|
(العودة) : مذكرات فلسطينية
فضيلة يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 5005 - 2015 / 12 / 5 - 22:03
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
مراجعة كتاب العودة للكاتبة الفلسطينية غادة الكرمي الكاتبة والأكاديمية والناشطة السياسية الدكتورة غادة الكرمي رمز للتنوع، مواطنة عالمية وذكية للغاية، وملتزمة بعمق في النضال من أجل الحقوق الفلسطينية. لديها هوية مزدوجة كامرأة بريطانية تماماً وايضاً وطنية فلسطينية ، بارعة في تقديم القضية الفلسطينية إلى الجمهور الغربي. لا تضيف كتب الكرمي الأكاديمية عن تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كثيراً للكتب الكثيرة حول هذا الموضوع. توفر كتابتها عن سيرتها الذاتية منظوراً فريداً عن المأزق الفلسطيني. وأفضل ما كتبت كان (البحث عن فاطمة) حيث كتبت بشكل جميل عن نزوحها من القدس عام 1948 على خلفية الأحداث السياسية الكبرى التي شكلت مسار التاريخ الفلسطيني الحديث. أتمت في (العودة) كتابة مذكراتها بنفس الطلاقة في الكتابة ، البصيرة النفسية والمهارات المتميزة بمزج القضايا الشخصية مع القضايا السياسية. عادت الكرمي في عام 2005، إلى وطنها لا كسائحة ولكن مستشارة لوزارة الإعلام والاتصالات التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله. وقالت إنها تريد العيش في قلب الحدث، أن تكون جزءاً من المجتمع، لتساهم في بناء الدولة. ولكن التجربة الفعلية التي سجلتها في هذه المذكرات تُشير إلى خيبة أمل عميقة ، ويرى القارئ من خلال عينيها الرحلة الأفعوانية المملوءة بالقلق. بدى العمل مع السلطة الفلسطينية مبهجاً ومرهقاً. فقد سلكت كما لو كانت حكومة دولة، مع إدارات للمالية، والنقل، والتعليم، والصحة، وما إلى ذلك؛ ولكن، في الواقع، كانت إسرائيل تسيطر على كل شيء في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها. أصبحت الكرمي على بينة للتأثير العميق الواسع الانتشار للسلطة الإسرائيلية عندما كانت تعمل في الداخل. ووضعت كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية تحت المجهر. تُظهر السلطة الفلسطينية، أنها تتولى السيادة على أراضيها بينما في الواقع تخضع لسلطة الاحتلال بكل معنى الكلمة وعلى كل المستويات. لا يوجد للسلطة عملياً أي مصادر للدخل من تلقاء نفسها، وتعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية من مجموعة متنوعة من الأماكن. لذلك فكرت الكرمي أن مسار الشرفاء الوحيد في السلطة الفلسطينية هو التخلي عن المواقف الفارغة، ومواقف استعراض القوة وتحمل دورها المناسب (قيادة شعب تحت الاحتلال الاستعماري). كانت الصورة التي رسمتها من خلال عملها في الوزارة سريالية ، وزارة تتقوقع في فقاعة ذاتية مشلولة نتيجة الصراعات الداخلية والاقتتال الداخلي والبيروقراطية. كانت نظرة معظم زملائها لها أنها متسلطة ومتكبرة وأُحبطت عند كل منعطف. وكتبت أنها نظرت برعب للعديد من الانتهازيين الفلسطينيين الذين خانوا المثل العليا للثورة على الرغم أنها تصدت لهم كلما استطاعت . وبالتالي لم تنتج العودة إلى فلسطين شعور التضامن في النضال من أجل قضية مشتركة بل المرارة والاغتراب. أينما ذهبت الدكتورة حسنة النية، كانت خارج المكان: فلسطينية جداً في بريطانيا وبريطانية جداً في فلسطين. كانت حياة الكرمي كلها ترتكز على الحقائق الأساسية للنكبة عام 1948، ومنها اشتقت كل شيء. وتفترض أنها واحدة من القيّمين على التاريخ الفلسطيني. لذلك شعرت بنوع من الصدمة عندما اكتشفت أن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، لا يهتمون بالناس من أمثالها ، كانت الدكتورة الكرمي بعيدة كل البعد عن الظروف القاسية للغاية المفروضة على الفلسطينيين في الداخل من قبل الإسرائيليين، جيشهم ومستوطناتهم. لم يكن الماضي يشغلهم . ولكن السكان المحليون كانوا أكثر انشغالاً بالكفاح اليومي من أجل البقاء ضد الظالم الغاشم من الرواية الفلسطينية الكبرى عن الماضي. في جولاتها داخل الأراضي المحتلة، لم تر الكرمي شيئاً يرفع معنوياتها. وكان أسوأ وصمة عار على الساحة ما يسمى "الجدار الأمني" الذي يبنيه الإسرائيليون في الضفة الغربية في انتهاك صارخ للقانون الدولي. لم تكن الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين شيئاً جديداً عليها. وكانت تشترك في حملات ضدها منذ عام 1971. ومن المؤكد، أنها تعرف عن وجود الجدار ولكن كرمز بغيض ،وتعبير واضح للاستحقاق الإسرائيلي في رسالة وقحة للعالم: " هذا البلد إسرائيل وإسرائيل وحدها ، تنهبه، تقسّمه ، تفتته، وتعيد تشكيله، وإعادة تسميته، والقيام بكل ما يحلو لها" في قطاع غزة، لم تر الكرمي سوى طيف اليأس. الوضع المتردي في غزة صناعة إسرائيلية، أنشأت إسرائيل في القطاع الإفقار المتعمد والعنف. وكانت تجربة اجتماعية قاسية عندما عزلت ما يقرب من نصف سكان فلسطين، ولهذه التجربة عواقب بعيدة المدى على المجتمع ككل. يزدهر التطرف والهروب من الواقع والتعصب ونظريات المؤامرة في مثل هذه البيئات، وغزة فريسة لجميع هذه المظاهر. وبمنطق اليأس رأت الكرمي الناس في غزة منغلقون على أنفسهم ، وينفرون من الغرباء. ويؤمنون بالرؤية المريحة لهم عن الإسلام المظفر الذي سيهزم أعدائهم. لم تستغرب الكرمي ضيق الأفق والتدين الشديد وإنما أن غزة لا تزال تقف على قدميها وتقاتل للبقاء على قيد الحياة على الرغم من القهر . كان الاعتقاد الأساسي للكرمي طوال حياتها أنه سيتم الثأر للجريمة التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في عام 1948 بطريقة أو بأخرى، وأن الشعب الفلسطيني المحروم سيعود يوماً ما إلى بلده. وعلى الرغم من انهزامية الموقف الرسمي الفلسطيني وعدم اكتراث الكثير من الفلسطينيين حولها، لم تشك كرمي في صواب موقفها. ولكن بعد عودتها إلى فلسطين، بدأ الاعتقاد الأساسي لها في هذا اليقين يتعثر. عرفت عندما عادت إلى فلسطين أن الأساسيات التي كانت تعتقد فيها دائماً قد تغيرت واعترفت : لم يكن هناك قضية وطنية ولا نضال وطني موحد للعودة. نظرت لكل ما فعلته من أجل "فلسطين"، وأدركت أنها لم تحقق أياً من أهدافها، لأن ذلك لن يكون ممكناً في فلسطين التي وجدتها. كانت قد سافرت إلى موطنها تكريساً لحق العودة، لكنها كانت العودة إلى الماضي، إلى ذكريات فلسطين البعيدة، وليس إلى المكان الحالي الكئيب. ملأت الرحلة الكرمي بالمرارة والحزن. كتبت انها تتذكر وهي تنظر إلى تل أبيب من نوافذ الطائرة التي أعادتها إلى لندن كيف فكرت : أصبحنا مشردون ومنبوذون ، مبعثرون، ومقسمون. لا يوجد مجال لذاكرتنا الموحدة هنا. ولن يتم ذلك أبداً. "وهذا استنتاج محبط لكتاب محبط وكئيب بعمق . عندما تنتهي من قراءة الكتاب تتعاطف مع مؤرخ متناقض وتقدّر بشكل أفضل العقبات الهائلة الباقية على طريق الاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية. مترجم Avi Shlaim
#فضيلة_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جالوت : الحياة والكراهية في اسرائيل العظمى
-
الولايات الإرهابية
-
اتفاق اوسلو (الصعود والسقوط) 2
-
اتفاق اوسلو ( الصعود والسقوط) 1
-
جريمة حرب في بلاد ما بين النهرين : تدمير نينوى
-
الطائرات المسيرة : لا تُعيد التفكير في النمل على الشاشة
-
ليلة في قندز ، صباح في نيويورك ( قصف المستشفيات)
-
أساطير إسرائيل من منظورين
-
كيف تدمّر أسطورة (الجدارة) الطلبة؟
-
Mozart وأطفال الحجارة
-
تصوير الفلسطينيين كنازيين (نتنياهو يحرض على عنف خارج القانون
...
-
إسرائيل تشوّه سمعة الديانة اليهودية
-
الأراضي الحدودية : بروسيا المستوطنين
-
إسرائيل : الإعلام وتشخيص المجتمع المريض
-
الاعتداءات على الأطفال و(الثقافة) في أفغانستان
-
هل ترغبون بإصلاح التعليم ؟( اتركوا المعلمين يعلمون)
-
لماذا أدعم حركة (BDS) ضد اسرائيل
-
51 يوماً من الحرب على غزة (التدمير والمقاومة)
-
غزة (العدوان القادم)
-
سوسيا ( هم يهدمون ، ونحن نُعيد البناء)
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|