوم بذلك ذهب لشكره وذاع صيت نيكولاس كمن يهدي الهدايا.
في أوروبا هناك تسميات مختلفة لشيخ العيد الذي يهدي الهدايا للأطفال. وبعد أن باتت قصة القديس نيكولاس غير شعبية في انجلترا قرروا تسمية الشخص الذي يهدي الهدايا في قصص الأطفال بشيخ العيد "father christmas" ويعرف باسم "سانتا" في اسكتلندا. وفي أمريكا عرف باسم "كريس كرينغل"، وفيما بعد تحول الاسم الى "سانتا كلاوس" مع مرور الوقت. في هولندا كان الأطفال يضعون قبقابهم ويملأونه بالشعير والجزر لخيول القديس نيكولاس، ليجدوها محملة بالهدايا والحلويات في اليوم التالي. في القرن التاسع عشر اكتشف العديد من الشعراء القصص القديمة عن القديس نيكولاس ودمجوها بشخصية شيخ العيد الوهمية.
لماذا بابا نويل يلبس الأحمر؟ إحدى القصص تقول إن تصميم البزة التي يرتديها بابا نويل قامت به شركة كوكا كولا الأمريكية كتسويق لمشروباتها. في القرن التاسع عشر في بريطانيا كان شيخ العيد يرتدي شتى ألوان قوس القزح، ورغم شياع اللون الأحمر الا أنه لم يكن حكرا. قد يعود هذا التقليد الى قصة القديس نيكولاس الذي سيم مطرانا وارتدى اللباس الأحمر الذي يشير الى درجته الكهنوتية في تلك الأيام.
الهدايا في عيد الميلاد
يُشار الى أن الانجيل لم يُشر في أي مكان الى الاحتفال بعيد الميلاد ولا يعلن تاريخا محددا له ولا عيدا حتى لميلاد يسوع المسيح، ولكن البشر يحبون أن يذكروا ويحتفلوا بعيد هذا الشخص أو ذاك، وبما أن عيد الميلاد هو عمليا ميلاد شخص كان يدعى يسوع عاش قبل آلاف السنين، فإن التقليد بمنح الهدايا له، استبدل مع مر الزمن بتقديم الهدايا للأطفال كبديل.
حيفا، 15-12-2015
#شاهين_خليل_نصّار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما يجتمعون في الرياض لا يصح الحديث عن مصير الأسد
-
تخيلي
-
كيف وجدت نفسي مدافعا عن الحركة الإسلامية؟
-
لمحتها
-
إنتقام أمريكا وانجلترا من الفيفا ولعبة قطر القذرة
-
شبتُ
-
غمزة
-
إعزفيلي
-
رُديّ الروحَ
-
فخار يكسر بعضه بلجنة المتابعة
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|