أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد القصبي - معالي وزير الثقافة :هل صليت على النبي اليوم ؟ ! رسالتكم -معالي الوزير- لاتصل.. وزارة التلقين والسلفيون خربوا دماغ المصريين















المزيد.....


معالي وزير الثقافة :هل صليت على النبي اليوم ؟ ! رسالتكم -معالي الوزير- لاتصل.. وزارة التلقين والسلفيون خربوا دماغ المصريين


محمد القصبي

الحوار المتمدن-العدد: 5014 - 2015 / 12 / 15 - 12:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


معالي الكاتب الكبير أ. حلمي النمنم وزير الثقافة
-هل صليت على النبي اليوم ؟
.. السؤال في الحقيقة هو أحد محاور رسالتي تلك!!
أول أمس وأنا في طريقي للقاء سيادتكم ..عرجت على إحدى مؤسساتنا الصحفية الكبرى لزيارة صديق ..لفت انتباهي أعلى لوحة الإعلانات بجوار المصعد تلك اللافتة : هل صليت على النبي اليوم ؟! وكما تلحظ ..عبر ملصقات وضعها السلفيون على جدران محطات المترو .. وفي أماكن عامة أخرى يطاردنا السؤال منذ عدة أشهر!
وبالطبع المصري المسلم البسيط حين تصطدم عيناه بالسؤال ..سوف يداهمه الإحساس بالذنب إن لم يكن قد صلى على النبي..فتلهث الحروف بين شفتيه في رعب ! ..فيتحول الأمر إلى عادة يومية يؤديها الناس ..وحتى لاشعوريا ..! لتضاف إلى العشرات من العادات والظواهر الاجتماعية التي تفيض من نبع الدين ..كالبسملة قبل أن نأتي بأي سلوك ..وصوم الستة أيام البيض ..وصلاة القيام والتهجد ..ودخول الحمام بالرجل الشمال ..وإطلاق اللحية ...وتقصير الجلباب !
وما الضرر ؟كلها أمور تنم عن تقوى وورع من يلتزم بها !
تلك رؤية مشايخ السلفيين ومستوردي الفقه البدوي عبر البحر الأحمر..وهي رؤية مخربة – ولاأبالغ - لدماغ المصريين !
خلال هذا العام توافق موعد امتحانات الثانوية العامة مع شهر رمضان ..وكما رأينا ..المدرسون والطلاب وأولياء الأمور - مثل غالبية المسلمين في مصر- إن حان آذان المغرب "يجرحون " صيامهم بتمرة ..طبقا للسنة النبوية الشريفة ..بعضهم ..الكثيرون.. يأبون تناول الإفطار قبل أداء صلاة المغرب والسنة ..وعقب تناول الإفطار ..البعض ..كثيرون منهم يهرعون إلى المساجد لأداء صلاة العشاء والتراويح ..وكما ترى معالي الوزير.. المساجد تكتظ ب المؤمنين الورعين ..وتفيض بهم في الشوارع المحيطة ..البعض ..الكثير.. منهم يمضون الليل في صلاة القيام والتهدج والتسبيح وذكر الله وقراءة القرآن وأمور أخرى.. سيرا على السنة النبوية ..وعلى أداء صلاة الفجر في المساجد جماعة ..فإن اضجعوا ساعة أو ساعتين يهبون للتوجه إلى لجان الامتحانات ..ليرتكبوا واحدة من أبشع الجرائم في تاريخ مصر .. الغش الجماعي ..ليس في امتحانات المدارس العامة فقط ..بل وأيضا في المعاهد الأزهرية !!!!
وأتابع ما يجري في ذهول : إن بانت أمة الله بغير نقاب أمام أغراب ""وينبغي أن يكون النقاب أسود وبعين واحدة حتى يكون شرعيا كما أفتى بعض شيوخ شرق البحر الأحمر!! " فسوف تعلق من شعرها يوم القيامة ويغلى رأسها !
وأما أن يرشو الأب مراقبا لتسهيل وصول إجابات الأسئلة إلى ابنه في اللجنة ..أو يكمن مدرس في مخبأ سري يملي الإجابات على الطلاب بالموبايل ..فهذا أمر لايسبب الإزعاج لأحد ! ..ولايقلل من ورع الأب وتقوى المدرس وحسن تربية الطالب ..طالما أنهم بدأوا يومهم بالصلاة على النبي !
ولقد تابعت خطب الجمعة في العديد من المساجد خلال تلك الفترة.. ولم يصل إلى علمي أن أحدا من الخطباء تطرق إلى تلك المصيبة ..كانت خطبهم كالعادة تدور حول قصص على شاكلة "قال للذئب وقال له الذئب !"
ولاأبالغ إن قلت إن هذا التسطيح في الخطاب الديني أدى إلى ازدواجية الشخصية المصرية ..
فالحرامي قبل أن يكسر الخزنة يتمتم لاشعوريا " بسم الله الرحمن الرحيم" ..
هو لايقصد خديعة أحد ..بل يرددها ربما بتأثر ..لأنهم قالوا له في المساجد ..وعبر لافتات المترو ..أنه لكي يكون مؤمنا ورعا عليه أن يبسمل قبل أن يهم بعمل!.. والازدواجية نالت من مشايخنا .. يتحدثون في الفضائيات والمساجد عن زهد الرسول ..وهم يلوحون بأيدهم في حماس لتكشف جلابيبهم الحريرية عن ساعات ذهبية في المعاصم ..بعشرات الآلاف من الجنيهات!
وكما سمعت معالي الوزير عن قضية الرشوة الكبرى في وزارة الزراعة .. كان من بين الرشاوي تأشيرات حج !!!!!!
زوال إسرائيل
وليست ازدواجية الشخصية المصرية سوى أحد أوجه الخراب الذي تعرض له دماغ المصريين بسبب شكلانية الخطاب الديني..بل ثمة إشكاليات أخرى علينا أن نتصدى لها عبر ثقافة مستنيرة ..
منذ عدة سنوات أجرى أحد محرري صحيفة قومية حوارا مع " عالم أبراج وتنجيم إسمه " س .ش".. "العالم الجليل ".. أجزم من خلال علمه بالأبراج بأن إسرائيل ستزول عام 2022 !! ومنذ احتفال الإسرائيليين في 15مايو عام 1998 بمرور نصف قرن على تأسيس الدولة اليهودية ..والعديد من الكتب تصدر داخل إسرائيل وخارجها ..ومحورها الرئيسي هذا السؤال : هل إسرائيل معرضة للزوال ؟
وقد قرأت كتابين حول هذا الموضوع : الأول " هل ستبقى إسرائيل حتى عام 2048؟" للباحث أوري وزولي ..والثاني " الدولة اليهودية.. قرن لاحق " للباحث ألان دوتي" ..وكلا المؤلفين اليهودين يتحدثان عن احتمالية زوال إسرائيل ! ليس لأن الأبراج أخبرتهما بهذا أو أن العرب سيحشدون كل قدراتهم في السحر بهدف إزالة إسرائيل..بل استعرض الباحثان العديد من التحديات التي تواجه الدولة العبرية ..فإن فشلت في مواجهتها فمصيرها سيكون الزوال ..من هذه التحديات ..الانقسامات الأخدودية التي يعاني منها المجتمع الإسرائيلي بين العلمانيين والتلموديين والأبعاد الديموغرافية ..واعتماد الساسة الإسرائيليين على دعم الولايات المتحدة وقوة جيش الدفاع ..وكلا العاملين معرضان للتغيير !
إذن ثمة سؤال يشغلنا مثلما يشغلهم : هل إسرائيل معرضة للزوال ؟لكن الفارق هائل بين طريقتنا في التعامل مع السؤال وطريقتهم ..هم يخضعون الأبعاد السياسية والاقتصادية والعسكرية والديموغرافية للبحث ..ونحن نسأل النجوم والعفاريت !
وأظنها مأساة ..تورط الإعلام في كارثة الشعوذة ..وكما نرى ..قنوات فضائية تبث هذا الدجل على مدار الساعة ! وغالبية المشاركين في الكارثة متعلمون .... أمضى كل منهم 16سنة أو أكثر على مقاعد الدراسة ..ومع ذلك يلوذ بالشيخة عدولة لتحل مشاكله الصحية والنفسية والاجتماعية ..وسامحهم الله سياسيونا ..لماذا لم يلجأوا للشيخة عدولة لتسخير الجان لنسحق إسرائيل والإخوان والإرهاب " مرة سألت محاسبا يعتقد في الشيخ المغربي أكثر من اعتقاده في العالم أحمد زويل ..فقدم لي تفسيرا مذهلا ..قال المحاسب : وهل تظن أن اليهود لايفعلون هذا ؟ هم متفوقون علينا في أعمال السحر ولهذا ينتصرون علينا !
والله العظيم هذا ما حدث !
والدراسات معالي الوزير تؤكد أن دماغ المصريين في محنة ..
فقد انتهى الباحثان د. نجيب إسكندر ود.رشدي منصور في دراسة لهما إلى أن 63% من المصريين يطرقون أبواب الدجالين ..
وتؤكد دراسات أخرى أن المصريين يهدرون على مباخر الدجالين مايزيد عن 12مليارجنيه سنويا !
وأظنك – معالي الوزير - فوجعت مثلي حين أرجع رئيس نادي شهير هزيمة فريقه من فريق آخر شهير إلى "أنهم عملوا عمل للاعبين ..وتم العثور على العمل في شبراخيت " !! رئيس النادي الشهير الذي يفترض أنه قدوة لملايين الشباب ..يرى الدنيا من مباخر الدجالين !
ثقافة حسنة لله
ويقينا – معالي الوزير- أنت مثلي ..مثل ملايين المصريين.. مطارد في كل خطوة بإزعاجات المتسولين ؟
وهذه ظاهرة تنم عما وصلنا إليه من انحطاط ثقافي .
في أواخر عام 2011 نشر جاري د.عبد الرؤوف بازان –وكان أحد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية بفيينا.. خلال فترة رئاسة د. البرادعي لها- اعلانا على الفيس بوك يطلب عمالا في مزرعته بمرتب 900جنيه .. بعد يومين من بث الاعلان هاتفته " كان الله في عونك يا دكتور ..أكيد الطوابير قدام الشركة أطول من طوابير العيش!
سألني في دهشة : طوابير أيه يا أستاذ محمد !
-الاعلان يا دكتور .. العمال اللي انت عاوزهم في المزرعة!
قال بمرارة : ولا واحد اتصل يا أستاذ محمد ..
قلت له :
-طيب ..سيب الموضوع دا عليَ ..بكرة هيتصل بك 100 عامل .. اختار منهم اللي انت عاوزه.
فورا اتصلت ببعض أصدقائي ومعارفي في قريتي..وعدوني بالرد خلال ساعات ..لكن الأيام مرت دون أن يرد أحد .. عاودت الاتصال بهم : فيه أيه ياجماعة ..ما بتردوش ليه !
-أصل الشباب بيقول المرتب صغير !
- 900جنيه مرتب صغير على عامل في مزرعة متوفر له فيها سكن بكهربا وميه ..وهيتعلم أصول الزراعة الحديثة ..فيه أيه ..!
وكأنها مزرعتي ..مشروع عمري ..سرت في شوارع القاهرة أزعق : عاوزين عمال لمزرعة!َ ..أسأل البوابين عن أقارب لهم ..ألمح فلاحا شابا يلهث بين السيارات في شوارع مدينة نصر متوسلا الى سائقيها أن يشتروا حزم نعناع ..أوقفت السيارة على جانب الطريق فهرول نحوي:
-بكم الحزمة يابني ؟
- اللي تجيبه يا بيه !
- بكم يعني ؟
-يابيه اللي تجيبه
أعلم أن الحزمة بربع جنيه " أسعار 2010" ..منحته جنيها في حزمتين .. وسألته : عندك شغلانة تانية غير دي ؟
-أبدا والله يابيه .
- طيب بدل البهدلة في الشوارع ما تيجي تشتغل في مزرعة
وقبل أن أكمل له حكاية مزرعة جاري فوجئت به يهرول نحو سيارة في الاتجاه المعاكس!
-نعناع يا بيه !
لاحقته بما ظننته اغراء:
-المرتب 900جنيه في الشهر غير السكن ..
لم يلتفت ..وقفت أراقبه وهو يتقافز بين السيارات :
-نعناع يابيه !
أحدهم فتح زجاج السيارة ودس في يده شيئا من النقود دون أن يأخذ النعناع!
ألا ترى ما أراه معالي وزير الثقافة .. "حسنة لله " أصبحت أحد محاور ثقافتنا ..فلا الممنوح يرى فيها عارا ..ولاالمانح يشعر بأن ما يجري كارثة قومية ؟
الجهاز الإداري للدولة يضم حوالي ستة ملايين ونصف المليون موظف .. هذا يعني أن لدينا موظفا لكل 14مواطنا تقريبا ..بينما المعدل العالمي موظف لكل 40مواطنا ..ويفترض أن يعمل الستة ملايين ونصف المليون هؤلاء حوالي 38مليون ساعة يوميا ..لو فعلوا هذا ..لما بات طلب لمواطن في درج موظف دون أن ينجز ..لكن طلبات المواطنين تعتقل في أدراج الموظفين شهورا وسنينا دون أن تنجز ..وأحيانا تفقد !
لكن علينا كمصريين أن نفخر ..فثمة دراسة للاتحاد العربي للتنمية تظهرأن معدل إنتاجية الموظف العربي 18 دقيقة..أما المصري فأكثر همة ونشاطا ..حيث يعمل نصف ساعة يوميا!
هؤلاء سيشرعون لمصر !
وثمة إعوجاج جرت مظاهره امام اعيننا خلال الأسابيع الماضية..انتخابات "مجلس الأعيان " التي يفتقد طرفاها -الناخب والمنتخب - لثقافة الديموقراطية ..ولاشيء سوى العصبيات العائلية..وشراء الأصوات ..ومرشحون يعانون من أنيميا حادة في إدراك حجم التحديات غير المسبوقة التي تعاني منها الدولة المصرية داخليا وإقليميا ودوليا .. ولاأدري كيف سيشرع هؤلاء لدولة بحجم مصر ورؤوسهم فارغة إلا من البحث عن النفوذ و الوجاهة والمجد العائلي والسبوبة !
وبالطبع لن أتطرق إلى ظاهرة الإرهاب التي نضحت بسبب غياب الثقافة المستنيرة عن الشارع المصري عقودا ..فهذا الأمر تعرض له الكثير من الكتاب والمفكرين ..لكن لا ينبغي أن يغيب عنا أن المواجهة في أساسها ثقافية ..ولقد شرفت بتنظيم ندوة للأخبار المسائي في قاعة مصطفى حسين بدار أخبار اليوم ..كان عنوانها "تحصين العقول قبل تحصين الشوارع " ..وانتهى المشاركون ..وكانت من بينهم د. آمنة نصير ..أن الفكر الاستناري هو سلاحنا لمواجهة التطرف على المدى البعيد .
الثقافة التي نريد
وما علاقة كل هذا بوزارة الثقافة معالي الوزير ؟
كما يبدو أن معظم العلماء و المفكرين يروقهم مفهوم عالم الأنثروبولوجيا البريطاني إدوارد تايلور للثقافة والذي أطلقه عام 1870..حيث يرى أنها " ذلك الكل المركب الذي يشمل المعرفة والمعتقدات والفن والأخلاق والقانون والأعراف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في المجتمع."
وبالطبع على خلفية هذه المنظومة تتشكل سلوكيات البشر
وما نريده الآن ثقافة مستنيرة ..تلك التي تنتهي بتكريس رؤى إيجابية حول العمل والانتاج..النظام ..العدل ..قبول الآخر ..السلام ..التسامح .. تحرير العقل من قيوده ليتحول إلى معمل تتفاعل فيه المعلومات والرؤى و..لينتهي بخيارات إيجابية تترجم إلى سلوكيات تسهم في تحضر الأمة ونهضتها.
وتأسيس هذه الثقافة تتطلب الانفتاح على النخب المنتجة لها في الداخل والخارج ..والاحتفاء بمنتجهم الثقافي ..والسعي إلى توصيله إلى الشارع المصري ..وهذا هو دور وزارتكم معالي الوزير ..أن تكون وسيطا إيجابيا بين منتجي الثقافة المستنيرة ومستهلكيها الذين هم – يفترض هذا – جموع الشعب بالمصري ..بكل فئاته وأعماره ..
عليها أن توفر مناخا ملائما ومحفزا لمنتجي الثقافة كي يمارسوا دورهم ..عليها أيضا أن تبذل كل جهدها في توصيل الرسالة إلى متلقيها ..من خلال دور النشر ومنافذ التوزيع وقصور الثقافة ..وكل ما هو متاح من وسائل الترويج والتسويق..وما أقوله في سطوري هذه عن دور وزارة الثقافة يرتبط جينيا بما سمعته من سيادتكم خلال الحوار الصحفي الذي أجريته والزميلة إيمان عبد الرحمن معكم مؤخرا..فثمة توافق في الرؤى أن هذا طريقنا للنجاة .
و كمواطن مصري أرى أن وزارتكم تلعب هذا الدور إلى حد كبير ..مع إمكانية التطوير..!
فأين مكمن المشكلة ؟ لماذا توحش الفكر الإرهابي ..وتسطحت رؤيتنا للدين ..وانتشر التسول و سيطر الدجالون على دماغ المصريين ؟ لماذا تغيب ثقافة الديموقراطية عن الناخب والمنتخب ؟
الإجابة على كل هذه الأسئلة يعزى معالي الوزير إلى أن رسالة وزارتكم لاتصل !
..لأن زميلكم في مجلس الوزراء ..معالي وزير التعليم ..عفوا وزير "التلقين" ..وأسلافه عبر عقود لايرون في إبني وإبنك سوى ذاكرة تحشر بمعلومات يتقيأها في ورقة الإجابة نهاية العام ليحصل على 99،999% فتفتح له ما يسمى بكليات القمة أبوابها ..حتى موضوعات التعبير يتم تحفيظها لطلاب الثانوية العامة من قبل مدرسي الدروس الخصوصية .. لهذا تصحر الدماغ المصري وفقد الوجدان حساسيته ..
ولقد سألت طالبا حصل على 99% في الثانوية العامة : كيف ؟
فقال : مدرس رياضيات حصر لنا كل الأسئلة والمسائل التي تأتي في الامتحانات من واقع خبرته في حوالي 500 مسألة ..أمضينا العام نحل هذه المسائل ..إلى درجة أننا حفظناها !
هل يمكن أن يكون طالب هكذا أعددناه على التلقين محصنا ضد فكر المكفراتية ؟
بل سيكون صيدا سهلا لجماعات سمعا وطاعة ! ..لأنه هكذا تمت تربيته في مدارسنا ..أن يلقن !
وأتذكر مرة نشرت مقالا في صحيفة القاهرة بعنوان : هل يوجد إخواني مثقف ؟عقب نشر المقال جاءتني ردود فعل مستهجنة من قبل البعض ..كان تساؤلهم : وألاف الأطباء والصيادلة والمهندسين من أعضاء الجماعة أليسوا مثقفين !!
بالطبع لا ..ليسوا مثقفين ..هم نتاج نظام تعليمي تلقيني ..حفظة مناهج..لم يقرأ أحد منهم لجابر عصفور أو محمد أركون أو علي حرب او حسن حنفي أو محمد عبده .. لذلك كانوا صيدا سهلا لأمراء سمعا وطاعة ..! "أظن أن تلك أيضا رؤيتكم التي تحدثتم عنها حين تطرق حوارنا إلى دراسة بريطانية حديثة انتهت إلى أن معظم الذين يتم تجنيدهم في الجماعات الإرهابية خريجو هندسة وطب وكليات تطبيقية!
وزارة التعليم تحولت معالي الوزير إلى وزارة للتلقين .." حتى أساتذة الجامعات اختزلوا وسائل التقييم ..في اختبارات توزع أسئلتها عبر ملازم من 10 أو 20 صفحة تطرح للبيع قبيل الامتحان بعدة ايام ..فإن طلبوا أبحاثا فهي تباع أيضا في المكتبات ..بل أن ثمة سوقا رائجة الآن لرسائل الماجستير والدكتوراه " ..لهذا كله تخفق وزارة الثقافة في أداء دورها كوسيط إيجابي .. ..وهذا ما غاب عن العديد من وزراء الثقافة السابقين ..ثمة مرسل " منتج الثقافة ".. ثمة وسيط .."وزارة الثقافة " ..لكن المتلقي غائب ..
..وإن قلنا غير هذا فنحن ندفن رؤوسنا في الرمال ..
يامعالي الوزير.. متلقي الثقافة المستنيرة في مصر والعالم العربي ينقرض ..! وطبقا لإحصائيات اليونسكو وتقارير التنمية البشرية لدينا كتاب لكل إثنى عشر ألف مواطن عربي ..في مقابل كتاب لكل خمسمائة بريطاني وتسعمائة ألماني ..
التقارير أيضا تؤكد أن المواطن العربي ينفق في القراءة سنويا عشر دقائق في مقابل إثنى عشر ألف دقيقة للمواطن البريطاني !
حين تولى د. جابر عصفور مهمة الشأن الثقافي ..انشغل في عقد بروتوكولات مع وزارات الشباب والتعليم العالي والتربية والتعليم ..وطبقا لهذه البروتوكولات تم الاتفاق على إنشاء منافذ لبيع الكتب في الجامعات ومراكز الشباب ..وبدا الأمر محزنا ..إنها نفس الدائرة المغلوطة التي ينزلق إليهاوزراء الثقافة ..وزيرا بعد الآخر..
الاعتقاد بأن المشكلة تكمن في أن الكتاب لايصل لعوار في التوزيع و التسويق ..وخلال مؤتمر أقامه فرع اتحاد الكتاب بالدقهلية ودمياط في أكتوبر 2014 شرفت بكوني أمينه العام ..تحدث العديد من الكتاب خلال إحدى الندوات عن مشاكل الثقافة ..وحصروها في أزمة النشر والترويج والتسويق والإعلام ..وطرحت سؤالا : ماذا لو نسى أحدنا هاتفه المحمول في أي مكان ..وعاد ليبحث عنه بعد دقائق ..هل سيجده ؟!..احتمال كبير ألا يجده ..فماذا لو نسى كتابا لعلي حرب مثلا ؟ لو عاد بعد شهر ..شهرين ..سيجده ..إلا إذا كان عمال النظافة ألقوا به في صندوق القمامة ..وهم ينظفون المكان!
تلك هي قضيتنا ..لو ألقينا بأكوام الكتب في الشوارع ..من النادر أن ينحني شخص ليلتقط كتابا ..! إلا إذا كان عنوانه " النقاب فريضة " أو "عذاب القبر" !
لاثقافة في مؤتمر شرم
يا معالي الوزير ..علينا أن نواجه الحقيقة الصادمة .. الثقافة الإيجابية و المستنيرة ليست مرغوبة في مصر ..سلعة راكدة بلا مستهلك ..
ولقد شرفت بتعدد أوجه الاتفاق بيننا كما بان خلال الحوار الصحفي ..لكن يحزنني أن ثمة قضية مهمة تباعدت رؤيانا حولها ..معاليكم ترون أن ثمة قارئا ..ودللت على ذلك بظاهرة التزوير في الكتب ..فطالما أن ثمة من يلجأ إلى التزوير ..فالكتاب سلعة مرغوبة ..وأيضا استشهدتم بتزايد أعداد دور النشر ..إنها ظاهرة تنم على أن الكتاب وبالتالي الثقافة سلعة لاتعاني من البوار ..
واسمح لي معالي الوزير بالقول أنني لا أرى ما ترى..
..هل سمعت معالي الوزير أن مشروعا واحدا من بين ال 120
مشروعا التي عرضت في المؤتر الاقتصادي بشرم الشيخ في مارس الماضي انطوى على شبهة ثقافية ؟!!! وزيرة التعاون الدولي السابقة أ.نجلاء الأهواني قالت قبيل انعقاد المؤتمر أنها لم تتلق أي مشروع ثقافي لإدراجه في المؤتمر !
لماذا ؟ لأن الثقافة المستنيرة سلعة راكدة ..بلا مستهلك.
والسبب وزارة التلقين .. تلك الوزارة ..ينبغي أن تكون وزارة للمعارف ..بحيث تصبح المنظومة التعليمية مفرخة للإنسان المعرفي المؤجج بشهوة المعرفة فيمضي حياته منقبا عن المعلومة ليربطها بغيرها من معلومات ..فيستخلص الرؤى..وفي ظل هذه المنظومة تتحول فصول الدراسة إلى معامل للتفكير والتحليل والاستنباط ..وواحة للارتقاء بملكة التذوق ..فنحسن اختيار مايطربنا من أغاني وأشعار ..ونحرص على جمال شوارعنا ومنازلنا ونرتقي بأناقتنا ..ونحتفي بروح المودة والتعاون في البيت والشارع والعمل ..ولايكون الهدف من وراء امتحان آخر العام ..قياس مدى قوة ومتانة الذاكرة ..بل قياس مدى قدرة الدماغ على أن يرى ويعي ويحلل ويستنبط ..ومدى استشعار ملكة التذوق في الوجدان لجماليات الحياة ..
لو نجحت خطوط الانتاج بوزارة المعارف " هذا ما ينبغي أن يكون اسم وزارة التعليم" صناعة المواطن المؤرق بقضية المعرفة ..فسوف يكون لدينا عشرات الملايين من مستهلكي الثقافة ..وستوزع كتبنا مئات الآلاف من النسخ ..وتحتشد قاعات المجلس الأعلى للثقافة وقصور الثقافة بالمؤرقين بالأسئلة والتواقين للمعرفة ومتذوقي الجمال ! فإن نظم مؤتمر اقتصادي سنجد في أجندات المستثمرين عشرات المشاريع الثقافية ..فالثقافة إن أصلحنا إعوجاج وزارة التعليم ستصبح سلعة مجدية اقتصاديا .
شهادة توني بلير
وثمة خطوة أخرى موازية ..تنطلق من قبل المؤسسة الدينية الرسمية ..الأزهر والأوقاف .. فديننا يحتشد بالكثير من ركائز ثقافة الاستنارة الإيجابية التي ننشدها لإعادة هيكلة الدولة المصرية ..المحبة ..السلام ..التعايش مع الآخر ..والأهم إعلاء قيمة العقل ..
وأتذكر ..
عقب هجوم البابا السابق للفاتيكان بانديكت السادس عشرة على الإسلام ..صدر أكثر الردود قوة -ويا للدهشة من خندقهم -..توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق الذي قال موجها خطابه للبابا : إن القرآن هو الكتاب السماوي الوحيد الذي اتى على ذكر العقل والتفكير أكثر من أربعين مرة !
هذا هو جوهر الإسلام ..الذي ينبغي أن يكون موضع تركيز الخطاب الديني .
مجلس آخر للثقافة !
لذا أرى معالي الوزير أن يكون محور اهتمام الدولة الآن..تأسيس مجلس قومي للثقافة يرأسه رئيس الجمهورية لأنه سيتولى التخطيط والإشراف على أهم مشروع قومي في مصر ..إعادة هيكلة الدماغ المصرى من خلال تجديد الخطاب الثقافي ..لتكون ثقافة الاستنارة هي القاعدة التي تتكيء عليها قيم وسلوكيات المصريين ..في البيت والشارع ومواقع العمل والحياة العامة ..
....على أن يضم المجلس في عضويته وزراء "المعارف " و الثقافة والشباب والإعلام و الأوقاف وشيخ الأزهر " ..بحيث تتناغم استراتيجيات هذه الوزارات من أجل إعادة هيكلة الدماغ المصري على أسس مستنيرة .
عندئد .. لن نبدأ يومنا فقط بالصلاة على النبي ..بل سيظل النبي مصاحبا لنا على مدار اليوم ..من خلال قوله : من غشنا فليس منا ! وقوله أنتم أدرى بشئون دنياكم ..
وأقوال كثيرة تمثل عمود الثقافة المستنيرة التي ننشدها ..
عذرا معالي الوزير إن كنت قد أطلت !



#محمد_القصبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حروف باهتة...
- بعد ربع قرن..كارثة غزو الكويت مازالت بدون توثيق
- ويكليكس ..موقع إعلامي ..أم جهاز مخابرات ؟
- سألت نزار عن سعاد الصباح وسألني عن أدونيس
- هل قرأ النجار وثابت تاريخ الصحافة العالمية ؟
- تحية لسلماوي ..المثقف الدور
- خمس دقائق ..الريشة والقلم ..ونشوة الانستولوجيا !
- ألهذا كثرت معارك أبي همام ..ألهذا كان حظه من الشهرة قليلا ؟!
- هل يترشح الكاتب العماني سعيد العيسائي في انتخابات البرلمان ا ...
- الأوبرا المصرية تبدأ مبكرا احتفالاتها برأس السنة بحفل تحييه ...
- رسالة بين العواطف و العواصف نحوا...
- المماثل والمغاير لمؤتمراتنا الثقافية في مؤتمر المنصورة
- بروليتاري آخر من مهمشي جمهورية الأدب يسقط ولاأحد يدري.
- ربع قرن على زلزال صاحب الآيات الشيطانية..هل يحصل على نوبل ؟!
- موروثات فذ السؤال....
- لن أحب إسرائيل حتى لوكنت أكره حماس !
- الجرف الصامد ليست اختبارا للسيسي
- فابية عبد الناصر وطريق السيسي الثالث
- في مصر ينتشر دين المشايخ وليس دين الله !
- الكلمة العليا في الإخوان الآن لسيد قطب !


المزيد.....




- تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ ...
- استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
- 82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
- 1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد القصبي - معالي وزير الثقافة :هل صليت على النبي اليوم ؟ ! رسالتكم -معالي الوزير- لاتصل.. وزارة التلقين والسلفيون خربوا دماغ المصريين