التغيير قادم بالطريقة الأمريكية لأزالت اللانظام، لكن من
يهتم بإدارة الدولة ومن يهتم بشؤون المجتمع العراقي المتعدد الأتجاهات.
الجيوش الأمريكية التي تدخل الى العراق بطريقة تحرير الشعب العراقي من حكم طاغية
دام أكثر من ثلاثين عاما قد قاسى العراقيون بجميع أطيافهم ابشع اساليب الأضطهاد
وبطريقة لم تشهد له تأريخ الأنسانية وبهذه الكثافة والزخم.
تأريخ الحرب العالمية
الثانية وانتصار امريكا وفرضها الشروط التعجيزية لقبول وقف اطلاق النار، والمعروف
بالشروط الثمانية. يذكرني بأن التأريخ يعيد نفسه. والسؤال المطروح هل يتطور العراق
تقنيا وصناعيا والخ. كما حدث في ألمانيا ...والتطور الهائل في اليابان؟ هل كان
للشعب الألماني دورا مميزا في عملية اعادة البناء ؟ هل هناك شروط تعجيزية مماثلة
تفرضها امريكا على العراق؟ هل هناك أطراف من المعارضة اقروا بقبولهم لمثل تلك
الشروط وبصورة خفية لم يطلع عليه العراقيين؟
هناك تساؤلات عديدة يحاول الأنسان العراقي إيجاد الأجوبة
المقنعة، وهل من جوابٍ مقنع لهذا الكم الهائل من الأسألة والتوقعات...أو بالأحرى
اعطاء مجموعها مصطلح التخوف الخفي والناتج من مخلفات الماضي المؤلم
والبشع.
لقد كبت الأنسان العراقي
طيلة ثلاثين عاما وأرغم على الســـكوت، ولم يتاح له أي مجال للتعبير عن كل ما يدور
في داخله من تسائلات تخص بلده وشعبه. لقد مارس اللانظام ضده كل الأساليب
البشعة لكي يتحول من إنسان متسائل يشير الى الشبهات الى افراد مسيرين يقبلون
بمجريات الأمور المفروضة من قبل حزبٍ شوفيني واحد يقوده ديكتاتور ظالم. إختيارهم
للسكوت ناتج عن عملية الدفاع الذاتي للأستمرار بالحياة ولم تكن اختيارهم رغبة ذاتية
ليكونوا بصف الظلم. الكم الهائل من الأمور التي لم ينطقوا بها باتت حملا ثقيلا في
نفسية الفرد العراقي تحرقه وتعذبه ليل نهار. حتى في الأحلام لم يكن له حرية اختياره
كيف يحلم وأي الألوان بإستطاعته التعامل معها. التركمات القصرية ولد لدى المجتمع
العراقي تخوفات وفوبيا متنوعة ليس من السهل افرازها أو تعين أخطارها. فيمكن القول
بأن الحالات السيكولوجية المتفاخمة عند العراقيين الذي تغذوا بها قسرا بأفكار
عنصرية مقيته خلقت لدى البعض الكثير حالة عدم الأطمئنان لأي مجموعة أو حزب يريد أن
يعمل ويقدم خدمة للوطن والشعب. وقد تتحول هذه الحالة الى خوف شديد وبالتالي يوحي
الى العداء المفتعل. سيكون من الصعب استبدال كل تلك المخاوف وإرجاع حالتها
المستعصية الى ايجابيات تخدم المصلحة العامة بسهولة. الكثير من العراقيين الذين
غسلت أدمغتهم لخدمة الحزب الواحد والفرد المتغطرس منشغلين في صراع داخلي منفعل وقد
يكون لدى الأغلبية حالة وهم الأضطهاد أو جنون الأضطهاد وهو عرض من أعراض الأضطراب
النفسي أو نزعة نحو الضطراب النفسي يفسر فيه الفرد عدم نجاحه أو احباطه، وفي
الحالات القاسية مشاعره غير السارة، بتآمر الآخرين عليه وعملهم ضده.Persecution
Delusion)
لو اردنا تصور حالة
معينة ارغم عليه الأنسان العراقي والبحث في ثنايا تلك العملية القسرية وآثارها
النفسية في تدمير طبيعة الأنسان وتحويله من فرد متسائل الى شخص جرد منه طبيعته
المتسائلة ليكون مجرد انسان حذر حتى من أقرب الناس اليه. ولكنا بحاجة الى شرح طويل
عن هذه الحالة المعينة، ولا يمكننا حصر الموضوع في سطورٍ قليلة. لكن من أجل إثارة
بعض جوانب الموضوع بعموميات نشير لتلك الحالة عسى أن يهتم بها بعض
المتختصين.
لقد اثار اللانظام الرعب بين أفراد العائلة الواحدة حيث اصبح الأبن
يخبر عن أبيه والأخ عن أخيه. وهناك حوادث عديدة يتذكرها كثير من العراقيين بأن الأب
ساهم في قتل ابنه والأخ اشار الى أخيه ليعدم. انتشار مثل هذه الحالات بين أفراد
الشعب أدى الى عملية الخوف وعدم النطق حتى في البيت وأمام أفراد العائلة.
وأن
بين العراقيين من قطعة أحدى أذنيه ومنهم قطع لسانه لأنه نطق بكلمة لا يودها
اللانظام وأزلامه.
وهل هناك بين شعوب الكرة الأرضية شخصا يقطع رأس ولده لأن
الأبن رفض الذهاب للجيش، ويكرم من قبل الطاغية على فعلته.....أي حالة نفسية يمكننا
حصرها، وهل في قاموس علم النفس حالة متشابهة، أم أن العراق اصبح معجم جديد لحالات
نفسية جديدة سيكون هدفا للدراسة من قبل علماء النفس في العالم.
كيف علينا اعادة البناء، وما هي الأستعدادت
التي يجب أن تكون بحوزة من يريد استعداد طبيعة الأنسان العراقي لحالة الطبيعية من
أجل الأعمار والعيش بسلام. العمل المستقبلي بعد التغيير لا يعتمد فقط على تغيير
الحالة السياسية وأعادة بناء البنية التحتية. الشروع بعملية البناء شاق ومتنوع
الأتجاهات ولا اتصور أن بحوزة المعارضة العراقية خطة متكاملة بعد التغيير بل أن
اكثرهم يخوضون في التناحر على كراسي الحكم، ولا ضير في ذلك، لكن على اطراف المعارضة
أن تعلن عن استراتيجيتها لعملية التغيير لكل مرافق الحياة وأن لا يتناسوا حالة
الأنسان العراقي والكبت النفسي الذي اشرنا اليه. وقد لا يكون بحوزة السياسيين أي
خطة شاملة تهتم بالأنسان وتطلعاته، ولذلك اقتصار عملية التغيير على السياسيين أمرٌ
ناقص ومبتور. لذلك سيكون للمثقفين والمختصين دورا أهم وعلى السياسيين الأستفادة
منهم وبشكلٍ دقيق.
وأن المسؤولية تقع على عاتق كل فرد عراقي متحرر من
الكبت والحرمان، الأنسان العراقي المتواجد خارج الوطن والذي حالفه الحظ
الكبير بأن يكون طليقاً يتلقي المعلومات ويتعرف على طريقة العيش الحر لكثير من شعوب
العالم أن يقدم ما لديه من خبرات في جميع المجالات لوطنه وشعبه بعد
التغيير.
علينا أن لا ندع الأجنبي يتحكم بكل أمورنا ونسير مرة أخرى كما يشتهيه
الدخلاء. علينا ان نقدم ما لدينا لكل الذين حرموا من استنشاق الهواء الصافي
والنقي...هواء الحرية. علينا اعادة طبيعة الأنســـان الى حالتها. علينا تنبيه كل
المنتفعين بأن وقت استغلال الشعوب انتهى، وأن عراق المستقبل ليس مكان الوصوليين.
الشعب العراقي المتحرر يريد الرقي والعيش بسلام ووئام مع الآخرين على اساس الأحترام
والتطور المتبادل.
إذا التقت
المصالح اليوم بين العراقيين والأمريكيين فهذا لا يعني بأن بإمكان أي قوة استغلال
العراق وشعبه. ولن يتسنى لأي كان استغلال حالة الشعب العراقي لغاياته الذاتية.
الشعب الذي عانى الويلات سيكون شعبا واثقا من إمكانياته وقدراته، وسوف يجند كلما
لديه للتصدي لكل مستغل ولكل من لديه نوايا خبيثة. إذا كانت الشروط الأمريكية لأنقاذ
الشعب العراقي من اللانظام هو اذلال الشعب واستغلاله، فهذا حلم لا يتحقق، وسيتحول
كل عراقي الى قنبلة مؤقته بوجه كل معتدي ومستغل. أم أن كانت الشروط الأمريكية هو
أنهاء الظلم والقضاء على كل أنواع الأسلحة التي تهدد السلم العالمي..واعطاء الشعب
حريته في انتخاب الأسلوب السياسي الديمقراطي الذي يليق به ويتجاوب مع حضارته
وثقافته ويخدم كل أطيافه، فسيكون الشعب العراقي مقدرا كل تلك الجهود ولا يتناساها
أو يجحف حق الذين ساهموا في إعادة الحرية الى الأنســان العراقي وإطلاق
سراحه. لكن إذا أراد من تسول له نفسه من متآمر ومن له نوايا جشعه رمي الشعب
العراقي ومقدراته في أحضان الغير عندها يقف المخلصون من أبناء الوطن بكل حزم وقوة
أمامهم لفضحهم على الملاء...ولن يغفر لهم التأريخ أبداً.
الشعب العراقي سينهض بعد التغيير لكي لا يسقط
ابدا، ولن يكون لقمةً سائغة للطامعين، حتى وإن كانوا من أبناء الوطن. وليس من حق أي
كان أن يأخذ قدر قنطارٍ أو أقل من حقوق الشعب لأنه أدى عملا يريد به خدمة الوطن
والشعب. ليس هناك تفضيل عراقي على آخر مهما كانت مهمته أو دوره. ولا يحق لنا التشدق
بما قدمناه لكي نحصل على امتيازات معينه وخاصة. وليس لطائفة فضلٌ على أخرى...ولا
لحزب على آخر...أو مذهب معين يحصل على درجات تفضيلية لدوره التأريخي...من قدم
الكثير أو الأكثر فقد قدم للوطن..ومن أراد الأستغلال على اساس ما قدمه فأنهم يمنون
على الوطن والشعب أعمالهم فلا خير فيما قدموه.
سيبقى من الشعب العراقي من يقدمون دون مقابل ولا ينتظرون
جزاءاً ولا شكورا، وسيبقون شوكةً في أعين كل من تسول له نفسه استغلال مقدرات الشعب
العراقي مهما قل أو كثر. وسبقى هؤلاء اداة توعية لكل صغيرة وكبيرة والى ما
شاء الله ...حتى يتحقق كل أحلام الأنســــان العراقي في الرقي والتطور لكي يكون
بمستوى الشعوب الراقية من النواحي التقنية والعلمية والثقافية مع الحفاظ لكل طيف
على حضارته وخصوصياته والتعبير عن ذواته وأصالته.
هناك فترة انتقالية بعد التحرير، وهي الفترة التي سوف تدير
أمريكا العراق والذي بدأ واضحاً بأن تلك الفترة القسرية ضرورية لأعطاء الشعب
العراقي فرصة الأختيار لنوعية الحكم، والتوعية السياسية في تلك الفترة ضرورية جدا
وستكون لأحزاب المعارضة دورا مهما لا يستهان به، وسيستغل الأعلام بطريقة تخدم مصالح
تلك الأحزاب من أجل بيان طريقتها للعمل السياسي وقيادة البلد. وعلى عاتق المثقفين
حملٌ كبير للعمل المتواصل والحثيث لبيان حقائق الأمور والأشارة لكل شائبة وأمراض
سياسية تضر بالمجتمع العراقي كله. وليس من حق جهة دون أخرى استغلال وسائل الأعلام
لصالحه، لتكن بداية طيبة ونزيهة منذ اللحظات الأولى وعليه يتوجب تدوين كل حالة غير
طبيعية ومسائلة الجهة المستغلة مهما كان اتجاهها أو عنوانها.
الخطر الكبير هو التقاضي أو التجاهل عن صغائر
الأمور فضلا عن الرفض الشكلي للكبائر من الأقتراف لحقوق العامة. هذه التوعية العامة
اذا ما بثت بين افراد المجتمع سيحول الحالات السلبية والقيود النفسية المتراكمة الى
ايجابيات تحقق حرية الفرد في الأعتراض وتعطيهم حالة فريدة من الأقبال للمبادرة في
عملية البناء.
عباس
رضا- السويد
[email protected]