أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نضال نعيسة - ديبلوماسية الكوارث















المزيد.....

ديبلوماسية الكوارث


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1368 - 2005 / 11 / 4 - 12:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


انطلق سيل من التعليقات الجارفة التي اتسم بعضها بالشدة, والعنف, والتجريح أحيانا في أعقاب المداخلة غير الموفقة للسيد فاروق الشرع وزير الخارجية في مجلس الأمن الإثنين الماضي ,والسجال ,والملاسنة الكلامية التي حصلت مع وزير الخارجية البريطانية السيد جاك سترو,وهي من المرات القليلة وربما النادرة التي تحصل في مجلس الأمن على ماشهدناه بهذا الشكل الصارخ,وكان لنا الفضل والسبق فيها والحمد لله.ولقد انصبت معظم التعليقات على أن السيد الشرع قد خرج من تلك المواجهة خالي الوفاض كالعادة. واستحضرتني على الفور وأنا أتابع السيد الوزير وهو يساجل بعبث في مجلس الأمن صورته عندما وقف في مؤتمر تصالحي وللسلام في مدريد 1991ليعرض مذكرة إحضار لشامير تظهر فيها صورة شامير وقد كتب تحتها مطلوب كانت قد أصدرتها الشرطة البريطانية في وقت ما ضد رئيس وزراء إسرائيل آنذاك,وعرضها أمام المؤتمرين الذين تجمعوا من كل حدب وصوب,وسط دهشة كبرى من قبلهم ,ولتكون مفاجأتهم بعرض الصورة أكبر بكثير من مفاجأة المذكرة التي نبشها من تحت الأرض,وليطيح عندها وبها ,وفي تلك اللحظة الكارثية بالذات بكل احتمالات السلام الذي تتباكى عليه وتطلبه وتسعى إليه نفس تلك الديبلوماسية الآن. ونحن مع السيد الشرع بأن السيد شامير محتل ,ومغتصب....إلخ ,ولكن ليس المكان مناسبا لهذا الكلام بالذات,ولاسيما إذا كان المرء متوجها للقاء تصالحي ,وسلمي ,غايته دفن الماضي ,وفتح صفحة جديدة من العلاقات,لا نبش المآسي ,وتأجيج النيران,وصب الزيت على النار,وكان هذا الموقف أحد الأسباب في "التعنت الإسرائيلي",وموت حلم الخيار الستراتيجي الذي رفعته سوريا لاحقا .ولا أدري ما الذي دار بخلد السيد الوزير وقتذاك,وما هو الهدف ,والغاية التي جناها من وراء عرض الصورة ,اللهم سوى توتير الأجواء , وإبقاء حالة اللاحرب واللاسلام على ما هي عليه ,لأن السلام ليس في مصلحة "أحد",ودفع المواقف نحو مزيد من التعنت الإسرائيلي تلك اللازمة التي رددها إعلام سوريا فيما بعد لسنوات.ومر هذا المطب الديبلوماسي مرور الكرام.

وفي الحقيقة أيضا لقد كان انعدام مبدأ المحاسبة والمراجعة هو العنوان العريض للعمل السلطوي لفترة طويلة من الزمن.ولم تشكل الكفاءة والمهنية أي اعتبار لارتقاء الرجال للمناصب الحساسة في الدولة,وبل كان الولاء المطلق ,والأعمى ,هو الأساس في تقلد الوظائف والبقاء فيها لأجل غير مسمى.وهذا ما يفسر الهجرة الكبيرة للأدمغة السورية وتميزها في أصقاع العالم المختلفة وهي التي كانت مدفونة وتصارع من أجل اقمة العيش في سوريا.وقد فعلت تلك الساسة فعلها في البلاد حيث تشكلت هناك طبقة من الكهنوت السياسي المزمن ,وأنصاف الآلهة التي لا تسأل عما تتصرف ,وتقوم به من أفعال,لا بل صار كل ما تأتي به وتقوله هو الحق والميزان,وكل ماعداه باطل ورجس وحرام.وحيكت حول تلك الطبقة السياسية الأساطير المالية الخرافية,والتجاوزات القانونية التي تفوق حدود التصور والخيال,كل ذلك تحت سمع وبصر الأجهزة التي لم تكن تحرك أي ساكن ,وهي التي كانت تحصي على الرعايا الفقراء أنفاسهم,وكان أي نقد ,أو همس ,أو لمز لأي من هؤلاء يعني زيارة طويلة لأحد المناجم الثورية القابعة في قاع الأرض.واستمر بعض الرجال في مناصبهم لمدد قاربت الثلاثين عاما معتمدين وقبل أي شيء آخر على الرضا عنهم والدعم والولاء ,وحتى ولو لم يقدموا أي إنجاز,وفي الواقع لم يكن مطلوبا منهم تقديم أي شيء على الإطلاق,حيث أنه وبعد هذا التاريخ الطويل,وسلسلة الإخفاقات المتتالية سياسيا,واقتصاديا وإعلاميا,واجتماعيا,لايوجد ما يستحق الذكر سوى أكوام من الأزمات,والملفات المستعصية التي لا لن تجد لها أية حلول في المنظور من الأيام.لا بل كان الكثير من المسؤولين يرقون إلى مراتب أعلى ,ووظائف أخرى ,وتطلق أياديهم البيضاء في مؤسسات القطاع العام بعد كل إخفاق,وبعد أن تفوح رائحة أحدهم لتصل القارات,وكأنها إشارة "للآخرين"بأن النقد سيعني شيئا واحدا وهو الإمعان في دعم هؤلاء الناس وتمكينهم من رقاب العباد.ولذلك سادت أنواع من الإقطاعات السياسية, والثقافية,والفنية,والاقتصادية,والإدارية المحرمة والمحظورة على جماهير الشعب ,وموزعة ومقسمة بين المحاسيب ,والأزلام , والمحظيين والمحظيات ,جعلت الهم الوطني ,والمصلحة العليا تقبع في القاع الأمر الذي جر إلى ما نشهده اليوم من كوارث وويلات.

لقد تعودوا عبر عقود من المصادرة وإلغاء الآخر على صوت واحد مسموع ومطاع ,يقول ما يحلو له,ويقدم ما عنده من تصورات لتصبح وحدها هي المقدسات ,والمراجع في السياسة والاقتصاد,وكم كانت تحبط الشارع السوري نشرات الأخبار وهي تبشرهم بالفتح العظيم ,وبأن السيد وزير الخارجية قدم عرضا سياسيا لمجمل الأوضاع السائدة في المنطقة ,وطبعا كله حسب تصوره,وكان الجميع ينصتون لهذا التحليل السياسي الذي تبين أنه وضع الوطن أخيرا على فوهة الركان. وأما حكاية الاستهداف ,والضغوط ,فتلك معزوفة أخرى تفرد لها آلاف الأبحاث,يحاول النظام من خلالها أن يظهر بتلك الطهرانية السياسية,والورع الوطني ,والعفاف القومي الصارم الذي لا يدانيه فيها مخلوق على وجه الأرض,وأن كل ما يجري هو بسبب جرعة الشرف الثوري الزائدة عن الحد التي أخذها ,ويتحلى بها عن بقية الناس,وكأنه في كل هذا العمر المديد لم يرتكب أية فواحش سياسية ولا سمح الله.

إن المدرسة السلطوية التي ترعرع فيها ,وشب فيها عتاولة البعث هي التي تتيح لأحدهم أن يتكلم ويتكلم ويتكلم,ويسهب ويستفيض في الكلام دون أن يوحي له أحد من الحضور بأي نوع من التململ أو الاعتراض على مايقول ,وهم الذين صُوروا لنا كأنصاف آلهة معصومة عن الخطأ ومعها كارت بلانش لتفعل ماتشاء ,وتقول ماتشاء ,لمن تشاء من الرعايا المنتوفين البؤساء. وأعتقد أن السيد الشرع كان يخيل له أنه يخطب في المركز الثقافي في الرقة ,والعسس والمخبيرن والعرفاء تحيط بالمكان ,وتحصي الأنفاس ,وما على الجميع إلا السمع والانصياع والغرف من كنوز علومهم النادرة,وربما لم يدر أن الأمر يختلف كثيرا مع عتاة الديبلوماسيين الدوليين الذين يقيم أداؤهم بما يقدمون لأوطانهم من إنجازات ,وما يحققون من نجاحات.وهذه المدرسة السلطوية هي التي خرجت العشرات من أمثالهم الذين جثموا عشرات السنين بدون حراك على مقاعدهم الوثيرة ينعمون بالخيرات تقديم انجازات تذكر للرعايا .وأما رغبته في الهمس بإذن مجلس الأمن الدولي على انفراد وبعيدا عن الكاميرات ,فهي تمثل قمة الازدواجية السلطوية والديبلوماسية, والثنائية السياسية التي سادت لعقود والتي كانت تعلن سيئا على الملأ,وتفعل شيئا آخر في الخفاء,بما يمكن تسميته بديبلوماسية "ماتحت الطاولات".

وهكذا, وبعد كل هذه السنوات الطويلة والمريرة ,ومع نفس الطراز من نفس الرجال,وجدنا أنفسنا أمام كوارث بالجملة سياسيا ,واقتصاديا ,واجتماعيا,ونبحث في ركام المصائب ,والكوارث عن إنجاز ,أي إنجاز ,فلا يأتينا إلا جواب واحد ,فتشوا في غير هذا المكان.

والكارثة الأكبر من كل ذاك أن كل شيء سيبقى على ما هو عليه,وبنفس المنوال,ونفس الطاقم, إلى زمن لا يعلمه إلا العليم القهار.



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كل عام وأنتم بلجنة للتحقيق
- الملاليس
- فليُسعدِ النَطْقُ إنْ لم تُسعدِ الحالُ
- إنهم يورطون الرؤساء
- سوريا العلمانية
- الغائب الأكبر
- دراويش الفضائيات
- علام يراهن السوريون
- السيناريو الأسوأ للسوريين
- مضادات الاكتئاب السورية
- خوارج السياسة,وكفار الأديان
- القصة الكاملة للرسائل شفهية
- إعلان قندهار
- تفكيك الحرس القديم
- أكثم نعيسة:تكريم يليق بالأبطال
- علماء النفس السوريون
- رسائل شفهية*
- تسييس الطبيعة
- أبناء الشوارع وأبناء الذوات
- إلغاء جهاز أمن الدولة


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نضال نعيسة - ديبلوماسية الكوارث