|
دعوةٌ للعدوانِ والقتلِ على الهويَّةِ
رائد محمد نوري
الحوار المتمدن-العدد: 5007 - 2015 / 12 / 8 - 08:48
المحور:
الصحافة والاعلام
هلْ أنكرُ عظيمَ أثرِ القسمِ العربيِّ في هيأةِ الإذاعةِ البريطانيّةِ عليَّ، أمْ هلْ أتجاهلُ كبيرَ إسهامِهِ في تفتيحِ مداركي -في وقتٍ مبكّرٍ من حياتي أيامَ مراهقتي- على العالمِ الرحبِ سياسةً، واقتصاداً، وآداباً، وفنوناً، وعلوماً، وترفيهاً؟! إنَّها ال (BBC) إحدى كبرياتِ المؤسّساتِ الإعلاميّةِ المعروفة –في العالمِ كلِّهِ- برصانتِها وموضوعيّتِها والمهنيّةِ العاليةِ الّتي يتمتّعُ بها المشتغلون فيها، لكن.. هل أقولَنَّ إنّي أعلمُ –أو هكذا كنْتُ أتصوّرُ حتّى مساءِ الخميسِ 3/12/2015- أنَّ ال (BBC( -خصوصاً قسم اللّغاتِ الأجنبيّةِ- معبّرةٌ عن وجهة نظر حكومة بريطانيا العظمى؟! أجلْ، هذا ما كنْتُ أتصوّرُه؛ وبدّدَتْهُ تغطيةٌ لخبرٍ قدّمَت من خلالِ شاشةِ فضائيّةِ ال (BBC) العربيّة في نشرةِ أنباءِ الساعة الثّالثة بتوقيتِ غرينيتش / السّادسةِ بتوقيتِ بغدادَ مساءً؛ لتُحِلَّ محلَّهُ تصوّراً يذهبُ إلى الاعتقادِ أنَّ ال (BBC) العربيّةَ –على الأقلِّ- تخلَّتْ عنِ التّرويجِ للفكرِ البرجوازي، وقيمِ المجتمعِ الرأسماليِّ، وسيادةِ النّزعةِ الفرديّةِ المتسلّحةِ بإيمانٍ شبهِ مطلقٍ بالعلمِ لصالحِ التّبشير بالحركةِ الوهابيّةِ المسؤولةِ عنْ تفريخِ تنظيماتٍ إجراميّةٍ كتنظيمِ الإخوانِ المسلمين، وتنظيمِ القاعدةِ، وحركةِ حماسٍ، وتنظيمِ التّوحيدِ والجهادِ في العراقِ، وتنظيمِ الدّولة الإسلاميّة في العراقِ والشّام، وجبهةِ النّصرة، هذا فضلاً عنِ الأفخاذِ العشائريّة الّتي تحكمُ الشّطرَ الشّرقيَّ من الخليجِ الذي نتقاسمُ السّيادةَ عليهِ مع الإيرانيين؛ الأفخاذِ المنفقةِ ببذخٍ للتّرويجِ لقيمِ الوهّابيَّةِ وأفكارِها التي لا تصلحُ لغيرِ المجتمعاتِ البدويّةِ التي عاشَتْ في القرنِ الأوّلِ للهجرةِ* دأبَ المتشيّعونَ بالمذهبِ الإماميِّ الجعفريّ منذُ قرونٍعلى أنْ ييمِّمُوا شطرَ كربلاءَ في العشرينَ منْ صفرٍ منْ كلِّ عامٍ ماشينَ وراكبينَ لإحياءِ شعيرةِ مراسيمِ زيارةِ أربعينيّةِ الإمامِ (الحسينِ) في تقليدٍ اكتسب عندهم صفةَ القداسةِ بسببِ حديثٍ يرجعونَ سندَهُ للإمامِ (الصادقِ) -جعفرٍ بنِ محمّدٍ بنِ عليٍّ بنِ الحسينِ بنِ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ سادسِ أئمَّةِ أهلِ البيتِ- يدعوهم فيهِ إلى زيارةِ قبرِ جدّهِ (الحسينِ) للتبرّكِ، والتّأسيِّ، وتمثّلِ مسيرةِ موكبِ السبايا الذي عادَ إلى المدينةِ المنوّرةِ منْ دمشقَ –حاضرةِ الدولةِ الأمويّة- عادَ ومعَهُ رؤوس ضحايا ثورةِ الإمامِ (الحسينِ) لتدفنَ مع أجسادِ شهداءِ معركةِ الطّفِّ. إذن، نحن بإزاءِ مشهدٍ تمثيليٍّ يتكررُ كلَّ عامٍ، مشهدٍ يحاكي ممارسوهُ مسيرةَ موكبِ سبايا حرائرِ بيتِ النّبوّةِ ومعهنَّ (زينُ العابدينَ) -عليٌّ بنُ الحسينِ بنِ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ رابعِ أئمَّةِ أهلِ البيتِ- منْ دمشقَ إلى المدينةِ المنوّرةِ وتعريجَهمْ في طريقِ العودةِ على كربلاءَ لإلحاقِ رؤوسِ الثائرينَ على ظلمِ (يزيدٍ) بنِ (معاويةَ) بنِ (أبي سفيانَ) بالأجسادِ المضرّجةِ بجراحِ الشَّهادةِ، كما يحاكي الحجيجُ الساعونَ كلَّ عامٍ بين الصفا والمروةَ سعيَ (هاجرَ) أمِّ (إسماعيلَ) بن (إبراهيمَ) طلباً للماءِ!* الخميسَ -3/12/2015- أحيا الملايينُ في كربلاءَ مراسيمَ زيارةِ أربعينيَّةِ (الحسينِ)، وقد حرصَتْ وسائلُ الإعلامِ المرئيّةُ والمسموعةُ والمقروءةُ على تغطيةِ الحدثِ؛ التظاهرةِ المليونيّةِ. ومنَ الطَّبيعيّ أنْ تكون ال (BBC) في طليعةِ المتعاطين مع الحدثِ بوصفِهِ مادّةً لخبرٍ إعلاميٍّ يتمُّ تناولُهُ في نشراتِ الأخبارِ تغطيةً من جوانبِهِ كلِّها -ولا سيّما الجانبَ الأمنيَّ- لكنَّني اكتشفْتُ مصادفةً وأنا أتابعُ نشرَ أنباءِ الثّالثةِ بتوقيت غرينيتش / السّادسةِ بتوقيتِ بغدادَ منْ مساءِ ذلكَ اليومِ منْ على شاشةِ ةفضائيّةِ ال (BBC) العربيَّةِ أنَّها تخلَّتْ عنْ موضوعيّةِها ورصانتِها المستندتين لرؤيةٍ إعلاميَّةٍ تحترمُ العلمَ وتتوخّاه في نقلِ الخبر لصالحِ التَّجهيلِ والتّدخُّلِ في حرّيَّةِ العقيدةِ والممارساتِ الدّينيَّةِ!. قدّمَتْ المذيعةُ الخبرَ، واستضافَتْ عراقيّاً –أظنُّهُ مراسلَ القناةِ إنْ لمْ تخنّي ذاكرتي- للاستيضاحِ منْهُ حولَ ما رافقَ مراسيمَ الزِّيارةِ من إجراءاتٍ أمنيَّةٍ وأمورٍ خدميّةٍ، بعدَ ذلكَ استضافَتْ (أزهريّاً) أقربَ ما يكونُ للسّلفيّةِ الوهّابيَّةِ منْهُ إلى المذهبِ الشّافعيِّ أوْ العقيدةِ الأشعريّةِ؛ لتسألَهُ عنِ السّندِ الشّرعيِ لهذا الطَّقسِ المقدَّسِ عندَ الشّيعةِ!!. لبسَ (الأزهريُّ) قناعَ الموضوعيَّةِ، وبيَّنَ الخلافَ الفقهيَّ الدّائرَ بينَ المذاهبِ الإسلاميّةِ حولَقضيّتي زيارةِ القبورِ وبناءِ المساجدِ فوقَها؛ ليخلص إلى أنَّ تأديةَ مراسيمِ زيارةِ أربعينيّةِ الإمامِ (الحسينِ) بدعةٌ، هذا فضلاً عنْ تفسيقِهِ الشّيعةَ ومنْ يزورُ القبورَ منْ بقيّةِ طوائفِ المسلمينَ بإيرادِ –حسب ما وصلَ إلى مسامعي- قولِهِ عزَّ وجلَّ:{وما أكثرُ النّاسِ ولوْ حرصْتَ بمؤمنينَ} (يوسف) (103) ِللتَّهرّبِ منْ تكفيرِهمْ علناً. اعتمدَ (الأزهريُّ) لتأكيدِ ترجيحِ صوابِ ما يذهبُ إليهِ ترجيحاً مطلقاً على حديثٍ نبويٍّ يتناقض مع التَّأريخِ علماً ووقائعَ!. يقول الحديث:- (لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ:- المسجدِ الحرامِ، ومسجدِ الرّسولِ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ ومسجدِ الأقصى"* على الرُّغمِ منْ استغلالِ (الأزهريّ) الكوّةَ المتاحةَ لهُ استغلالاً سيّئاً لتفسيقِ المسلمينَ، إلّا أنَّني لا أزعمُ أنّي –هنا- بصددِ نقدِهِ، لكنْ أتوجّهُ إلى القناةِ التي عمّمَتْ في موضعِ التَّخصيصِ، وغلّبَتْ صوتَ الشَّيخِ على ما سواهُ منْ أصواتٍ مخالفةٍ لهُ؛ للتَّدليلِ على أنَّ رأيَهُ وحدَهُ يمثّلُ الإسلامَ الصّحيحَ متجاهلةً النَّزعةَ العلميّةَ في طرحِ الأسئلةِ والتَّعاطي مع الخبر، وأنَّ المسلمينَ مختلفونَ فقهيّاً وعقائديّاً في ما بينَهمْ، أتوجّهُ إليها بسؤالين اثنين أتصورُهما في صميمِ العلميّة:- ماذا أفهمُ منْ هذهِ التَّغطيةِ الفجّةِ السّمجةِ غيرِ العلميّةِ، التَّغطيةِ المعبّرةِ عن عدمِ احترامٍ لحرّيّةِ الرَّأيِ والاعتقادِ في ظلِّ راهنٍ عربيٍّ وإقليميٍّ مضطربٍ؟ هلْ أفهمُ أنَّها طريقةٌ من الطّرائقِ المتّبعةِ لتجهيلِ مجتمعاتِنا، أمْ هلْ أفهمُ أنَّ ال(BBC) متواطئةٌ مع التّياراتِ الظَّلاميَّةِ التَّكفيريَّةِ في ممارسةِ شكلٍ منْ أشكالِ الدَّعوةِ للعدوانِ على المختلفِ، وتسويغِ قتلِهِ؟!*
بغداد / في الساعة الثالثة وأربعٍ وأربعين دقيقةً من صباح الثلاثاء الموافق:- 8/12/2015
#رائد_محمد_نوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إِلى اللَّطّامَة
-
هكَذا تَنْتَهي، هكَذا أَبْدَأُ..
-
بَعيداً عَنْ دارَةِ جُلْجُلِ
-
الحديقَةُ قُبالَةَ دارتي 1
-
بَيانٌ مُقْتَضبٌ
-
بَنَفْسَجتانِ
-
(العباديُّ) ليسَ حرّاً
-
عن حديثة والبغدادي وصباح الكرحوت
-
إصرار
-
في سَماواتِ انْتِظاري
-
على أبوابِ اسْمِها
-
كَالغُيومِ البِيضِ
-
كَالْغُيومِ البِيض
-
حيدر ششو أو الإيقونة المزيّفة
-
وطنٌ حرٌّ وشعبٌ سعيد
-
مزرعة سرجون
-
أزمة الحفيد العربي
-
فمي، عراقيّتي والثالوث المقدس
-
أنتِ سَمائِي
-
حفيدُ ديوجينَ
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|