أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سلامة كيلة - التاريخ و صيرورة الديمقراطية و العلمانية















المزيد.....

التاريخ و صيرورة الديمقراطية و العلمانية


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 1368 - 2005 / 11 / 4 - 12:28
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يبدو أن كلّ نقاش لمسائل مطروحة يوضع في موقع " الشبهة "، و يتّهم " بتأبيد الأمر الواقع " الذي هو الإستبداد، الأمر الذي لا يجعل النقاش سلساً، بل إتهامياً يُحسم بالضربة القاضية، و يُظهر الفرز المسبق و التخندق المسبق. هذا ما بدا لي حينما قرأت ردّ الدكتور عبد الرزاق عيد على ما كتب د. برهان غليون و على ما كتبت ( الحار المتمدن، العدد 1343، تاريخ 10/10/2005 ). لهذا تُعتبر وجهة النظر شرطاً، و يُعتبر التصوّر المعبّر عن تيار ما شرطاً " مخرّباً "، لأنه يقود إلى تأبيد الأمر الواقع.
لهذا أشير مسبقاً إلى أن هذه " التهمة " يمكن أن تُلقى على مختلف الأطراف، المستعجل و المتأنّي، الذي يسعى إلى بلورة رؤية تعبّر عن تيار يكون جزءاً من الواقع و يسعى لأن يصبح هو الأكثرية عبر الحوار و التفاعل مع كلّ القطاعات المجتمعية، و الذي يعتقد بأن ساعة التغيير قد حانت، و بالتالي يجب أن لا ندخل في " سفسطات " و نقاشات لا لزوم لها، أو كما أشار د. عبد الرزاق " الإستفاضة في لزوم ما لا يلزم ". الفيصل هنا هو " وعي اللحظة الراهنة "، و ربما كان الإختلاف الجوهري هو حول ذلك، و هذا ما أشرت إليه في ردّ سابق على الصديق ياسين الحاج صالح و أصدقاء آخرين. حيث أن لحظة التغيير تفرض التوافق على نقطة من أجل تحقيق خطوة عملية، و ربما كانت التغيير ذاته فقط، و لاشكّ في أن هذه النقطة في وضع الإستبداد هي الديمقراطية. لكن هل أن الوضع يشير إلى إمكانية ذلك؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يُطرح قبل التوافق على نقطة واحدة من أجل التغيير. و رغم أن التغيير ممكن، لكن قواه هي ليست القوى الداخلية وفق فهمي لوضعها، و ربما بإتفاق عام حول ذلك، بل أن " الفعل الخارجي " هو الذي سيقوم بذلك من خلال قوى هي ليست المعارضة.
الأمر الذي يجعل التوافق على نقطة واحدة ليس عملياً، و يفرض تنازلات كبيرة دون إمكانية لتحقيق خطوة عملية. هذا الأمر هو الذي يفرض الإستفاضة في لزوم ما يلزم، من أجل تبلور تيارات فكرية بعد أن فقدت الأحزاب القائمة طابعها الفكري، و قلّصت من طموحاتها السياسية و من أهدافها. و بالتالي أنطلق من أن إعادة تأسيس الأفكار مسألة ضرورية من أجل الصراع السياسي ذاته. و هذه عملية لا تشترط الوجود المسبق للديمقراطية، حيث أنها جزء أساسيّ في النشاط السياسي ذاته ( العلني و السرّي )، حيث أنه من الضروري دوماً توضيح الرؤية الخاصة بكلّ تيار، و نقد رؤى التيارات الأخرى. و هي ضرورية حتى في إطار التحالفات و في الحزب الواحد، و لا يمكن أن توضع جانباً. و كانت مشكلة الحركة السياسية في العقود الماضية هي أنها تجاهلت هذا المستوى الضروري للعمل السياسي، و غاصت في نشاط سياسوي ينحكم للموقف اللحظي، دون أن يؤسِّس رؤى و " إستراتيجيات "، بل خضعت الرؤى و الإستراتيجيات للموقف اللحظي ذاته، و بدت أنها التبرير له.
من هذا المنطلق إعتبرت أن التركيز على الديمقراطية فقط ، و بالطريقة التي تُطرح فيها حيث لا يجب تناول أيّ قضية أخرى، يوحي و كأننا متمترسون في الخنادق لحظة حسم المعركة، بينما القوى السياسية ليست في هذا الوضع نتيجة فعل الإستبداد بالأساس، لكن أيضاً بفعل إشكاليات رؤيتها و تكتيكاتها التي كانت تقوم على ذات المبدأ المكرّر هنا، حيث الشعور الدائم بأن اللحظة هي لحظة الحسم، الأمر الذي يستجرّ التركيز على نقطة واحدة و تجاهل كلّ القضايا المجتمعية.
و بالتالي فحينما أناقش علاقة الديمقراطية بالعلمانية فأنا لا أضع شروطاً على أحد، لأنني لا أفاوض أيّ أحد، حيث أن الشرط يوضع في إطار المفاوضات، بل أوضّح سياق تيار يجب أن يتبلور إنطلاقاً من طرح ديمقراطية منسجمة و متماسكة و " ديمقراطية ". الأمر الذي يجعل مبدأ المواطنة مفصلاً فيها، حيث يجب الإنطلاق من المساواة بين المواطنين أمام القانون، و بالتالي المساواة في الحقّ في النشاط السياسي. و بالتالي التأكيد على إنطلاق العمل السياسي من هذا المبدأ، و على أساسه. لينفرض تجاوز نظام الملل القائم على الإنقسامات الدينية و الطائفية، التي لا تساوي بين المواطنين بل تطرح السياسة في حدود الدين أو الطائفة، و إنطلاقاً من الدين و الطائفة. و لتحقيق المساواة هنا، و بالتالي لكي تكون الديمقراطية منسجمة، من الضروري فصل الحيّز الديني عن الحيّز السياسي، و الإعتراف بحرية المعتقد الديني ضمن مبدأ الحريات العامة.
هذه مسائل ربما يكون هناك توافق عليها، و لهذا فهي " خارج النقاش "، و بالتالي يشار إلى أن المسألة تتعلّق بـ " اللحظة الراهنة " التي تفرض إسقاط كلّ ذلك نتيجة ضرورات بناء تحالف مع قوى ما قبل حديثة، و تعبّر عن دين أو طائفة، حيث يُعتبر الصراع السياسي ضد الإستبداد مبرِّراً لهذا التنازل. و ربما يكون ذلك صحيحاً حينما يكون تشكيل تحالف واسع إنطلاقاً من هذا التنازل، يفضي إلى تحقيق التغيير في " اللحظة الراهنة "، و بالتالي لا يجب أن يتضمّن التحالف مسألة العلمانية التي يطرحها التيار الديمقراطي العلماني. لكن اللحظة لا تشير إلى أن هذا التنازل الذي يسمح بتأسيس تحالف " واسع " يمكن أن يقود إلى التغيير، بل يجري الحديث عن " النضال من أجل التغيير "، أي العمل خلال سنوات من أجل ذلك، و هو الأمر الذي يقود إلى تنازل القوى عن علمانيتها، و تلاشي التيار الديمقراطي العلماني كما يحدث الآن ( كما يحدث حين التنازل عن المطالب الشعبية التخلّي عن الطابع الشعبي للقوى ).
إن د. عبد الرزاق يعتقد بأننا في مفاوضات من أجل تحقيق تحالف واسع يفضي إلى التغيير، لهذا يعتبر أن النقاش حول العلمانية هو شرط نضعه على التحالف، و بالتالي فهو شرط معرقل يجب أن لا نبوح به. أكثر من ذلك، و لتبرير ذلك، يسعى لإخراج العلمانية من الحيّز السياسي كجزء من الديمقراطية معتبراً أنها تتعلّق بالمستوى النظر، مستوى الوعي. و هذا يتكرّر كثيراً في كتابات المثقفين السوريين، إنطلاقاً من التأكيد على ضرورة التحالف مع قوى أصولية، لكنه يقود إلى تلاشي الطابع العلماني الديمقراطي للقوى السياسية.
و لأن القوى السياسية غير قادرة على التغيير، فإن التخلّي عن الأهداف لمصلحة هدف وحيد يبدو مدمّراً، لأن المطلوب يتمثّل في إعادة صياغة الأفكار و الأهداف من جهة و العمل على بلورة تيار ديمقراطيّ علمانيّ على ضوء الظروف الراهنة التي يمكن أن تسمح بالحراك السياسي بشكل أفضل مما كان في العقود الخمسة الماضية. من أجل خوض الصراع الإجتماعي في المرحلة القادمة.
لهذا أرى خطراً في التأكيد على الدعوة إلى قبول أيّ مظهر من مظاهر الديمقراطية، و أيّ حدّ أدى كان من الليبرالية، و " أيّ شكل أوّليّ من أشكال الديمقراطية "، لأن هذه السياسة تُفضي إلى القبول بأيّ كان تحت شعار الديمقراطية، و التحالف مع أيّ كان من أجل الديمقراطية، و كذلك تبرير أيّ مستوى من مستويات " الديمقراطية " حتى لو كان إنفراجاً فقط. و هو الأمر الذي يعني أننا لا نرى دورنا و فاعليتنا، و الفعل الممكن من أجل تحقيق ديمقراطية منسجمة عبر تفعيل الحراك الإجتماعي، و بالتالي ضرورة تقديم رؤى جدّية من أجل تفعيل ذاك الحراك، و العمل الجادّ من أجله. و لكي لا يُلتبس الأمر أشير إلى أنني مع أيّّ إنفراج، و أرى أن " أيّ شكل أوّليّ" للديمقراطية أمر مفيد، و أفضل بالتأكيد من الإستبداد، لكن ليس المطلوب أن يكون هذا هو سقف النشاط السياسي و إلا فهو لن يحقّق شيئاً،حيث أن تنازلات السلطة تُفرض عبْر قوّة الشارع، و الحراك السياسي الإجتماعي، لأن حدود الديمقراطية تحدِّدها موازين القوى. و هذه القوّة و ذاك الحراك هما ما يجب أن يكونا أساس ما نسعى إليه. لكن ذلك يتطلّب طرح رؤى واضحة و مطالب تمسّ المجتمع، و التوجّه إلى " كتل " يمكن أن تؤسِّس قوّة فاعلة.
هنا نحن لازلنا نبحث في " الفعل السياسي "، و أظنّ أننا مختلفون حول فهم ذلك. و إذا كانت الأفكار قد أُخضعت للنقد أو للرفض، فإن " آليات العمل السياسي " ظلّت خارج النقد، على العكس من ذلك فقد ظلّت كما كانت، رغم أن الواقع كان يشير إلى خطلها. و لقد أشرت في ردود سابقة إلى مسألة " الحلقة المركزية " التي باتت تعني الحلقة الوحيدة، التي يُبني العمل السياسي على أساسها. الأمر الذي يفرض البحث في مسائل التأسيس و التكتيك و في الفارق بينهما، و كذلك الرابط بينهما. و كذلك في معنى الرؤية و التصوّر، و الخطوة العملية أو الهدف الآني. لأنها مسائل تفرض على الحوار مشكلات تقود إلى خلط المستويات، و اللحظات.
النقطة الأخرى في ردّ د. عبد الرزاق تتمثّل في الإشارة إلى الحوار الدائر بكونه يتّصف بالتجريد و بالنزعة الريادية دون أن يستند إلى مرجعية نظرية سورية. و هو هنا يشير إلى ياسين الحافظ و الياس مرقص و صادق جلال العظم و جورج طرابيشي، الذين أولوا إهتماماً بالعلمانية. و مع إحترامنا لكلّ هؤلاء لم أفهم لماذا أصبحوا مرجعية نظرية لكي يكون النقاش حول العلمانية ليس تجريدياً و لا يتّسم بنزعة ريادية؟ و لاشكّ في أنني أقدّر دور ياسين الحافظ خصوصاً في هذا المجال، حيث أنه أولى مسألة العلمانية أهمية كبيرة، و إعتبر أن المشكلة اللبنانية حين تفجّرت الحرب الأهلية، لا يمكن أن تُحلّ إلا في إطار علماني يقوم على فصل الدين عن الدولة، و لا يضيرني أن يكون مرجعاً لي، لكن ذلك لا يعني التبنّي المطلق لكل ما قال، رغم أهميته، دون تجاهل إنجازات الآخرين منذ عصر النهضة، خصوصاً الكواكبي الذي أقرّ فصل الدين عن الدولة منذ نهاية القرن التاسع عشر.
و إذا كان ياسين قد إرتقى بسؤال العلمانية من المستوى السياسوي – علمانية السطح التي تعني فصل الدين عن الدولة – إلى المستوى الفلسفي و المعرفي كمعادل للعقلانية و الرؤية الدنيوية النسبية الأرضية للكون و المجتمع و الثقافة، كما يشير د. عبد الرزاق، فقد أكّد أوّلاً على العلمانية بمستواها السياسي و لم يلغها كهدف سياسي. لكن نتيجة تقييمه لوعي " المثقفين " فقد أشار إلى ضرورة الإنتقال بالوعي إلى المستوى الفلسفي. و هو هنا يشير إلى العقلانية التي تفترض الإنتقال من الوعي الديني للواقع إلى الوعي العقلي، أي من المنطق النصّي القائم على تفسير الواقع إنطلاقاً من المسبقات الدينية ( و من الوحي ) إلى المنطق العلمي القائم على تفسير الواقع إنطلاقاً من الواقع ذاته. و ياسين هنا يؤكّد على العقلانية التي هي مدخل أيّ فهم ماركسيّ، و أساس وعي الماركسية كماركسية.
و بالتالي فياسين هنا لم يجعل العلمانية تناظر المستوى الفكري و الثقافي، بل أصرّ على تحديث وعي النخبة، في الوقت ذاته الذي طالب فيه بتحقيق العلمانية في المستوى السياسي. و لقد أصرّ على تحديث وعي النخبة من أجل تحقيق العلمانية التي إعتبر أنها مطلب ملحّ، ليس من إمكانية لتجاوز التكسّر المجتمعي و لتحقيق " الثورة القومية الديمقراطية " بدونها. لهذا سنلمس هنا أنه ميّز بين العلمانية التي تعني فصل الدين عن الدولة، و بين تحديث وعي النخبة. بين السياسي و الثقافي، و لم يضع الثانية بديل الأولى و سابقة لها حكماً، حيث أن تحديث الوعي مسألة تاريخية طويلة، خصوصاً حينما نتحدّث عن وعي مجتمعيّ و ليس عن وعي النخبة فقط. فالنخبة التي تسعى إلى تحقيق التغيير العميق يجب أن تكون عقلانية و علمية في الفكر، و علمانية و ديمقراطية في السياسة. و هنا لا نستطيع أن نقول بعلمانية كاملة أو ناقصة، حيث أن المسألة تتمثّل في فصل الحيّز الديني عن الحيّز السياسي، مع إطلاق حرّية المعتقد. و هذه هي مهمة التيار الديمقراطي، و جزء من نضاله الفكري و العملي، و تطوّر فاعليته هي التي تفرض هذا الخيار عبر تغيير موازين القوى.
لكن الشعور بضرورة التحالف مع قوى أصولية دفع النخبة إلى التخلّي عن العلمانية، الأمر الذي قاد إلى تلاشي الطابع الفكري، بينما لا يقتضي أيّ تحالف ذلك، حيث يمكن إقامة تحالف على نقاط تقاطع مع قوى أخرى في لحظة تبرز ضرورة هذا التحالف دون التفكير بالتخلّي عن الأفكار و الرؤى و الأهداف السياسية. و من هذا الوعي يبرز إعتبار كلّ إشارة إلى العلمانية كشرط مطروح في مواجهة آخرين، و ليس كتعبير عن تصوّر تيار أو إتجاه فكريّ. بينما في الواقع يمكن إقامة تحالف العلمانية أساس فيه، كما يمكن في لحظات إقامة تحالف هي خارجه. هنا نعود إلى إشارة سابقة تتعلّق باللحظة الراهنة، حيث أ، الخلاف هنا هو، أوّلاً: في أن الشعور بضرورة التحالف تفرض التماهي مع الطرف الآخر، و بالتالي التخلّي عن رؤى خاصة بالتيار الديمقراطي، و ثانياً: أن اللحظة الراهنة لا تفرض هذا التنازل. و سنلمس بأن الإنطلاق من ضرورة أيّ شكل من أشكال الديمقراطية يفرض تنازلات مجانية، و في الوقت نفسه لا تأتي بنتيجة.
و ربما كان الميل للتماهي مع القوى الأصولية من أجل تحقيق تحالف هو الذي فرض إقحام رأي ياسين الحافظ حول سنّة لبنان، للوصول إلى أن الإخوان المسلمين يشكّلون نقلة نوعية في وعي السنّة، و في إدخالهم النشاط السياسي، حيث لاحظ أن كتلة السنّة هي الأكثر تأخراً و تفتتاً و تجزؤاً و تذرّراً، بسبب قاع قبَليّ- بدويّ ما قبل مللي إسلامي. بينما كانت هذه الكتلة ( المدينية بالأساس ) هي أساس كلّ الحركات القومية و الشيوعية، و كتلة هذه القوى في الصراع من أجل التطوّر، رغم توصيف ياسين الحافظ ، و الذي أرى أنه يشمل كلّ الطوائف كذلك. لكن تجاوز ذلك كان يرتبط بمشروع حداثيّ ديمقراطيّ أكثر مما إرتبط بمشروع أصوليّ. و إذا كان قد أشار د. عبد الرزاق إلى المثال التركي، فقد تجاهل أن ذلك ممكن فقط في إطار نظام علماني، حيث تكيّف الحزب الإسلامي ( حزب الرفاه ) مع متطلبات العلمانية و ليس العكس كما نلحظ عند النخبة الثقافية السياسية في سوريا، و كما يدعو د. عبد الرزاق. و لاشكّ في أن مفصل الخلاف يكمن هنا، حيث أن المطلوب هو تجاوز " الدولة الدينية "، عبر تكريس الدولة العلمانية التي تقرّ حرية المعتقد. و في هذا الإطار يجب أن تتكيّف الأحزاب التي تتخذ طابعاً دينياً.
ملاحظة أخيرة، تتعلّق بالنقاش بين د. برهان غليون و د. عبد الرزاق عيد، و هي تخصّ " ترسيمة ماركس "، و التي أشرت إليها في ردّ سابق، لكنها تفضي إلى حوارنا الراهن حول العلمانية لكن بشكل مقلوب. فإذا كان الترابط بين الليبرالية و الديمقراطية حتمياً كما يشير د. عبد الرزاق، فلماذا يطرد العلمانية مادامت " تنتمي لمصفوفة الرؤية الليبرالية "؟ و لاشكّ في أنني أفصل بين الليبرالية من جهة و الديمقراطية و العلمانية من جهة أخرى، و سوف أوضّح لماذا. لكن د. عبد الرزاق لا يقارب هذا الموضوع رغم لزومية الترابط التي ينطلق منها.
ألاحظ أوّلاً بأن د. عبد الرزاق يعيدنا إلى المنطق الشيوعي القائم على تأكيد صحة الفكرة نتيجة صدورها عن ماركس، لهذا يشير إلى جامعة السوربون و إلى أن الجميع بات يعترف – بما في ذلك المحافظون – بأن ماركس هو " مكتشف قارة التاريخ ". و لاشكّ في أن ماركس هو مكتشف قارة التاريخ، لكن رؤيته لمراحل التاريخ تحتاج إلى إعادة نظر و نقد، خصوصاً كما نُقلت عبر الماركسية السوفييتية. و هذا ما أشار إليه د. برهان، فقد تطوّرت أوروبا في إطار الترابط بين الليبرالية و الديمقراطية ( و العلمانية ) رغم إستبداد عقدين من تاريخها ( 1750- 1920 )، من خلال دور البرجوازية في سعيها من أجل الهيمنة، لكن هل هذا قانون مطلق لكلّ المجتمعات البشرية؟
إن الإنطلاق من " تقليد " التطوّر التاريخي، إضافة إلى كونه عمل غير تاريخي، فهو يقود إلى مأزق لأنه يتجاهل الإضافات التي جاءت مع التطوّر الرأسمالي ذاته. لهذا لم تنتصر الرأسمالية في البلدان المتخلّفة منذ أن أصبحت الرأسمالية نمطاً عالمياً، و لا يبدو أن رأسمالية معنية بمشروع تطوّر تتشكّل، عندنا و في كل الأطراف. حيث أن وجود الرأسمالية ذاتها، و تمددها العالمي، يجعلانها قوّة تأثير داخليّ في الأطراف، و مجال إستقطاب الرأسماليات المحلية لتتحوّل إلى تابع و ملحق، و بالتالي لم تعد البرجوازية صاحبة مصلحة في تحقيق مشروع التطوّر و الحداثة، و هذا ما فرض نشوء البديل الذي هو دور الدولة.
و هنا تأتي إشارة د. برهان إلى ضرورة الفصل بين الليبرالية التي لم تعد تسهم في التطوّر، و الديمقراطية الضرورية من أجل التطوّر ذاته. و لاشكّ في أن الربط بينهما سوف يضع الديمقراطية في مأزق، هو مأزق التطوّر الرأسمالي ذاته، و يُبقيها من " ممتلكات " البرجوازية، و يعيد التأكيد إلى أنها غير ممكنة إلا في الفضاء الليبرالي البرجوازي. طبعاً سنشير هنا إلى أن مصير العلمانية هو غير ذلك حيث لا تبدو أنها مرتبطة بالفضاء الليبرالي، و ليست ضرورية له، لأنها خاضعة لصيرورة تطوّر تاريخي طويل و معقّد.
و أشير هنا إلى أن هذا التأكيد على التلازم الضروري بين الليبرالية و الديمقراطية، و بالتالي دور البرجوازية و الديمقراطية، يُكرِّر ما كانت تطرحه الحركة الشيوعية العربية منذ سبعة عقود إلى إختيارها " طريق التطوّر اللارأسمالي " ( 1964/1965 )، دون أن تتحقّق لا الليبرالية و لا الديمقراطية، و أن يسرق الجيش السلطة و يسوقها في السياق الذي يجري الإغراق في توصيفه لدى النخبة الثقافية السياسية. لهذا ينطرح السؤال: هل نكرِّر ذلك مع الحركة الأصولية؟
المسألة هناك كانت تتعلّق بربط مشروع التطوّر بالقوى الليبرالية ( البرجوازية )، و بالتالي بالتأكيد على أنها هي حامل الديمقراطية و العلمانية. و هي الآن تربط بالحامل ذاته، دون إلتفات إلى أن الفشل نبع من المراهنة على قوى لم يكن بإمكانها تحقيق " أحلامنا "، لأن لها أحلامها الخاصة. و بالتالي يجب أن نستنتج بأنه آن الأوان لأن نصيغ تصوّراتنا و أحلامنا، و أن نعمل على تحقيقها.



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملاحظات حول - إعلان دمشق -
- الروشيتة الأميركية من أجل الحرّية و الديمقراطية و الإصلاح
- بوش كمخلِّص: جذور النظر الى أميركا
- المقاومة و الإرهاب في العراق
- غزة ... أخيراً
- أوهام اللببرالية و خطاياها
- العلمانية و الديمقراطية و أولوية السياسة
- حول العلاقة بين الليبرالية و الديمقراطية دخول في النقاش السا ...
- العلمانية كمطلب واقعي
- حين تتجرّد الديمقراطية من علمانيتها
- اليسار السوري في ميله الليبرالي
- مناقشة - مشروع بيان غير شيوعي
- منطق الإستبداد لحظة القرار الأميركي بالتغيير في سوريا
- الماركسية و أفق البديل الإشتراكي: الماركسية في أزمة؟
- مأزق اليسار الديمقراطي و إشكالية الإشتراكية الديمقراطية
- دافوس البحر الميّت
- سياسة أميركا
- ورقة عن الحرب الإمبريالية الصهيونية في المنطقة العربية
- الحركة القومية العربية: تجربة نصف قرن
- مسار الخصخصة في سوريا


المزيد.....




- لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن ...
- مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد ...
- لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟ ...
- إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا ...
- مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان ...
- لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال ...
- ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
- كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟ ...
- الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
- مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سلامة كيلة - التاريخ و صيرورة الديمقراطية و العلمانية