هادي بن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 5005 - 2015 / 12 / 5 - 10:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من تونس إلى سوريا إلى فرنسا وأمريكا , يشترك الإنتحاريون (أغلبهم) في عنصر واحد :
أن حياتهم , قبل أن يعرفوا التدين , كان يغلب عليها الرقص والغناء والخمر والمخدرات والجنس ! هكذا تشهد عائلات هؤلاء . لقد شهدت أغلب عائلات الإنتحاريين والإرهابيين التونسيين على أن الأبناء كانوا "طبيعيين" ومحبين للحياة قبل المداومة على الصلاة . من منفذ الهجوم الانتحاري الأخير بشارع محمد الخامس , إلى منفذ هجمة سوسة .
وعلينا أولا أن نتفق قبل تحليل هذه الظاهرة على أن التصور الإسلامي للحياة الاخرة -وللجحيم تحديدا- هو تصور من أعنف وأكثر تصورات التعذيب قبحا وعنفا وهيمنة وإذلالا . بالتعذيب المرعب داخل القبر , إلى الحرق والعطش يومن البعث والتكبيل بالسلاسل والقيود , ونهاية بالعذاب الأبدي وسط النار التي أمعن القران والحديث في تفصيلها تفصيلا مرعبا .
وهذا الشاب الإنتحاري المسكين قد كان مقبلا على ما يراه الإسلام "فاحشة وفسادا" . يقع إغراقه من قبل العائلة وأفراد المجتمع بنصائح الهداية والتوبة وإقامة الصلاة مع تصوير نمطه الحياتي مغرقا في الكفر والضلال والعصيان . وقد كنت يوما أحد من أقبلوا على التدين لتكون تفاصيل حياتي عبئا هائلا على نفسي لعلمي بموقف الإسلام منها . إن عقدة الذنب التي تلاحق هذا الشاب بسبب التعارض التام بين إيمانه ونمطه الحياتي , لا بد أن تتحول إلى شكل من الكراهية ضد الذات , ضد الجسد , لما يحمله من ماض مغرق في الشهوة والرذيلة . لقد إتفق الإنتحاريون على أن التكفير عن كل تلك الذنوب يكون بأقصى أشكال التعبير عن الولاء والإيمان , بالتضحية بأجسادهم . ذلك الأسلوب الوحيد للتعامل مع عقدة الذنب كما فرضها عليهم إيمانهم . إن عقدة الشعور الساحق بالذنب عادة ما تجبر صاحبها على الخضوع لحقيقة أن ذنوبه أصبحت مستحيلة الغفران لكثرتها وتعددها , والحل الإختزالي هو -الشهادة- .
إن تصدر التونسيين لأعداد الإنتحاريين ومقاييس العنف والشراسة منذ الحرب الطائفية بالعراق حتى اليوم , له أسبابه ودوافعه الموضوعية . فالمجتمع التونسي قد عرف نمطا حياتيا مغرقا في الشهوانية لم يعرفه أي مجتمع عربي اخر في العقد الأخير . والمدمنون على هذا النمط -الأبيقوري- من الحياة من محدودي المعرفة والإطلاع هم قنابل موقوتة يسهل إستقطابهم وتجنيدهم مقابل أن يتخلصوا من معاناة الذنب . ويمكننا أن نلاحظ حدة الخطاب الذي يوجهه التونسيون داخل بؤر الإرهاب ضد الدولة التونسية والمجتمع التونسي بإعتبارهما رمزا للحياة الجاهلية . إن هؤلاء -الأبيقوريين- إما أن يقع تحييدهم بشكل تام عن الإسلام القروسطي السلفي , وهو مستحيل في عصر العولمة , أو أن تقع مصالحتهم مع ذواتهم , وهي مصالحة مستحيلة لتطلبها تغييرا جذريا في الإسلام نفسه .
#هادي_بن_رمضان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟