أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد البورقادي - تأملات في البادية..














المزيد.....

تأملات في البادية..


محمد البورقادي

الحوار المتمدن-العدد: 5012 - 2015 / 12 / 13 - 02:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كنت هناك لغرض رسمي وحللت عند أحدهم ..شخص عجوز في العقد الثامن من العمر ..سمعه ليس بالجيد وبصره كذلك أيضا ..له منزل من طين وأرض مجاورة له ..يكتريها لفلاح ..ويعود بأجر الكراء على ترميق الحال وكفاف العيش ..له بنت متزوجة تعيش في المدينة المجاورة للقرية التي يعيش فيها ..وابنان متزوجان يقطنان في مدينة بعيدة ..
يعيش لوحده في منزل مهترئ ..يعلوه الدرن في كل مكان ..هو عجوز لا يقوى على كنسه فيتراكم معجِّلا بانتشار أمراض الربو والصدر ..منزله غير مرتب ..لا شيء موضوع في مكانه ..أكوام من علف البهائم في بيت وسط المنزل كلما هبَّ لنقل جزء منها تشتت البعض على الأرض ليهوي به الريح في كل أرجاء المنزل ..ليس في المنزل أثاث كما يعتاد ..إنما هي حصيرة هشة قد تآكلت من وطئ الأقدام ومن مر الزمان ..وكراسي بلاستيكية وطاولة ثلاثية الأرجل تعود لعقود غابرة ..سقف المنزل يحوي ثقوبا سوداء ينفذ منها المطر فصل الشتاء ..
تجاذبنا أطراف الحديث بالتدريج إلى أن ألف بعضنا الآخر ..وما إن استأنس بعضنا ببعض. حتى أخذ يحدثني عن حيف أبناءه " ما بقاوش كايديوها فيها أوليدي تابعين هير الدرهم " .."كل واحد تايعيط أراسي " ..أبنائي لا يكلفون أنفسهم حتى عناء السؤال في الهاتف ..حتى إبنتي الوحيدة مذ تزوجت لم تعد تأت لزيارتي إلا ناذرا جدا ..ولولا بقعة الأرض هذه التي أستفيد من ريعها لكنت قد هلكت منذ زمن بعيد ..الكل منشغل بحاله وبمآربه ..لا أحد يسأل ولو حتى مجاملة أونفاقا ..ولا أطلب منهم شيئا غير الإهتمام بالسؤال والزيارة فطبعي يأنف ويترفَّع عن طلب العون من أحد ولو حتى أبنائي ..
كنت جالسا معه وبعض رجال الدوار في مجمع نتحادث عن أمور شتى .. وهو يبتسم ويسرد لنا بعض مشاكل أهل البادية ... إنه يفرح كثيرا عند قدوم أحدهم لمنزله .. ولا يتكلف أبدا في الحديث ..كلامه مسترسل لا تلكُّأ فيه ولا تصنّع ..
إنه اجتماعي كثيرا ..يعرف جل أخبار أهل منطقته ولا يكاد يغيب عنه شيء رغم كبر سنه ..رغم بيته المهترئ يقصده الكل لطيبته وخفة ذمه ..سألته عما إذا كان يأمل الذهاب يوما للمدينة لتغيير نمط عيشه ..فرد بالنفي ..قال لي بأنه لا يريد أن يراهن على شؤون المدينة المتقلبة والمتغيرة ..لا ينوي بيع أرضه ومنزله في مقابل الحصول على بيت مع الجيران بسومة مرتفعة في ضواحي المدينة ..يقول إن العيش في المدينة يتطلب جهدا كبيرا ..وتضحية أكبر ..وهو في غنى عن ذلك ..والعيش البسيط في البادية أفضل من العيش المعقد في المدينة ..فالقليل يسد كفافه وحاجته ويغنيه عن السؤال ..وقلت لنفسي حينها في مقارنة بين رجالات القرية ورجالات المدينة !
هل ثقافة الحضريّ تجعل منه أكثر أنانية وأَنَفَة ..
هل كون الإنسان متعلم وذو حنكة يجعله أكثر تمردا وجفاء ا..
أم هل أن الإندماج الكثيف واللامتناهي الحاصل بين أفراد المجتمع في المجال الحضري سبب في جعل الآخر النّد والعدو ...من حيث يُضعف من فرصه وحضوضه..
ذلك أن إشباع الحاجات غير محدود وليس له سقف ..وتلبية هاته الحاجات غير مضمونة في ظل الكثافة السكانية المهولة وقلة الموارد ..وبالتالي تجد التصارع والتنافس بين هذه الذوات هو اللغة السائدة والناظمة لهذه العلاقة كما يقول هوبز "حرب الجميع ضد الجميع"..
في البادية هناك هدوء ..الطبيعة على مد البصر ..هناك تقارب بين الناس ..هناك ألفة ومودة ..هناك العلاقات الإجتماعية وجها لوجه يأسسها التقارب والمشاركة النفعية المتبادلة ..أما المدينة فلا تعرف السكينة والصفاء ..بل صخب وزحام و عوادم السيارات وتقارب العمران وابتعاد الناس الرمزي عن بعضهم البعض حتى لا يكاد يُفشى السلام ..غنيهم يزداد غنا وفقيرهم يزداد فقرا ..هناك صراع دائم بين الطبقات ...وتزداد الفروق اتساعا ..وتزداد هوة الضغائن ..والوفرة لا تكفي الكثرة ..ولا يقنع الغالب بالقليل ويزداد الطمع ..ويزداد معه السعي لإدراك ما لم يُدرك ..



#محمد_البورقادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا استفاد المجتمع من سياسة الخوصصة ؟!
- الإنسان في الفكر المادي..
- محاكمة العقل للفكر التطوري الدارويني..
- حال الناس بين الغفلة واليقظة..
- جَحِيمُ الخادماتِ في السعودية..
- رهانات التنمية وإكراهات البيئة ..
- رهانات التنمية وإكراهات البيئة .
- لقد مات من فَرْطِ الإستهلاك ..
- الرأسمالية والإغتراب ..
- نظرة في خلفيات صناعة الإرهاب..
- وسائل الإتصال وسلطة التأويل ..
- الإرادة العليا وجدل العقل و المنطق ..
- أطفال القمر
- الدعارة ..اختيار أم اضطرار
- متناقضات العالم المعاصر ..
- داعش وجاهلية القرن الواحد والعشرين ..
- دور التربية في صناعة النشء
- لماذا فشلت المنظومة التعليمية بالمغرب ؟
- داعش لم تُخْلَق من فراغ ..والعنف يولِّد العنف ..
- حقيقة الحياة الدنيا والإستعداد للرحيل..


المزيد.....




- إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
- مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية ...
- بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما ...
- سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا ...
- مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك ...
- خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض ...
- -إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا ...
- بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ ...
- وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
- إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد البورقادي - تأملات في البادية..