|
كيفيات التعاطي المغاربي المجدي مع مشكلة الفقر
عبدالله تركماني
الحوار المتمدن-العدد: 5001 - 2015 / 11 / 30 - 22:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كيفيات التعاطي المغاربي المجدي مع مشكلة الفقر (*) (1 – 2) يتجه عالم اليوم نحو قيم ومبادئ مغايرة – إلى حد بعيد - لما هو قائم في دولنا المغاربية، حيث يحتل الفقر وكيفيات التعاطي الناجع معه مكاناً هاماً في أجندة العصر. وفي محاولتنا معرفة أهم التحديات التي تواجه الدول المغاربية وجدنا أنها تتركز على الخصوص في: البطالة، والفقر، والهجرة، والإرهاب، وضعف الأداء الاقتصادي، ومحدودية التنمية الإنسانية، وإشكاليات الصحراء الغربية، وتعثُّر الاتحاد المغاربي. إضافة إلى تدنِّي مستوى الخدمات، والارتفاع في المديونية الخارجية، وتراجع أسعار المواد الأولية، وارتفاع قياسي في أسعار الغذاء والمواد الأساسية، وحُمّى تضخمية تنهك القدرة الشرائية للفئات المحدودة والمتوسطة الدخل، وهو وضع صعب على دول تحتاج إلى نمو متصاعد لتواجه أزمة البطالة بين شباب المدن. وقد ارتفعت معدلات الفقر في السنوات الأخيرة، إذ يقدر عدد الفقراء بنحو 17 % من مجموع السكان، وكانت هذه النسبة لا تتجاوز الـ 12 % في بداية تسعينيات القرن الماضي. وفي مقاربتنا لا نغفل أننا أمام خمسة أقطار لكل منها سياسة معينة، ومخططات تنموية مختلفة، وتحظى بتعامل خاص من طرف القوى الدولية الكبرى تبعاً لتموقعها في استراتيجياتها ورهاناتها الإقليمية والدولية. لقد فرَّق علماء الاجتماع في أنواع الفقر ورأوا أنّ هناك نوعين رئيسيين: أولهما، فقر " التكوين ". وثانيهما، فقر " التمكين ". وستتجه مقاربتنا لمعالجة النوع الثاني باعتباره فقر مؤسسسي يفصح عن نقص في قدرة مؤسسات الدولة على تلبية احتياجات الناس. مؤشرات ضعف التنمية الإنسانية المغاربية ثمة مؤشرات كثيرة تدل على ضعف عملية التنمية الإنسانية المغاربية استناداً إلى معظم، إن لم يكن كل، مؤشرات هذه العملية. إذ أنّ الجزء الظاهر من هذه المشكلة يتمثل في الفقر واللامساواة (المعدل المتوسط للفقر يصل إلى 17 %)، لكنّ الفقر في الحقيقة ليس سوى جزء من المشكلة، فإلى جانبه هناك مؤشرات كثيرة: ضعف مستوى الرعاية الصحية، وتراجع واضح في فرص التعليم الجيد، وضعف في سياسات الأمان الاجتماعي. وفي الواقع تنهض المقاربة الجديدة لظاهرة الفقر على سلَّة من المعايير والمؤشرات التي تصلح كقاعدة للمعالجة والتحليل، وتساعد، أكثر من ذلك، على جعل الفقر معطى موضوعياً قابلاً للقياس (1). فوفق هذه المنهجية متعددة الأبعاد، لا يعني فيها الفقر " مجرد الافتقار إلى ما يكفي من المال، ولا يعني فيها التفاوت مجرد اختلاف في الدخل المادي ". إذ فتحت المقاربة المتعددة فرصاً نوعية لمراجعة المفاهيم الأصولية للفقر والتفاوت، وتم التشجيع عليها في أعمال أمارتيا صن، الحائز على جائزة نوبل، وفي صدارتها تلازم التنمية والحرية، وضرورة الربط بين التنمية والقدرة على المشاركة بمختلف أنواعها ومستوياتها، وهو ما أوضحه بقوله: " الاهتمام بالحريات الإيجابية يؤدي مباشرة إلى تثمين قدرات الأشخاص، وتثمين ما من شأنه تنمية هذه القدرات ". إنّ روح منهجية أمارتيا صن في تأصيل مفهوم التنمية تكمن في قدرتها على توسيع دائرة النظر إلى الفقر، باعتباره نقيضاً للرفاه المجتمعي العام، وتعداد المؤشرات ذات الصلة بكرامة الإنسان في قياس مراتب التنمية ودرجاتها. لذلك، ومنذ ظهور أعماله الرائدة ذات الصلة، تغيّرت منظورات العالم لمفهوم التنمية وآفة الفقر، وأصبح الفقراء لا يُحدَّدون من منطلق ما يعانون من عَوز مادي فحسب، بل مما يعيشون من ضنك وعسر في قدرتهم على المشاركة في تدبير شؤونهم بقدر متكافئ وشفاف ومسؤول، سواء في توزيع الثروة والاستفادة من الخيرات، أم في التداول على السلطة والتعاقب على ممارستها. إنّ الولع بالمؤشرات الكمية يحجب الجوهر الاجتماعي لظاهرة بحجم ظاهرة الفقر، خاصة أنّ من يرسمون السياسات الاقتصادية على المستوى العالمي اليوم، التي تصدِّر وصفاتها إلينا، مأخوذون بنموذج الليبرالية الجديدة المتوحشة، من خلال هيمنة دعاته ومريديه على اقتصاد العالم. كيفيات التعاطي المغاربي المجدي مع مشكلة الفقر إنّ التنمية المستدامة التي تسعى إلى تحقيق حاجات الشعوب المغاربية، حاضراً وتأمين استمرارها مستقبلاً، بما هي نمط ثقافي له أبعاد اجتماعية واقتصادية وبيئية ومؤسساتية، تواجه اليوم تحديات وعقبات على مستوى ثقافة التنمية السائدة وعلى مستوى المؤسسات وإدارة الشؤون العامة في الدول المغاربية. وبالرغم من أنّ البنك الدولي هو أحد منابر الليبرالية المتوحشة فإنّ بعض اقتراحاته لا تخلو من الفائدة لإنجاز تنمية مستدامة تساعد على التعاطي المجدي مع مشكلة الفقر، مثل استراتيجيته التي أعلنها في بداية الألفية الثالثة، التي تعتمد على ثلاثة مبادئ: أولها، تعزيز إتاحة الفرص بتوفير الوظائف والائتمان والطرق والكهرباء والأسواق والمدارس والمياه والصرف الصحي والخدمات الصحية. وتتضمن مشروعات تعزيز الفرص أيضاً المساواة وتشجيع الاستثمار ومكافحة الفساد والعدل وسيادة القانون والشفافية وتكوين بيئة أعمال واضحة والتصدي للبيئة القائمة على الرشوة والاحتكار وتشجيع المؤسسات الصغيرة وحمايتها. وثانيها، تمكين الفقراء من المشاركة في العمليات السياسية واتخاذ القرارات على المستوى المحلي، وإزالة الحواجز الاجتماعية القائمة على الجنس أو العرق. وثالثها، الأمن الاقتصادي والأمن من الكوارث والمرض والعنف وإدارة مخاطر الصدمات التي يتعرض لها الاقتصاد والفقراء. واستناداً إلى المقدمات السابقة أقترح المداخل التالية للتعاطي المغاربي المجدي مع مشكلة الفقر: (1) – عدم الفصل التعسفي بين السياسة والاقتصاد إنّ المسألة ذات التأثير البالغ على مستقبل التنمية المغاربية تتمثل في عدم الفصل التعسفي بين السياسة والاقتصاد، فالكثير من أسباب فشل التنمية يعود إلى الوهم بإمكان تعجيل التنمية الاقتصادية في غياب تحرك واضح في اتجاه التحديث السياسي. وثمة قضية هامة أخرى تتمثل في الموقف من القطاع العمومي، إذ أننا نعتقد أنّ أية تنمية مغاربية ناجحة في المستقبل مرهونة بالمحافظة على دور هذا القطاع في الاقتصاد الوطني، خاصة في المشاريع الاستراتيجية. إذ أنه لابدَّ من تدخل قوي لسلطة الدولة في وضع المعايير والقوانين والسياسات، وفي جمع الموارد المالية وتوزيعها، وفي إعداد البرامج الاجتماعية ومراقبتها من أجل ضمان الرفاهية للشعوب المغاربية والحدِّ من مشكلة الفقر. ومما لاشك فيه أنّ تحقيق هذه المرونة، على الصعيد الاقتصادي، مستحيلة دون إطار سياسي ديمقراطي تعددي، يساعد على إطلاق مبادرات الشعوب المغاربية لإعادة بناء الإقليم المغاربي على أسس عصرية. لقد أثبتت ثورة الكرامة والحرية في تونس أنّ المسألة ذات التأثير البالغ على التنمية الشاملة تتمثل في عدم الفصل التعسفي بين السياسة والاقتصاد، إذ أنّ المقاربة التنموية، طوال العهد البائد، كانت تفتقد إلى مؤسسات ديمقراطية تمكّن المواطنين التونسيين من المشاركة في صياغة مستقبل وطنهم والمفاضلة، بحرية ووعي واستقلالية، بين الخيارات التنموية المتاحة وطرق ووسائل بلوغها، وبالتالي إجراء مفاضلة صحيحة بين الأعباء والمردودية المتوقعة لكل من هذه الخيارات. وكان من نتيجة ذلك تهميش الفقراء وعدم اعتبارهم جزءاً من اقتصاد السوق، حيث لم يجدوا حظهم لا في سوق العمالة، الذي يقع أغلبه تحت رقابة الدولة، ولا في إنشاء مشاريع خاصة بهم، وبذلك لم يكن بإمكانهم أن يصبحوا أعضاء منتجين في المجتمع (2). (2) – إعادة صياغة توجهات ومسار التنمية المغاربية إنّ الموقف الإجمالي في الإقليم المغاربي بعيد تمام البعد عن كونه مُرضياً، حيث يعتمد اقتصاد الجزائر على صادرات النفط والغاز، التي تتأثر بأسعار العرض والطلب في السوق العالمية. كما يعتمد اقتصاد المغرب على الإنتاج الزراعي، الذي يتأثر بالطقس على نحو واضح، والتحويلات المالية من المغتربين. بينما تعتمد تونس على الطلب من قِبَل المستهلك الأوروبي وعلى السياحة. ومن الملاحظ أنّ الدول المغاربية شديدة المركزية، وقد أدى الإفراط في المركزية - في السياسة والتنمية - إلى جعل الجهات الداخلية أطرافاً هامشية وضعيفة التنمية. مما يفرض عليها تبنِّي استراتيجية إقليمية للتنمية، قادرة على إقامة بنى تحتية متطورة تربط بين العواصم والمدن الداخلية والحدودية بعضها ببعض، وتفسح في المجال لولادة أقطاب تنموية أساسية. الأمر الذي يتطلب تغييراً جذرياً في نمط إدارة الدولة والمجتمع، بين المركز والأقاليم، أي نحو تحقيق اللامركزية السياسية والإدارية، أي تطوير الديمقراطية التشاركية. إنّ المطلوب من الدول المغاربية، للتعاطي المجدي مع التحديات التنموية، أن تعيد صياغة توجهات ومسار التنمية المغاربية، بما يساعدها على الاستفادة المتبادلة من الإمكانيات والموارد المتوافرة لديها ككتلة إقليمية قادرة على الاستمرار والتواصل، وتطوير التعليم التكنولوجي وتضييق الهوة ما بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل وفقاً للتطور العلمي والتكنولوجي، وهذا يتطلب توفير بيئة سياسية وأمنية مناسبة مستقرة، تحمي الطبقات الفقيرة وتحفظ حقوق الإنسان الأساسية وتلتزم بقيم العدل والمساواة وتحفظ استقلال الوطن وأمنه وتؤمِّن مستقبله ومستقبل أجياله. كما يتطلب تنسيق التشريعات المالية والاقتصادية وفتح الحدود أمام التجارة البينية، وإنشاء سوق استهلاكية مشتركة تزيد جاذبية المنطقة في مجال استقطاب الاستثمارات الأجنبية، تؤدي على المدى المتوسط إلى تعزيز تكامل اقتصادي حقيقي بين دول المنطقة، تقلِّص تبعيتها الخارجية وتوفِّر لديها سيولة أكبر للإنفاق على التنمية. خاصة أنّ المنطقة تملك شروط التكامل بين الطاقة والزراعة والمعادن والسياحة والصناعة والخدمات، ما يجعلها مستفيدة من الوضع الدولي بسبب موقعها الجغرافي وانفتاحها الثقافي في الفضاء الأورو - متوسطي. وفي الواقع يمكن للدول المغاربية، إذا رغبت وصممت، أن تغيّر الوضع القائم وتقود المسيرة نحو تحقيق الأهداف المرجوة بتبنّي إدارة حكم جيدة، وسياسات إصلاح عادلة لصالح الفقراء والطبقات الوسطى، وإدارة موارد نشطة وفاعلة، وتحديد أولويات واضحة ودقيقة للتنمية، وتبنّي برامج الإصلاح الاقتصادي القادرة على خلق فرص عمل تمتص الداخلين إلى سوق العمل، وتستقطب نسباً متزايدة من صفوف العاطلين عن العمل، ومعالجة الفجوات بين المدن والأرياف. إنّ نجاح الخطط التنموية المغاربية ومواجهة تحديات العولمة واقتناص فرصها، تتطلب توفير شروط كثيرة، تأتي في مقدمتها توفير مؤسسات ديمقراطية تمكّن المواطنين المغاربيين من المشاركة في صياغة مستقبل أوطانهم. مما يتطلب ضرورة الانطلاق من الأهداف والمنطلقات التالية (3): * رفع مستوى الأداء الاقتصادي، أي رفع مستوى الإنتاجية وزيادة حجم الإنتاج القومي، ضمن نمط قطاعي متوازن قدر الإمكان. * إتاحة المزيد من السلع والخدمات التي تلبِّي الحاجات الأساسية للشعوب المغاربية. * توفير فرص العمالة المنتجة ومحاولة خفض البطالة، المكشوفة والمقنّعة، وتعبئة المزيد من الموارد البشرية بما يؤدي إلى تأمين المزيد من القدرة الشرائية في يد العدد الأكبر من المواطنين المغاربيين. * إصلاح نمط توزيع الدخل داخل الأقطار المغاربية. * تقليص الفجوة التنموية بين الدول المغاربية. * تطوير قدرة البيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية، بحيث تستطيع أن توفر للاقتصاد الأفكار والمعارف والمواقف والمؤسسات الضرورية للتحرك الاقتصادي بكفاءة، بحيث يكون نموه وتحسن أدائه متواصلاً. * بمواكبة كل ذلك تحقيق مشاركة شعبية واسعة، واتخاذ القرارات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتصلة باستراتيجيات وسياسات التنمية. إنّ التنمية المستدامة لا سبيل إليها إلا بتفعيل المفهوم الشمولي للتنمية، خاصة ضرورة التنسيق بين أبعاد التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك تنمية الموارد البشرية وتأهيل رأس المال البشري، علمياً ومهنياً، عبر سلسلة من الحزم التدريبية المتخصصة، حتى يمكن تلبية احتياجات سوق العمل والقضاء على البطالة والتضخم، وهما من المؤشرات الدالة على بطء الحراك التنموي في أي مجتمع. لقد كان " التمكين القانوني للفقراء " عنوان ندوة مثيرة انعقدت في الجزائر على هامش ندوة منتدى الفكر العربي السنوية والتي التأمت تحت عنوان: " التربية والمواطنة " في العام 2010 استكمالاً لندوته حول المواطنة التي انعقدت في الرباط في العام 2008، ولا شك أنّ هناك علاقة عضوية بين الفقر والمواطنة، فلا تستقيم المواطنة وتأخذ أبعادها الإنسانية، باستمرار تفشِّي ظاهرة الفقر، الأمر الذي يجعل من تعظيم قدرة الفقراء على التمكين القانوني لتحرير أنفسهم، من خلال تحرير المجتمع، وفي إطار مواطنة متساوية وعدم تهميشهم أو إقصائهم، ذلك أنّ المواطنة تعني فيما تعنيه تحقيق مجتمع يقوم على مبادئ المساواة، لاسيما في تكافؤ الفرص، ويقوم على العدالة والمشاركة، وفي إطار من الحرية التي لا غنى عنها لتحرير الفقراء ووضع أسس قانونية لتخليصهم من وباء الفقر (4). ولعله من المفيد التركيز على العناصر الأساسية التالية كمؤشرات للتنمية: * التنمية عملية وليست حالة، وبالتالي فإنها مستمرة ومتصاعدة، تعبيراً عن تجدد احتياجات المجتمع وتزايدها. * التنمية عملية مجتمعية، يجب أن تساهم فيها كل الفئات والقطاعات والجماعات، ولا يجوز اعتمادها على فئة قليلة أو مورد واحد. * التنمية عملية واعية، وهذا يعني أنها ليست عملية عشوائية، وإنما عملية محددة الغايات، ذات استراتيجية طويلة المدى، وأهداف مرحلية ومخططات وبرامج. * التنمية عملية موجَّهة بموجب إرادة تنموية، تعي الغايات المجتمعية وتلتزم بتحقيقها، وتمتلك القدرة على تحقيق الاستخدام الكفء لموارد المجتمع، إنتاجاً وتوزيعاً، بموجب أسلوب حضاري يحافظ على طاقات المجتمع. * إيجاد تحوّلات هيكلية، وهذا يمثل إحدى السمات التي تميّز عملية التنمية الشاملة عن عملية النمو الاقتصادي. وهذه التحوّلات - بالضرورة - تحوّلات في الإطار السياسي والاجتماعي، مثلما هي في القدرة والتقنية والبناء المادي للقاعدة الإنتاجية. * بناء قاعدة وإيجاد طاقة إنتاجية ذاتية، وهذا يتطلب من عملية التنمية أن تبني قاعدة إنتاجية صلبة وطاقة مجتمعية متجددة لم تكن موجودة قبلاً. وأن تكون مرتكزات هذا البناء محلية ذاتية، متنوعة، ومتشابكة، ومتكاملة، ونامية، وقادرة على التعاطي مع التغيّرات في ترتيب أهمية العناصر المكوِّنة لها، على أن يتوفر لهذه القاعدة التنظيم الاجتماعي السليم، والقدرة المؤسسية الراسخة، والموارد البشرية المدربة والحافزة، والقدرة التقنية الذاتية، والتراكم الرأسمالي الكمي والنوعي الكافي. * تحقيق تزايد منتظم، بمعنى أنه ينبغي أن يكون تزايداً منتظماً عبر فترات زمنية متوسطة وطويلة، وقادراً على الاستمرار في المدى المنظور، وذلك تعبيراً عن تراكم الإمكانيات واستمرارية تزايد القدرات وإطلاق الطاقات وتصاعد معدلات الأداء المجتمعي، وليس تعبيراً عن تغيّرات متأرجحة تلقائية المصدر غير متصلة السبب. * زيادة في متوسط إنتاجية الفرد، وهذا يمكن التعبير عنه بالمؤشر الاقتصادي المعروف " تزايد متوسط الدخل الحقيقي للفرد " إذا ما أخذ بمعناه الصحيح، وإذا ما توفرت له إمكانية القياس الصحيح. * تزايد قدرات المجتمع الاقتصادية والتقنية والثقافية والسياسية هو الوسيلة لبلوغ غاياته، وهذا التزايد الذي يجب أن يكون متصاعداً، يجب في الوقت نفسه أن يكون بالقدر النسبي المقارن بالنسبة للمجتمعات الأخرى. * الإطار الاجتماعي - السياسي، ويتضمن آلية التغيير وضمانات استمراره. ويتمثل ذلك في نظام الحوافز القائم على أساس الربط بين الجهد والمكافأة، إضافة إلى تأكيد انتماء الفرد لمجتمعه من خلال تطبيق مبدأ المشاركة بمعناها الواسع، وكذلك جانب العدالة في توزيع ثمرات التنمية وتأكيد ضمانات الوجود الحيوي للأفراد والجماعات، وللمجتمع نفسه. فهذه الجوانب، بالإضافة إلى كونها تمثل أهداف التنمية، هي في الوقت نفسه مصدر قوة وسائلها وفاعلية وكفاءة أدائها. ويتعلق الأمر بمقاربة مغاربية قوامها تمكين المواطنين من المساهمة في بلورة حلول ملائمة لمشكلاتهم المتعلقة بتلبية حاجياتهم الأساسية وكذا بآلياتهم وأنماطهم الإنتاجية، في نطاق وضعهم كمسؤولين عن اتخاذ القرارات وتفعيلها ومتابعتها. من هنا يصبح المشروع التنموي تلقائياً مدرسة للديمقراطية، تتعلم فيها الدولة وأجهزتها مراجعة أساليبها في اتجاه آفاق أوسع للشراكة، ويتعلم فيها أفراد الجماعة إنضاج شخصية جماعية مستقلة ومبادرة مستعدة للاضطلاع بمسؤوليات التغيير الاجتماعي والانخراط في تشخيص، وتحليل، وتقييم المعوّقات والمؤهلات، واتخاذ قرارات أو اختيار حلول معينة تجاه المشروعات التنموية المقترحة. إنها مقاربة بديلة تقترح الطرق والأساليب التي تساعد الجماعات على التدبير الذاتي وعلى الفهم والشعور بامتلاك مشاريع التنمية التي ستحدث تغييرات دائمة في حياتها. إنّ مقاربة من هذا النوع تضع الكائن البشري في مركز الاهتمام قائداً للمشروع وموضوعاً له، بحيث يحضر في جميع مراحل تدبير مشاريع وبرامج التنمية، من التشخيص والتحليل إلى التخطيط والتنفيذ إلى التتبع والتقويم. كما أنّ هذه المقاربة، التي تبنتها مجمل المنظمات الدولية الناشطة في المجال التنموي، تسمح بتقليص مساحات الإقصاء الاجتماعي من خلال الأخذ بعين الاعتبار حاجيات وتطلعات الجماعات الأكثر هشاشة، من قبيل المرأة وذوي الاحتياجات الخاصة والطبقات الفقيرة. بعض المراجع: 1 - د. إمحمد مالكي: هل الفقر قابل للقياس؟ - صحيفة " أوان " الكويتية - 22 يونيو/حزيران 2009. 2 - د. عبدالله تركماني: المنظور التنموي للدرس التونسي – صحيفة " المستقبل " اللبنانية – 21 فبراير/شباط 2011. 3 - د. عبدالله تركماني: جدل التنمية والديمقراطية في المغرب العربي – في الأصل ورقة قُدمت في إطار المؤتمر 26 لمنتدى الفكر المعاصر حول " المجتمعات المدنية والديمقراطية والباحثون العاملون من أجل نظام مغاربي في القرن الحادي والعشرين "، بدعوة من " مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات " بتونس، في الفترة من 23 إلى 25 أكتوبر/تشرين الأول 2008. ونُشرت في الكتاب الصادر عن المؤسسة في أبريل/نيسان 2009 تحت عنوان " دور المجتمعات المدنية في النظام المغاربي الجديد في القرن 21 ". 4 - د. عبد الحسين شعبان: هل يحتاج الفقراء إلى التمكين القانوني ليتخلصوا من آفة الفقر؟ - موقع " الحوار المتمدن " – 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2010. تونس في 24/11/2015 الدكتور عبدالله تركماني باحث استشاري في الشؤون الاستراتيجية (*) – مقاربة قُدِّمت في ندوة " الفقر والفقراء في المغرب العربي " بدعوة من " المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات – فرع تونس " خلال أيام 26 و 27 و 28/11/2015.
#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دور الثقافة السياسية في تعثّر الديمقراطية في الفضاء المغاربي
...
-
دور الثقافة السياسية في تعثّر الديمقراطية في الفضاء المغاربي
-
لماذا انتصر - العدالة والتنمية - في الانتخابات التركية ؟
-
الشباب وسياسات التشغيل العربية: مقاربة نقدية
-
الحوار الليبي تحت ضغط السلاح
-
الأمم المتحدة وتحديات الأمن والسلم الدوليين
-
المسيحيون والمواطنة في المشرق العربي (3 - 3)
-
المسيحيون والمواطنة في المشرق العربي (2)
-
المسيحون والمواطنة في المشرق العربي
-
روسيا وأقتعتها المكشوفة في الحالة السورية
-
واقع ليبيا وسيناريوهات المستقبل
-
هل ينجح ديمستورا في تغيير قواعد الحل السياسي في سوريا ؟
-
حول المعطيات المستجدة لفوضى الحالة السورية
-
الاستبداد في مواجهة الثورة السورية
-
أي آفاق للثورة السورية ؟
-
سورية مقبلة على التغيير .. ما مضمونه ؟
-
جردة حساب للثورة السورية وآفاقها
-
توصيف أولي لسلطة آل الأسد وتفاعلاتها
-
خيار سلطة آل الأسد أم خيار الشعب السوري ؟
-
سلطة آل الأسد تهرب إلى الأمام
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|