كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1367 - 2005 / 11 / 3 - 11:31
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
في ثلاث حلقات
استمعت بإصغاء شديد وعلى مدى ساعة كاملة إلى حديث السيد رئيس وزراء العراق الدكتور إبراهيم الجعفري وهو يجيب على أسئلة مراسل القناة الفضائية "العراقية" السيد عبد الكريم حمادي. وكان هذا اللقاء الصحفي, كما بدا لي, بداية لحملة انتخابية يخوضها السيد الجعفري للتعريف بسياسته ونتائج عمل الحكومة التي ما يزال يترأسها. لم تكن الأسئلة الموجهة له معقدة أو ملتوية أو راغبة في إحراجه, كما لم تكن بحاجة إلى براعة خاصة في الإجابة عنها. كانت الأسئلة موجهة تهدف إلى إعطاء المشاهد انطباعاً حسناً عن السيد رئيس الوزراء وعن الأعمال التي قام بها خلال الفترة المنصرمة. وهذا من حقه بطبيعة الحال. ولكن من واجبنا نحن الذين استمعنا إليه ولاحقنا الأحداث أولاً بأول وكتبنا الكثير عما يجري في العراق, يحق لنا وللجميع أيضاً أن نثير بعض الاعتراضات والملاحظات حول حديث السيد رئيس الوزراء مقدرين بحق سبع مسائل مهمة, وهي:
• إن الوزارة قد تشكلت في فترة متأخرة بسبب المصاعب التي رافقت إقرار التشكيلة الوزارية وبرنامجها بين التحالفين الكبيرين.
• المقاطعة غير العقلانية التي مارستها بعض منظمات الإسلام السياسي السنية, ومنها هيئة علماء المسلمين, وبعض القوى القومية اليمينية التي تشابكت مع هيئة علماء المسلمين قبل الانتخابات وأعاقت طويلاً تشكيل الحكومة بعد الانتخابات إلى حين مشاركة البعض منها.
• الإرهاب الدموي الذي ما يزال مستمراً ويعيق تحقيق الكثير من المنجزات الضرورية للشعب والتي لا يمكن نكرانها وتأثيرها السلبي على المجتمع, والذي يجد التأييد من بعض الأطراف العراقية والعربية والخارجية لنسف التجربة العراقية الجديدة.
• عدم استكمال تشكيل أجهزة الدولة التنفيذية, المدنية منها والعسكرية, وبالتالي, صعوبة ممارسة تلك الأجهزة لواجباتها في مواجهة الإرهاب, وخاصة في المجال العسكري.
• وجود قوى بعثية وقومية تخريبية غير قليلة تعمل في أجهزة الدولة وتعيق سير العملية السلمية في البلاد.
• الأخطاء الفادحة التي كانت وما تزال ترتكبها القوات الأجنبية العاملة في العراق والتي تضعف أحياناً الدور الذي يفترض أن تمارسه القوات العراقية, رغم أنها في الوقت نفسه تشكل حالياً عوناً للقوات العراقية في مواجهة الإرهاب.
• التدخل الفظ لبعض دول الجوار, وخاصة إيران وسوريا, في الشؤون الداخلية للعراق وتشويشها المستمر على مجمل العملية الجارية, وخاصة عبر الوجود الفعلي لقوى التدخل الإيراني في العراق. وكذلك التسرب الواسع النطاق للإرهابيين عبر سوريا إلى العراق, إضافة إلى عدم وجود ود واحترام من جانب أغلب حكومات الدول العربية إزاء الحكومة العراقية, وهي بذلك لا تعبر عن حكمة وحصافة ضروريين.
مع تقديري لهذه الأمور أولاً, ومع تقديري لما أنجز خلال الفترة المنصرمة, لم أجد في حديث السيد الجعفري أي مراجعة فعلية لمسار الحكومة المؤقتة أو أي نقد ذاتي لأخطاء ارتكبت خلال المسيرة المنصرمة أو نواقص وشوائب كثيرة برزت خلال العمل. علماً بأن الأخطاء ممكنة ويمكن إصلاح الأخطاء إذا ما تم الاعتراف بوجودها وجري العمل لمعالجتها وتجاوزها, ولكن إنكارها هو الذي لا يمكن قبوله ويضعف مصداقية المتحدث أياً كان. فمنجز الدستور, بغض النظر عن التباين في وجهات النظر حوله, واحداً من أهم معالم المرحلة الجديدة.
كتبت أكثر من مرة, وكتب غيري, عن النواقص ودعوت إلى قراءة ما يكتبه الناس بعناية, فليس كل ما يكتب يريد إلحاق الضرر بالحكومة العراقية, بل أن غالبية الكتاب العرقيين يريدون خدمة المصلحة العامة وينطلقون منها لتحديد رؤيتهم لما يجري في العراق. ولكن أستطيع أن أدعي وكأن بين السيد رئيس الوزراء والكتاب العراقيين ما يسمى بـ "حوار الطرشان", وهو ليس ذنب الكتاب, بل الذنب يقع على عاتق من لا يريد أن يسمع. ولا يكفي الاستفسار من الأصدقاء عما يقوم به السيد رئيس الوزراء, بل قراءة ما يكتب حوله وحول وزارته وحول أعماله وعلاقاته ..الخ.
أحاول فيما يلي أن أبدي بعض الملاحظات حول حديث السيد رئيس الوزراء العراقي الذي قدمه بتاريخ 1/11/2005:
1. حول الإرهاب
أتفق مع الإشارة إلى أن وتيرة الإرهاب قد تقلصت, رغم أنها كانت متذبذبة بين صعود وهبوط خلال الفترة المنصرمة. ولكن لا يمكن ولا يجوز إنكار المعدل اليومي للخسائر البشرية التي تصل إلى أكثر من 60 شخصاً بين قتيل وجريح ومعوق. وهي خسارة كبيرة جداً جداً, علماً بأن كثرة من الشهداء هم من الشباب والأطفال, إذ أن الإرهاب كان وما يزال يستهدف المواطنين من أتباع المذهب الشيع بشكل خاص وضد القوات المسلحة العراقية وبعض القوات الأجنبية. إلا أن الإرهاب بالمحصلة النهائية ما يزال يعطل عملية البناء ويقلص من القدرة على توفير الخدمات للناس, وخاصة الكهرباء والماء والنقل, وتوفير فرص العمل للعاطلين واستمرار بؤس الكثير جداً من العوائل العراقية الكادحة ... الخ. وقد أشرت أكثر من مرة, ولا من سميع أو مجيب, إلى أن الأسلوب الذي تمارسه الحكومة العراقية والقوات الأمريكية وغيرها في مواجهة الإرهاب ما يزال بعيداً عن امتلاك القدرة على الخلاص النهائي منه, وكأن هناك من لا يريد تصفية الإرهاب!
اقترحت على مجلس الوزراء أن تقوم الحكومة العراقية بتشكيل لجنة دولية, سواء أكان من قبلها مباشرة أم بدعم من الأمم المتحدة, تضم خبراء عالميين بشؤون القوى الإرهابية والعمليات الإرهابية بهدف الكشف عن ثلاث مسائل أساسية:
أ?. من هي القوى التي تخطط وتنظم وتشرف على تنفيذ وتنفذ العمليات الإرهابية؟ وكيف يمكن الكشف عن مخابئها.
ب?. من هي القوى التي تقف وراء هؤلاء, سواء أكان ذلك في العراق أم في الدول المجاورة أو الأجنبية, الإسلامية وغير الإسلامية؟
ت?. من هي القوى التي تغطي على أعمال القوى الإرهابية وتسرب لها الأموال والمساعدات اللوجستية والأفراد, وكيف يتم ذلك؟
ولا يمكن بأي حال التوصل إلى إنهاء الإرهاب في ظل الأساليب الراهنة التي تمارسها قوى الحكم العراقي وبالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. [يمكن العودة إلى عدة مقالات لي كتبتها وتبحث في هذا الموضوع].
كما لا يمكن السيطرة على الإرهاب والإرهابيين دون الاستعانة الكاملة والمستمرة بقوى الشعب وقوى الأحزاب السياسية العراقية دون استثناء شريطة أن تتم عملية اختيار الأساليب المناسبة لمثل هذا التعاون.
ليس من حقي أن أدعي أن السيد رئيس الوزراء لا يقوم بواجبه في هذا الصدد, ولكن من حقي أن أقول بأن الأساليب والأدوات والطرق التي تمارس ما تزال بعيدة كل البعد عن تلك المرجوة والضرورية لإنهاء الإرهاب في العراق. وإذا ما استمر العمل بهذه الطريقة ودون تعاون دولي أوسع مما هو عليه الآن, فسوف يستمر الإرهاب لفترة طويلة حقاً.
أشك في أن الحكومة العراقية قد اتخذت ومارست إجراءات حازمة وضرورية من أجل
• وضع حدٍ للإرهاب الموجه من بعض قوى الإسلام السياسي المتعاونة مع إيران في اضطهاد أتباع الديانة المسيحية أو الصابئة المندائية أو الأيزيدية وتنفيذ جملة من الاغتيالات, وخاصة في جنوب العراق من جهة, أو وضع حدٍ لتدخل إيران الفظ في شؤون العراق وفرض إرادة القوى الإيرانية على حكام جنوب العراق, ومنها البصرة, من جهة أخرى. إن ما كتبته عن البصرة يفترض أن يكون مقبولاً كملاحظات نقدية يراد التحري عن مدى صوابها, وسأكون شاكراً أن توفرت معلومات تصحح المعلومات التي نشرتها. في حين وصلتني رسائل كثيرة من الجنوب ومن مناطق أخرى تشكرني على إثارة الموضوع وبهذه الصورة لأنها تجسد حقيقة الوضع في البصرة وفي عموم الجنوب. يمكنكم الشك في ما يقوله الناس, ولكن عليكم التحري عن تلك الشكوك, رغم قناعتي بوجودها حقاً.
• الإرهاب الفكري الذي تسلطه هيئة علماء المسلمين على المسلمين من أتباع المذهب السني وإثارتها الطائفية السياسية المخلة بالوحدة الوطنية ودعكها الصريح لقوى الإرهاب في العراق.
• السكوت عن الجرائم التي ارتكبتها ميليشيات جيش المهدي في العراق وعن قتل الشهيد السيد عبد المجيد الخوئي وغيره, إذ أن ذلك يشجع على الإرهاب وعلى عدم ممارسة القانون بحق البعض وممارسته ضد البعض الآخر.
دعوني أذكر القراء جميعاً, والسيد رئيس الوزراء, حول ما حصل على جسر الأئمة بين الكاظمية والأعظمية من مجزرة بشرية رهيبة. إلا نشترك في هذا التساؤل: ألم يكن من واجب السيد رئيس الوزراء أن يمنع مثل تلك التجمعات حرصاً على سلامة الإنسان العراق وإبعاده عن المهالك المحتملة, بسبب وجود الإرهابيين وعدم معرفة مواقع ضرباتهم الموجعة, وأنهم متحفزون لاستثمار مثل هذه الفرص لتوجيه الضربة؟ ألم يكن بالإمكان الحزن على وفاة الأمام في البيوت, بدلاً من مثل هذا التجمع السياسي مثلاً, بسبب الظروف الشاذة التي كان وما يزال يمر بها العراق؟ نعم كان ذلك ممكناً, بل كان ضرورياً جداً لحماية الناس من الإرهابيين! إذاً, لماذا هذا الموقف غير المعقول بالسماح لعشرات الآلاف من الناس أن تذهب إلى الموت بقدميها ويسقط منهم ما يزيد عن الألف قتلى والمزيد من الجرحى والمعوقين؟ دعوني أقدم للسيد رئيس الوزراء إجابتي الخاصة عن السؤال الأخير:
كانت جماعة السيد مقتدى الصدر وبقية قوى الإسلام السياسي الشيعية المتطرفة منها والمعتدلة, تريد أن تمارس:
• فتل العضلات أمام المجتمع العراقي والدولي بأنها قادرة على تعبئة وتنظيم مثل هذا العدد الكبير من الجماهير وزجها في إقامة الشعائر الدينية والطقوس, وهي تأتمر بأوامرها.
• وتهدف إلى تشديد الصراع والاستقطاب المذهبي لضمان ذهاب غالبية الناس إلى صناديق الانتخاب لانتخاب المندوبين على أساس سني وشيعي وليس على أساس البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
• وتريد السيطرة الفعلية على الشارع من قبل رجال الدين والمليشيات المحلية وتحريكه وفق الأهواء السياسية المطلوبة لهؤلاء الرجال.
ومن المؤسف حقاً أن تسكت المرجعية الدينية في النجف وغيرها عن مثل هذه الأعمال الطائشة التي تقود إلى سقوط الآلاف الضحايا دون أدنى مبرر. فهل هي داخلة في عملية الاستقطاب أيضاً؟ عليها أن تجيب عن هذا السؤال.
من هنا نلاحظ أن كان على وزارة السيد الجعفري أداء الكثير من الأعمال التي لم تنهض بها رغم قصر المدة. فقصر عمر الوزارة لا يمت بصلة مع التوجهات الفعلية للسيد رئيس الوزراء, إذ لو توفرت توجهات أخرى لأقرت منذ اليوم الأول لتشكيل الوزارة وبدأ العمل بتنفيذها.
وللحديث صلة, الحلقة الثانية.
2/11/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟