محمد السعدي
الحوار المتمدن-العدد: 5011 - 2015 / 12 / 12 - 15:14
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
وذكرى
في تلك الصورة التي تجمع ذكرتين عزيزتين عليه ... رفيقين .. جمعتني بهم محطات نضالية , ما زلت معتزا بها لعمق معانينها في مسيرة حياتي .... قليل هي المواقف التي تشحن ذكريات سنوات طويلة , قد تكون طويت مع غبار الزمن الا أذا كانت ممتلئه غزارة في الحياء والموقف والنضال الصعب ... عثرت على الصورة عبر التداول اليومي على مواقع التواصل الاجتماعي .
صورة تجمع رفيقين .. تعرفت عليهما بمواقع النضال في مطلع الثمانينيات .
في يمين الصورة ... أبو جيفارا ... الحاج كلاوه رش ... محمد وردة .... بهذه الالقاب عرف بساحات النضال الصعبة والتي كللها باستشهاده البطولي متحديا جلاديه في أقبية الامن في مطلع عام 1986 .
أبو جيفارا .. قصة وأسطورة .. رويت وعرفت على من رافقه في النضال أرضا وواقعا .. وهناك من ظلمه من الدعاة والمتشدقين بهوامش النضال ... ورغم أستشهاده البطولي .. لم أقرأ نعيا أو ألمح ذكراه في مناسبات عدة في سجل الحزب , الذي أفنى حياته وعائلته لأجله .
ربما سيهاجمني المهمشين وكالعادة ... شيبحبش لطيف ؟؟؟ نعم أبحبش عن تاريخنا الناصع .. عن مناضلينا الشيوعيين الاشداء .. عن تاريخ نعيد به مجدنا وتاريخنا ودورنا وشيوعيتنا .
ألتقيت المرة الاولى بالشهيد أبو جيفارا على عجل عام 1982 في كردستان , وبطلب منه , عندما كنت مندوبا من منظمة الصدى الى محلية كركوك للحزب الشيوعي العراقي بقيادة مام صالح ومام فتاح لفترة يومين فقط .. خوفا من سطوة الرقيب لطول فترة فراغ مقعدي الجامعي .. قد يلفت أنتباهم .. بهذه العقلية والحنكة كنا نراوغ الجلادين , ونحن في مقتبل أعمارنا السياسية .. يومين وعدت طبيعيا الى مقعدي الدراسي . أبلغني الرفيق مام صالح .. هناك رفيق قيادي يطلب لقاءك .. وبرغم أن وجودي كان محاط بالسرية التامة , لكن كانت هناك أعتبارات حزبية وتنظيمية تأخذ بالاعتبار أحيانا . .
ألتقيته على تلة وادي منحدر بجو ربيعي .. محاطا بالخضار وورود الزنبق بالوانه المنعشة للروح ... ألتقيته وكأني أعرفه من سنيين وبدون مقدمات , كان حديثنا سهلا وبدأ به عتبا رفاقيا ... حاولنا مرات الاتصال بك , لكن لم نفلح بتوصية خاصة من الرفيق ابا ناصر ( طه صفوك ) . نريدك ضمن تنظيمنا محسوبا على المنطقة الوسطى , لكني مرتبط بتنظيم أخر ... في النهاية أتفقنا بتحديد له محطة حزبية نستلم التوصيات والادبيات عبر المناضل عدنان الانصاري مدير بنك الرافدين في بعقوبة ... كان عدنان يستلم رزم البيانات داخل صالة البنك مع طوابير المراجعين .
في أب عام 1983 ... ألتحقت الى مناطق شهرزور , تاركا مقعدي الدراسي في الاداب / بغداد والى الابد .. مضطرا لدواعي أمنية وتنظيمية
في شهر أب الاهب وصيف ساخن شديد الحرارة .. وصلت الى قرية أحمد برناوا بمعية كريم كومنست من محلية كركوك . وكان هناك ثمة رفاق وأنصار مقاتلين , وبعد سويعات من وصولي جاءني أبو جيفارا مع الشهيد أبو جلال ومحمد عرب ( سلام العجيلي ) مرحبين بي .. وبعد سماعهم ما حدث لي تألموا . رافقتهم متجولا معهم في قرى شهرزور مطلعا على المزيد من التفاصيل ودواعي الاحتراب الداخلي ومأسيه . .
وجدت ببو جيفارا شيوعيا واقعيا ومخلصا ومنسجما مع أفكاره ورؤاه السياسية . أول شيوعي يسمي البعث .. وعندما سألته قال لي يجب علينا أن تعطي لعدونا قيمته ومصدر قوته حتى نتمكن من أتخاذ الاساليب النضالية الصحيحة بمواجهته . بينما الاخرين يصرخون ان النظام على حافة هاوية .
ومن تلك المواقف التي حفرت بالذاكرة .. أثناء تجوالنا في القرى تلقى أبو جيفارا معلومة أن هناك مندسا من قبل السلطة شابا كرديا بهيئة راعي أغنام في سفوح القرى ووديانها ... ذهبنا لمتابعته , عثرنا علبه نائما وسط قطيع من الاغنام .. شابا من سليمانية يرتل في لسانه أثناء الحديث .. طلب منه أبو جيفارا لمرافقتنا , وحاول يعرف السبب .. لماذا ؟ وأنا كناحه .. وأنا ما عامل شيئ يؤذيكم . أيام وهو يرافقنا في حلنا وترحالنا ومنامنا .. وينصت على تحليلاتنا ونقاشاتنا . وظل أبو جيفارا يتعامل معه بأخلاق مناضل وثائر .. الا الاسئلة التقليدية والشخصية عن أهله وعائلته ... بعد أيام وتحت ظل شجرة محميين بفيئها في دشت شهرزور نتغدى خبزا يابسا معفننا بعد تنكيعه بالماء ليكن سهل الهضم مع طماطة حصلنا عليها من أحدى المزارع , وكان الطيران العراقي محلقا في السماء فوق مدينة حلبجة ... طلب منا الشاب الكردي أن يتكلم قال ... أنا مبعث من مديرية أمن سليمانية للتجسس عليكم وبتفاصيل دقيقة مسكونة بالخوف والرعب ... بعد أيام بعثه الحاج الى أهله محملا برسالة ... سمعت فيما بعد أنه تعاون مع رفاقنا في تزويدهم بالمعلومات .
بقيت شهور وشهور مع أشجع الشيوعيين وأنبلهم نضالا وخلقا .. على ملاكات التنظيم المدني أبو جيفارا أبو جلال سلام عرب . قرروا العودة الى بغداد والتسلل عبر منافذ دربندخان لمواجهة البعث في عقر داره عام 1984 هكذا يحلوا لابو جيفارا تسميته . وصلت من بغداد أمه لابو جيفارا لتنقل قطع من الاسلحة الخفيفة قيل وصولنا .
تطورت الاحداث في قاطع سليمانية بالاحتراب مع بيشمركة الاتحاد الوطني .. ضاقت المنافذ علينا , لكنه تمكن أبو جيفارا مع أبو جلال بالافلات من أحدى المنافذ والوصول سالمين الى بغداد . نحن بقانا ابو ناصر على الشحن اليوم وباجر وعكبه . . .
أبو جيفارا ... أول نصير شيوعي يلتحق الى الجبل .. وما زالت أجتماعات الجبهة وفروعها خري مري .. حينها لم يكن لدينا قاعدة ولا فصيل مما أجبرته الظروف أن يكون مقاتلا ضمن مقاتلي بيشمركة الاتحاد الوطني ملتحقا جديدا بهم , لكن بعد أن ألتحق الشيوعيين ووضعوا نواة لهم .. ألتحق معهم مما أثار غضب قادة الاتحاد الوطني بعد أن عرفوا أنه كادرا شيوعيا .. وكيف مررت عليهم ...
لم ألتقي ببو جيفارا .. الا بعد أن سمعت عنه بوصولي الى قاطع بهدينان ( الفصيل المستقل ) منطقة زيوه نهاية عام 1985 .. أنه قبل أيام كان هنا وألتحق للداخل .. وبلغني التنطيم سوف ألتحق به .. وهذا ما تم فعلا . .
وصلت الى بغداد في منتصف شباط عام 1986 ... تلقيت الفاجعة أن التنظيم ( المنطقى الوسطى ) تحت قبضة مديرية الامن العامة .. عرفت فيما بعد .. والتفاصيل كانت تأتي تباعا .. أن الشهيد أبو جيفارا .. عندما عاد من قاطع بهدينان عبر منفذ العمادية عن طريق العمبل المزدوج شهاب , الذي سلمه الى مديرية أمن دهوك بدلا من أيصاله الى بر الأمان ... وبقى خمسة وأربعون يوما تحت التعذيب .. تحسبا منه أن التنظيم أحاط علما بما وقع معه , واتخذ أحتياطاته في التحرك والاحتياط .
أعدم ابو جيفارا مع رفاقه أبو جلال أبو غسان ونجم عرب وابو ستار وأبو قيس وأخرون ... وحكم على والدة أبو جيفارا عشرون عاما وحطموا عائلته بالكامل . .
الشخصية الثانية في الصورة أسعد هورامي المعروف ( كمال هورامي ) . شهادتي به أيضا مجروحة .. تعرقت عليه في عام 1983 في منطقة هورمان في البتاليون السابع في محيط منطقة كرجال وفي لحظتها أهداني بلوزا عسكريا وربما عطفا لرثة ملابسي الممزقة ... ومن هناك بدأت وأستمرت لثلاثة عقود مرورا في سوريا وأنتهاءا في السويد .. أشتغلنا بنفس الاختصاص المهني ( التجاري ) . هو في أستوكهولم وأنا في مالمو ... مرات عديدة أختلفنا وأتفقنا وتزاعلنا ... لكن دم الرفقة بقيت سارية بنا ... كنا نستذكر تلك الايام والسنيين ومعاناتنا من جبل الى جبل ومن وادي الى وادي .. في لقاءتنا في دبي أو باريس ... رحل أبا زياد قبل عامين في العاصمة السويدية بعد مرض خبيث لم يمهله طويلا رغم عناده وتحديه لاعراضه .. كان بهمم ومعنويات يوحي للاخرين , أنه غير مصاب بهذا المرض ... لم أجرء أن ألقي نظره أخيره عليه , أثناء دفنه مع جمع غفير من رفاقه وأصدقائه في العاصمة السويدية ... فالمجد لكم .. أيتها الاحبة .. وللتاريخ ذكراكم الطيبة . .
محمد السعدي
السويد
#محمد_السعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟