|
حسين المندلاوي ..شاعر في الذاكرة
احمد الحمد المندلاوي
الحوار المتمدن-العدد: 5006 - 2015 / 12 / 6 - 14:05
المحور:
سيرة ذاتية
بسم الله الرحمن الرحيم
** أُستا (أُوسطه) حسين من الشعراء المقلّين ، والمنسيين في تراثنا الأدبي الشعبي، تناولت أشعاره الحكمة و الغربة والحنين ،وكاد يُنسى شعره ومواعظه و باقات حكمه إلى الأبد مع تجاويف الزمن ،لولا أني تذكرت شيئاً من أشعاره وحكمه , بعد 45 سنة من ارتحاله الى الملأ الأعلى،وكنت آنذاك يافعاً في الرابعة عشر من عمري عام 1959. . حيث كنت استمع الى أشعاره ومواعظه عندما يجتمع أقرباؤنا من الرجال عصراً في رأس المحلة "قلعة بالي" بدل المقهى، ويتحدثون عن كل شيء بصورة عفوية، أحاديث مختلفة .. ، أو في ليالي الشتاء الباردة حيث نجتمع حول موقد النار المغطّى ببطانية أو بـ"جاجم"الدثار المحلي والمسمى هذا الوضع بـ"الكرسي" و نحن نتناول شيئاً من التمر المعروف بـ"الأشرسي" مع الجوز الآتي من كوردستان .. وهكذا تعلقت في ذهني بعض تلك الأحاديث بما فيها الأشعار و الأمثال و القصص . . و ها بعد سنين طويلة شعرت بأهمية هذا التراث ،و هذه الأشعار النادرة لكونها تعبر عن مرحلة من حياة شعبنا و أهالينا، والتي يجب حفظها للأجيال ؛ مما دفعني إلى التحري والبحث عن أشعاره ونبذة عن حياته ( رحمه الله ) من أفراد عائلته وغيرهم ،و الحمد لله حصلت على الشيء اليسير ، لكنه مهم بالنسبة لي، متأملاً الزيادة لإتمام الفائدة.
نبذة عن حياته ولد أُستا"أسطـه" حسين في مدينة “كويسنجق" في كوردستان العراق حوالي سنة 1880 م . . بناء على أحاديثه عن الحروب والانقلابات التي عايشها وجرت في دول المنطقة "ايران،تركيا،العراق" واسمه ( حسين صفر رحيم البياري) والمشهور بـ ( أستا حسين ) لأنه كان صفاراً ماهراً لا يجاريه أحد من أقرانه في هذه الصنعة... وبحكم عمله كان يتنقل بين العشائر الكردية للعمل في فصل الربيع، بين البلدين ايران والعراق على الدواب مصطحباً معه اثنين من أبناء اخوته يدعيان "سعيد وعلي" في رحلته الأخيرة... حطَّ رحاله في مدينة خانقين و مكث فيها فترة طويلة للعمل ، واطلع على العادات والتقاليد الشعبية فيها،كما أتقن لهجتهم أيضاً . . وخلال هذه الفترة ،اكتسح البلاد الوباء المعروف . .فانتزع منه صغيريه ( سعيد وعلي ) حيث دفنا هناك ، هنا قرر عدم العودة الى أهله و زوجته وطفلته بفعل تلك الفاجعة وشدة وقعها و هولها عليه، فوق هموم الغربة عن أهله و ذويه ؛ وظل متنقلاُ من قرية الى قرية ،ولا أحد يعلم بمصابه الأليم ، إلى أن استقر به النوى في قضاء مندلي ليسكن في محلة قلعة بالي ، ولكنه انبرى كالحكيم الذي لا يستسلم للمحنة و سنابك خيلها الى نهاية المطاف. فاستقر في هذه المدينة المتواضعة لأسباب كثيرة منها جمالها و أناسها و بيئتها الكوردية ، هذا وكان قد ادّخر شيئاً من المال ،فابتاع به داراً واسعة لسكنه ، ثمَّ اقترن باحدى بنات المحلة .. وبدأ بتكوين نفسه من جديد مستفيداً من المثل الكوردي الدائر "سال نو، دال نو" و يعني "عام جديد، وحظ جديد" أو كما يقال:" لا يردّ الميتَ البكاءُ عليه " . . ليواصل مسيرته في الحياة بإيمان وجديّة و يطوي صحائف الألم و السأم. كان رجلاً طويل القامة ، أبيض اللون ،ذا شاربينِ غليظينِ نوعما، طيباً ملتزماً بأمور دينه ،يتردّد على الجامع الكبير لأداء الفرائض،والمشاركة في المناسبات الدينية لا سيما المناقب النبوية الشريفة .كان "رحمه الله" قليل الكلام ،لم يمزح أبداً،و لا يسمح به في حضوره، واذا تحدث قال حكمة بليغة، أو موعظة حسنة ، أو حادثة قصيرة ، أو شعراً لطيفاً ،أو مثلاً مفيداً ،و هكذا ،وكان كلامه واضحاً جداً خليطاً من لهجات المدن التي مرَّ بِها خلال حلّـه و ترحاله بين العشائر و القرى الكوردية و العربية و التركمانية من كويسنجق الى سنندج و بانه وقصر شيرين وكلار وكفري وخانقين ثـمَّ مندلي . وبذا كان كلامه ذا نكهة خاصة يدخل القلب كما يقال بلا جواز ، إضافة الى لغة الأم الكوردية ، أتقن العربية والتركية والفارسية . نماذج من اشعر: بعد البحث والتحري من أبنائه و أحفاده وجيرانه حصلت على مجموعة من أشعاره اللطيفة و أمثالـه ،و شيء من حكمه وباللهجة الكوردية طبعاً ويمكن تصنيف أشعاره الى : 1 ـ أشعار دينية عرفانية 2 ـ أشعار اجتماعية وجدانية 3- أشعار حكمية وعظية ومن أشعاره الوجدانية التي تعبر عن حالات الغربة والحنين إلى مسقط الرأس و الأهل , ومراتع الصبا،قوله : إيلامَ انتظر تحت ظلال الأشجار الباسقة ؟ وإيلامَ أتحمّلُ ثقل الغربة ،ودائها ؟. . وإيلامَ انتظر تحت ظل النخيل ؟ و أتحمّلُ دلال الآخرين . . آه من غربة الوطن . . أشعلتْ في رأسي شيباً هل يا ترى!! أرى أحبابي .. وأكحّل عيني بتراب قريتنا الكبيرة . إيلامَ انتظرُ . . لقد طال الانتظار. أأنتظرً أم أكتفي بالرسائلِ فقط !! أواخر حياته كان يسرد تاريخ الانقلابات والحروب .. ويصف الملوك و الأمراء الذين توالوا على الحكم،و ذلك بحكم أسفاره الكثيرة بين الدول الثلاث "ايران،تركيا ،العراق" وكان يتحدث بحماس عن القاضي محمد و جمهورية مهاباد و عن دور الزعيم الملا مصطفى البارزني الخالد .. فأدرك ثورة 14 تموز 1958 وقال عنها أشياء لم أتذكرها حيث كنت صبياً و أنا استمع الى أحاديثه الجميلة. .ولكنَّ الذي أتذكره إنه كان يحب عبد الكريم قاسم قائد الثورة ،ومعجباً به،و قال عنه شعراً خلال سياق أحاديثه عندما يسمع شيئاً ،أو يرى صورته مرتدياً بزته العسكرية. توفي " رحمه الله " شتاء عام 1959 ودفن في مدينة النجف الاشرف ، حسب وصيته رغم انه كان شافعي المذهب . وله ذرية صالحة بلغ تعدادهم أكثر من 150 فرداً يسكن غالبيتهم في العاصمة بغداد ،و ديالى و السليمانية و كركوك،والرمادي ،والكوفة ،وكربلاء المقدسة و بيجي، ومنهم من استقر في المهجر بريطانيا وإيران،و هولندا بينهم أطباء ومهندسون وأدباء و فنانون و مدرسون يعملون بجد و مثابرة لبناء عراقنا الجديد،ولينعم شعبنا المظلوم في ظلاله بعزّ و سؤددٍ.و أمانٍ. هذه كانت نبذة يسيرة عن أحد شعرائنا الأكراد المنسيين . أحمد الحمد المندلاوي 5/12/2015م
#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احمد المندلاوي في البيت الثقافي
-
قصص قصيرة من ربى مندلي /5
-
قصيدتي في دار الأزياء
-
الى سليم القلب ..
-
عزّ في المرتقى اليك الصعود
-
تعريف مرايا بوتيفار/عن مركز مندلي/18
-
قصص قصيرة من ربى مندلي /4
-
فلسطين في القلب ..
-
كركوش.2.
-
يوم الاربعين ذكرى للإنسانية..44
-
يوم الاربعين ذكرى للإنسانية..3
-
سجل شهداء مندلي... الروضة:السابعة
-
يوم الاربعين ذكرى للإنسانية..22
-
يوم الاربعين ذكرى للإنسانية..1
-
كركوش.. 1
-
زَينَب من مثلها..5
-
زَينَب من مثلها..4
-
زَينَب من مثلها..3
-
زَينَب من مثلها..2
-
زَينَب من مثلها..1
المزيد.....
-
ثوان فاصلة.. تسلسل زمني يكشف تفاصيل آخر محادثة قبل تصادم طائ
...
-
-مضادة للمدمرات-.. الحرس الثوري الإيراني يكشف عن مدينة صاروخ
...
-
من جنوب لبنان وزير دفاع إسرائيل يحذر خليفة نصرالله: لا تكرر
...
-
تشييع حسن نصر الله في 23 شباط.. ونعيم قاسم: قرارات حزب الله
...
-
نعيم قاسم: الدولة اللبنانية مسؤولة بشكل كامل لتتابع وتضغط من
...
-
العراق: البرلمان يتبنى تعديلا في الموازنة يسهل استئناف تصدير
...
-
ماجد سعيد ىخر مستجدات الوضع في الضفة الغربية
-
الذكريات قد تكون وراء إصابة الشخص بالسمنة
-
صحيفة تركية: إسرائيل تفقد ورقة -الكردستاني- بسوريا وتبحث عن
...
-
القناة 12 الإسرائيلية: نتنياهو أعاد تشكيل فريق المفاوضات لهذ
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|