|
ماذا استفاد المجتمع من سياسة الخوصصة ؟!
محمد البورقادي
الحوار المتمدن-العدد: 5010 - 2015 / 12 / 11 - 00:13
المحور:
الادارة و الاقتصاد
بعد استقلال المغرب ، هرب رؤوس الأموال إلى أوروبا ووجدت مؤسسة الدولة نفسها رهينة أمام مسؤولياتها الإجتماعية والإقتصادية التي تضمن استقرار البلد .. إلا أنها سرعان ما اكتشفت عبء حمل ذلك فقررت التفويت للقطاع الخاص ..والتفويت جاء عن طريق سياسة المغربة والتي كانت تهدف إلى تشجيع القطاع الخاص المغربي وإعداده لأخذ مكانه في الإقتصاد ..والتشجيع هنا يشمل التخفيض من كلفة الإستثمارات بالإضافة إلى التخفيض من الضرائب المحصلة وبالتالي خلق أرضية استقطاب ملائمة لرؤوس الأموال المحلية الوطنية وحتى الأجنبية وفي 11 أبريل 1990 صدر قانون الخوصصة الذي يقوم على نقل تدبير بعض المرافق العمومية إلى القطاع الخاص..وهذا التفويت تمثل في البيع المباشر لعدد من المرافق العمومية ..والذي يمكن من مشاركة كل المستثمرين الخواص الذين لهم خبرة في ميدان هاته المقاولات ..ومن ذلك بيع المكتب الوطني للسكك الحديدية .. الخطوط الملكية المغربية ..المكتب والوطني للكهرباء...بالإضافة إلى مجال الزراعة والصناعة الغذائية والنسيج والجلد وقطاع الأبناك والفنادق..إلخ .. لا شك أن هاته السياسة قد مكنت الدولة من التغلب على حالات التعثر التي عرفتها بعد الإستقلال وقلصت بذلك نفقاتها التسيرية والتجهيزية..مما ساعدها على التفرغ لتحصيل الدين الخارجي وتقليص عجز الميزانية ومواكبة القطاع الإجتماعي الذي كان في طور البناء آنذاك .. وقد كان الرهان في هذا التفويت ينبني على توقع كفاءة ونزاهة القطاع الخاص الذي أُمل فيه إعادة التوازن الإقتصادي والرفع من مستويات النمو عن طريق تحسين مردودية الإنتاج والزيادة في نسبته بما يقلص عجز الميزان التجاري لفائدة الصادرات ...والمؤيدون لهاته السياسة يرون أنها طريقة تخول للدولة الحصول على موارد مالية ضخمة نتيجة الإقتطاعات الضريبية التي ستوضفها من جهة لإصلاح المنضومات الإجتماعية ومن جهة أخرى ستفتح سوق مالية نشطة تشجع على الادخار وتوفر قناة وطنية للتمويل..فهي بذلك إذن تزيح عنها المسؤولية الإقتصادية وتكتفي فقط بصياغة الأنضمة والقوانين الكفيلة بتسيير ومراقبة جودة هذا القطاع .. وعلى عكس ما تم التخطيط له ..لم تستطع سياسة الخوصصة أن تخرج من أزمة الدولة الاقتصادية.. بل تفاقمت فيها الأزمة من خلال تردي معدل النمو الاقتصادي وتفاقم العجز الداخلي والخارجي وتحول ظاهرة البطالة فيها إلى مشكلة مزمنة..وساد الفساد والفقر وضعفت بذلك القدرة الشرائية فانعكس ذلك على الإدخار الذي هدفه خلق مشاريع أخرى مربحة للدخل لتدور بذلك عجلة الإنتاج .. فتبسيط المساطير القانونية وغياب الرقابة الفعالة والديموقراطية التي تضبط المداخيل والمصاريف وانعدام حس المواطنة ساعد في خلق بيئة خصبة لانتشار الفساد والزبونية التي عرفها هذا القطاع والذي جعل منه قوة مدمرة تعاود استعمار البلاد من الداخل ..كما أن انتشار قطاعات اقتصادية غير مهيكلة لا تخضع لرقابة القوانين ولا تستفيد من إيراداتها خزينة الدولة زاد من تفاقم المديونية العامة كما ضاعف من تفقير وحرمان الطبقة الكادحة على حساب أصحاب الإستثمار.. فالقطاع الخاص الذي أصبح الآن يشكل ركيزة أساسية في النسيج الإقتصادي الوطني يشكل لوبيّا قويا يصدّ بعد أن استحكم من دواليب صناعة الإقتصاد جل محاولات الدولة لترقيع اختلالاته الفاضحة ..والتي تنعكس في احتقان الطبقات الإجتماعية المهمشة وهذا ما نلحضه من خلال الإضرابات والإحتجاجات التي يعرفها الشعب ..وتعبئها ضد النظام الحكومي القائم كونه هو المسؤول "لوحده ".."في حين أنها تراكمات لسياسات سابقة " عن إنتاج سياسات تغيب عنها الحكامة الإجتماعية والقوانين الضابطة ..فاحتكار الخواص للمرافق العمومية نتج عنه بالتدريج احتكار أيضا لصياغة نظام مقاولاتي خاص يقف سدا منيعا أمام الإصلاحات الحكومية خدمةً لصالحه العام وهو إنتاج الثروة والتحكم في التوجه الإقتصادي العام للدولة .. ونظرا لذلك ..ألحقت خوصصة المرافق العمومية بالمغرب ضررا شديدا بقطاعات واسعة من العمال والفلاحين المشتغلين في قطاعات الإنتاج والخدمات.. فمع انتقال ملكية بعض المقاولات العمومية إلى القطاع الخاص الوطني والأجنبي.. بدأ اللجوء إلى طرد اليد العاملة الفائضة.. وتخفيض أجور العمال..علما بأن فائض اليد العاملة الكبير يفي بالمطلوب في ظل كثرة العرض مع قلة الطلب .. فيتم حرمانهم من الكثير من المزايا والحقوق التي اكتسبوها عبر نضالات طويلة كالحد الأدنى للأجور وعدم الفصل التعسفي والتأمينات الإجتماعية والإجازات والرعاية الصحية ... وهذا ما نتج عنه استفحال الهوة بين القاع والقمة فخلّف بروليتاريا جديدة إن احتجت قُمعت أو أُجّل مطلبها وإن استكانت هُضِم حقها ..فتقبع بين سندان جشع الرأسمال وبين قمع الجهاز المخزني من جهة أخرى ..وحتى قطاع الصحة لم يسلم من تفويته للخواص .. ففي الوقت الذي ينبغي على الدولة ضمان العلاج بأثمنة منخفضة أو بالمجان في بعض الحالات ..غدت أغلب المؤسسات الخاصة تفرض نظير خدماتها مقابل مادي مرتفع يقف أمامه الجمع في سخط ولا يقدر على تحصيله إلا الميسور ..والمرض ليس ترفا أو كمالا ولا ينحصر على شريحة بعينها دون الأخرى بل ديموقراطيا يعرف الكل ويقصد الكل ..وشراهة المؤسسات لا تعتبر ذوي الدخول المحدودة ..وفي هذا إهدار لحق ومطلب اجتماعي عادل.. وليتها اكتفت بذلك بل إنها خصخصة حتى القطاع الحيوي التعليمي ..وما قدمت عليه الحكومة مؤخرا هو خير دليل على ذلك حيث ثم إصدار مرسومين يهدفان إلى تخفيض منحة الأساتذة المتدربين وفصل التدريب عن التوضيف.. في تمهيد مسبق للخوصصة الشاملة التي قد يعرفها هذا القطاع ..وذلك ضرب في الصميم لجودة هذا القطاع الذي ينتج قادة ونخبة البلاد ..وتهميش بل وإقصاء للطبقات الفقيرة التي لن تجد الوسيلة للإلتحاق بكراسي التعليم الخاص ..وهذا تصعيد وإيذان بحرب قد تقودها أغلب وأشرس شريحة في المجتمع .. فهل جاء ذلك نتيجة لعجز قانون المالية أم لزيادة التقارب النفعي الضمني بين الخاص والعام ! فبعد التدريب ستجد هذه الفئة نفسها بين ثلاثة سبل إما الرضوخ لأوامر الرأسمال الخاص "الغير مهيكل بشكل جيد" بما في ذلك العمل لساعات طويلة مع أجر زهيد أو الحداد السلبي وهو البطالة ..أو الإعتصام أمام القبة الحمراء وما يواكبه ذلك من قمع همجي.. فتعرض قطاع التعليم لسرطان الخوصصة سيجعل منه مفترس لذوذ للطبقات المسحوقة الذي لن تجد بديلا له ولا محيدا عنه إن استمر زحف شبح الخصخصة على هياكله ..ولن يغدو معمّما وواجبا كما سَطّر لذلك الدستور الوطني بل سيصبح حكرا على الطبقات الوسطى والعليا بما قد ينتج ويعيد إنتاج مصالحها في حلقة دائرة تقصي الغالب على حساب إدماج القلة..
#محمد_البورقادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنسان في الفكر المادي..
-
محاكمة العقل للفكر التطوري الدارويني..
-
حال الناس بين الغفلة واليقظة..
-
جَحِيمُ الخادماتِ في السعودية..
-
رهانات التنمية وإكراهات البيئة ..
-
رهانات التنمية وإكراهات البيئة .
-
لقد مات من فَرْطِ الإستهلاك ..
-
الرأسمالية والإغتراب ..
-
نظرة في خلفيات صناعة الإرهاب..
-
وسائل الإتصال وسلطة التأويل ..
-
الإرادة العليا وجدل العقل و المنطق ..
-
أطفال القمر
-
الدعارة ..اختيار أم اضطرار
-
متناقضات العالم المعاصر ..
-
داعش وجاهلية القرن الواحد والعشرين ..
-
دور التربية في صناعة النشء
-
لماذا فشلت المنظومة التعليمية بالمغرب ؟
-
داعش لم تُخْلَق من فراغ ..والعنف يولِّد العنف ..
-
حقيقة الحياة الدنيا والإستعداد للرحيل..
-
نظرة في الحياة الدنيا..
المزيد.....
-
ألمانيا.. حزب شولتس يرشحه رسميا للمنافسة على منصب المستشار
-
انخفاض أسعار الذهب الأسود بعد موجة ارتفاع
-
في البحرين.. سياحة فن الطهي تعزَّز التنوع الاقتصادي
-
توقف صادرات الغاز الإيراني الى العراق بالكامل
-
عالم روسي: الغرب يطرح مشكلات علمية زائفة من أجل الربح
-
مسؤول إسرائيلي: وضع اقتصادي -صعب- في حيفا جراء صواريخ حزب ال
...
-
مونشنغلادباخ وماينز يتألقان في البوندسليغا ويشعلان المنافسة
...
-
وزير الخارجية: التصعيد بالبحر الأحمر سبب ضررا بالغا للاقتصاد
...
-
الشعب السويسري يرفض توسيع الطرق السريعة وزيادة حقوق أصحاب ال
...
-
العراق: توقف إمدادات الغاز الإيراني وفقدان 5.5 غيغاوات من ال
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|