|
الذين يرسمون خريطة سوريا الآن وغداً
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 5013 - 2015 / 12 / 14 - 12:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هبة " المعارضات " السورية ما بين ( 8 ـ 12 / 2015 ) التي تمثلت بعقد ثلاث " مؤتمرات " تحت عنوان المعارضة السورية ، في الداخل والخارج ، بتزامن لافت ، تثير السؤال : هل هذه الهبة " المعارضة " تعبر عن حالة نهوض ، أم عن حالة فشل مزمن في المعارضات السورية ؟ ..
أعتقد أنها تعبر عن محاولة للنهوض من الفشل الذي تكابد منه هذه المعارضات ، لأسباب ذاتية وموضوعية عديدة ، وبخاصة منذ أن تزايدت ارتباطاتها بالخارج الإقليمي والدولي في مختلف المجالات ، وبعدها أطلقت خيار السلاح في التعاطي مع أزمة البلاد ، بديلاً عن أساليب وآليات السياسة . وقد أدى هذا الخيار بمن التحق به من المعارضة ، إلى فقدانه صلاحياته في مضمار المعارضة السياسية ومفاهيمها ، وتحكمت به مفاهيم وآليات التمرد العسكري ، واعتبارات مصالح الدول التي تشكل مصادر دعمه ، المالي ، والعسكري ، والسياسي ، والإعلامي . وانعكس هذا سلباً على بقية أطراف المعارضة . وكذلك على المناخ السياسي في البلاد بعامة ، وغير معادلات التغيير الوطني الديمقراطي .
ولما بدأ عدوان الإرهاب الدولي على البلاد وتوسع ، واتضحت خطورته الكارثية ، افترقت الأوضاع والتطلعات والسياسة بشكل أكثر وضوحاً وحدة ، إلى زمانين لا يمكن دمجهما أو ربطهما ببعض . هما زمن تطلعات وسياسات ما قبل الحرب ، أي زمن التفاعلات الاجتماعية السياسية الداخلية ، المفتوحة بين طرفي الحكم والمعارضة ، حول أسلوب الحكم ، وبنية الاقتصاد ، ومستويات المعيشة ، وزمن ما بعد الحرب بظروفه وتطلعات الوطنية الحاسمة ، التي ارفع منسوبها فوق كل منسوب في الظروف والتطلعات السابقة على الحرب ، التي لعب فيها التدخل الإقليمي والدولي دوراً قذراً في تأجيجها ، وشراستها ، واستدامتها ، وتوحشها . وليس بغافل على أحد ، أن هذا الافتراق ينقل حركة الدولة ومها مها ، وحركة المجتمع ، والسياسة ، والمعارضة ، واهتماماتها ، إلى مرحلة ملزمة بمتطلبات هذا الافتراق وحاجاته على كل المستويات ، ويتجاوز كل الرغبات الحزبية والفئوية والشخصية التي تتجاهل ذلك .
ففي زمن الظروف العادية .. من المسموح به .. وهو حق مشروع .. أن تتعارض وتختلف الآراء ، وأن يكون هناك تطلع للوصول إلى السلطة ، وتداولها ، وفق الدستور والآليات الديمقراطية . بمعنى أن الانقسامات والصراعات السياسية والاجتماعية هي أمر عادي في تلك الظروف ، وتعبر عن حيوية ووعي مختلف القوى والطبقات السياسية والاجتماعية . بيد أنه حين تقع الحرب ، وتفرض ظروفها ومتطلباتها ، تسقط مشروعية الانقسام ، ويتقدم على ما عداه لزوم وحدة الشعب ، بكل قواه ومكوناته السياسية ، ولزوم وقف الطروحات والخصومات المتوترة بين أطراف المجتمع الواحد ، وتؤجل الطموحات المتعارضة ، السياسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، والفكرية ، وتكريس كل الفعاليات للدفاع عن الوطن ورد العدوان . وهنا ينبغي أن ينتقل مشروع المعارضة ، أو مشاريع المعارضات ، المعبر ، والمعبرة ، عن انقسام الرؤى ، والحراك في المجتمع ، إلى عملية توحيد الرؤى الوطنية ، وتوحيد حركة قوى المجتمع مع الدولة التي تتصدى للعدوان ، ومع الشروط والمهام التي تتطلبها الظروف الاستثنائية الوطنية . وهذا يعني بعبارة موجزة ن أن تشكل المعارضة مصدر قوة وإسناد صلب ورديف للجيش الوطني ، وعامل إضعاف وقهر للمعتدي على البلاد . وهذا يفرض على الجميع معياراً واحداً للا صطفافات والخيارات .
وبالعودة إلى " هبة " المعارضات السورية المترادفة والمتزامنة في الأيام الماضية ، يبرز " مؤتمر الرياض " كجامع لتيارات سياسية وجماعات إرهابية ، تحت عنوان " المعارضة " ، التي مارس بعضها سابقاً ، وبعضها لاحقاً ، قبل الحرب وخلالها ، مارس المعارضة الإقصائية التناحرية مع طرف الحكم ، معتمدة في ذلك ، سلاحاً ومالاً وسياسة وإعلاماً على القوى الدولية التي تنسق معها في كل أنشطتها السياسية والمسلحة ، وتقيم في عواصمها وبلدانها ، التي احتضنت الإرهاب الدولي ، وبعضها مارس أساليب النهب والسبي والمذابح ، ويحاول أن يأخذ في الرياض طابعاً سياسياً معارضاً ، من خلال إحياء معارضة إقصائية تناحرية في زمن الحرب . وقد دفع هذا أطرافاً معارضة أخرى لم تدع إلى الرياض ، إلى عقد مؤتمرين مستقلين عن مؤتمر الريا ض ، في الداخل السوري ، في المالكية شمال شرق سوريا وفي دمشق .
أي أن قوى الرياض تحاول ممارسة معارضة ما قبل الحرب في زمن الحرب ، وبعضها في الوقت عينه طرفاً مقاتلاً متحالفاً مع القوى الدولية المعادية والإرهاب الدولي . بل وتعقد اجتماعها في الرياض عاصمة الدولة الأسوأ عدواناً وتآمراً على البلاد . وهنا يكمن عدم اكتساب مؤتمر الرياض صفة المعارضة ، بمفهومها السياسي ، وحيثيات زمانها ومكانها وبنية عضوية الحاضرين باسمها في المؤتمر تحت عباءة آل سعود ، الذين يصر وزير خارجيتهم على ممارسة رأس حربة العداء لأي حل سياسي حقيقي . بل إن ما مثلته " الهبة " المعارضة في الرياض ، هي أكثر انحرافاً في السير بالاتجاه المعاكس . فقد ضم مؤتمر الرياض أشخاصاً موالين للدولة الراعية للمؤتمر ليس لهم خلفية شعبية أو تنظيمية على الأرض السورية . كما ضم ممثلين لتنظيمات مسلحة ارتكبت الكثير من الجرائم بحق الشعب السوري في مختلف المناطق .وكان قصف زملائهم ، أثناء وجودهم في قاعة المؤتمر ، لأحياء في غربي حلب وفي حي الميدان وسط المدينة ، وتفجير سيارات مفخخة في الحسكة وحمص ، التي ذهب ضحيتها نحو مئة شهيد ومئات الجرحى ، تعبيراً عن مشاركتهم الفعالة في مؤتمر المعارضة ، وعن أسلوبهم الحواري ، بحثاً عن مخرج للحرب السورية على طريقتهم . أثناء تداول " المعارضات المسلحة وغير المسلحة الآراء في الرياض وغير الرياض ، صدر عن شبكة أخبار حلب الخبر التالي : " قامت الجماعات الإرهابية المسلحة طوال ( 48 ) ساعة الماضية بقصف أحياء حلب الغربية بقنابل الهاون والصواريخ ، ما أدى إلى سقوط ( 30 شهيداً ونحو مئة جريح ) . وبنفس اليوم وجهت هذه الشبكة نداء إلى جميع الأهالي في أحياء ، الزهراء ، وشارع النيل ، والخالدية ، والشهباء ، والموكامبو ، وشارع تشرين ، والسوق المحلي ، والسبيل ، بعدم إرسال أولادهم إلى المدارس غداً الخميس ( 10 / 12 / 2015 ) إلى المدارس بسبب الوضع الخطير والقصف الذي تتعرض له حلب . ونرجو من جميع الأخوة المتابعين ، إخبار جيرانهم وأهلهم ونشر الخبر .. وعدم إرسال الأولاد والطلاب إلى المدارس غداً " . ومن المعروف أن الجماعات المسلحة التي تقوم ، من " حي بني زيد " بقصف الأحياء الأخرى بشكل رئيسي ، هي " جبهة النصرة ، ولواء شهداء بدر ، ولواء التوحيد " .
إن الواقع الموضوعي الكارثي وإفرازاته البشعة المفجعة ، الناتجة عن الحرب ، لا يتطلب حضور معارضة سياسية تقليدية ، تتقن وتمارس طرح البيانات والشعارات ، وعقد وحضور المؤتمرات ، التي فات أوانها . ولا حضور ، بطبيعة الحال ، معارضة متواطئة مع منظومة الإرهاب الدولي وشريكة في الحرب القذرة على الوطن ، لا من خلال مؤتمرات مبرمجة موجهة ، ولا من خلال استعراضات إعلامية لتسويق الأكاذيب . وإنما هي بحاجة ، في ظروف الحرب وما بعدها لإعادة البناء وترميم النفوس ولأم الجراح ، لمعارضة مختلفة في الشكل والمضمون عن المعارضات السابقة ، من خلال إبداع أطر وعناوين جديدة مطابقة للحراك الوطني المطلوب منها بإلحاح .
إن سوريا بحاجة لكل أبنائها الوطنيين ، الذين يمنحونها الولاء والحب والدم .. لتبقى موحدة مشرقة مزدهرة .. بحاجة لإبداعاتهم السياسية والفكرية والتنظيمية في الداخل والخارج ، التي توحد جهودهم وإراداتهم .. هكذا فعلت الشعوب التي تعرضت للحروب والعدوان من أجل أن تنتصر في مختلف بالبلدان .. وانتصرت .
إن الجنود السوريين .. والقوى الشعبية الحية حاملة مشاريع الوحدة الوطنية والقومية والديمقراطية والتقدم .. والمعارضين الشرفاء الذين يتصدون لحرب الإرهاب الدولي .. للحفاظ على الوطن وعلى وحدته أرضاً وشعباً .. هم وحدهم الذين يرسمون بصبرهم ، وصمودهم ، وتضحياتهم ، وانتصاراتهم ، خريطة سوريا الآن وسوريا الغد .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سقوط قناع التحالف الأميكي الدولي
-
- الناتو - يزحف إلى دمشق .. وسوريا تقاتل
-
الحل السياسي بين الإرهاب والتدخل الخارجي
-
جلالة الشهيدة
-
داعش يغزو فرنسا
-
- فيينا 2 - والرهانات المتعاكسة
-
الجري وراء الحلول السياسية في زمن الحرب
-
مقومات الحل السياسي الوطني في سوريا
-
صانعو الحلول الوطنية المشرفة
-
فلسطين في القلب
-
سوريا موحدة جديدة قادمة
-
هل بدأت نهاية الإرهاب في سوريا ؟ ..
-
أيلول أسود بشع آخر
-
دفاعاً عن هوية المسجد الأقصى ووجوده
-
المؤتمر النقابي الدولي بدمشق .. توقيته وأهميته
-
لا بديل للوطن .. العودة للدار هي الحل
-
حرب البؤساء العادلة
-
بيان مجلس الأمن والتجربة السورية
-
أردوغان وسوريا المستعصية على الفتح
-
آفاق
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|