|
ثنائية العبقرية ، الجنون في الأبداعية الأدبية
سعاد جبر
الحوار المتمدن-العدد: 1368 - 2005 / 11 / 4 - 12:21
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
دراسة سيكولوجية في أدب عبد الحميد الديب تعد الإبداعية الأدبية بلورة انعكاسية لأبعاد متنوعة في حياة الأديب ، وفي الوقت ذاته ما زالت هناك تساؤلات ملحة تطرح على مائدة الإبداعية الأدبية ؛ ومنها هل الموهبة هي التي تخلق الأديب أم أن الظروف العصبية الصعبة هي التي تكشف النقاب عن الموهبة الأدبية وتبعثها من رحمها ، وهل عبقرية الأديب هي التي تدفع به إلى الانحراف النفسي والأخلاقي أم أن تلك الانحرافات النفسية عامل مولد تظهر العبقرية في إطاره ؟ وهل تلك التساؤلات تبث على إطلاقها أم أن لكل حالة من الإبداعية نسقها النفسي وأجواءها المزاجية الخاصة ؟ وهل الإبداعية الأدبية تتشكل في طيف قزحي من أطياف الجنون ؟ أم أن حالة التمرد العقلي بعنفوانها تشكل بلورة العبقرية ، فتتشكل في نسيج يراود أعين الناظرين في خيط رقيق بين ظلمة الليل وإسفار الفجر ! في نمط غرائبي بين العبقرية والجنون في أن واحد . وفي مخاض تلك التساؤلات تبرز أهمية التناول النقدي الواعي لأبعاد سيكولوجيا الأديب في كافة أبعادها ، لغاية تسليط الأضواء على النص المتشكل في دائرة المنجز الإبداعي ، لإيجاد الوشائج بين المنجز الأدبي وسيكولوجية المبدع التي تنعكس أثارها على النص ، وتتناول هذه الدراسة النقدية الرؤية السيكولوجية لأبعاد شخصية الأديب عبد الحميد الديب في تناول انعكاساتها على ذاتيته الأديبة ومعطياتها الشعرية واثر المجتمع في تقويض تلك الذاتية، بحيث تتبدى صورتها للمتأمل في سمت صورة أدبية غرائبية طريفة تنهج في مسارات عشوائية ، رافضة ، مخالفة للواقع الاعتيادي بالقوة والإمكان ، في ظروف عصابية غير سوية ، لاعتبارات تشكل تلك الذاتية في ظروف قاهرة من الفقر والحرمان في محضن الأسرة ؛ اثر انتكاسة مالية اصابت تجارة والده ، ، فانعكست أثار الضائقة المالية الموحشة على مسارات حياته في إثناء تحصيله العلمي ، الذي ترسب في ذاتيته ، فأحدث فيه انكسارات مبكرة ، فما أن انهي الثانوية حتى ترنحت تلك الذاتية في آتون تعاطي المخدارات مما انعكس على عقله وجهازه العصبي بالاضطراب والفساد معا ، واحدث كللا بارزا في عزيمته ، وكسلا ومللا اعمل أثره الصعب في عمره كله ، فخضع للعلاج في الخانكة ـ مستشفى الأمراض العقلية ـ وخرج منها هائما على وجهه ، وانعكس تعاطيه للمخدرات على مروره بتجربة السجن ، لاعتبارات تعاطية المخدارات ، فارتسمت أثار سلبية قاتلة في مخزون ذلك الأديب من الهواجس والكواليس الذهنية والأفكار المجنونة العاقلة في الآن ذاته وفي ذلك الصدد يقول إخوان سجن قبحت وجوههم …هموم توالي دائما خطوب فمنظرهم أضحوكة كلباسهم … ومخبرهم في الحادثات رهيب لقد كنت فيهم يوسف السجن صالحا ..أفسر أحلاما لهم وأصيب وقد عاش الديب في مجتمعة مذموما مرفوضا وقد أوصدت أبواب الرزق أمامه وفي ذلك الصدد يقول: بين النجوم أناس قد رفعتهمو …..إلى السماء فسدوا باب أر زاقي يا أمة جهلتني وهي عالمة…. ..إن الكواكب من نوري واشراقي والمتتبع لحياة " الديب " يبرز له حالة التنقل الدائمة له مع موكب أسفاره الشعري على قوارع الطرق ولمقاهي واندية الصحف بين ساخر ومعجب وقادم ومرتحل ..بين كلمات اطراء او سيجارة تسد رمقه اوحالة ظفر بكأس او كوب شاي ، او حالة افتراس من علية القوم في تماوجات السخرية والتندر بسمتة الرث واستغلال فقرة المدقع ، فتتدافع ذهنيته الحائرة التائهة في التعاطي معهم بحسب ما يقدم له من مال زهيد بين المدح والهجاء ، في حالة عصابية متضادة ، يشكلها اللاشعور المنهك حتى الموت . الذي لم تحظى بتناثرته هذيه الشعري أي صحيفة انذاك في نشره او تسجيلها ضمن منجزات نخبة الشعراء ، ويشير النقاد إلى اثر عليه القوم انذاك في تبذل ذات ذلك الأديب وازدياد سعار سيكولوجيته في أتون الجنون والعقلانية معا في منظرهم الهائم في الأرض ومنظره الرث المغبر ، إذ كان بالإمكان إنقاذه من نيران الفقر وقوارع الطرق ، وتخليصه من الأثنية المتضادة اللاشعورية التي أنهكته تحت نير ظروفه الصعبة ، واستثمار طاقته الأدبية في مسارات إيجابية تتسم بالتكيف الاجتماعي الجاد ، ولكن في المقابل يشير عدد من النقاد إلى تلذذ "الديب" في انكسارات سيكولوجيته الهائمة ، ورفضه حالة الاستقرار السلوكي في عمل ما لاقتيات الرزق منها ، إذ قد حصل على فرصة من هذا النوع فما كان منه بعد ساعة من العمل إلا وقد تناثرت الدماء في مكتب العمل اثر مشاجرة بينه وبين موظفين في المكتب ، لاستهزائهم بمنظره الرث وحالته الغرائبية كموظف في مكتب عمل ، وقيل انه حصل عملا حكوميا ، وتم التداول بشأن توليته ذلك العمل واستمراره به ولكن بعد أن يقدم مؤهلاته العلمية ، وإلا فصل من العمل وفي ذلك الصدد يقول لقد هددوني بالمسوغ وانبرى ....يناوئني منهم وضئ واربد ويعبر الديب عن تذمره من حاله المعدم ماليا في الوظيفة الحكومية وحالة السعار الرافض في شخصيته واستواء الأمور والألوان عنده في الأن ذاته في ذاكرته العاقلة المجنونة معا بالأمس كنت مشردا أهليا …واليوم صرت مشردا رسميا وفي نهاية المطاف لاخلاف في موهبة " الديب " الغرائبية في قرض الشعر؛ في اتون تقلقات وتبعثرات ذاته في اتون الجنون وحالة التضاد في اللاشعور والذهنية الحائرة ، والأنا المتنقلة في اللاستقرار في الشعور وانعكاسات الزمان والمكان عليها ، ويشكل ذلك الشاهد مثالا تجسيدياُ لحالة الإبداعية الأدبية في خفايا جوهر مادتها اللامعة في المنجز وبين جنون الجسد في حراكه المسعور ، وتعاكسات المجتمع في تضاداته في ازدياد التأزم في الأنا وكسرها في كافة منعطفاتها اللاشعورية والزمانية والمكانية معا ، وهنا تتشكل بين مخيلتنا التساؤلات في مسارات اكثر : هل الموهبة تخلق الأديب ؟ أم أن الظرف العصابية الصعبة هي التي تولد ابداعية الأدب ؟ هل الإبداعية طيف من أطياف الجنون ؟ أم أن التمرد العقلي الصارخ مادة ولادة العبقرية في جسد الأديب ؟ وتبقى تلك التساؤلات تسلط اشكالياتها في موائد البحث العلمي بين التداول وتنوع الآراء وتباينها ، ويبقى المسار مفتوحا بيننا للتلاقح الفكري في ذلك الصدد ، وتبقى تلك الثلة من التساؤلات هي السؤال والجواب معا . أودعكم على الحب والقاكم عليه في رحلة إمتاع أدبية قادمة في موكب أسفار الأدب وتناثرات عوالم السيكولوجيا في اثيره .
.......... · عبد الحميد الكاتب : من مواليد عام 1898 ومن أهالي مديرية المنوفية ، يقال إن والده كان تاجرقطن فقد ثروته في كوارث التجارة ، عاش فقيرا مذموما في المجتمع ومات على نفس الشاكلة
#سعاد_جبر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأسماء المستعارة في العوالم الأدبية ، إلى اين ؟؟
-
تساميات لغة الورد بين رونسار وفاروق مواسي
-
الأنوثة والوجود
-
الرؤى الإجتماعية في نص احلام فتاة شرقية
-
ثقافة الحوار : الواقع والأزمات
-
الأنا الذكورية ومشاعر الانوثة المستلبة
-
رصد لحظة التوهج في الإبداعية الأدبية
-
المسكوت عنه والمقموع في النص الأدبي
-
الثقافة والإبداع
-
ندوة العولمة وتغيير المناهج في العالم العربي
-
الديمقراطية والإصلاح السياسي في العالم العربي
-
همسات صحفية 8 : ثقافة الحوار وخرفان بانورج
-
ماهية الحياة في الرؤية السيكولوجية للأدب
-
ثنائية - موسيقى النص ، تيار الوعي - في النص الأدبي
-
سيكولوجية الحرب في مجموعة عطش الماء
-
رؤية نقدية للواقع من منظور نيتشه وجاسبرز
-
رؤية نقدية لواقع الإعلام العربي في ظل معادلة الإبداع
-
رؤية نقدية في المشهد الثقافي السياسي في عالمنا العربي
-
فنيات القص في ادب رابلية / اضاءات على روائع الأدب الفرنسي
-
المرأة والأبداعية الأدبية
المزيد.....
-
رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز
...
-
أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم
...
-
البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح
...
-
اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات -
...
-
الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال
...
-
أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع
...
-
شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل
...
-
-التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله
...
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|